بعد عام على حراك الريف...غضبة ملكية تطيح بوزراء وتربك المشهد السياسي المغربي

يوفي "حراك الريف"، اليوم، سنته الأولى باعتقال قادته في السجون المغربية دون تغييرات ملموسة على أرض الواقع. لكنّ الاحتجاجات المتواصلة والأوضاع المتأزمة دفعت العاهل المغربي محمد السادس إلى فتح تحقيق حول إنجاز مشروع "الحسيمة منارة المتوسط" الخدماتي أطاحت نتائجه بأربعة وزراء حاليين، وهي آمال ينتظرها أهالي الحسيمة بعد "الزلزال الملكي". وصال الشيخ تسلط الضوء لـ"قنطرة" على ما حدث مؤخراً في المغرب.

الكاتبة ، الكاتب: وصال الشيخ

بعد مرور عام على الاحتجاجات الشعبية على مقتل بائع السمك محسن فكري في 28 اكتوبر/2016 في شاحنة زبالة صادرت قوته. بهذه المناسبة، تنطفئ اليوم الشمعة الأولى من عام "حراك الريف" بإعفاء العاهل المغربي لبعض الوزراء من مناصبهم الثلاثاء الماضي.

لقد أطاح ملف "الحسيمة منارة المتوسط"، الذي كان من المفترض تنفيذه بمدينة الحسيمة، شمال المغرب، بأربعة وزراء يشغلون حالياً مناصب حكومية، وكانوا أيضاً يشغلون مناصب وزارية في الحكومة السابقة.

وجاء ذلك بعد "غضبة ملكية" شملت محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي بصفته وزيرا للداخلية في الحكومة السابقة، ونبيل ابن عبد الله، وزير الإسكان والحسين الوردي، وزير الصحة، والعربي ابن الشيخ، وزير التكوين المهني. ويتعلق الأمر أيضا بالفاسي الفهري، مدير للمكتب الوطني للكهرباء والماء الشرب بعد أن كشف "مجلس الحسابات" تأخير في إطلاق المشاريع الخدماتية لسكان المنطقة.

وشملت "الغضبة الملكية" رفض إسناد أيّ مهمة مستقبلية لخمسة وزراء سابقين وهم رشيد بلمختار، ولحسن حداد، ولحسن السكوري، ومحمد أمين الصبيحي، وحكيمة الحيطي، زيادة على اتخاذ تدابير في حق (14) مسؤولاً إدارياً، منهم العلوي البلغيتي الكاتب العام لوزارة الصحة الذي توصل بقرار إعفاءه من مهامه، كذا إعفاء الكاتب العام لوزارة السكنى.

ووفق وسائل إعلام مغربية، يحتمل أن يشمل الإعفاء إمنير اليوسفي، مدير وكالة تنمية اقاليم الشمال، بالإضافة الى المدراء الجهويين لكل من وزارات الصحة والسكنى والتعمير والبيئة وموظفين في الإدارة الترابية، علاوة على المدراء الإقليميين للوزارات نفسها والمدراء التقنيين للوزارات بجهة الحسيمة .

يُمثل القرار الملكي "فاتورة للمرحلة وتأسيس نظام قيم جديد للحياة العامة" وفق محللين سياسيين، وكما أفاد رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، محمد بودن، لموقع "قنطرة" أنّ "الملك يريد الحسم في مجالات اقتصادية واجتماعية بالتعامل مع بروفايلات جديدة تتمتع بالكفاءة"، معتبراً القرار "سابقة في التاريخ السياسي الحديث".

تزامنت حملة الإعفاءات مع مثول معتقلي الريف أمام محكمة الدار البيضاء، التي رفعت إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر دون البتّ بها، لكنّ المعتقلين أعلنوا توقفهم عن إضرابهم المفتوح عن الطعام، بينما احتفظ قائد الحراك الأبرز، ناصر الزفزافي، بموقف خاص، معتبراً أنّ "الوطن ينتصر بفضل أبطاله ووطنييه" ردّاً على الإعفاءات.

في حين تفاعلت عائلات المعتقلين بفرح معتبرة إقدام الملك على خطوته "انتصاراً لها" بانتظار الإفراج عن أبناءهم المعتقلين بتهم "المس بالسلامة الداخلية للبلاد".

[embed:render:embedded:node:28461]

تقرير جطو لـ "تصحيح الأخطاء"

مساء الجمعة (13 تشرين الاول/ أكتوبر 2017) ظهر العاهل المغربي محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان قائلاً: "لن يكون هناك أي تهاون مع التلاعب بمصالح المواطنين" وذلك بعد أيام من رفع المجلس الأعلى للحسابات تقريراً له عن تأخر إنجاز المشروع الذي كان مقرراً لتنمية إقليم الحسيمة.
 

ويستبق الملك محمد السادس العام الأول للحراك بقوله إنّ: "الوضع الراهن يفرض المزيد من الصرامة... لم نتردد يوماً في محاسبة كل من ثبت في حقه أي تقصير في القيام بمسؤوليته المهنية أو الوطنية"، مشيراً في خطابه الموجه إلى نواب الشعب "الرغبة (ته) في معالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء".

ينتقل الملك في خطابه إلى "بداية مرحلة حاسمة تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والعمل على إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة للإشكالات والقضايا الملحة للمواطنين"، قائلاً إنّ الغرض ليس "النقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها. وإنما نريد معالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات
".

احتجاجات الريف لم تُطفئ بعد مطالبتها بحقوقها الأساسية رغم انحسارها بسبب المواجهات الأمنية لها، فجاء فتح التحقيق بمشروع "منارة المتوسط الحسيمة" والذي قدّم نتائجه رئيس المجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، مساء الثلاثاء (24 تشرين الأول/ اكتوبر 2017) نوعاً من الحسم في الأوضاع التي تعيشها المنطقة.

وخلص تقرير جطو إلى أنّ "مراجعة الوثائق والبيانات لم تسفر عن الوقوف على حالات غش أو اختلاس، فإن المجلس سجل بالمقابل عدة اختلالات شابت مرحلتي إعداد وتنفيذ هذا البرنامج". ولاحظ أيضاً أن اللجنة المحلية المسؤولة عن التتبع والتنسيق- يرأسها عامل إقليم الحسيمة ولجنة مركزية دون رئيس محدد- لم تستطع تعبئة جميع المتدخلين بشكل يضمن دينامية انطلاق البرنامج".

وعللت الجهات المشاركة في المشروع سبب تأخرها في إطلاق المشاريع هو تأخرها في تلقي "وثيقة الاتفاقية الإطار وعدم برمجة الاعتمادات المالية وصعوبة تعبئة العقار".

وأشار التقرير إلى بطء انطلاقة المشروع منذ التوقيع على اتفاقيته في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 حتى كانون الثاني/ فبراير 2017، وغياب أية مبادرة فعلية لإنجاز المشاريع، وتبينّ أنه من بين 644 مشروعاً مبرمجاً لم يسجل سوى إنجاز خمسة مشاريع بقيمة (146.8) مليون درهم عام 2016، والاستئناف بإنجاز 45 مشروعاً آخر بقيمة (565) مليون درهم.

وسجلّ تقرير جطو "تطوراً ملموساً" على تنفيذ المشروع بعد أن عقد المجلس الوزاري لحكومة العثماني اجتماعاً للعمل على المشروع في حزيران/ يونيو الماضي، معتبراً أن عدد المشاريع في طور الإنجاز أو مرحلة الانطلاق قد ارتفع إلى (512) مشروعاً بميزانية قدرها (3.9) مليار درهم. كما أوصى التقرير بـ"إسناد رئاسة اللجنة المركزية للتتبع لوزير الداخلية، وتحديد وتيرة شهرية لاجتماعات اللجنة المحلية من أجل تتبع انجاز المشاريع".

ما هو مشروع "الحسيمة منارة المتوسط "؟

يهدف مشروع "الحسيمة منارة المتوسط "، الذي أطلقه العاهل المغربي في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 إلى تأهيل المنطقة على مستوى البنيات التحتية والبيئة والمجال الديني والرياضي وكذا الاجتماعي مثل إنشاء مستشفى متعدد التخصصات وإعادة تهيئة (28) مركزاً صحياً وبناء (6) مراكز أخرى وتجهيز مركز لعلاج السرطان، وتهيئة منطقة صناعية، بناء ملعب كبير لكرة القدم، بناء مسبح أولمبي، وقاعة مغطاة بمعايير دولية، وتشييد قاعتين مغلقتين بجماعتيّ أجدير وإساكن، وتهيئة ملاعب رياضية لفرق الهواة، إلى جانب بناء مسرح ومعهد موسيقي ودار للثقافة وإنجاز مشاريع زراعية وتعليمية بقيمة تقدر بـ (6.5 مليار درهم) (667 مليون دولار).

مواطنون راضون وآخرون ينتظرون "زلزالاً حقيقياً"

تفاعل مواطنون مغاربة بإيجابية مع أحداث إعفاء الوزراء معتبرين ذلك سابقة في تاريخ المغرب، بينما ينتظر آخرون تغييراً حقيقياً في سياسة المغرب يعفيهم من البطالة والفقر والفساد والإفراج عن المعتقلين وربط الإقالة بالمحاسبة الفعلية، خاصة أنّ المغرب جرّب الطريقة ذاتها في تسعينيات القرن الماضي وفق تدوينه نشرها القيادي في جماعة العدل والإحسان، حسن بناجح، قائلاً أن "الإعفاء يتمّ بمعالجة ملفات ضحايا الوزراء المعفيين وإلّا لا توجد مؤشرات تاريخية من محطات شهدت إجراءات مشابهة لم تغير شيئاً مثل محاكمة عدد من الوزراء سنة 1971 وحملة التطهير سنة 1996".

ووفق بودن أنّ "الوضع الداخلي تتطلب قرارات لتحقيق تنفيس مرحلي، بناء على ذلك جاء الإعفاء الملكي مدركاً للتطورات والمعلومات التي جمعها تقرير هيئة الحسابات".

شاهد نقاش ساخن على BBC حول حراك الريف لا يفوتك

حكومة غير معفيّة من المطبات: ماذا ينتظرها؟

تبدو الحكومة برئاسة سعد الدين العثماني غير معفيّة من المطبات، التي أصابتها منذ توليه رئاستها في 17 آذار/ مارس 2017 بعد أن فشلت جهود رئيس الوزراء السابق، عبد الإله بن كيران، للقيام بذلك طيلة خمسة أشهر منذ فوز حزبه العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية لعام 2016.

ويقول المحلل السياسي، محمد بودن، لموقع "قنطرة" إنّ السيناريوهات المتاحة أمام الحكومة إمّا أن "يستمر نفس الائتلاف مع اقتراح العثماني لأسماء من حزبيّ الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية لشغل الحقائب الشاغرة"، رغم أنّ الأخير يناقش خروجه من الحكومة و"احتمالية مشاركة حزب الاستقلال في الحكومة" وفق بودن، مع "ارتفاع مستوى التعديلات الحكومية مع بقاء العثماني رئيساً لها" أو "عدم وصول الحكومة الحالية إلى نهاية ولايتها والانفتاح على إجراءات أخرى (فوقية)".

وحول إمكانية إعادة بنكيران للحكومة يقول بودن بأنّ "رئيس الحكومة السابقة بنكيران لم يُجرد من الرضى الملكي، لكنّ العقاب طال طموح الوزراء المعفيين وهو بمثابة عزل سياسي أو تقاعد سياسي مبكر".
 

وفي تطور مواز، كان حزبا التقدم الاشتراكية والحركة الشعبية أكثر المتضررين سياساً من حملة الإعفاءات بعد أن طالت زعيم حزب "التقدم والاشتراكية" نبيل بنعبد الله ووزير الصحة الحسين الوردي، الذي اعتُبر أكثر وزراء حكومة بنكيران شعبية وتم تجديد منصبه في الحكومة الحالية كوزير للصحة رغم تدهور هذا القطاع في المغرب. وعدم إسناد أي وظيفة مستقبلية لكل من وزير الثقافة السابق المنتمي إلى نفس الحزب، محمد أمين الصبيحي، ولم يبقَ له سوى حقيبة صغيرة في الحكومة الحالية هي كاتبة الدولة المكلفة بالماء التي تتولاها الوزيرة شرفات أفيلال، التي لن يسند لها مهمات مستقبلية أيضاً.

وسيُصعّب هذا، وفق محللون، على حزب العدالة والتنمية التشبث بـ"التقدم والاشتراكية" لملء المناصب الشاغرة حيث حمل القرار دلالات سياسية تدين مشاركة الأخير في الحكومة.

يخفى الدور الرئيسي الذي لعبه نبيل بنعبد الله أثناء فترة "البلوكاج" الحكومي، عندما دفع بنكيران إلى التشدد بموقفه بعدم تقديم مرشح منافس لرئاسة مجلس النواب ليضمن بنعبدالله استمرار حزبه في الحكومة الحالية.

يرى بودن أن ما حصل "يمثل انفجاراً سياسياً على مستوى الحزبين المعفيين" وفي تقديره أنّ "خلّو القرار الملكي من إعفاء وزراء حزبيّ العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار سيساهم في تنشيط الشعور بالتفوّق".

وتزامناً مع ذكرى وفاة محسن فكري، 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2016؛ تم الدعوة عبر "السوشال ميديا" لتنظيم احتجاجات جديدة إلّا أن السلطات المغربية حظرت المظاهرات العامة لمدة يوميين متتالين اعتباراً من يوم الجمعة.

 

وصال الشيخ

حقوق النشر: قنطرة 2017