ملف خاص: الحضارة الإسلامية في الأندلس

بعد ثمانية قرون من المجد والحضارة لا يزال تاريخ الأندلس عنواناً لتلاقح الثقافات وتعايش الأديان. الملف التالي من موقع قنطرة يسلط الضوء على تاريخ الأندلس المشترك.

عندما تحولت قرطبة في القرن العاشر الميلادي من إمارة إلى جزء من الخلافة الإسلامية كانت المدينة قد زاد عدد سكانها إلى 500 ألف نسمة. كان يعيش بها مسلمون ويهود ومسيحيون، وكانوا يستخدمون ويحافظون على جسر الرومان (الباقي حتى اليوم)، وكانوا يبنون دور العبادة دون عائق. ليس من العجيب إذن أن يتبنى مؤرخو الفن الأوروبيون في القرن التاسع عشر النظرية التي تقول إن بدايات الفن القوطي في أوروبا مستمدة من الأقواس المدببة والأقبية في المساجد والقصور الموريسكية في إسبانيا.

لم تكن "المِسكيتا" في قرطبة هي المعنية بهذا الكلام، بل عدد وافر من الأعمال المعمارية. وأشهر تلك البنايات هو قصر الحمراء الذي شيده بنو نصر قصراً للمتع والملذات في غرناطة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، أما أجملها فنجدها - إلى جانب تلك المقامة في قرطبة - في مدينة طليطلة. الكنيسة التي تلقى أكبر إقبال من الزوار في طليطلة، وهي كنيسة سانتا ماريا لا بلانكا Santa Maria la Blanca ، بُنيت عام 1180 كمعبد يهودي حسب الطراز الموريسكي، ثم حُولت إلى كنيسة عام 1405 بعد طرد اليهود من المدينة. وتعد الكنيسة الصغيرة إل كريستو دي لا لوز El Cristo de la Luz  مَعلماً آخر من معالم المدينة، وهي كانت قد أُسست كمسجد، يُعرف باسم باب المردوم، في عام 999، ثم حول المسجد إلى كنيسة عام 1085، وفي القرن الثاني عشر تم توسيعها على الطراز الأندلسي الموريسكي المدجن، طراز "الموديخار".

ضربات موجهة إلى النسيج البنائي الرقيق

وبعد مرور مئة عام ما كان ليكون مثل هذا التوسع الموريسكي ممكناً، إذ كان كلما زادت محاكم التفتيش، أمسى التعامل أكثر تعصباً مع كل ما هو موريسكي. وفي عام 1227 تعرض الجامع الرئيسي في طليطلة للتدمير، ولم ينقذه من هذا المصير أنه كان في الأصل كنيسة البلاط التي يصلي فيها الملوك القوط الغربيون المسيحيون. آنذاك طالب الملك فريديناند الثالث، المسمى بالقديس، بتشييد بيت عبادة قوطي مسيحي "طاهر"، وأمر، لذلك، بهدم الجامع. في قرطبة كان الملك أكثر تسامحاً – صحيح أن المسجد الجامع، "المِسكيتا"، أصبح مسيحياً، لكنه ظل كما هو، بغض النظر عن بناء بعض الكنائس الصغيرة الملحقة.

وبعد مرور ثلاثمئة عام كان التسامح والتساهل قد ولى وانقضى إلى غير رجعة، فوضع أسقف قرطبة في عام 1523 حجر الأساس لكاتدرائية جديدة في قلب صحن المسجد، وإنْ كان قد وُوجِهَ بالاحتجاجات من قِبَل مجلس المدينة. وحسبما يُقال فإن القيصر كارل الخامس قال، بعد أن تفقَّدَ الكنيسة التي كانت أعمال البناء فيها أوشكت على الانتهاء: "لقد شيدتم بناءً له مثيلٌ في أماكن أخرى – ومن أجل ذلك دمرتم بناءً كان فريداً في العالم كله". غير أن هذا لم يمنع القيصر من أن يبني قصراً مكعباً يبدو كالمخبأ، وكأنه بذلك يوجه لكمة إلى النسيج البنائي الرقيق للقصور الموريسكية وملحقاتها.

 

لمتابعة المقال حول تاريخ الإسلام في الأندلس...