قصائد لاجئين صغار تحبس دموع الألمان في الأحداق

"كُن بقربي وشاهد ماذا حل بي": قدَّم مشروع للشعر والقصائد شعراء لاجئين ناشئين أعمارهم لا تتجاوز 18 عاماً، وذلك في مهرجان الثقافة العالمي لإلقاء الشعر في برلين، وكان على كثير من المستمعين حبس دموعهم في حدقات أعينهم. زابينه بيشل تسلط الضوء على هذه الأمسية.

الكاتبة ، الكاتب: Sabine Peschel

لم يكد يبدأ المهرجان البرليني للثّقافة رسمياً،حتى حلّت إحدى نقاط برنامج المهرجان المميزة محل نقطة أخرى. فبينما كان رئيس البرلمان الألماني روبرت لاميرت والروائي الجزائري بوعلام صنصال يتحاوران حول رواية هذا الأخير التي تحمل عنوان" 2084: نهاية العالم"، كان روّاد أمسية "مشاريع الشعر" يتزاحمون في مدخل الصالة.

 هذا المساء هو مساء السادس من أيلول/سبتمبر 2016، قبيل الافتتاح الفعلي للمهرجان. وقد تضمن برنامج المهرجان قراءة لقصائد اللاجئين الشباب في هذه الأمسية، التي لن ينساها أحد من الحضور، لا الشبّان الستة -الذاهبون إلى مكان الأضواء في القاعة الممتلئة عن آخرها حتى آخر كرسي- ولا أي أحد من جمهور المستمعين.

وكان مدير المهرجان أولريش شرايبر قد أعلن هذه الأمسية الشعرية أمسيةً مميزة للغاية وغير مألوفة، وهي واحدة من بين الفعاليات التي قال إنها مميزة وحصرية ومشمولة في برنامجه الذي تُلقى فيه الأشعار وتناقَش.

ترجمة التجارب الحياتية إلى أبيات شعرية: "كن بقربي وشاهد ماذا حل بي"

لقد اجتمع الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 14-18 عاماً مع موجهيهم بشكل دوري في ورشة عمل في برلين لمدة ثمانية أشهر. فجميهم لديه تجربة مشتركة، جميعهم فرّوا وحدهم بعضهم أولاً من أفغانستان ومن ثمّ إلى إيران، حيث واجهتهم المتاعب، ثم فيما بعد إلى أوروبا. "كن بقربي وشاهد ماذا حل بي"، كانت هذه بداية قصيدة ياسر نيكسادا، وهو أصغر شاعر في المجموعة الصغيرة. لقد نجح اللاجئون بكلمات قصائدهم في نقل تجاربهم إلى رؤوس المستمعين بل وإلى مشاعرهم أيضاً.

 سوزانا كولبل، مراسلة  الشؤون الخارجية لصحيفة "شبيغل" الألمانية عايشت التجربة الأفغانية، وتعتبِر هذا المشروع بمثابة مناجاةٍ وتبادُل للأفكار بين مَن وُلدوا هنا وبين الآخرين الذين جاؤوا من تلك البلاد، التي انفجرت فيها في هذا اليوم خمس سيارات مفخخة في يوم واحد، لقي على إثرها العشرات مصرعهم. وتقول كوبليل إنها "أسست لهذا المشروع  وعملت مع المحامي والمترجم آراش سبانتا الشباب الناشئ بشكل دوري". وتقول إن الفتيات لسن هدفاً للمشروع لأن عائلاتهن لا ترسلهنّ في رحلة اللجوء الخطيرة عادةً.

نظرات نادرة على الشباب الناشئ

فتية لاجئون مشاركون في "مشروع الشعر" في برلين وتظهر معهم سوزانه كولبل. Foto: Stefan Rottkay/The PoetryProject
"أشعار ستدخل في الذاكرة الشعرية الجمعية الألمانية". فتية لاجئون مشاركون في "مشروع الشعر" في برلين وتظهر معهم سوزانه كولبل.

 بدايةً لم يكن لدى الجميع نفس وتيرة المثابرة. والكل تقريباً كان قلقاً حول مصير الإقامة والأمور البيروقراطية وجهود إتقان اللغة، والانضباط لإنتاج المشروع الثقافي. آراش سبانتا يتفهم ذلك تماماً، فوالداه اضطرا للهرب إلى ألمانيا عام 1982، ولأنه كان لاجئاً مع اللّاجئين في سالف طفولته، لذا فهو يدرك كم هو مهم أن يتولى الإنسان أموره بنفسه لتعلم الألمانية والعمل من أجل المدرسة وإشغال النفس. وكان المهم له أن يُظهِر مدى أهمية إقامة مشروع  شعري كهذا.

"لقد رأت عيناي ألوان المصائب"، هذه هي العبارة النهائية لقصيدة من دون عنوان كتبها محمد البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً، لكنه لم يأتِ إلى فعالية هذه الليلة، لأنه لا يستطيع القراءة بنفسه نظرا لأنه مريض في هذا اليوم ولذلك فالآخرون يقرؤون عنه شِعره.

إن ما ينتاب المرء لدى سماعه لهذه الكلمات هو المشاهدة والتجربة والتأثر، وكلها أمور  تحولت إلى صور لغوية شعرية. وربما لكان كافكا شبهّ ذلك بـِ "فأس البحر المتجمد فينا " ، كما ورد في منهج الباحث الأدبي والفيلسوف جوزيف فوغل.

التعبير عن الروح الشعرية

 وتوجد قصائد عديدة في الفعالية تؤكد ذلك عبر تمحورها حول الخوف من الموت والوحدة والحنين. الجمهور تأثر حين استمع  إلى مهدي -طفل أفغاني بالغ من العمر ستة عشر عاماً نشأ في إيران- حين تحدث عن شعوره بالوحدة قائلاً :

"تُحِب وأنت لا تُحَب،

تحس بالقرب وليس هناك من أحد تستند إليه".

أشعار كثيرة تتحدث عن الآباء والأمهات وحول إن كانوا قد لقوا حتفهم أم بقوا في وطنهم. ومما يتفطر القلب له شِعر شاب اسمه سَميّ وعمره سبعة عشر عاماً -بقميصه المُهَندَم وشَعره المسرَّح- حين يتمنى لقاء أبيه قائلاً:

"أتمنى لو أصبح أحد نتوءات يدك".

لمرة واحدة تخلص جمهور المستمعين من غصة في حلقوقهم في الأمسية وذلك حين استمعوا للشاعر الصغير كحيل الموجود منذ الصيف في ألمانيا حين قال:

"الجميع يركضون عرايا في الشوارع،

يستلقون في الحدائق،

فكيف وجدَتْ هذه الجموع مساءً شيئاً تأكله؟"

 كحيل سيستمر في كتابة الشعر، وكذلك سَمِيّ الذي اختتم الأمسية بـِ "أشعار حول الحب"، وقد نَظَمها بلغة "الداري" وقرأها بلغة ألمانية مفهومة. ويقول أولي شرايبَر حول ما سمعه في الأمسية: "لم أسمع مثل هذه القصائد في حياتي". إنها أشعار ستدخل في الذاكرة الشعرية الجمعية الألمانية.

 

زابينه بيشل

ترجمة: سلمى العابد

دويتشه فيله/ موقع قنطرة  2016

ar.Qantara.de