سوريا الأسدية لم تكن علمانية...خطة تعايش ألماني سوري

لجأ أكثر من نصف مليون سوري منذ عام 2011 إلى ألمانيا. كيف يعي السوريون والألمان بعضهم البعض؟ وكيف يمكن تحقيق عيش مشترك بسلام بين الطرفين، رغم الفوارق اللغوية والثقافية؟ في كتابها الجديد تدعو الصحفية والخبيرة بالشأن السوري، كريستين هيلبيرغ، لمزيد من الشجاعة والموضوعية في تناول قضية اللاجئين. مارتينا صبرا تقدم لموقع قنطرة قراءتها في هذا الكتاب.

الكاتبة ، الكاتب: Martina Sabra

قبل نحو عام من الآن، استقبل الألمان اللاجئين من سوريا بالترحاب وأظهروا التعاطف معهم. فقد كان بانتظار اللاجئين في محطات القطارات الكثير من الطعام والشراب وألعاب الأطفال. غير أنه ومن خلال التغطية الإعلامية لأحداث رأس السنة 2016 في مدينة كولونيا، تغير المزاج العام خلال فترة زمنية قصيرة. وبالرغم من أن اللاجئين السوريين لم يكونوا من المشتبه بعلاقتهم بالاعتداءات إلا أن بعض وسائل الإعلام وبعض المجموعات السياسية استغلت الأحداث لخلق مزاج عام ضد جميع اللاجئين.

منذ ذلك الوقت بدأ الشك يتزايد لدى الطرفيين. وأخذ اليمينيون المتطرفون بمطاردة اللاجئين بشكل منظم. مما حدا ببعض السوريين إلى االتفكير بالعودة إلى سوريا، بسبب الخوف أو الإحباط، على الرغم من الحرب الدائرة رحاها هناك وما تشكله من خطر على حياتهم.

مما لا شك فيه وبالنظر إلى الوضع الميؤوس من إيجاد حل له في سوريا، فإن القسم الأكبر من النصف مليون سوري، الذين لجؤوا إلى ألمانيا منذ عام 2011، سيمكثون هنا لعدة سنوات وربما سيستقرون، في ألمانيا، بشكل نهائي. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف يمكن تنظيم العيش المشترك، بحيث يتمكن السوريون قريباً من الوقوف على أقدامهم ويتدبرون أمر معيشتهم بأنفسهم؟

في الوقت الحالي ليست الظروف مواتية لتحقيق هذا الهدف. هذا ما خرجت به الصحفية الألمانية والخبيرة بالشأن السوري، كريستين هيلبيرغ، في كتابها الجديد الواقع في 300 صفحة. فمئات الآلاف من اللاجئين السوريين في ألمانيا هم الآن بلا وضع قانوني واضح، وبلا دورات لتعلم اللغة الألمانية، وبلا عمل، وبلا مساعدة للتغلب على الرضوض والصدمات النفسية من آثار معايشاتهم للحرب في بلدهم.

Buchcover Kristin Helberg: "Verzerrte Sichtweisen – Syrer bei uns", Verlag Herder 2016
Die Stärke des Buches "Verzerrte Sichtweisen – Syrer bei uns" liegt in den präzisen Alltagsbetrachtungen und Helbergs erfrischend kritischem und zugleich konstruktivem Blick auf die deutsche Gesellschaft.

إصلاح الشروط القانونية لاستقبال اللاجئين

تطالب كريستين بالتالي: لا بد من إصلاح الشروط القانونية لاستقبال اللاجئين وبشكل عاجل. كما تطالب كريستين بإحاطة المواطنين الألمان بالمزيد من المعلومات عن تاريخ وسياسة الدولة السورية الحديثة، وكذلك ما يميز تفكير ومشاعر السوريين: بدءاً من الانتماءات اللغوية والثقافية مروراً بالقيم والأعراف ووصولاً إلى انتماءاتهم السياسية.

كتوطئة للكتاب، تشرع كريستين بإعطاء لمحة سريعة عن الأسباب الاجتماعية والتاريخية والسياسية للحرب في سوريا، داحضةً بذلك الأحكام المسبقة واسعة الانتشار: لم تُجْرَ انتخابات ديمقراطية تحت سلطة البعث والسلطة الديكتاتورية للأسد الأب والابن، وكذلك لم تكن سوريا دولة علمانية. وتذهب كريستين كذلك إلى أن الأسد ليس شريكاً في الحرب على ما يسمى "الدولة الإسلامية". وعلى العكس عندما خدمت "الدولة الإسلامية" مصلحته، فإن النظام السوري قَبِلَ وسمح بوجودها. ومباشرة بعد اندلاع الثورة السورية في 2011 قام النظام بإطلاق سراح بعض المتطرفين الدينيين العنفيين من سجن صيدنايا، الذي يقع بالقرب من العاصمة دمشق. يمكن للمرء الاعتقاد وبثقة تامة أن نظام الأسد سيدعم الإرهابين في المستقبل، إذا كان ذلك يخدم مصالحه.

وفي ختام المدخل السياسي-التاريخي تصف كريستين في عدة فصول، وبشكل مفصل، المجتمع السوري قبل الحرب. ولم يساعدها في هذا الأمر فقط عيشها سبع سنوات كمراسلة إذاعية في سوريا، والتي كانت في ذلك الوقت بلداً مغلقاً، بل ساعدها أيضاً اقترانها بطبيب سوري وإنجاب ثلاثة أطفال منه، مما وفر لها إمكانية كبيرة للتعرف على الثقافة السورية العائلية واليومية.

نظرة وراء الكواليس

يقدم الكتاب مساعدة قيمة بالمعلومات لأولئك الذين يودون مساعدة اللاجئين السوريين والذين قد يصطدمون بعقبات بسبب اختلاف وسائل تربية الأطفال والتعامل معهم على سبيل المثال. فجأة تغدو الكثير من الأشياء ذات معنى ويمكن فهمها: معنى العائلة الممتدة، الترحيب بالضيوف، الفصل بين الجنسين، الفصل بين عالمي الأطفال والبالغين، استخدام العنف في التربية، الخوف من السياسية وموظفي الدولة، الاستخدام المشترك للأشياء الشخصية جداً. غير أن المؤلفة، وبشكل صريح، لا تدّعي أن مقولاتها تنطبق على كل المجتمع السوري، ولكن من الواضح أنها تصف جزءاً من المجتمع السوري الشديد التنوع، وحتى عندما يكون هذا الجزء الموصوف كبيراً نسبياً.

بين الحين والآخر تغرق كريستين في التفاصيل خلال تصويرها للوضع السوري. ينتج عن هذا أن بعض الفصول المهمة تبدو للقارئ قصيرة. تكتب كريستين القليل عن الوضع المرهق للزوج والزوجة السوريين. ففي سوريا الوطن وبسبب الفصل الواسع الانتشار بين الجنسين في الحياة اليومية لا يقضي الزوجان وقتاً كبيراً بعضهما مع بعض، أما اليوم فيحتم المنفى على الزوجين قضاء الليل والنهار بعضهما مع بعض واعتماد كل منهما على الآخر-وغالباً ما ينتج عن هذا الوضع الجديد تبعات مرهقة للطرفين. كما أفرز المنفى صعوبة أخرى أمام ربات البيوت اللاجئات: فقد كُنّ يقضين الوقت يومياً مع الأقارب والصديقات، أما الآن فيتوجب عليهن تدبر أمرهن لوحدهن من دون هذا الشبكة الاجتماعية من المعارف والأصدقاء الثقاء. في حين يستطيع الأزواج تكوين شبكاتهم الاجتماعية الجديدة بسرعة أكبر نسبياً.

Kristin Helberg; Foto: DW
Die Journalistin Kristin Helberg berichtete von 2001 bis 2008 als einzige offiziell akkreditierte westliche Korrespondentin aus Syrien über die arabische und islamische Welt. Zuvor erschien ihr Buch "Brennpunkt Syrien. Einblick in ein verschlossenes Land" im Herder Verlag.

تساعد مقاطع من الكتاب التي تتحدث -ولو بشكل عام- عن الجدل بخصوص حقوق المرأة في الإسلام أو حول أهمية التراث العلمي العربي لأوروبا في مواجهة الأحقاد والضغائن المعادية للعرب، إلا أن قوة الكتب تكمن في الاعتبارات الدقيقة للحياة اليومية والنقد المحفِّز الصادِر عن كريستين وفي الوقت نفسه النظرة البناءة، التي تلقيها كريستين على المجتمع الألماني.

الألمان الحائرون

تفترض كريستين وبشكل استفزازي أن الألمان يطرحون على اللاجئين أسئلة، لا يملكون هم أنفسهم إجابات عليها: هل ألمانيا بلد هجرة أم لا، أو إلى أي حد الألمان جادون في قصية المساواة بين الرجل والمرأة. تقول كريستين حرفياً: "في واقع الحال فإن بوسع السوريين مساعدتنا في بحثنا عن أنفسنا. فاللاجئون يتوجب عليهم الاندماج في شيء ما، لا نعرف نحن أنفسنا ما هو بالضبط. إذ أنه عندما نسأل أنفسنا ما هي الأشياء التي نوليها قيمة في عيشنا المشترك مع القادمين الجدد، يمكن أن نستخلص جوهر الذات الألمانية".

تخلص كريستين في نهاية كتابها إلى سبع نقاط واقعية للعيش المشترك بين الجميع. من بينها تطالب كريستين بالتوقف عن حشر اللاجئين في خرم إبرة قانون اللجوء، وتطالب بالسماح لهم بالقدوم إلى ألمانيا بشكل شرعي وغير بيروقراطي ومنظم من قبل الحكومة الألمانية. تعي كريستين أن كتابها يتوجه للألمان، قبل غيرهم، ويحدثهم عن السوريين. غير أن ما يهم أيضاً هو أن يفهم السوريون ألمانيا أكثر. هذا الأمر قد يستحق بالتأكيد كتاباً آخر.

 

 

مارتينا صبرا

الترجمة من الألمانية: خالد سلامة

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de