حملة تشهير عدائية ضد منقذي الأرواح السورية

في سوريا، قتل جماعي أمام أعين الرأي العام العالمي. في حين يتعرض منقذو المدنيين -ومنهم أفراد الدفاع المدني السوري "أصحاب الخوذ البيضاء"- لحملة دعائية عدائية لا توصَف بكلمات تعبيرية، في سابقة لم تحصل حتى في الحرب العالمية. وبدل عرض الحقائق، تبرز أخبار مزيفة وكثير من السخرية واللاإنسانية. عمران فيروز يكشف لموقع قنطرة أبواقا إعلامية متجنية على الدفاع المدني السوري الناشط في مناطق المعارضة السورية.

الكاتبة ، الكاتب: Emran Feroz

وكأنّ الرعب في منطقة الغوطة الشرقية في سوريا لن ينتهي أبدًا، أصبح القصف وغارات نظام الأسد جزءًا من حياة الأهالي اليومية في هذه المدينة المحاصرة. في كلِّ يوم ترتوي الأرض بدماء الأبرياء. ونتيجة لذلك من الممكن أن يصبح الجميع هدفًا للقصف: النساء والأطفال والصحفيون والأطباء وغيرهم من المدنيين.

لا يمكن أن تكون هناك روايات أكثر فظاعة من الروايات القادمة من مستشفيات الغوطة الشرقية. في كلّ يوم هناك آباءٌ وأمَّهات يبحثون عن أطفالهم القتلى أو أطفالٌ يبحثون عن آبائهم وأمَّهاتهم القتلى. وبينما يغضُّ العالم الطرف، تتم إبادة الغوطة الشرقية. فنظام الأسد لا يريد شيئًا آخر. لذلك فإنَّ هذه الجريمة الكبيرة ضدَّ الإنسانية باتت تتم مقارنتها من قِبَل بعض المراقبين بقصف مدينة غرنيكا الإسبانية أو بمذبحة سربرنيتشا البوسنية.

ولكن مع ذلك هناك أشخاص يواجهون هذه الوحشية في الغوطة الشرقية. كلَّ يوم، ينقذ أصحاب الخوذ البيضاء السوريون حياة الكثير من الناس. يُحذِّرون الناس ويعملون على إجلائهم وإنقاذهم من تحت الأنقاض ويقدِّمون لهم الإسعافات الأولية، النادرة الوجود في العادة. وفي جميع الحالات يخاطرون بحياتهم الخاصة. فقد لقي الكثيرون من أصحاب الخوذ البيضاء مصرعهم في عمليات القصف.

Mitarbeiter der Weißhelme im kriegszerstörten Ost-Ghuta am 23. Februar 2018; Foto: AFP/Getty Images
„Die Hölle auf Erden“: Von manchen Beobachtern wird das kolossale Verbrechen gegen die Menschlichkeit in Ost-Ghuta bereits mit dem spanischen Guernica oder dem bosnischen Srebrenica verglichen. Trotz der vereinbarten Waffenruhe dauert die Gewalt in dem syrischen Rebellengebiet den UN zufolge an. Rund 400.000 Menschen sind dort fast vollständig von der Außenwelt abgeschnitten. Die humanitäre Lage ist Helfern zufolge dramatisch, auch weil seit Monaten kaum noch Hilfskonvois in das Gebiet kommen. Die Opposition wirft der Regierung vor, Ost-Ghuta aushungern zu wollen.

والآن أصبح الدفاع المدني العامل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية مشهورًا عالميًا. ومن أجل تكريمه أُخرجتْ أفلامٌ ومنحت جوائزُ، من بينها جائزة أوسكار وتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام. حتى وإن كانت هذه الأشياء لم تغيِّر في الواقع السوري سوى القليل أو حتى لم تغيِّر فيه أي شيء، فمن الواضح على الأقل أنَّ أصحاب الخوذ البيضاء يحظون لدى الكثيرين في العالم بقدر كبير من الإعجاب والتقدير على عملهم وشجاعتهم، ولكن ليس لدى الجميع.

التشهير بهم كـ"إرهابيين"

منذ ظهور الخوذ البيضاء تنتشر الكثير من الإشاعات والأكاذيب ونظريَّات المؤامرة حول هذه المنظمة. من الواضح أنَّ أصحاب الخوذ البيضاء، الذين يعتبرون أوَّل المستجيبين في حالات الطوارئ، قد أصبحوا بمثابة الشوكة في حلق العديد من الأطراف الفاعلة. فمثلًا تنتشر بصورة خاصة إشاعةٌ تتَّهم أصحاب الخوذ البيضاء بأنَّهم "إرهابيون" يفعلون شيئًا مشتركًا مع تنظيم القاعدة وتنظيم "الدولة الإسلامية" أو مع أية جماعة متطرِّفة أخرى.

وهذا الادِّعاء يتم نشره باستمرار ليس فقط من قِبَل الديكتاتور السوري بشار الأسد وحلفائه في موسكو وطهران، بل حتى من قِبَل العديد من المواقع الإخبارية البديلة في المناطق الناطقة باللغة الإنكليزية والألمانية.

كذلك تقوم العديد من وسائل الإعلام، التي تعتبر نفسها بأنَّها "يسارية" أو "معادية للإمبريالية"، بمهاجمة منظمة الخوذ البيضاء. وبدلًا من الحديث حول جرائم الأسد، فإنَّ هذه الوسائل الإعلامية تفضِّل تشويه سمعة فرق الإنقاذ، التي تطوَّرت الآن إلى حدّ كبير.

وذلك لأنَّ أصحاب الخوذ البيضاء كانوا من بين القليلين، الذين عملوا على توثيق الفظائع المرتكبة في المناطق التي تتم مهاجمتها من قِبَل جيش الأسد وحلفائه. لا يروق للكرملين الروسي وجود شخص ما لا ينقذ فقط الأرواح بل يكشف أيضًا عما يرتكبه الجيش الروسي من جرائم حرب. ولهذا السبب فإنَّ القناة الروسية الرسمية "روسيا اليوم" تُعتبر منذ البداية واحدةً من وسائل الإعلام الجبارة، التي تواجه أصحاب الخوذ البيضاء وتُشهِّر بهذه المنظمة بشكل منتظم.

وفي هذا الصدد اشتهر بشكل خاص شريط فيديو للمدوِّنة [والصحفية الكندية] إيفا بارتليت، عرضت فيه حقائقَ مزعومة على هامش مؤتمر صحفي تم عقده في مقر الأمم المتَّحدة مع بعض الإخراج الخطابي. ولكن في الحقيقة لقد كانت هذه الحقائق مجرَّد تصوير رسمي للأحداث من جانب النظام في دمشق. ولا عجب من ذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار "المسيرة المهنية" لإيفا بارتليت: ففي السنوات الأخيرة أقامت عدة مرَّات في المناطق الخاضعة للنظام، حيث كانت تقف بجانب الجنود ولم تكن تخفي إعجابها بأجهزة نظام الأسد.

فانيسا بيلي على شاشة قناة روسيا اليوم الروسية.
Der Assad'schen Propaganda treu zu Diensten: Beeley, die regelmäßig für das Verschwörungsportal "21st Century Wire" publiziert, gehört mittlerweile zu den prominentesten "Kritikern" der Weißhelme. Vor Kurzem meinte sie abermals, dass Bombenangriffe auf die Helfer legitim seien, da es sich bei ihnen um "Terroristen" handele. Journalisten und etablierte Medien bezichtigt sie regelmäßig der Verbreitung von "Regime-Change-Propaganda".

أخبار مزيَّفة من بارتليت وبيلي وشركائهما

وحتى الآن تم عدة مرَّات دحض فيديو إيفا بارتليت، الذي حقَّق "انتشارًا كبيرًا". بيد أنَّ الأكاذيب التي تنشرها لا تزال منتشرة حتى يومنا هذا. وحتى في أيَّام استعار الجحيم في منطقة الغوطة الشرقية، يستند الكثيرون من مستخدمي فيسبوك على شهادات إيفا بارتليت ضمن منشورات من مواقع إخبارية شهيرة. تقول إيفا بارتليت إنَّ الجميع -سواء قناة سي إن إن أو مجلة دير شبيغل الألمانية أو قناة الجزيرة- ينشرون "أخبارًا مزيفة". وإنَّ الأسد وقناة روسيا اليوم فقط على حقّ.

ربَّما يمكن القول إنَّ أكبر مساهمة في هذه الحملة الدعائية قدَّمتها فانيسا بيلي، وهي واحدة أخرى من مروِّجي الدعايات المحيطين بالأسد. وفانيسا بيلي، التي تنشر بانتظام في الموقع المورِّج لنظرية المؤامرة "توينتي فيرست سينتشري واير" (21st Century Wire)، أصبحت الآن واحدةً من أبرز "منتقدي" الخوذ البيضاء. وقبل فترة قصيرة قالت مرة أخرى إنَّ الغارات على عمَّال الإنقاذ السوريين أصحاب الخوذ البيضاء مشروعة، وذلك لأنَّهم عبارة عن "إرهابيين". كما أنَّها تتَّهم باستمرار الصحفيين ووسائل الإعلام الراسخة [في المشهد الإعلامي] بنشر "دعاية غرضها تغيير النظام".

إنَّ مَنْ يقرأ سطور فانيسا بيلي يكاد يعتقد أنَّ جميع السوريين، الذين تم التنكيل بهم وتعذيبهم على مدى السنين الأخيرة، هم في الواقع من أكبر مؤيِّدي الأسد. وتقول فانيسا بيلي إنَّ دول الخليج وتركيا وإسرائيل والدول الغربية هي المسؤولة عن الصراع في سوريا. أمَّا فرق الموت التابعة للأسد والميليشيات المدعومة من إيران وإرهاب القصف الروسي - فكلُّ هذا يبدو في عقل فانيسا بيلي المشوَّش وعقول شركائها مجرَّد خرافة، يتم السكوت بشأنها باستمرار أو يتم حولها تلفيق الكذب.

إدارة هجينة للحرب

أظهر استقصاء للبيانات أجرته صحيفة "الجارديان" البريطانية في نهاية عام 2017 أنَّ الدعايات السياسية المنشورة على شبكة الإنترنت ضدَّ الخوذ البيضاء تعود جميعها تقريبًا إلى فانيسا بيلي وإيفا بارتليت. وضمن هذا السياق يتحدَّث الخبراء حول وجود "إدارة هجينة للحرب" تديرها وسائل الإعلام الرسمية الروسية بشكل ممنهج ضدَّ فرق الإنقاذ والعاملين في الإغاثة. كذلك يتم عن عمد تجاهل أنَّ أصحاب الخوذ البيضاء، الذين يتم اتِّهامهم دائمًا بأنَّهم "عملاء للغرب"، قد كشفوا أيضًا عن جرائم حرب ارتكبها الجيش الأمريكي.

وبدلًا من ذلك تتَّسم هذه الاتًّهامات بالإسلاموفوبيا أيضًا. كالقول إنَّ الكثير من أصحاب الخوذ البيضاء ملتحون بلحى طويلة، والنساء كثيرًا ما يكن محجَّبات. وبالنسبة لهؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم كنقَّاد فهذا يكفي من أجل تصنيف عمَّال الإنقاذ على أنَّهم "متطرِّفون" ووضعهم في إناء واحد مع تنظيم القاعدة وشركائه. والباقي تفعله ظلال عصر ما بعد الواقعية [حقبة ما بعد الحقائق].

[embed:render:embedded:node:30415]

كذلك يتم إخفاء جميع التقارير الجادة حول هذه المنظمة، التي يعتبرونها دائمًا في حدِّ ذاتها خاطئة. ويرون أنَّ وراء كلِّ خوذة بيضاء مموِّلين غربيين وشيوخًا خليجيين عديمي الضمير ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) ورجل الأعمال جورج سوروس وغيره من اليهود الأثرياء، أو حتى أسامة بن لادن مثلما فعلت السفارة الروسية في بريطانيا. فحين حصل فيلم وثائقي حول الخوذ البيضاء على جائزة أوسكار في عام 2017، نشرت السفارة الروسية على حسابها في موقع تويتر كاريكاتيرًا يظهر فيه أسامة بن لادن يرتدي خوذة بيضاء.

ولذلك لا غرو في القول إنَّ التشهير، الذي تتعرَّض له منظمة الخوذ البيضاء، لم يسبق أن تعرَّضت لمثله من قبل أية منظمة إغاثة أنقذت أرواح الآلاف من الناس. فحتى أثناء الحربين العالميَّتين كان ينظر إلى عمَّال الإغاثة والإنقاذ على أنَّهم عمَّال إنقاذ وكانوا في أغلب الأحيان بعيدين عن التشهير. غير أنَّ الحرب السورية غيَّرت ذلك أيضًا.

 

 

عمران فيروز

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de