لماذا التحالف مع الأسد خطأ

السياسة الواقعية، وليس أخلاقيات السلوك، تُقدّم الحجج الأقوى لإسقاط الدعوات المتزايدة التي تطالب بإبرام صفقة بين الغرب والنظام السوري، كما يذكر الخبير السياسي هيكو فيمن في تحليله التالي، الذي يرى فيه أيضا أن من شأن إعادة تأهيل النظام السوري بصورة تدريجية -حتى لو حَكَم جزءا من البلاد فقط- أن تشكّل نجاحا استراتيجيا كبيرا لطهران.

الكاتبة ، الكاتب: Heiko Wimmen

مع تحقيق الدولة الإسلامية تقدّماً عسكرياً كبيراً في الأشهر القليلة الماضية، ازدادت التكهّنات بأن نظام بشار الأسد ربما يتّجه نحو إجراء إعادة تأهيل تدريجية. بما أن أياً من البلدان التي انضمت إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية لن يرسل قوات برية، تكتسب الاندفاعة للتعاون مع كل من يرسل قوات برية من بين الأفرقاء المحليين والإقليميين، زخماً متنامياً.

إعادة التأهيل؟

وبما أن شركاء التحالف المفضّلين إما في حالة تشوّش تام (كما الجيش العراقي)، وإما محصورون في مناطق معينة (على غرار قوات البيشمركة الكردية) وإما يكادون لا يستطيعون الصمود في مواقعهم (مثل الجيش السوري الحر)، من شأن نجاح النظام السوري في مواجهة داعش أن يؤدّي إلى ارتفاع أسهم المطالِبين بالانخراط مع الأسد وإخراجه من عزلته.

ومن هؤلاء السير مالكوم ريفكيند، رئيس لجنة الاستخبارات والأمن في بريطانيا، فضلاً عن خبراء وأكاديميين متمرّسين في مجال مكافحة الإرهاب، والرئيس السابق والحالي لمجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة، وراند بول الذي يسعى للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة.

IS-Kämpfer in der nordsyrischen Provinz Rakka; Foto: Reuters
Die nordsyrische Provinz Rakka im Griff der IS-Dschihadisten: In jüngster Vergangenheit endeten Gefechte zwischen dem IS und der syrischen Armee zumeist mit einer klaren Niederlage der Truppen Assads. Die mittlerweile gängige Methode der syrischen Armee, ihre Kämpfer einem Gegner auszusetzen, der keine Gnade kennt, hat zudem zu einer weiteren Verschlechterung der sowieso schon angeschlagenen Moral der Soldaten Assads geführt.

رفض قاطع؟

لقد رفض صنّاع السياسات في باريس ولندن وواشنطن الفكرة رفضاً قاطعاً، مشيرين إلى سجل النظام السوري المشين في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. مما لا شك فيه أن استناد القادة السياسيين إلى الاعتبارات الأخلاقية في خياراتهم في السياسة الخارجية أمر يستحق الثناء، لكن السؤال يبقى إذا كانت هذه المواقف المستندة إلى المبادئ ستصمد في حال فشلت المقاربة الحالية القائمة على شن هجمات جوية محدودة في تحقيق النتائج المرجوة.

ماذا لو استولت الدولة الإسلامية مثلاً على مدينة حلب في شمال سوريا أو تقدّمت باتجاه مدينة سلمية مهدّدةً بارتكاب مجزرة جماعية بحق سكّانها الإسماعيليين الذين يعتبرهم المتشدّدون هراطقة؟ إذا كان التعاون مع تنظيمات مصنّفة على لائحة الإرهاب مقبولاً للدفاع عن كوباني الكردية، فما الذي يمنع أن يكون التعاون مقبولاً مع النظام السوري؟

شكوك حول قدرة جيش الأسد

بيد أن تحليلاً معمّقاً يكشف أن التداعيات السلبية لأي تعاون محتمل مع الأسد تتخطّى بأشواط المنافع المزعومة. حتى إن هناك علامة استفهام كبيرة حول تمتُّع الأسد بالقدرة العسكرية لدحر داعش. فعلى الرغم من امتلاك الجيش السوري النظامي معدات أكثر تفوّقاً إلى حد كبير، فإن ماتبقّى منه لم يحقق سوى تقدّم بطيء جداً في مواجهة زمر الجيش السوري الحر المبعثرة التي تعاني من سوء التسليح وغياب التنسيق المناسب.

معظم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام تقع الآن تحت إمرة ميليشيات تعتاش من النهب والابتزاز، وهي لاتجدي نفعاً في القتال الطويل الأمد. في الأشهر الأخيرة، نجحت مجموعات صغيرة من الثوار مجهّزة بصواريخ "تو" المضادة للدبابات في صدّ هجمات النظام مراراً وتكراراً، ماأثار شكوكاً جدّية حول قدرة جيش الأسد على شن عمليات هجومية ضد مقاتلي الدولة الإسلامية المجهّزين جيداً والذين يأتمرون بقيادةٍ فعّالة.

Regierungstruppen Assads im Umland von Damaskus; Foto: Reuters
Geschwächt und auf den alawitischen Machtbereich zurückgedrängt: In den vergangenen Monaten ist es kleinen Rebellengruppen, ausgerüstet mit modernen Panzerabwehrwaffen, wiederholt gelungen, Regierungsattacken abzuwehren, was ernsthafte Zweifel daran aufkommen lässt, ob Assads Armee in überhaupt in der Lage wäre, militärische Offensiven gegen die gut ausgerüsteten und effektiv organisierten Kämpfer des IS durchzuführen.

ففي الماضي القريب، انتهت معظم المواجهات بين الدولة الإسلامية والجيش السوري بتعرّض هذا الأخير لهزيمة نكراء. وقد تراجعت معنويات الجيش السوري أكثر فأكثر بعدما بات معلوماً أن النظام يتخلّى عن جنوده ويتركهم في قبضة عدوٍّ لايعرف الرحمة. ليس صحيحاً على مايبدو أن الجيش السوري يمكن أن يشكّل "قوة برية مقبولة" في مواجهة داعش، كما يقترح رئيس مجلس الشؤون الخارجية سابقاً ليزلي غيلب.

تعميق البعد المذهبي للصراع

ربما يخفي هذا الواقع جانباً إيجابياً، لأن إحراز الجيش السوري تقدّماً مهماً في مواجهة داعش لن يؤدّي سوى إلى تعميق البعد المذهبي للنزاع. فالوحدات الأكثر فعالية التي لايزال بإمكان الأسد نشرها على الأرض تتألف في شكل أساسي من العلويين الذين يتولّون أيضاً الغالبية الساحقة من المناصب القيادية في تلك الوحدات، في حين أن الفريقَين الخارجيين اللذين يمدّان الأسد بالمؤازرة - حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني - يتألفان حصراً من الشيعة.

وإذا اجتاحت هذه القوات المناطق ذات الأكثرية السنّية التي تسيطر عليها الآن الدولة الإسلامية، فسوف يزداد الجهاديون تمسّكاً بروايتهم عن معركة تاريخية يخوضونها ضد "الهراطقة" الذين يخونون الإيمان الحقيقي. وسوف تكون هذه البروباغندا فعّالة جداً لاسيما وأن سجل النظام يُظهر أن أي اجتياح من هذا القبيل سيترافق مع فظائع وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين. علاوةً على ذلك، إذا بدأت هذه المجموعات تعتبر أن التحالف المناهض للدولة الإسلامية يسهّل حدوث هذه المجزرة، ولو عن غير قصد، فسوف يضع الجهاديون جميع أعدائهم - الشيعة والعلويين، والإمبرياليين، والغرب والأنظمة الملَكية العربية - في سلّة واحدة، مايمنح الدولة الإسلامية الأداة الأكثر فعالية لاستقطاب المجنّدين إلى صفوفها.

والأسوأ هو التأثيرات التي يمكن أن تمارسها هذه المعطيات على المسلمين السنّة الذين لايتبعون (حتى الآن) الأفكار المتشدّدة، لكنهم مستاؤون جداً من ازدواجية المعايير التي يعتبرون أن العواصم الغربية تتعاطى من خلالها مع المجزرة التي يتعرّض لها أبناء طائفتهم في سوريا. يتكوّن انطباعٌ كارثي بأن القوى الغربية لاتبادر إلى التحرّك إلا عندما تكون الأقليات الدينية أو الإثنية - الشيعة أو المسيحيون أو اليزيديون أو الأكراد - مهدّدة.

Explosion von Fassbomben durch syrische Kampfjets in Aleppo; Foto: Getty Images
Bilanz des Schreckens: Im syrischen Bürgerkrieg sind allein im vergangenen Jahr nach Informationen der syrischen Beobachtungsstelle für Menschenrechte mehr als 76.000 Menschen ums Leben gekommen. Beinahe jedes vierte Opfer in dem blutigen Konflikt war 2014 ein Zivilist. Unter den Toten waren demnach 3.500 Kinder und fast 2.000 Frauen.

تهديد للتعاون مع السنّة وللتماسك الإقليمي

التعاون مع الأسد لن يعزّز جاذبية المجموعات الجهادية في سوريا وحسب، بل يمكن أن يهدّد أيضاً التعاون مع السنّة المعتدلين، بما في ذلك أجزاء من الجيش السوري الحر. وسوف يؤدّي ذلك إلى ازدياد أعداد المنشقّين الذين سيلتحقون بالتنظيمات الجهادية، وقد يتحول عدد كبير من المجموعات الإسلامية التي توصَف بـ"المعتدلة" نحو التطرّف.

كما أنه من شأن التحالف مع الأسد أن يمارس تأثيراً عميقاً على التماسك الإقليمي. لقد أعلنت تركيا، الحليفة المتردّدة، بوضوح شديد أنها تعتبر أن الأسد، وليس داعش، هو المشكلة الأساسية. وإذا توصّلت القيادة التركية إلى الاستنتاج بأنه لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الدولة الإسلامية سلم أولويات مختلف، فلن تنفع الجهود من أجل إقناع أنقرة بوقف تدفّق المجنّدين والإمدادات إلى "داعش" عبر الحدود التركية-السورية الطويلة.

وسوف تطال التداعيات أيضاً التحالف مع بلدان الخليج. فعلى الرغم مما يوحي به ظاهر الأمور، لا يستطيع ملوك الخليج فرض سياسات خارجية غير شعبية من دون أن تحظى بتأييد الأفرقاء المعنيين في صفوف النخبة، وأعضاء الأسر الحاكمة، والسلطات الدينية. تشهد هذه المجتمعات تململاً مذهبياً شديداً ودعماً أيديولوجياً كبيراً للإسلاميين (السنّة) المتشدّدين، وقد ساهمت الشبكات الخاصة من الأشخاص الأثرياء والنافذين، إلى حد كبير في صعود تنظيمات مثل "داعش" في المقام الأول.

وكانت للأجهزة الأمنية الخليجية، في البداية على الأقل، حصتها في هذا الإطار. إذا ولّد التحالف انطباعاً بأنه يتعاون مع الأسد، فسيصبح من الأصعب إبقاء هذه النزعات تحت السيطرة، وسوف يتعرَّض حكام الخليج لضغوط متزايدة في الداخل كي يخفّضوا مشاركتهم في التحالف أو ينسحبوا منه.

هيكو فيمن. Foto: DW
هيكو فيمن مساعد بحوث في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنيةStiftung Wissenschaft und Politik - SWP في برلين.

قد يكون الحكّام أنفسهم أشد قلقاً بشأن تأثير المتشدّدين على مجتمعاتهم وما يمكن أن ينجم عنه من زعزعة للاستقرار. بيد أن هذه الهواجس يحجبها الخوف الأعظم من الاندفاعة التي يمكن أن تحصل عليها أطماع الهيمنة الإيرانية في حال بقاء الأسد في السلطة.

من شأن إعادة تأهيل النظام السوري بصورة تدريجية، حتى لو حكَم جزءاً من البلاد فقط، أن تشكّل نجاحاً استراتيجياً كبيراً لطهران. ففي هذه الحالة، لن تتمكّن إيران فقط من تعزيز نفوذها على ثلاث دول عربية (لبنان وسورية والعراق) - التي يبلغ عدد سكانها مجتمعةً 60 مليون نسمة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد مواطني السعودية، والتي تمتدّ أراضيها معاً من نهر دجلة إلى ضفاف المتوسط - بل ستوجّه أيضاً رسالة واضحة عبر المنطقة بأن من يحصلون على دعمها يتمكّنون من الصمود والحفاظ على مواقعهم. إلى جانب دول الخليج، سوف تبذل إسرائيل أيضاً مساعي لدى واشنطن من أجل الحؤول دون التوصل إلى مثل هذه النتيجة، لأنها قد تعني إقراراً ضمنياً من الإدارة الأمريكية بدور إيران الإقليمي.

التفكير في التعاون مع الأسد يتغاضى عن نقاط ضعفه، ناهيك عن الدمار الذي يمكن أن يلحقه بالتحالف المناهض لتنظيم "داعش". وقد يؤدّي بسهولة إلى انهيار هذا الائتلاف، كما أنه يتطلّب خيارات في السياسات ليست الولايات المتحدة جاهزة لاتّخاذها.  وتبدو السياسة الواقعية هي الرادع الأقوى ضد إبرام صفقة مع الأسد.

 

 

هيكو فيمن

حقوق النشر: صدى 2014

 

هيكو ويمن مساعد بحوث في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية Stiftung Wissenschaft und Politik - SWP في برلين.