ولي العهد السعودي محمد بن سلمان...أمير البترول

تتحدّث الباحثة كارول نخلة في هذا المقابلة مع مايكل يونغ عن التأثيرات التي قد يخلّفها تعيين محمد بن سلمان وليّاً للعهد على أسواق النفط.

الكاتبة ، الكاتب: مايكل يونغ

كارول نخلة باحثة غير مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. تخصّصت في تطوّرات أسواق النفط والغاز، وسياسات الطاقة، وإدارة عائدات النفط والغاز. تشغل أيضاً منصب مديرة شركة "كريستول للطاقة" Crystol Energy التي أسستها بنفسها في المملكة المتحدة، وهي محاضرة زائرة في مدرسة بلافاتنيك لدراسات الحكم في جامعة أوكسفورد، وفي المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، وفي جامعة القديس يوسف في بيروت، وفي جامعة سوري في المملكة المتحدة. وفي حزيران/يونيو تحدّثت "ديوان" إليها حول الكيفية التي يمكن بها للتطوّرات السياسية الأخيرة في المملكة العربية السعودية، وبخاصة تعيين ولي عهد جديد، أن تؤثّر على سوق النفط في المستقبل القريب.

: في أواخر حزيران/يونيو، تمّ تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد في المملكة العربية السعودية. وهو كان أظهر نشاطاً ملحوظاً في قطاع النفط في المملكة، فكيف سيؤثّر هذا التعيين، برأيك، على أسواق النفط في العام المقبل؟

كارول نخلة:  تصعيد محمد بن سلمان إلى ولاية العهد لم يكن مفاجئاً لأسواق النفط. فتعزيزه سلطتَه كان ملحوظاً منذ تتويج والده الملك سلمان، في الثالث والعشرين من كانون الثاني/يناير 2015، عقب وفاة أخيه غير الشقيق الملك عبدالله.

أعاد الملك سلمان ترتيب النظام الداخلي للحكم في المملكة، ممهّداً الطريق لدور أكثر بروزاً يقوم به الأمير محمد، وبخاصة لجهة تقرير السياسات الاقتصادية (وبالتالي النفطية) للدولة. وقد عُيِّن الأمير محمد، في البداية، ولياً لولي العهد ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي تشكّل حديثا، مع تكليفه بوضع الآليات والتدابير الضرورية لإنجاز رؤية السعودية 2030، وهي خطة طموحة تستهدف خفض اعتماد المملكة على النفط. ويعتقد كثيرون أن الأمير محمد لعب أيضاً دوراً مهماً في تحديد موقع بلاده داخل أوبك.

لكن صعود محمد بن سلمان صادف تحوّلاً أساسياً في أسواق النفط، التي تبدو اليوم شديدة الاختلاف عما كانت عليه قبل سنوات قليلة. فعلى رغم الحروب والتوتّرات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وخفض أوبك إنتاجها، بالتنسيق مع أكبر تحالف خارج أوبك في تاريخ قطاع النفط الحديث، لاتزال أسعار النفط دون 50 دولاراً للبرميل، منذ العام 2015، مقارنةً بسعر 110 دولارات للبرميل قبل ما لايزيد عن أربع سنوات.

وبالتالي، فسوف يكون أقرب إلى المستحيل على بلد واحد، حتى وإن كان منتجاً كبيراً مثل السعودية، أن يغيّر التوّجهات الراهنة. إذ سوف يتعيّن على المملكة أن تحمل عبئاً أثقل بكثير، يتمثّل في عمليات للإنتاج، إذا كانت النية تتجه لرفع أسعار النفط. لكن ذلك سوف تترتب عليه كُلفة مرتفعة أطول أمدا، تتمثّل بفقدان حصتها في السوق. وحتى في هذه الحالة لن يكون النجاح مضمونا.

 ما أوجه الاختلاف التي تميّز محمد بن سلمان عمن سبقوه، في ما يتصل بمعالجة الشؤون النفطية للمملكة؟

نخلة: أوضح أوجه الاختلاف هي أنه يدفع بقوة لتنويع الاقتصاد، بعيداً عن النفط، الذي يُعتبر العمود الفقري للاقتصاد السعودي ومصدر معظم الإيرادات الحكومية وعائدات التصدير.

رؤية 2030 هي خريطة طريق للسياسات والطموحات الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. والمعلقون الدوليون يصفونها بأنها إعادة التنظيم الأكثر جذرية للاقتصاد السعودي منذ قيام المملكة. في الحقيقة، الأهداف التي أعلنتها هي الأكثر شمولية بين كل محاولات التنظيم الاقتصادي التي ظهرت في الشرق الأوسط، أو في أي من الدول النامية المنتجة للنفط. وتشمل هذه الأهداف فرض ضرائب أساسية، مثل ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة، وخفض دعم الطاقة، وتعزيز القطاع العام، ومساندة دور المرأة في الاقتصاد، من جملة أمور أخرى. لكن أهم التحوّلات المُعلنة، هو طرح 5% من أسهم أرامكو السعودية للبيع، وإنشاء أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، وهو الصندوق الذي قد يتفوّق، في نهاية المطاف، على "صندوق التقاعد النرويجي العالمي" Norwegian Pension Fund Global، الذي هو حالياً الأكبر في العالم. هذه الأجندة الشاملة هي التي تجعل مساهمات محمد بن سلمان تختلف عن مساهمات سابقيه.

لكن هذه السُبل لن تكون سهلة أو منخفضة الكلفة. ويقرّ صندوق النقد الدولي بأن "تحوّل الاقتصادات المصدّرة للنفط ليس بالمهمة السهلة وسوف يكون مشروعاً طويل المدى. وسيتطلّب ذلك مواصلة الدفع باتجاه الإصلاح، وتفاهمات تقوم على طول تدبّر". والقول الآن إن هذا هو ما جرى، أو لم يجر، في السعودية لم يزل سابقاً لأوانه، بغض النظر عن سعر النفط.

في وسع المرء أن يلاحظ أيضاً أن استراتيجية المملكة العربية السعودية داخل أوبك تغيّرت في 2014، عندما خرجت المملكة على التقليد القديم وامتنعت عن خفض إنتاج النفط لإرساء نوع من الاستقرار في سوق آخذ في الهبوط. وعوضاً عن ذلك، بدأت المملكة ترفع إنتاجها إلى مستويات قياسية لاستعادة حصتها في السوق من منتجين في الولايات المتحدة وفي بلدان أخرى. وربما ساد اعتقاد حقيقي بأن انخفاض الأسعار قد يكون ملائماً لجهود الإصلاح الاقتصادي. لكن الأسعار المنخفضة تسبّبت بآلام صعُب احتمالها، ومن هنا جاءت الاستراتيجية المعاكسة في كانون الأول/ديسمبر 2016، عندما أعلنت أوبك عن أول خفض لإنتاجها منذ انهيار أسعار النفط في 2014.

إحدى القضايا المحورية، التي جرت مناقشتها في العام المنصرم، تتصل بالطرح العام الأولي لأرامكو السعودية. إلى أي مدى تطوّرت هذه المسألة، وكيف سيؤثّر تعاظم سلطة محمد بن سلمان على النتيجة؟

نخلة : أرامكو السعودية هي كبرى شركات إنتاج النفط في العالم، والأكثر نفوذاً بين الشركات المُنتجة للنفط في العالم. وبالنسبة إلى بلد كان مغلقاً أمام الاستثمار الخاص في قطاع التنقيب عن النفط وإنتاجه لعقود عدّة، فإن الإعلان عن الطرح العام الأولي كان غير متوقّع، إلى حد ما.

كان من المقرر، في البداية، أن يكون الطرح العام الأولي في 2017-2018، في السوق المالية السعودية "تداول". والآن تقضي الخطة بأن يكون ذلك في العام 2018. ويبقى على الحكومة السعودية أن تختار السوق المالية التي ستُدْرَج فيها أرامكو، خارج "تداول"، وما إذا كانت ستُدْرَج في نيويورك أو في لندن.

فكرة الطرح العام الأولي يجري ربطها بمحمد بن سلمان شخصيا، وبالتالي فهو سيبذل كل ما بوسعه لإنجاحها. وسيكون الاختبار الأصعب تقييم الشركة. فبحسب محمد بن سلمان وكذلك وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح، الرئيس التنفيذي السابق لأرامكو، فإن الإدراج قد يفضي إلى قيمة سوقية للشركة تبلغ تريليوني دولار، مايعادل حوالى 11% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وهناك جدل حول موثوقية هذا التقييم، بالنظر إلى الانخفاض الراهن في أسعار النفط، ولأن ماجرى الإفصاح عنه بخصوص الأوضاع الداخلية للشركة قليل للغاية. ويبدو أن التقييم السعودي متفائل، وبخاصة عند مقارنته بشركات نفط وطنية أخرى، وفي ضوء الأحوال الراهنة لأسعار النفط.

هل هناك تخوّف في السوق من أن يكون تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد مصدراً لزعزعة الأمن في المملكة، على نحو قد تكون له تأثيرات سلبية على أسواق النفط؟

نخلة: يتوقّف الأمر على تعريف المرء لما هو سلبي. لامجال للشك في أن محمد بن سلمان لديه أجندة جريئة، لكن ماهو معروف عنه أو عن دائرته الخاصة قليل للغاية. التحوّل الجيلي الكبير في وراثة العرش هو أيضاً أمر غير مسبوق في المملكة. وعلى الأرجح، سيبقى محمد بن سلمان على الخط الأول للسياسات السعودية لبعض الوقت، وقد يبقى طويلاً على العرش، إذا ارتقاه. وبالتالي، فمن المشروع التعبير عن القلق إزاء النتائج والتأثيرات المحتملة لاستراتيجيته، وهي أمور لم تُفْهم على نحو كامل بعد.

يمكن أن تؤثّر السعودية على سوق النفط العالمية، بثلاثة طرق: أولا، بمواصلة الالتزام بالصفقة الراهنة لأوبك، على أمل أن يتمّ امتصاص الفائض في السوق. ومن شأن ذلك أن يتطلّب تباطؤ نمو إمدادات النفط من الدول المنتجة خارج أوبك، فضلاً عن نمو الطلب على النفط وتعزيزه- وهذا أكثر مما يمكن توقعه، على المدى القصير.

ثانيا، عبر التفرّد بمبادرة القيام بخفض إضافي للإنتاج، أو مع إقناع بلدان أخرى بالسير في الاتجاه ذاته. قد يرتفع سعر النفط، لكن السعودية سوف تتعرّض إلى خطر فقدان حصتها في السوق، وهو ما سوف تصعُب استعادته.

وثالثا، من خلال وضع حدّ للنهج الذي ميّز أوبك، وفتح صنبور الإنتاج على كامل قدرته، وزيادة حصتها السوقية إلى حدّها الأقصى. قد تنهار أسعار النفط نتيجةً لذلك، مع بقاء كل شيء آخر على حاله. لكن من المؤكد أن هذه ليست النتيجة المرغوبة، بالنظر إلى ماتشهده المملكة من برامج للإصلاح الاقتصادي وللطرح العام الأولي، في وقت يواجه فيه أيضاً الاقتصاد السعودي صعوبات.

في وسع المرء أيضاً أن يأخذ في الحسبان مخاطر تفاقم التوترات بين كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط- بين السعودية وإيران، في المقام الأول. وفي إطار سيناريو كهذا، قد تستعيد أسعار النفط عافيتها، لكن من دون أن يستفيد منتجو الشرق الأوسط. وحرب العراق وإيران مثال توضيحي مناسب.

في النهاية، حقيقةُ أن إقدام أوبك على خفض إنتاجها لا يبدو أنه رفع أسعار النفط توحي بأن فاعلية المنظمة قد انحسرت بفعل ازدياد إنتاج النفط الصخري. فهل هناك مستقبل لأوبك، وكيف، برأيك، سيعالج محمد بن سلمان هذا الموقف إذا أصبح ملكا؟

نخلة: قد يكون أهم ماترتب على صفقة أوبك التي أُعلن عنها في كانون الأول/ديسمبر 2016، وعلى تمديدها في أيار/مايو 2017، هو استعادة السمعة. فقبل الصفقة، أعلن العديد من المراقبين نهاية أوبك. لكن الصفقة برهنت عن احتفاظ المنظمة بقدرتها على التصرّف ككلٍّ متسق، وعلى الإبقاء على نهجها إلى درجة معينة، على رغم المنافسات (السياسية) بين أعضائها.

تناهز إمدادات النفط من أوبك 40 في المئة من النفط في العالم، ولهذا ليس من السهل شطب هذه المنظمة. إضافةً إلى ذلك، معظم دولها الأعضاء، وبخاصة في الشرق الأوسط، تُعتبر من الدولة المنتجة بالكلفة الأقل في العالم. لكن قوى تعويضية لها ثقلها، على جانبي العرض والطلب، تفعل فعلها في السوق العالمية للنفط، ومن المرجح أنها ستقلل فاعلية الأثر المترتب على أي تدخل ذي مغزى، على المدى القصير إلى المتوسط.

لقد أجبر البدء بإنتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية أوبك على إعادة النظر في استراتيجيتها. في البداية، استُقبِلت تكنولوجيا النفط الصخري بقدر كبير من التشكيك، وجرى الإعراض عنها كأمر مبالغ في أهميته، ومرتفع الكلفة، وقصير الأمد. ثم تبيّن أن من شككوا بالنفط الصخري كانوا مخطئين، وفوجئ الجميع– وبينهم أوبك- بأثره المتواصل. ولايقتصر الأمر على النفط الصخري وحده، فقد لوحظ أيضاً تزايد إنتاج الموردين التقليديين. وأتت هذه الزيادات نتيجة استثمارات جرى تنفيذها عندما كان سعر برميل النفط يتجاوز المئة دولار.

سوف يتعيّن على أوبك أن تعدّ نفسها لاختبار مرحلة صعبة مقبلة، لسنتين أو ثلاث. وسيكون من الجوهري أن تتمكّن المنظمة من الحفاظ على تماسكها إبّان هذه الفترة.

هل في وسع محمد بن سلمان أن يضمن ذلك؟ وحده الوقت كفيلٌ بالإجابة على هذا السؤال.

 

حقوق النشر: موقع كارنيغي للأبحاث 2017