رسالة من نظام الأسد: الحرب الدموية في سوريا لم تحدث

أثار تلقي عشرات العائلات السورية إخطارات بوفاة أبنائهم، الذين كانوا قد اختفوا في سوريا الكثير من الجدل والقلق والترقب. قلق تصاعد مع تزايد أعداد من أعلن عن وفاتهم. فما الذي يستهدفه النظام السوري من مثل هذا الإجراء؟ عماد حسن ولويس ساندرز يسلطان الضوء على أهداف نظام الأسد من الإعلان عن وفاة آلاف السوريين المعتقلين في سجونه.

الكاتبة ، الكاتب: Lewis Sanders IV and Emad Hassan

سنوات عديدة، تمسك خلالها أهالي المفقودين في السجون السورية، بأهداب أمل تكذبه الحقائق والوقائع على الأرض خوفاً من تلقي الخبر الذي كانوا يحاولون الهرب منه.

آلاف ممن اختفوا قسرياً قبل عدة سنوات واختفت آثارهم، بدأ ذووهم مؤخرا يتلقون إخطارات رسمية بوفاتهم من الشرطة العسكرية السورية وجهات قيد النفوس (السجل المدني).

لماذا الآن؟

أثار تصرف الحكومة السورية هذا الكثير من علامات الاستفهام حول الهدف من إعلان وفاة كل هذا العدد من المفقودين، الذين تقول منظمات حقوقية إنهم كانوا محتجزين في سجون النظام السوري.

حقوقيون في منظمات مختلفة متفقون على أن النظام يبدو وكأنه يطوي صفحة من الماضي موجهاً رسالة للجميع مفاده أنه "انتصر وسحق من وقف في وجهه وأن على الجميع القبول به كما هو كأمر واقع لا أمل في تغييره لا الآن ولا مستقبلاً"، وهو أيضاً ما أشارت إليه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية من إن الإخطارات الأخيرة ليست إلا إعلان نصر نهائي من رئيس النظام السوري بشار الأسد.

فدوى محمود، الشريك المؤسس لمبادرة "عائلات من أجل الحرية" لا تعلم حتى الآن مصير زوجها وابنها، وقالت خلال مقابلة معنا إن الهدف من هذه الإخطارات هو إيصال رسالة بأن "ملف المعتقلين أُغلق للأبد ولا سبيل لا لفتحه ولا لمحاسبة القائمين على القتل. وإن ما قام به النظام هو إجراء وقائي حتى لا يحاسب فيما بعد. ولذلك لا يذكر في شهادات الوفاة أن الموت كان بسبب التعذيب أو الإعدام الميداني وإنما بسبب أزمة قلبية".

رامي عبد الرحمن: الحصر المبدئي لمن مات في السجون السورية هو 60 ألف معتقل
يبلغ متوسط عدد الأشخاص الذين يموتون تحت التعذيب الممنهج لدى نظام الأسد سبعة سوريين في كلِّ يوم. لقد وثَّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في الأعوام الأربعة الماضية 11 ألفًا و427 حالة وفاة مثل هذه الحالات. ومع ذلك فإنَّ التعذيب لا يمثِّل سوى سببٍ واحدٍ فقط من عدة أسباب للوفاة في سجون الأسد. "معظم السجناء يموتون لأنَّهم لا يحصلون على العلاج الطبي"، مثلما يقول محامي حقوق الإنسان نون.

ويتفق معها رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، الذي يرى أن مغزى إشعارات الوفاة هو رسالة لإغلاق هذا الملف تماماً مشيراً إلى توقعه بارتفاع أعداد من سيعلن عن وفاتهم في الأيام المقبلة وقال: "الحصر المبدئي لمن مات في السجون هو 60 ألف شخص، قضى أغلبهم في فروع المخابرات الجوية وسجن صيدنايا العسكري سيء السمعة، وقد وثقنا منهم وفاة 16 ألف سجين بأسباب مختلفة".

لكن الدكتور تركي الحسن، الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي المقيم في دمشق، له رأي آخر وهو أن "الظرف السابق لم يكن يسمح بمثل هذا الأمر، خاصة وأن جغرافيا واسعة كانت خارج سيطرة الدولة السورية التي لم تكن تحتفظ بأكثر من 20 في المئة من مساحة البلاد العام الماضي". ويضيف أن "الدولة بدأت في استعادة السيطرة وبدأت أجهزتها في العمل، فمن الطبيعي أن تقوم بمهامها لحفظ حقوق الناس من مواريث وممتلكات وغيرها وهذا دليل من دلائل الاستقرار في الدولة".

تحرك قانوني؟

وثقت 55 ألف صورة لنحو 11 ألف معتقل توفوا تحت التعذيب، ما حدث في سوريا. الصور التي سربها ونشرها مصور يدعى "قيصر" – اسم مستعار – والذي كان يعمل بأحد مراكز التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية، أحدثت ضجة عالمية. وتوقع كثيرون أن يتغير التعاطي الدولي مع النظام السوري بسبب ما نسب إليه من جرائم وفق ما ورد بالصور، لكن لم يحدث شيء.

معتقلون في أحد سجون الأسد
"اعتدت أن أفكر في ابني كل ليلة بينما كنت أنام في السرير، تخيلت ما كان يقوم به، على أمل أن يكون بخير"، بينما "كان في القبر كل هذا الوقت". والدة أحد المبلغين بوفاة ابنها "بسكتة قلبية"

فدوى محمود تقول إن منظمتها "تدرس المسألة لمعرفة كيفية التحرك لمقاضاة النظام السوري دولياً". لكنها بدت فاقدة للأمل بقولها:

"لا نعول كثيراً عل المجتمع الدولي، وهو الذي لم نر منه أي تجاوب أو تحرك خلال السنوات الماضية في أي شيء يتعلق بمعاناة الشعب السوري. ونفكر حالياً في أن نطلب من ذوي المتوفين عدم استلام إخطارات الوفاة رغم أن الأمر يعد مخاطرة كبيرة، لكن ما الذي يمكن أن تخسره سيدة بعد أن تفقد أعز من لديها في هذه الحياة؟".

كما أضافت فدوى أن شهادات الوفاة لا توثق لا مكان ولا سبب الوفاة، وأن عشرات الأهالي تسلموا جثث ذويهم وقد شوهها التعذيب، ورغم ذلك يرد في الشهادة التي تسلمهم إياها الشرطة العسكرية السورية أن الوفاة بسبب أزمة قلبية، فيما لا تذكر الشهادة المستلمة من السجلات المدنية سبب الوفاة. وقالت إن "الأسوأ أن من يتأخر أو يمتنع عن استلام الإخطار يفرض النظام عليه غرامات مالية كبيرة عقاباً له".

رسالة تطمين أم تخويف؟

تسارعت وتيرة الانتصارات، التي حققتها القوات الحكومية السورية هذا العام بدعم من روسيا وإيران وأصبحت المعارضة المسلحة لا تمثل حالياً تهديدا عسكريا لحكم بشار الأسد. فيما حثت روسيا اللاجئين على العودة إلى ديارهم قائلة إنه ليس هناك ما يجعلهم يخشون الحكومة السورية وأنها تضمن عدم لجوئها للانتقام أو ملاحقة العائدين. لكن الكثير من النازحين أبدوا تخوفهم من العودة خشية الاعتقال أو التجنيد الإجباري أو الموت تحت التعذيب.

 

الدكتور تركي الحسن الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي يرى أن "الدولة حريصة للغاية على عودة أبنائها سواء النازحين أو من في الخارج، كما أنها أبدت أكثر من مرة استعدادها لاستقبالهم وتهيئة الظروف الحياتية المناسبة لهم" وأضاف أن من أهم العوامل المساعدة على ذلك العفو عمن بالخارج بغض النظر عن الظرف الذي خرج فيه "فهؤلاء تؤمن الدولة عودتهم وإسكانهم ومساعدتهم، وهذا يحدث الآن لمن يعود من الأردن ولبنان فلم يتعرض أحد منهم لا للاعتقال ولا للملاحقة. وكل السوريين لهم حق العودة دون أدنى خوف".

لكن الناشط السوري عدنان الناشي قال خلال مقابلة سابقة إن ما سيحدث هو أنه مع بدء عودة اللاجئين وانتقال الأمور للنظام السوري "ستبدأ دوريات 14 جهاز أمني سوري في عمليات الملاحقة والاعتقال والقتل بحق من عاد ممن تشك تلك الأجهزة في توجهاته السياسية حيال النظام السوري".

وأشار إلى أن السوريين في الخارج لم يعودوا يصدقون مثل هذه الوعود بالأمن والأمان، كما لم يصدقوا تصريحات دول عربية عن عدم إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم في الوقت الذي يتم فيه الضغط عليهم في عدد من البلدان العربية للمغادرة والعودة الى سوريا.

 

عماد حسن / لويس ساندرز

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018