أدلة رقمية دامغة ضد مجرمي حرب سوريا

مشروع أرشيفي رقمي في العاصمة الألمانية. يجمع مئات آلاف مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت حول الحرب السورية. ويُتحقق من صحتها بأساليب بحثية علمية، لكشف جرائم: كقصف المستشفيات بالغارات الجوية، وارتكاب مذابح بحق المدنيين، واستخدام أسلحة محرمة: كالقنابل العنقودية والكيماوية. أدلة لها أهميتها لإدانة مجرمي الحرب في محاكمات مستقبلية. ديفيد زيبرت يسلط الضوء على هذا المشروع الأرشيفي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: David Siebert

مكتب فيه نباتات اليوكا والأرائك في مبنى تجاري سابق في العاصمة الألمانية برلين. خمسة نشطاء أعمارهم في الثلاثين يجلسون أمام أجهزة كمبيوتر محمولة. صور مروِّعة معروضة على الشاشات - من المحتمل أنَّها لضحايا الهجوم الوحشي بالغاز السام على منطقة الغوطة الشرقية في سوريا في مطلع شهر نيسان/أبريل 2018.

في مقطع فيديو غير واضح ومُصوَّر بجهاز هاتف ذكي، يظهر رجلٌ سوري يبكي ويقف أمام جثث مكدَّسة فوق بعضها، ومعظمها لأطفال على أفواههم رغوة بيضاء وعيونهم مفتوحة على وسعها ووجوههم مشوَّهة بشكل غريب. يقول الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان، هادي الخطيب: "يتم كلَّ يوم تحميل نحو أربعمائة مقطع فيديو مثل هذا الشريط على كلٍّ من موقع يوتيوب وتويتر وفيسبوك ومواقع مشابهة. وهذه المقاطع مصدرها من مراسلين صحفيين، ومن جماعات حقوق الإنسان أو من أشخاص عاديين وكذلك من كاميرات المراقبة". توثيق الانتفاضة ضدَّ نظام الأسد بالهواتف الذكية هادي الخطيب عمرة ثلاثة وثلاثون عامًا، كان يدرس الاقتصاد السياسي في دمشق ويعمل إلى جانب دراسته كمختص في تكنولوجيا المعلومات. في عام 2010 هرب من سوريا إلى أوروبا ليتجنَّب أداء الخدمة العسكرية. وكان يتابع بدايات الربيع العربي من داخل منفاه على شبكة الإنترنت. وضمن هذا السياق يقول: "لقد كان ذلك حينها ظاهرة جديدة: آلاف من الأشخاص كانوا يُوَثِّقون الاحتجاجات بهواتفهم الذكية وينشرون فيديوهاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي".

ناشطون في مقر "الأرشيف السوري" الهادف إلى تسجيل انتهاكات حقوق الإنسان جراء الحرب  السورية.  Foto: David Siebert
Durchforsten des Internets nach digitalem Beweismaterial: „The Syrian Archive“ hat es sich zum Ziel gesetzt, Menschenrechtsverletzungen im Zuge des syrischen Bürgerkriegs festzuhalten – für Wissenschaftler, aber auch für mögliche internationale Ermittlungen, erklärte Al Khatib. Die Aktivisten arbeiten unter anderem mit Amnesty International und syrischen Journalisten zusammen.

ومع زيادة مقاطع الفيديو الخاصة بالفظائع المرتكبة في الحرب السورية، أسَّس هادي الخطيب في عام 2014 أرشيفه في برلين: "في البدء كان هدفنا حفظ مقاطع الفيديو، لأنَّ مواقع شبكات التواصل الاجتماعي تقوم بحذف العديد من مقاطع الفيديو عند اعتبار محتوياتها غير مناسبة". ففي عام 2017 مثلًا حذف موقع يوتيوب نحو ثلاثمائة ألف مقطع فيديو حول الحرب السورية. وكان من المفترض حذف أشرطة الفيديو الدعائية الخاصة بتنظيم "الدولة الإسلامية". ولكن بما أنَّ لوغريتمات الحذف هذه العاملة ذاتيًا لا تستطيع تحديد مصدر هذه المواد المصوَّرة، فقد شملت عملية الحذف أيضًا مقاطع فيديو مرفوعة من قبل صحفيين أو مجموعات الإغاثة، التي تعمل على توثق جرائم الحرب. غير أنَّ "الأرشيف السوري" تمكَّن من حفظ غالبية مقاطع الفيديو قبل حذفها. بعد حفظ المواد يتعيَّن فحصها بدقة. وبحسب تقدير هادي الخطيب فإنَّ "نحو خمسة في المائة من هذه المقاطع هي أخبار مزيَّفة، يتم استخدامها من قِبَل جميع أطراف الحرب!" ولهذا السبب فإنَّ الناشطين يتحقَّقون من بيانات تعريف الحسابات، التي تنشر مقاطع الفيديو. وفي العادة تشير التناقضات في تحديد الأماكن والزمان، بالإضافة إلى إحداثيات الـ"جي بي إس" أو سجل نشر القنوات الاجتماعية إلى وجود أخبار كاذبة. الكشف عن الأخبار الكاذبة وبالإضافة إلى ذلك يتم إخضاع المواد المصوَّرة للمسح الضوئي عن طريق البحث عن الصور بالعرض العكسي - مثلًا في حالة الأخبار الكاذبة حول هجوم سلاح الجو الأمريكي على سوريا في منتصف شهر نيسان/أبريل 2018. وحول ذلك يقول هادي الخطيب مبتسمًا: "بعد وقت قصير من الهجوم، تم نشر مقاطع فيديو أوكرانية كان من المفترض أنَّها تعرض تصويرًا ليليًا مزعومًا لوابل القنابل الملقاة على دمشق. وقد أظهرت تحرِّياتنا أنَّ هذه المواد المصوَّرة قد تم تصويرها قبل ثلاثة أعوام وهي في الأصل من مصادر أوكرانية!". 

الناشط السوري في مجال حقوق الإنسان هادي الخطيب.  Foto: David Siebert
 Zwischen 2012 und 2018 seien bislang 212 mutmaßliche Attacken mit chemischen Waffen erfasst worden, berichtet der Gründer des Projekts "Syrian Archive", Hadi Al Khatib. Das "Syrian Archive" soll bislang verstreute Berichte und vor allem Videos von Chemiewaffen-Angriffen zentral verfügbar machen und auf ihre Echtheit hin überprüfen. Mehr als 800 Aufnahmen hat das Projekt nach Angaben bislang verifiziert und auf Servern gesichert.

وهؤلاء الناشطون - الذين باتوا يتلقون دعمًا ماليًا من قِبَل صندوق النماذج التابع لوزارة التعليم والبحث الألمانية الاتِّحادية (BMBF) - يعملون أيضًا بالتعاون مع جماعات حقوق الإنسان السورية والصحفيين، الذين يتحقَّقون بدورهم ميدانيًا عمَّا إذا كان الأشخاص، الذين يقومون بتحميل هذه المساهمات على وسائل التواصل الاجتماعي، يعتبرون جديرين بالثقة، بالإضافة إلى أنَّهم يسألون الشهود. يلجأ الناشطون في تحرّياتهم حول صحة المواد المصوَّرة إلى تحديد الموقع الجغرافي. حيث تتم مقارنة النقاط المرجعية في مقاطع الفيديو، مثل الشوارع والطرق أو الجبال أو معالم المباني مع برنامج غوغل إيرث أو صور الأقمار الصناعية الأخرى، من أجل التحقُّق من معطيات الموقع.  وبالإضافة إلى ذلك يستخدم الناشطون أرشيفات الطقس على الإنترنت من أجل التحقُّق من الأحوال الجوية. وكذلك تتم مراجعة حتى المعلومات حول وضع الشمس والظل، من أجل التحقُّق من المعلومات حول الموقع والوقت. تستطيع أيضًا المجموعة البحثية متابعة حتى حركة الطائرات - بمساعدة صور الأقمار الصناعية من مزوِّدي الخدمات مثل ديجيتال غلوب أو إيرباص. التقصي عن استخدام الأسلحة الكيماوية وعلى سبيل المثال، فقد بحث الناشطون أيضًا حول الهجوم المفترض بالغازات السامة على منطقة دوما السورية في بداية شهر نيسان/أبريل 2018، وربما قد سقط ضحيته أكثر من خمسين قتيلًا. وحول ذلك يقول هادي الخطيب: "لقد تحقَّقنا باستخدام تحديد الموقع الجغرافي من أنَّ مقاطع الفيديو، التي يظهر فيها سقوط قذائف غاز هناك، هي في الواقع من دوما. في الماضي تم إلقاء مثل هذه القذائف في سوريا عدة مرات من المروحيات. حيث تظهر بيانات حركة الطائرات ساعة الهجوم تحليقَ مروحية روسية فوق دوما - من الممكن أنَّه تم استخدامها من قِبَل الجيش السوري. وهذا ليس دليلًا قاطعًا مائة في المائة، ولكنه يقدِّم مؤشرات واضحة".  لقد قام "الأرشيف السوري" بحفظ أكثر من مليون مقطع فيديو، تم التحقُّق من صحة أكثر من أربعة آلاف مقطع منها. وكمشروع مفتوح المصادر يتيح هذا الأرشيف نتائج تحرِّياته للجميع - وخاصة لمنظمات حقوق الإنسان وللصحفيين والمؤرِّخين. بالإضافة إلى ذلك يقوم الناشطون بإنشاء ملفات حول جرائم الحرب المفترضة، مثل استهداف المستشفيات بالغارات وارتكاب مذابح بحقّ المدنيين أو استخدام أسلحة محرَّمة مثل القنابل العنقودية - بالتعاون مع شركاء يقومون بأبحاث مشابهة على الإنترنت، مثل منظمة العفو الدولية وموقع بيلينغ كات الاستقصائي أو جامعة بيركلي الأمريكية. وفي هذا العمل يعلق المحقِّقون الباحثون في شبكة الإنترنت أهمية كبيرة على استقلالهم - بهدف توثيق العنف الصادر من جميع أطراف الحرب. يقول هادي الخطيب: "لقد أظهرت أبحاثنا على سبيل المثال أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية قد استخدم عدة مرات غاز الخردل في سوريا، وكشفنا عن أنَّ سلاح الجو الأمريكي قد قصف في شهر آذار/مارس 2017 مسجدًا في حلب، كان معظم الضحايا الموجودين فيه من المدنيين". غير أنَّ الغالبية العظمى من جرائم الحرب في سوريا تم ارتكابها من قبل نظام الأسد، بحسب هادي الخطيب.

الدمار في مدينة حمص - سوريا.
الغالبية العظمى من جرائم الحرب في سوريا تم ارتكابها من قبل نظام الأسد: "لقد أظهرت أبحاثنا على سبيل المثال أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية قد استخدم عدة مرات غاز الخردل في سوريا، وكشفنا عن أنَّ سلاح الجو الأمريكي قد قصف في شهر آذار/مارس 2017 مسجدًا في حلب، كان معظم الضحايا الموجودين فيه من المدنيين". غير أنَّ الغالبية العظمى من جرائم الحرب في سوريا تم ارتكابها من قبل نظام الأسد، بحسب هادي الخطيب.

أدلة رقمية ضدَّ مجرمي الحرب من المفترض أنَّ أحدث التحرِّيات الجماعية قد أثبتت وقوع مائتين واثني عشر هجومًا بالأسلحة الكيماوية في سوريا بين عامي 2012 و2018. ومن أجل التحقُّق من ذلك تم تحليل ألفي مقطع فيديو ورسائل على موقع تويتر ومشاركات على فيسبوك. وعلى المدى الطويل من المفترض أن تساعد مثل هذه البيانات في إدانة مجرمي الحرب - مثلًا في المحاكمات المستقبلية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. علمًا بأنَّ هذه المحكمة قد أصدرت لأوَّل مرة في عام 2017 مذكِّرة اعتقال استندت بشكل تام إلى معلومات من شبكات التواصل الاجتماعي. ومن المفترض أيضًا أن تتم عمليات البحث على الإنترنت عن أدلة رقمية بشكل أسرع في المستقبل. حيث يعرض "الأرشيف السوري" في معرض الإنترنت re:publica 2018 ببرلين برنامجه الجديد مفتوح المصادر VFRAME. وهذا البرنامج يبحث بشكل تلقائي في مقاطع الفيديو المتزايدة باستمرار على شبكة الانترنت عن أدلة تثبت استخدام أسلحة غير مشروعة - مثل الذخائر العنقودية، ومن المفترض أن يساعد مجموعات حقوق الإنسان في جعل عملية إثبات جرائم الحرب أكثر سهولة.    ديفيد زيبرتترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de