أميرة صوفية عالمية عابرة للأديان ومناضلة ضد النازية

مثالية ومواطنة عالمية وتتملكها الشجاعة البطولية. تلك هي الأميرة الصوفية نور عنايت خان. بمناسبة مرور ما يقارب الخمس والسبعين سنة على وفاة نور صدرت الترجمة الألمانية لكتابها "الملك أكبر وبناته". عملت نور كجاسوسة للبريطانيين في فرنسا ضد الاحتلال النازي. وفي نهاية المطاف، أُلقي عليها القبض ولقيت حتفها في النهاية في معسكر الاعتقال النازي في داخاو، جنوب ألمانيا. إيرك شومخر يعرفنا بقصة حياة هذه الأميرة الصوفية.

الكاتبة ، الكاتب: Eric Schumacher

تتصدر الأميرة الصوفية والموسيقية والكاتبة المُحتفى بها والمناضلة ضد النازية، نور عنايت خان، أحد المراكز الأولى لقائمة موقع Rejected Princesses. يرمي الموقع لتسليط الضوء على قصص أميرات، يرى القائمون على الموقع أنهن يستحققن أن تقوم شركة والت ديزني بإنتاج فيلم رسوم متحركة حول حياتهن. يا تُرى من تكون هذه المرأة، التي لا يُخلَّد اسمها في ألمانيا إلا بلوحة تذكارية في معسكر ومحرقة الاعتقال النازي في داخاو، شمال مدينة ميونخ الألمانية.

أبصرت نور النساء عنايت خان النور في اليوم الأول من عام 1914 في موسكو، حيث كان يدرّس والدها الموسيقى في كونسرفاتوار موسكو. نور هي الابنة الكبرى للأمريكية أورا راي بيكر والموسيقي والصوفي المشهور حضرة عنايت خان. ونور، كذلك، حفيدة حاكم سلطنة مايسور الهندية، السلطان تيبو (1750-1799)، الذي شن ثلاث حروب ضد القوة الاستعمارية البريطانية.

كان على العائلة الفرار إلى العاصمة البريطانية لندن مع بدايات الحرب العالمية الأولى. هناك رزقت العائلة بثلاثة أبناء جدد: فيلايات وهدايات وخير النساء. بعد ست سنوات استقر المقام بالعائلة في ضاحية سيرسين الباريسية. هناك عاشت الأسرة حياة عائلية سعيدة تملؤها الموسيقى والروحانية والدراسات الدينية. وكان بيت العائلة محجاً لضيوف كثر من مختلف أنحاء العالم. وحتى بعد رحيل والدها عام 1927 وتحمل نور مسؤولية الأسرة وإخوتها ظل بيت العائلة، "منزل الفضل" (بيت البركة)، حضناً آمناً للعائلة.

Buchcover "König Akbar und seine Tochter" im Heilbronn-Verlag
Unter dem Titel "König Akbar und seine Tochter" sind die Erzählungen aus dem Nachlass der Sufiprinzessin Noor Inayat Khan jüngst auf Deutsch im Verlag Heilbronn erschienen.

في سبيل الوحدة السلمية لكل البشر

تلقت نور في باريس تعليماً موسيقياً على آلتي القيثار والبيانو على يد عدة أساتذة، من بينهم مدرسة التأليف الموسيقي الشهيرة ناديا بولانجيه (1887-1979). كما درست نور علم نفس الأطفال في جامعة السوربون، وكتبت عموداً صحفياً في صحيفة لوفيغارو. ونشرت عام 1939 كتاب "عشرون حكايا من جاتاكا"، وهي قصص تعليمية عن التجليات الأولى للبوذا سيدهارتا غوتاما (عاش في القرن الخامس قبل الميلاد على وجه التقريب).

في هذه الحكايا، رسمت نور الملامح الأساسية لعقيدتها، والتي تتمحور حول الاستعداد للنضال في سبيل الوحدة السلمية لكل البشر، وحتى لو كلفها ذلك حياتها. وبناء عليه، بحثت-وبمثابرة-في تراث كل الأنبياء والثقافات الدينية، وذلك بهدف الكشف عن النواة المشتركة بينها، وللتغلب على الصعوبات التي تعترض طريق التواصل بين هذه المعتقدات.

في عام 1940 بعد الاحتلال النازي لباريس، وجدت العائلة نفسها مضطرة للفرار إلى لندن. وهناك في لندن وبسبب التقارير الإعلامية عن الظروف اللاإنسانية في معسكرات الاعتقال النازية، قررت نور وأخوتها-وبسرعة-الانضمام إلى صفوف المقاومة. انضمت نور إلى "وحدة المهام الخاصة"، وهي وحدة استخباراتية بريطانية، وتخصصت بالاتصال اللاسلكي. في حين انضم أخوها فيلايات إلى سلاح البحرية الملكية البريطانية.

وخلال هذه الفترة، تابعت نور كتابة القصة تلو الأخرى. لم تنضب قدرتها على الاستيعاب وطاقتها الفنية. فراحت تنقب عميقاً في تاريخ الأدب الأوروبي، وتحديداً في القصائد الملحمية في العصور الوسطى. وكما تناولت، أيضاً، القصص غير أوروبية: شهرزاد، والحكيم السلطان جلال الدين محمد أكبر (1556-1605)، والموسيقية والشاعرة الصوفية الهندية ميرا باي (1498-1546). ثم تابعت مسيرتها في في الكتابة عن الأساطير الروسية والبولونية وعن الحكايات الأسطورية اليونانية والشمال أوروبية. كما أفردت ثلاث قصص للمسيحية وعلى وجه الخصوص لاحتفالات رأس السنة، التي أحبتها كثيراً.

عشق الأبطال

في كل القصص التي كتبتها، انجذبت نور للأبطال الذين يرتقون ويترفعون على أنفسهم ويتعثرون مراراً وتكراراً. أحبت روي الحكايات عن سوء السلوك الأخلاقي ولكن في نفس الوقت تشجع على تهذيب الروح وصولاً إلى الوعي الضميري. وتلك عملية لا تنتهي، يتخللها ارتكاب أخطاء ونكسات، الأمر الذي لا يمكن التغلب عليه إلا بنصيب وافر من الفكاهة.

في تموز/يوليو من عام 1943 أقلعت طائرة بريطانية بنور إلى خلف خطوط العدو النازي في فرنسا. ومن هناك ساعدت المقاومة الفرنسية لتصبح في النهاية آخر وسيلة اتصال لاسلكية بين الحلفاء والمقاومة الفرنسية. وعلى الرغم من تبنيها النهج السلمي تدربت على استخدام السلاح، غير أنها تركت مسدسها في إنكلترا ولم تأخذه معها إلى فرنسا.

يكتب شقيق نور، فيلايات، في مذكراته: "أحياناً أسال نفسي إذا كان من يعيشون برفاهية في مجتمعاتنا المعاصرة اليوم أو على الأقل من ينعمون بالحرية السياسية التي تقدر بثمن غال، يدركون أنهم مدينون لأولئك الذين ماتوا وعُذبوا من أجلهم".

تعذيب واعتداء جنسي وقتل

حسب ما تذهب إليه الأقاويل، فإن جمال نور جلب عليها الوبال. فقد وشت بها أخت إحدى العملاء، مما حدا بالبوليس السري النازي (غيستابو) للقبض عليها. وبعد فشلها مرتين في الهرب، تم نقلها إلى سجن في مدينة بفورتسهايم، جنوب غرب ألمانيا. تعرضت للتعذيب وللتجويع الشديد وربما للاغتصاب، قبل نقلها أخيراً إلى معسكر الاعتقال النازي في داخاو. 

في الثالث عشر من سبتمبر/ أيلول من عام 1944 أخذ ضباط من "الوحدات الوقائية" النازية (إس إس) نور وثلاثاً من زميلاتها في "وحدة المهام الخاصة" إلى جدار بالقرب من أفران الغاز في المعسكر. هناك كان الضابط المسؤول عن المعسكر، إدوارد فايتر، واثنان من زملائه بالانتظار. أُمرت النسوة بالجثو على ركبهن وأن تشبك كل منهن اليدين معا. تم قتلهن بعيار ناري في مؤخرة الرأس. كانت آخر كلماتها: حرية، بحسب ما جاء في سيرتها الذاتية المثيرة للإعجاب، التي وضعتها شريبانو باسو. حملت السيرة الذاتية العنوان التالي: "الأميرة الجاسوسة". 

بعد وفاتها، كرمتها إنكلترا بمنحها وسام "صليب جورج" (أرفع وسام يحصل عليه المدنيون في المملكة المتحدة)، وكرمتها فرنسا بمنحها وسام "صليب الحرب". وقد تم إقامة نصب تذكاري لها في ساحة غوردون في لندن، حيث كانت يطيب لها الجلوس هناك للقراءة والكتابة. وبذلك تكون نور المرأة الآسيوية الأولى والوحيدة حتى الآن، التي أُقيم لها تمثال في لندن. وقد رفعت الأميرة البريطانية آن الستار عن التمثال في عام 2012. وكما قامت الفائزة بجائزة نوبل هيلين ميرين بدور الراوي في فيلم "عدوة الرايخ، الذي يجسد حياة نور. يقدر المسلمون وغير المسلمين في كل أنحاء العالم نور كتجسيد للفروسية الروحية. ومن يعلم ربما يقام لها ذات يوم نصب تذكاري في ألمانيا أو ربما تقوم شركة ديزني لإنتاج الأفلام بصناعة فيلم رسوم متحركة عن أميرة على هيئة نور عنايت خان.

أكثر ما هز نور من الأعماق هو الاضطهاد والقتل الجماعي لليهود في أوروبا. يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: لماذا يسمح الرب بالكثير من الشرور والرعب في هذه العالم. بكل ما حباها الخالق من موهبة، أجابت: كل البشر لديهم الحرية لاختيار فعل الخير؛ "اختيار فعل الخير هو دعوة الرب الواحد لكل البشر"، كما جاء بحرفية إجابتها.

كتابات نور عنايت خان الأدبية ومقاومتها اللاعنفية للنظام النازي تجسيد حيّ لصوفيتها العابرة للأديان.

 

إيرك شومخر

الترجمة من الألمانية: خالد سلامة

 حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

صدرت الترجمة الألمانية لكتاب نور النساء عنايت خان "الملك أكبر وبناته" عن دار نشر هايلبرون الألمانية. ISBN 978-3-936246-19-3