استراتيجية إردوغان القومية تستعيد الأغلبية المطلقة البرلمانية

يحلل النائب الهولندي السابق والخبير في شؤون تركيا، يوست لاخندايك، الفوز الذي حققه "حزب العدالة والتنمية" بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات البرلمانية، وكذلك يسلط الضوء في حواره التالي مع الصحفي ميشائيل مارتينس على العلاقة بين "حزب الشعوب الديمقراطي"- الذي تعتبر أغلبية ناخبيه من الأكراد- وبين حزب العمال الكردستاني الإرهابي.

الكاتبة ، الكاتب: Michael Martens

السيِّد لاخندايك، حصل حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات البرلمانية التركية التي تم إجراؤها يوم الأحد 01 / 11 / 2015 على زيادة في عدد أصوات ناخبيه بلغت نسبتها تقريبًا تسعة في المائة بالمقارنة مع الانتخابات المجراة في شهر حزيران/يونيو الماضي 2015. فكيف يمكن تفسير هذا النجاح؟

يوست لاخندايك: إردوغان يتغذَّى بشكل أساسي من ثلاثة مصادر: أكبرها هي خسائر "حزب الحركة القومية"، الذي خسر تقريبًا ربع شعبيته. ذهبت جميع هذه الأصوات تقريبًا إلى حزب العدالة والتنمية وحده. اتَّبع حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية استراتيجية قومية، ومن الواضح أنَّ هذا قد سار بنجاح.

وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ بعض الأحزاب المُنشقة غير المُمَثَّلة في البرلمان على يمين حزب العدالة والتنمية، والتي حصلت جميعها في انتخابات حزيران/يونيو 2015 على نحو أربعة في المائة من الأصوات، قد خسرت نصف هذه الأصوات لصالح حزب العدالة والتنمية.

أمَّا المصدر الثالث والأكثر إثارة للاهتمام فيتمثَّل في أنَّ جزءًا من الأكراد قد أعرضوا عن حزب الشعوب الديمقراطي وصوَّتوا هذه المرة من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية. حزب الشعوب الديمقراطي تكبَّد بالذات في معاقله في جنوب شرق تركيا خسائر كبيرة، مما يشير إلى أنَّ الكثيرين من الأكراد يرفضون حزب العمال الكردستاني واستئناف القتال. حزب العدالة والتنمية حالفه النجاح لأنَّ تجدُّد القتال يُعزى فقط إلى حزب الشعوب الديمقراطي.

حزب العدالة والتنمية خاض بالإضافة إلى ذلك حملة انتخابية أخرى في شهر حزيران/يونيو 2015، وذلك عندما كان إردوغان يجري دعاية لإقامة نظام رئاسي.

يوست لاخندايك: حزب العدالة والتنمية تعلم من النتيجة في شهر حزيران/يونيو الماضي ولم يكرِّر الخطأ، الذي ارتكبه حينها من خلال وضع إقامة نظام الحكم الرئاسي في محور اهتمام حملته الانتخابية. فالنظام الرئاسي لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الأتراك وحتى أنَّه يُقابل بالرفض من قبل الكثيرين من ناخبي حزب العدالة والتنمية. ولذلك كان عدم الاعتماد على النظام الرئاسي في الحملة الانتخابية الأخيرة قرارًا حكيمًا. وعلاوة على ذلك فإنَّ إردوغان لم يلعب منذ فترة طويلة دورًا محوريًا في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية مثلما فعل في انتخابات حزيران/يونيو 2015.

وبدلاً عن ذلك ركَّز حزب العدالة والتنمية حملته الانتخابية هذه المرة على مسألة "الاستقرار أو الفوضى؟". حيث وضع نفسه على مستوى واحد مع الاستقرار والأطراف الأخرى مع الفوضى. ومهما كان رأينا في ذلك: فهذه الاستراتيجية سارت بنجاح.

Erdoğan-Anhänger vor der AKP-Parteizentrale in Istanbul; Foto: picture-alliance/AP/H. Malla
Als Ikone gefeiert: Recep Tayyip Erdoğans AKP konnte bei der Wahl mit knapp 50 Prozent der Stimmen die vor fünf Monaten verlorene absolute Mehrheit im Parlament zurückerobern. Nach den vorläufigen Ergebnissen sicherte sich die AKP 317 der 550 Sitze in der Nationalversammlung. Die CHP kommt demnach auf 134, die HDP auf 59 und die MHP auf 40 Abgeordnete. Bei der Wahl im Juni hatte die AKP ihre absolute Mehrheit erstmals seit Übernahme der Regierung im Jahr 2002 verloren.

على الرغم من حصول حزب إردوغان على الأغلبية المطلقة في البرلمان، ولكنه لا يزال غير قادر على فرض النظام الرئاسي، وذلك لأنَّ حزب العدالة والتنمية في حاجة إلى الأغلبية المنصوص عليها في الدستور من أجل إجراء استفتاء حول ذلك …

يوست لاخندايك: هذا صحيح، ولذلك فعلى الأرجح أنَّ هذا سيؤدِّي إلى استمرار إردوغان مثلما كان يفعل حتى الآن: إذ إنَّه سيحكم البلاد في الواقع كرئيس، والحكومة القادمة سترضى بذلك مثل الحكومة السابقة. وسنشاهد في المستقبل كيف يتدخَّل إردوغان في السياسة اليومية، على الرغم من أنَّه في الواقع غير مُخوَّل دستوريًا بهذا العمل. ولكنه سوف يتمكَّن من القيام به، لأنَّ رئيس الوزراء هو الوحيد الذي يستطيع معارضته - بيد أنَّ رئيس الوزراء لن يجرؤ على ذلك. وبناءً على هذا لن يتم إحداث أي تغيير في الدستور على الورق، ولكن في الواقع سوف يستمر الانتهاك شبه اليومي للدستور من قبل الرئيس.

انتظر الكوادر القياديون البارزون السابقون في حزب العدالة والتنمية، مثل الرئيس السابق عبد الله غول وبعض الكوادر الآخرين، خسارة إردوغان الآن للمرة الثانية بعد خسارته في الانتخابات التي جرت في شهر حزيران/يونيو 2015. وربما كان من الممكن لهم أن يبرزوا من جديد. ولكن ماذا سيفعلون الآن؟ هل سيقومون بتأسيس حزب خاص بهم، أم أنَّهم سوف ينسحبون إلى الأبد؟ وهذا سؤال مفتوح.

الآن وبعد انتصار إردوغان، هل ستستمر الاعتداءات على الصحفيين والمؤسَّسات الإعلامية؟

يوست لاخندايك: أخشى من أن تكون هذه هي العاقبة الأكثر دراماتيكية لنتيجة هذه الانتخابات. كان يتم التكُّهن قبل الانتخابات بأنَّ السيطرة على صحف شركات إيبيك القابضة وقنواتها التلفزيونية في نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 كانت الآن مجرَّد موجة أولى من سلسلة اعتداءات على وسائل الإعلام المستقلة، قبل أن يصيب ذلك الصحف المعارضة الكبيرة مثل صحيفة حريات وزمان وصحيفة سوجو. ومن ناحية أخرى من الممكن الآن أيضًا أن توقف الحكومة هذه الاعتداءات - وذلك لأنَّها شاهدت في آخر المطاف أنَّ بإمكانها وعلى الرغم من مقاومة هذه الصحف أن تحصد نصف أصوات الناخبين.

حتى العام الماضي كان الكثيرون لا يزالون يأملون أنَّ حزب العدالة والتنمية سوف يُمهِّد الطريق للتوصُّل إلى حلّ سياسي مستدام للمسألة الكردية في تركيا. فهل يمكن أن تكون نتيجة هذه الانتخابات محاولة جديدة من أجل ذلك؟

يوست لاخندايك: يعتبر حزب العمال الكردستاني أحد الفائزين في هذه الانتخابات. وكونه قد لجأ من جديد إلى حمل السلاح، فقد كان هذا محاولة محسوبة جيدًا تهدف إلى التغلب على حزب الشعوب الديمقراطي. وهذا المثال معروف من صراعات أخرى: فعندما يتمكَّن في صراع ما السياسيون المنتخبون من السيطرة على زمام الأمور -وقد كان حزب الشعوب الديمقراطي يسير على طريق صحيح صوب ذلك- فعندئذ المتطرِّفون في الجبال لا يُقدِّرون قيمة ذلك مطلقًا.

وفي حالة حزب العمال الكردستاني كان من المعروف تمامًا أنَّ اللجوء مرة أخرى إلى حمل السلاح سوف يعود بالضرر على حزب الشعوب الديمقراطي - وهذا بالذات ما حدث بعد ذلك أيضًا. والسؤال الآن: هل سيدافع حزب الشعوب الديمقراطي عن نفسه؟ وهل سيحاول إيقاف المتشدِّدين في حزب العمال الكردستاني عند حدِّهم؟ أم أنَّ سياسيي حزب الشعوب الديمقراطي قد تم إضعافهم الآن، بحيث لم يعد بوسعهم أن يمسكوا بزمام الأمور؟ آمل في أن يمثِّل ذلك بدايةً لنقاش داخل الحركة القومية الكردية حول حقيقة أنَّ اللجوء مرة أخرى إلى حمل السلاح كان خطأً كبيرًا.

Der Co-Vorsitzende der pro-kurdischen Partei Halklarin Demokratik Partisi (HDP), Selahattin Demirtas; Foto: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
Popularitätsverlust der prokurdischen HDP unter ihrem Vorsitzenden Selahattin Demirtaş: Zwar schaffte die HDP erneut knapp den Einzug ins Parlament, jedoch hatte sich ein Teil der Kurden von ihr abgewandt und diesmal wieder für die AKP gestimmt. In ihren Hochburgen im Südosten der Türkei hat sie deutliche Verluste erlitten, was darauf hindeutet, dass viele Kurden die PKK und die Wiederaufnahme der Kämpfe ablehnen.

أليس من الضروري قبل كلِّ شيء أن يجري نقاش حول كيفية تمكُّن حزب الشعوب الديمقراطي من تحرير نفسه أكثر من حزب العمال الكردستاني؟

يوست لاخندايك: بكلِّ تأكيد. هذه الانتخابات كانت درسًا بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي، تعلّم من خلاله كيف يتعيَّن عليه أن يتصرَّف مع عنف حزب العمال الكردستاني. وبدوره يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي منقسمًا بين متشدِّدين لن يُقدِموا أبدًا حتى على التفكير بفكرة ابتعادهم عن حزب العمال الكردستاني، وبين سياسيين نأوا بأنفسهم عن هذه المسألة. غير أنَّ هذه المجموعة الثانية لم تكن مرئية بما فيه الكفاية بالنسبة للأكراد الذين صوَّتوا الآن من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية.

من خلال أزمة اللاجئين أصبحت تركيا مرة أخرى شريكًا مطلوبًا في الحوار بالنسبة لأوروبا. فكيف سيؤثِّر ذلك على مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتِّحاد الأوروبي؟

يوست لاخندايك: في هذه الأيَّام سيتم نشر تقرير المفوَّضية الأوروبية حول التقدُّم الذي حقَّقته تركيا من أجل انضمامها إلى الاتِّحاد الأوروبي. وهذا التقرير سيكون حساسًا للغاية، ولكنه لن يُثير في تركيا الكثير من الاهتمام، وذلك لأنَّ الأتراك لم يعودوا منذ أعوام يأخذون هذه التقارير كثيرًا على محمل الجد.

والمفاوضات مع الاتِّحاد الأوروبي ستدور حول أزمة اللاجئين. ولذلك فإنَّ إردوغان الآن في وضع أقوى مما كان عليه قبل ذلك فيما يتعلق بهذه المسألة. أوروبا تريد منه شيئًا ما، وبدوره سيرفع الآن في المقابل سقف طلباته أكثر. ولكن بماذا يتعلق الأمر هنا؟ بالمال؟ من الممكن دائمًا في هذا الصدد إيجاد حلّ وسط. أم يتعلق بسفر الأتراك إلى دول الاتِّحاد الأوروبي  من دون تأشيرة؟

وبصرف النظر عما سيحدث فإنَّ الشروط، التي يجب على تركيا أن تفي بها، ستبقى مثلما هي من دون تغيير، وذلك لأنَّها تعتبر غير قابلة للتفاوض خاصة بالنسبة لفرنسا وألمانيا، وكذلك الحال بالنسبة لبعض البلدان الأخرى.

ومن ثم لا يزال هناك طلب خاص بفتح بعض الفصول الحساسة في مفاوضات الانضمام. لقد تفاجأتُ أنا بأنَّ تركيا طالبت على العموم بفتح الفصل الثالث والعشرين وكذلك الفصل الرابع والعشرين حول القضاء والحقوق الأساسية. وفي حال إصرارها على ذلك، فعندئذ سيكون من الصعب رفض هذا الطلب بالنسبة للاتِّحاد الأوروبي - إذ إنَّ هذا هو بالذات ما كان يريده دائمًا الأوروبيون. ومن الممكن أن يمثِّل هذا الأمر أفضل نتيجة لهذه الانتخابات.

 

 

 

حاوره: ميشائيل مارتينس

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ 2015 / موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de

 

درس الخبير الهولندي يوست لاخندايك التاريخ في جامعة أوتريخت وكان بين عامي 1998 و2009 نائبًا في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الهولندي. وفي البرلمان الأوروبي تولى عدة مسؤوليات من بينها توليه لسبعة أعوام رئاسة لجنة تركيا هناك. ومنذ انسحابه من العمل السياسي في عام 2009 يعيش في تركيا ويعتبر واحدًا من أفضل الخبراء الأجانب في شؤون تركيا. لاخندايك كاتب عمود في الصحيفة اليومية التركية "زمان".