بهلوانيات تدريبية على بلاط المسجد بين أوقات الصلاة

في العاشرة من عمرها كانت تتدرب على رقص البريك دانسن في داخل مسجد، ومع بلوغها السادسة عشرة بدأت تغني أغاني الراب: بثينة العلوادي واحدة من بين القليلات من مغنيات الراب المحترفات والشجاعات سياسيًا في وطنها تونس، حيث حققت حلمها، ولكنها تريد الرحيل عن بلدها. يوليا نويمان تعرِّف موقع قنطرة بمغنية الراب التونسية بثينة العلوادي.

الكاتبة ، الكاتب: Julia Neumann

في العاشرة من عمرها كانت تتدرب على رقص البريك دانسن في داخل مسجد، ومع بلوغها السادسة عشرة بدأت تغني أغاني الراب: بثينة العلوادي واحدة من بين القليلات من مغنيات الراب المحترفات والشجاعات سياسيًا في وطنها تونس، حيث حققت حلمها، ولكنها تريد الرحيل عن بلدها. يوليا نويمان تعرِّف موقع قنطرة بمغنية الراب التونسية بثينة العلوادي.

 بعد أن تمكَّنت بثينة العلوادي من فرض نفسها في مشهد موسيقى الراب، الذي يسيطر عليه الذكور في تونس، ووقفت على المسارح الدولية، وحتى أنَّها أثارت دموع إعجاب فرقة إم سي زوفري الليبية، أصبحت تفكِّر إذا كان من الأفضل بالنسبة لها أن تنتقل إلى السويد. وبثينة العلوادي المعروفة كمغنِّية راب باسم "ميدوسا" تلقَّت في شهر تمُّوز/يونيو 2014 عرضًا للبقاء في مدينة غوتبورغ السويدية. وحول ذلك قالت في تلك الفترة: "أنا أحبُّ بلدي وأسرتي، ولهذا السبب سأعود إلى تونس". بيد أنَّها اليوم نادمة على قرارها هذا.

 تجلس بثينة العلوادي داخل مقهى في مدينة نابل الساحلية. وعلى الطاولات المجاورة لا يوجد سوى رجال. ويختلط الضجيج في الشارع مع كلماتها. ومع ذلك فهي تتحدَّث بصوت مرتفع نوعًا ما. وفي الطريق يسير خلفها رجل لعدة مئات من الأمتار. وبثينة العلوادي معتادة على فرض إرادتها.

بريك دانس على أرضية سيراميك

 في العاشرة من عمرها كانت تتبادل مع الأصدقاء أشرطة كاسيت: لمغنِّية الراب الأمريكية ليل كيم والمغنِّية بيونسيه وكذلك لمغنِّي الهيب هوب الأمريكي توباك شاكور. وكانت تتعلَّم الحركات المعروفة باسم "باورموف" من الصبية الكبار، وتتدرَّب على الأرض الصلبة في المسجد - المقابل للمدرسة - بين أوقات الصلاة. وحول ذلك تقول: "كانت الأرضية من بلاط السيراميك. وقد ساعدنا ذلك في إداء الحركات البهلوانية بالأقدام".

 وبما أنَّها كانت ترقص البريك دانس بين الصبية، فقد كان بعض الأشخاص يصفون عملها هذا بأنَّه حرام. "بالنسبة للتونسيين من الغريب أن يشاهدوا فتاة رأسُها على الأرض وساقاها في الهواء. في بداية الألفية الثانية لم يكن لموسيقى الراب في تونس أي مشهد ملحوظ، ولا حتى مغنِّيات"، مثلما تقول بثينة العلوادي.

 وأبوها وعمها مغنيا راب، وفي بيتها كانت تشاهد قناة إم تي في، حيث كانت مغنِّية الراب ديامس تغنِّي حول المتاعب الاجتماعية التي تواجه المرأة الفرنسية، وتوباك شاكور حول المشكلات في أحياء الأقليَّات. وعندما كتبت بثينة العلوادي أوَّل نصوصها، كان عمرها ستة عشر عامًا. وحول ذلك تقول: "بالنسبة لي هذا هو الهيب هوب الحقيقي: عندما نتحدَّث حول مشكلة أو حول المحرَّمات في مجتمعنا. فأنا أحاول في كلِّ واحدة من أغنياتي أن أقدِّم إجابات لهذه المشكلات".

 وفي أغنيتها كذبة أبريل تتحدَّث بثينة العلوادي حول امرأة، يريد زوجها خيانتها، وترد عليه بقولها: "لكلِّ كذَّاب في العالم / نحن لا نريدكم / نحن نساء قويَّات".

 ونصوص أغنياتها تتحدَّث أحيانًا حول حقِّ الإجهاض والأيتام المحرومين والسلام العالمي. تقول بثينة العلوادي: "في أغنياتي يختلط كلُّ شيء - فهي سياسية واجتماعية وعاطفية ونسوية". وحتى الآن لا تزال بثينة العلوادي المرأة الوحيدة في مشهد موسيقى الهيب هوب الذي يهيمن عليه الرجال في تونس.

 ورغم أنَّها لاحظت أنَّ هناك أيضًا شابات غيرها مُتحمِّسات لموسيقى الهيب هوب، وحتى أنَّها قد خطَّطت لتسجيل بعض الأغاني معهن - بيد أنَّهن استسلمن في نهاية المطاف. وفي هذا الصدد تقول بثينة العلوادي: "الكثيرون من الشباب في تونس يُميِّزون بين الجنسين. ويقولون لي: ’اذهبي‘ إلى المطبخ، اهتمي بعائلتك، الراب ليس للنساء".

 الراب والثورة

 غيَّرنا المكان إلى مقهى تورتوجا. وبثينة العلوادي معروفة هنا: يظهر أمامنا المركز الثقافي، الذي رقصت فيه بثينة كفتاة لأوَّل مرة على موسيقى الهيب هوب. وبثينة العلوادي ولدت ونشأت في مدينة نابل. وفي سنّ العشرين ثارت وهي ممسكة الميكروفون بيدها ضدَّ سوء الأحوال الاجتماعية والسياسية في بلدها.

وحول ذلك تقول: "كنت موجودة في وسط الثورة. ووقفت أمام الوزارة، أمام جميع القنَّاصة". وعندما تم اعتقال مغنِّي الراب ولد الكانز Weld EL 15 بسبب أغنيته "البوليسية كلاب" (رجال الشرطة كلاب)، قامت تلقائيًا بإنتاج شريطها الاحتجاجي: الذي ترقص فيه مثل ثلاثة قرود لا يرون أي شيء ولا يسمعون أي شيء ولا يريدون قول أي شيء.

 وبثينة العلوادي كانت تؤمن في البداية بالثورة، وكانت تريد تونس أفضل. تونس يتم فيها تقدير الفنُّ، ويتم فيها الاعتراف بعملها - ولكن لقد خاب أملها. وحول ذلك تقول مشتكية: "الشيء الوحيد الذي تغيَّر هو أنَّ موسيقى الهيب هوب أصبحت بشكل متزايد تجارية". وتضيف أنَّ مغنيِّ الراب في التلفزيون يُهينون النساء باعتبارهن عاهرات، وكلُّ شيء في أغانيهم يدور حول الكحول والمخدِّرات: "أعتقد أنَّ هذه مشكلة اجتماعية - تقدير هذه الأغاني الرديئة التجارية، التجارية"، مثلما تقول بثينة العلوادي.

 تُفضِّل أن تكون حرَّة

 وفي تونس لا أحد يريد سماع أي شيء عن مشاكلاته الخاصة، بحسب قولها: "صحيح أنَّ هناك العديد من مغنيّ الراب الطموحين والذين يقدِّمون نوعيةً، ولكنهم مع ذلك غير معروفين في تونس". وبثينة أيضًا لم تتلقَّ حتى الآن دعوات إلى مهرجانات تونسية. "المطلوبون هم فقط الممثِّلون الشعبيون جدًا، من أجل كسب أكبر قدر ممكن من المال".

 وهي تريد مستقبلاً واعدًا لها ولأسرتها. فهم لا يستطيعون العيش على أية حال من أغاني الهيب هوب الخاصة بها، والتي نادرًا ما يسمعها المرء في تونس. إذ إنَّ الفنَّ غير مربح في تونس. ورغم أنَّها قد درست في تونس، لكن من الصعب جدًا بعد الثورة العثور على وظيفة مناسبة. وتقول مشتكية: "لقد عرضوا عليَّ وظيفة براتب ثلاثمائة وخمسين دينارًا تونسيًا في الشهر، أي نحو مائة وسبعين يورو. فكيف يمكن للمرء أن يتدبَّر أموره بهذا القدر القليل من المال؟".

 ولهذا السبب فقد تقدَّمت مؤخرًا بطلب للحصول على تأشيرة سفر إلى فرنسا. حيث يوجد لديها هناك بعض الأصدقاء، الذين ينتجون أيضًا أغاني الهيب هوب، ويشاركونها الأفكار والأجهزة الموسيقية. وهذه بداية. فهل يمكنها أن تلتزم بعقد لدى شركة تسجيلات؟ هذا ما لا تريده على أية حال. لأنَّها تُفضِّل أن تكون حرَّة.

 

يوليا نيومان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de