قوة الحجاب التعبيرية...انزعاج أوروبي وتسامح ألماني

سمحت محكمة العدل الأوروبية (في قرار أصدرته في مارس/ آذار 2017) بفرض حظر على ارتداء الحجاب في أماكن العمل، إذا أراد رب العمل ذلك. وبهذا القرار فقد منحت هذه المحكمة أرباب العمل والشركات حرية أكثر مما منحته لحرية العقيدة والحرية الشخصية، مثلما يرى الصحفي هيربرت برانتل في تعليقه التالي، مشيراً إلى تصادم ثقافتين قانونيتين فيما يتعلق بالحجاب الإسلامي: ثقافة الحظر في محكمة العدل الأوروبية المتأثرة باللائكية الفرنسية، وثقافة التسامح العلمانية في المحكمة الدستورية الألمانية.

الكاتبة ، الكاتب: Heribert Prantl

لا يكاد بالإمكان المبالغة في تقدير أهمية قرارات محكمة العدل الأوروبية الخاصة بالحجاب. فهذه قرارات ريادية ضدَّ الحرِّية الدينية. وهذه القرارات تسعى إلى منع المجاهرة بالدين في أماكن العمل بقدر المستطاع. وهي تهدف إلى التمكين من منع الحجاب في أمكان العمل.

لقد صاغ القضاة الشروط الأساسية لفرض الحظر بصيغة ليس من الصعب تحقيقها. وهذا يعني: نادرًا ما سنشاهد في المستقبل نساء محجبَّات يعملن على صناديق الدفع في السوبرماركت وفي مكاتب الاستقبال في الفنادق والشركات، وذلك لأنَّ أعراف وتقاليد مجتمع الأكثرية ستفرض إرادتها. ومن الممكن أن يؤدِّي هذا إلى إبعاد النساء المسلمات من سوق العمل.

ثقافة الحظر في لوكسمبورغ  مقابل ثقافة التسامح في كارلسروِه

القرارات الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية (في لوكسمبورغ) تتعامل مع ارتداء الرموز السياسية والفلسفية والدينية بشكل عام تمامًا، أي أنَّها تنطبق على جميع الأديان والمعتقدات؛ ومن الناحية العملية هذه القرارات مهمة في المقام الأوَّل بالنسبة للأشخاص الملتزمين بالإسلام. والسبب؟ نادرًا ما يتم ارتداء الكِبَّة اليهودية "الكيباه" في مكان العمل. وكذلك لم يعد يجد المرء رجالاً أو نساءً  بزيِّ الرهبنة حتى في المستشفيات المسيحية؛ والصلبان التي يتم ارتداؤها كمجوهرات في مكان العمل، نادرًا ما تتم  ملاحظتها من قبل الناس. ولكنهم يلاحظون الحجاب.

ولذلك فإنَّ الأمر يتعلق هنا بقطعة صغيرة من القماش؛ وقطعة القماش هذه لا تُغطي الوجوه، ولا تستخدم من أجل إخفائه؛ بل هي مجرَّد رمز. غير أنَّ هذا الرمز تم شحنه في الأعوام الأخيرة بمعانٍ كبيرة. وعلى هذا بالذات جاء ردُّ قضاة محكمة العدل الأوروبية. وهؤلاء القضاة لا يسألون كيف حدث هذا التطوُّر. بل يثبتون أنَّه موجود هكذا.

والحجاب لديه قوة تعبيرية، وهذا شيء إيجابي بالنسبة للبعض وسلبي بالنسبة للآخرين.

Kopftuch tragende Musliminnen in Frankfurt am Main; Foto: dpa/picture-alliance
Verbotskultur versus Toleranzkultur: Einer Muslimin darf bei der Arbeit unter bestimmten Bedingungen das Kopftuch verboten werden. Allerdings darf ein solches Verbot nicht nur auf Symbole des muslimischen Glaubens zielen und auch nicht einfach deshalb verfügt werden, weil sich Kunden an dem Kopftuch stören. Das geht aus den beiden am Dienstag in Luxemburg verkündeten Urteilen des Europäischen Gerichtshofs zu Fällen in Frankreich und Belgien hervor. In beiden Fällen waren die Frauen muslimischen Glaubens wegen ihres Kopftuchs entlassen worden. Die Luxemburger Richter hatten zu urteilen, ob dies mit dem EU-Recht zusammenpasst.

والقضاة يوافقون على أنَّه إذا تم اعتبار هذه القوة التعبيرية أمرًا مزعجًا في المحلات والشركات الخاصة، فعندئذ يجب أن يكون من الممكن إبعاد هذا الازعاج. وبحسب هذه القرارات يمكن للمرء إعادة صياغة الجملة التي كتبها أناتول فرانس ذات مرة: "القانون في جلالة مساواته"، مثلما كتب هذا الشاعر قبل مائة وعشرين عامًا: "يحظر على الأغنياء وكذلك على الفقراء النوم تحت الجسور والتسوُّل في الشوارع وسرقة الخبز".

وبعد إصدار قرارات محكمة العدل الأوروبية يمكن اليوم إعادة صياغة هذه الكلمات على النحو التالي: القانون في جلالة مساواته يحظر على المسيحيين والملحدين والمسلمين على حدّ سواء ارتداء الحجاب. وبالنسبة لقضاة محكمة العدل الأوروبية يتمثَّل الأمر الحاسم في حرِّية أرباب العمل والشركات، التي اعتبروها مهمة أكثر من حرية الدين.

الضغط على قضاة المحكمة الدستورية الألمانية

تم تبرير قرارات محكمة العدل الأوروبية بمبرِّرات نظيفة؛ وهذه القرارات تأثَّرت بالمفهوم الفرنسي للعلمانية، الذي يعتبر الدين مسألة خاصة؛ كما أنَّ هذه القرارات تتماشى مع روح العصر الجديدة -التي لا تمُتُّ بصلة للموضوع من الناحية القانونية، غير أنَّها مهمة لتلقيها- والمائلة إلى تصوير الإسلام على أنه دين مزعج.وروح العصر هذه المبتعدة عن ليبرالية المجتمعات الأوروبية، التي كانت فخورة بها في السابق، تأتي كردة فعل على الإسلاموية وعلى الشعور المنتشر لدى الأوروبي بأنَّ وطنه بات غريبًا. وبالنسبة للكثيرين أصبح الحجاب رمزًا يشير إلى ذلك. وروح العصر هذه لم تقم مباشرة بصياغة قرارات محكمة العدل الأوروبية؛ بيد أنَّها رحَّبت بها، لأنَّها تريد على هذا النحو أن تتصدى لما يزعجها.

فيما يتعلق بالحجاب يصطدم الآن مساران وثقافتان قانونيَّتان مع بعضهما في ألمانيا: ثقافة الحظر الجديدة الخاصة بمحكمة العدل الأوروبية، وثقافة التسامح الخاصة بالمحكمة الدستورية الألمانية، التي تؤيِّد حرية الدين. ونتيجةُ ذلك ستكون على النحو التالي: في المدارس الألمانية (التي قرَّرت بشأنها المحكمة في كارلسروه) يعتبر الحجاب مسموحًا أكثر مما عليه الحال في المحلات والشركات الخاصة (التي قرَّرت بشأنها المحكمة في لوكسمبورغ).

[embed:render:embedded:node:23718]

وفي عام 2015 ألغت المحكمة في كارلسروه حظرها الشامل المفروض على الحجاب من عام 2003 وقبلت بالحجاب للمعلمات، طالما لم يكنّ يسعين إلى تلقين التلاميذ. فهل انتهكت الدولة بهذا حياديتها الدينية؟ لا، مثلما قال قضاة المحكمة الدستورية الألمانية، وصحيح أنَّ الحيادية تمنع الدولة بصفة عامة من تعليق الصلبان في غرف مدارسها ومكتبها - غير أنَّ الحيادية لا تسمح للدولة بأن تنتزع الحجاب من رؤوس موظفيها والصليب من أعناقهم.

والمدرسة - مثلما كان جوهر قرار محكمة كارلسروه - ليست مكانًا سريريًا، بل هي مكان يتعلم فيه الأطفال ويمارسون فيه المجتمع. لقد كان هذا قرارًا نبيلاً، يمكن أن يبعث على الفخر في ليبرالية مجتمعية معزَّزة من الناحية القانونية؛ ولكنه كان أيضًا قرارًا فرض مطالبَ كبيرة على المدارس والمعلمين وكذلك على التلاميذ وأولياء الأمور.

وبعد قرارات محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ سوف يزداد الضغط على المحكمة الدستورية الألمانية في كارلسروه من أجل اتِّخاذ قرارات أكثر صرامة. ولكن مع ذلك يبقى الأمل من دون ريب معقودًا على أن تزداد بدلاً من ذلك مرة أخرى مساحةُ التسامح والقبول واحترام الآخر.

 

هيربرت برانتل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ /  موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de