وسط غيبوبة عربية... القدس ترفع أسهم أردوغان وروحاني

تعمل تركيا جاهدة على استصدار إدانة صرامة ضد إسرائيل، لذلك دعت إلى قمة إسلامية استثنائية. ومع غياب قادة السعودية والإمارات ومصر عنها، مقابل حضور الرئيس الإيراني، تتزايد رغبة أردوغان وروحاني برفع شعبيتهما وسط المسلمين من خلال تبني مواقف أكثر صرامة ضد السياسية الإسرائيلية.

الكاتبة ، الكاتب: إسماعيل عزام

تحتضن مدينة إسطنبول التركية اليوم الجمعة (18 مايو/ أيار 2018) قمة إسلامية استثنائية دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول تطوّرات مسيرات ذكرى العودة الفلسطينية، باعتباره رئيس الدورة 13 لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، وهي الرئاسة التي تسلّمها عام 2016.

وتعدّ هذه ثاني قمة استثنائية على التوالي يدعو إليها أردوغان حول القضية الفلسطينية، بعد تلك التي عقدت نهاية 2017 إثر قرار ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس.

الملاحظة الأبرز في هذه القمة الاستثنائية تتمثل في حجم التمثيل الدبلوماسي المتواضع، مقارنة على الأقل بسابقتها، ويتعلّق الغياب الأبرز بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (برّر ذلك بأسباب صحية). بينما استمر غياب حكام السعودية والإمارات ومصر كما حدث بالقمة الماضية، ولم يحضر من قادة المنطقة العربية سوى حكام الأردن والكويت والسودان وقطر، بينما لبّى الرئيس الإيراني حسن روحاني الدعوة للمرة الثانية توالياً.

ويحاول أردوغان تقديم نفسه زعيماً إسلامياً ضد إسرائيل، وهو ما أشار إليه كريستيان براكل، رئيس فرع مؤسسة هاينريش بُل الألمانية في تركيا، قائلا إن أردوغان يقدم نفسه في بعض الأحيان "منقذاً للمسلمين الذين يعانون من الاضطهاد والإساءة"، خاصة في موضوع القدس الذي يحظى بمكانة خاصة لدى المسلمين.

بالمقابل، لا يتمتع حسن روحاني بنقاط القوة التركية في استمالة المسلمين، خاصة مع الوضع الاقتصادي الصعب لبلاده، ومع انتساب إيران للمذهب الشيعي الذي لا تصل لحجم امتداد المذاهب السنية في العالم الإسلامي، لكنه مع ذلك، لا يرفض تسجيل أهداف كثيرة في مرمى غريمته السعودية حتى يُظهر أن طهران أكثر التزاماً في قضايا الأمة من الرياض التي تمتلك دوراً محورياً في سياسات المنطقة الإسلامية.

إيران وتركيا.. لهجة أقوى ضد إسرائيل

بين كل الأطراف الحاضرة، تبقى مواقف إيران وتركيا الأقوى في التنديد بالسياسات الإسرائيلية والأمريكية، فإن كان التوتر بين طهران وتل أبيب قد بلغ مداه بعد القصف الإسرائيلي لمواقع إيرانية في سوريا، فإن علاقة أنقرة بتل أبيب دخلت هي الأخرى نفقاً مظلماً بعد طرد السفير الإسرائيلي من تركيا واستمرار أردوغان في وصف إسرائيل بـ "دولة إرهاب".

وزارة الخارجية التركية طلبت من القنصل الاسرائيلي العام يوسي ليفي سافري مغادرة تركيا "لبعض الوقت" غداة طلبها من السفير الاسرائيلي في انقرة القيام بالمثل وذلك على خلفية التوتر بين البلدين بعد مقتل نحو 60 فلسطينيا بنيران الجيش الاسرائيلي على الحدود بين قطاع غزة واسرائيل.
فيما يسود هدوء حذر على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، تواصلت ردود الفعل الدولية المنددة بقتل إسرائيل عشرات الفلسطينيين، وإرتفعت حدة التوتر بين تركيا وإسرائيل. فقد طلبت تركيا من القنصل الاسرائيلي العام في اسطنبول مغادرة البلاد مؤقتا بحسب ما أورد الاعلام الرسمي يوم الأربعاء 16 مايو/ أيار 2018 غداة اجراء مشابه اتخذته اسرائيل ازاء القنصل التركي العام في القدس.

مواقف إيران وتركيا تمنح الدولتين شعبية متزايدة بين الأوساط العربية والإسلامية المدافعة عن القضية الفلسطينية مقابل خفوت حَماس الكثير من دول المنطقة في رفع سقف انتقاد إسرائيل، خاصة الدول العربية التي أضحت قمم جامعتها بالنسبة للمتتبع مجرّد مناسبة لتلاوة بيانات خفيفة اللهجة تُكرّر المواقف السابقة دون استصدار خطوات مهمة.

لذلك تحاول أنقرة وطهران ملء الفراغ العربي ولو عبر التصريحات الصدامية، ما دام هناك نقاش كبير حول مدى فعالية خطوات الطرفين على الأرض، بالنظر إلى أن التهديدات الإيرانية لإسرائيل استمرت فقط في الإعلام، وبالنظر إلى أن تركيا تعدّ من أهم البلدان الإسلامية التي تمتلك علاقات سياسية واقتصادية مع تل أبيب.

غير أنه لا يجب وضع تركيا وإيران في موقف واحد حسب تصريحات المحلّل السياسي محمد زاهد غول: "إيران تستغل القضية الفلسطينية منذ 1979 عبر شعارات ترفع على الدوام دون أن نرى فعلاً على الواقع، إلّا ما يبث القطيعة بين الفلسطينيين". أما بالنسبة لتركيا، فهي حسب تصريحات المحلل "واعية بمكانة السعودية في العالم الإسلامي، ولن تستغل منظمة التعاون الإسلامي لأجل منافسة الرياض، خاصة وأن أنقرة تعلم أن مقرّ هذه المنظمة يوجد في جدة، وأن السعودية تملك تأثيراً كبيراً داخلها".

 

غياب السعودية والإمارات ومصر.. أيّ تفسير؟

كانت القاهرة من العواصم المؤثرة في القرارات العربية المتعلّقة بالنزاع العربي- الإسرائيلي، سواء خلال سنوات الحرب، أو سنوات البحث عن السلام الشامل. لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحرص على حضور القمم العربية، لم يشارك في أيّ قمة إسلامية منذ تسلم تركيا لرئاسة الدورة 13 (رغم أن مصر هي من ترأست الدورة 12)، ولا يتلو كلمته في كل القمم التي جرت بإسطنبول سوى وزير الخارجية محمد شكري.

أما الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كان حاضراً في قمة أبريل/ نيسان 2016 في إسطنبول، لكنه غاب بعد ذلك واقتصر التمثيل السعودي في قمة ديسمبر 2017 على وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز. في وقت لم يحضر فيه حكام الإمارات للقمم العادية والاستثنائية التي نظمتها تركيا، واقتصر التمثيل على شخصيات أقلّ تراتبية.

وتوجد خلافات متعددة بين أنقرة من جهة والرياض وأبو ظبي والقاهرة من جهة أخرى حول عدة ملفات كالعلاقة مع قطر وإيران وحركات الإسلام السياسي، لكن مع ذلك يحرص الجانبان التركي والسعودي على استمرار العلاقة بينهما وتبادل الأوصاف الإيجابية.

في المقابل وصل توتر تركيا مع مصر والإمارات إلى مستوى غير مسبوق بلغ حدّ التصريحات الصدامية واستدعاء أو حتى طرد السفراء. ويشير محمد زاهد غول أن الأطراف الأربعة وإن كانت لا تختلف حول موضوع القضية الفلسطينية، فإن هذه الأخيرة شكّلت مساحة للمزايدات السياسية والتراشق الإعلامي بين هذه الدول.

وتصطدم نية تركيا وإيران بتقوية حضورهما في العالم الإسلامي بضعف منظمة التعاون الإسلامي، وهو ما يشبه كثيراً الجامعة العربية. فقرارات المنظمة الإسلامية تبقى دون تأثير ملحوظ، كما أنها لم تنجح في الوصول إلى هدفها وهو خلق مقرّ دائم في القدس، وهو ما يؤكده زاهد غول بقوله إنه "لولا الترّهل الكبير في الجسمين الإسلامي والعربي عبر مؤسساتهما، ما قام ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس".

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأمير السعودي محمد بن سلمان
الرئيس المصري لعبد الفتاح السيسي والأمير السعودي محمد بن سلمان: تجسيد لضعف العالم العربي وغياب آليات العمل العربي المشترك.

وما يزيد من التشظي داخل هذه المنظمة حالة العداء بين السعودية وإيران، والصراع الثنائي بينهما على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، إذ تحاول السعودية أن ترمي بثقلها داخل المنظمة لأجل استصدار قرارات تدين إيران كما عليه الحال مع بيانات الجامعة العربية، وهو ما نجحت فيه أكثر من مرة، بينما تُشهر إيران الورقة الفلسطينية داخل أروقة المنظمة لأجل انتقاد أداء السعودية في الدفاع عن القدس.

وفي هذا السياق، انعكس سلباً تحسّن العلاقات بين عدد من الدول العربية والإسلامية وإسرائيل على أداء منظمة التعاون الإسلامي، وأضحت المواقف داخلها تختلف بشدة حول طبيعة الرد، وهو أمر يدركه أردوغان، الذي يسعى قبل نقل رئاسة الدورة القادمة إلى غامبيا، إلى تسجيل المزيد من الأهداف التي ترفع شعبيته بين المسلمين وترفع أسهمه في ثوب السلطان.

 

إسماعيل عزام

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018