ديمقراطية مغربية ناشئة مدفوعة بزخم الربيع العربي

حزب العدالة والتنمية المغربي في مواجهة اختبار ثقة صارم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، يوم الانتخابات البرلمانية للمرة الثانية منذ تبني التعديلات الدستورية عام 2011، وسط شائعات تقول إن "المخزن" قد أنهى علاقته بحزب العدالة والتنمية، وهذا قد يعني أن حزب المعارضة الرئيسي –حزب الأصالة والمعاصرة– بات يشكل تحدياً جدياً في الانتخابات، بحسب تحليل ماثيو غرين التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Matthew Greene

تمكن حزب العدالة والتنمية من كسب طيف واسع من أصوات الناخبات عام 2011 وذلك بفضل حملة شعبية طالبت بالمزيد من الشفافية في الحكومة. كما التزم الحزب بـ"مكافحة الفساد والطغيان"، وهو شعار كانت حركة العشرين من فبراير قد اتخذته مسألة مركزية أثناء ثورات الربيع العربي. وبينما يؤكد عبد الإله بنكيران على أن حزب العدالة والتنمية ما يزال "حارس الشفافية والصدق" و"الأكثر ديمقراطية" بين الأحزاب السياسية المغربية، إلا أن الحزب لم يلتزم ببرنامجه. فشعار حملة الحزب هذا العام، وهو "صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح"، بعيد كل البعد عن خطابه قبل خمس سنوات.

 بدلاً من ذلك، يسعى الحزب إلى مواصلة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية محفوفة بالمخاطر لتقليل العجز في الميزانية المغربية. كما يفتخر حزب العدالة والتنمية بأن أهم إنجازاته كان خفض الدين العام للبلاد من 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 إلى 3.5 في المائة حالياً. لكن بالرغم من ذلك، لم يصل الحزب إلى هذا الإنجاز دون إيذاء القوة الشرائية للمواطن العادي.

إجراءات تقشف غير شعبية

 كما أن موافقة الحكومة على حزمة لإصلاح رواتب التقاعد ورفع سن التقاعد من 60 إلى 63 عاماً، بالإضافة إلى زيادة المساهمات، أدت إلى إضراب عمالي على مستوى البلاد في مسعى لتعطيل هذا القانون. وفي أثناء ذلك، صوّت البرلمان على إجراءات لوقف الدعم الحكومي للمحروقات بدءاً من عام 2015 وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي، إلى جانب تقليص صندوق التعويض الحكومية.

 لكن بنكيران وحزب العدالة والتنمية يصرّان على أن هذه الإصلاحات المالية المثيرة للجدل ضرورية لضمان مستقبل المغرب الاقتصادي والاجتماعي، ويعتبران أن القبول الهائل من قادة عالميين وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب، إضافة إلى ازدياد احتياطي العملة الصعبة، كلها علامات على أن دفتر حسابات البلد يسير في الاتجاه الصحيح. وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من سكان المغرب لا يستطيعون الربط بين مديح البنك الدولي والموازنة المتوازنة وبين تأثير ذلك على تحسين مستوى معيشتهم، لاسيما وأن المصاريف اليومية كالوقود والكهرباء والسكر قد ارتفعت.

Incumbent Moroccan Prime Minister Benkirane (photo: picture-alliance/AA/M. Houbais)
توقعات لم تتحقق: الإنجاز المشرق الوحيد لحزب العدالة والتنمية كان تخفيض العجز في ميزانية المغرب من 7.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2011 إلى مستواه الحالي البالغ 3.5 في المائة. لكن الكثير من المغربيين لا يستطيع الربط بين مديح البنك الدولي واستقرار الميزانية وتأثير ذلك على تحسن المستوى المعيشي، لاسيما وأن تكاليف حياتية يومية كالوقود والكهرباء والسكر قد بأت بالارتفاع.

 وطبقاً لمحمد دعداوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوكلاهوما ستيت، فإن قياس شعبية حزب العدالة والتنمية من خلال إجراءات التقشف ما يزال أمراً غير محسوم، مضيفاً أن الحزب ما يزال يمتلك قدرة تنظيمية هائلة تجلت في زيادة عدد المقاعد البلدية والمحلية التي حصل عليها خلال السنوات الست الماضية ثلاث مرات.

اللعب على مخاوف العامة

 المعارضة، بدورها، تسعى إلى الإطاحة بالإسلاميين من خلال استغلال تخوف الشارع العام من الوضع الاقتصادي. فقد صرح الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، في أغسطس/ آب بأن عدم تحدي الوضع القائم للحكومة الحالية "سيقود البلاد إلى كارثة". هذا التوقع تدعمه حملة تحاول تحسين صورة حزبه، والتي يرى بعض المحللين السياسيين المغاربة أن يداً ملكية تقف وراءها. في هذا الصدد يوضح دعداوي: "حزب الأصالة والمعاصرة أكثر قرباً من الأهداف والتطلعات العامة للنظام (المغربي)، ولذلك هناك تفضيل ما له في قمة الهرم السياسي". لكنه يضيف أن اهتمامات النظام لن يخدمها فوز لحزب العدالة والتنمية أيضاً.

 يعد العماري وحزبه بخلق 150 ألف وظيفة جديدة كل عام وزيادة الاستثمارات الحكومية في حال انتخابهما. كما قام الحزب أيضاً بتصوير نفسه على أنه نسخة تقدمية من حزب العدالة والتنمية، من خلال اقتراح إلغاء وزارة الاتصال لتقليل المخاوف من تراجع حرية الصحافة. كما أثبت العماري أنه داعم واضح لتقنين استهلاك الماريوانا وإخراج صناعة الحشيش من الظلام، خاصة في قاعدته الشعبية بجبال الريف، والتي تعتبر نسب البطالة وانعدام المساواة فيها الأعلى بالمغرب.

 لقد امتنع حزب الأصالة والمعاصرة عن الدخول في سباق أخلاقي مع حزب العدالة والتنمية، ولكن سلسلة الفضائح التي ضربت مؤخراً عدداً من أعضاء حزب العدالة والتنمية، بما في ذلك صفقة مريبة لامتلاك عقارات واعتقالات على خلفية حيازة مخدرات وفضائح جنسية، دعت إلى تدقيق أكبر في الحزب المحافظ. وفي محاولة لتقليل الأضرار ما أمكن، قام حزب العدالة والتنمية بشطب اسم مرشحه في دائرة مراكش، حماد القباج، وهو شيخ سلفي ذو تاريخ من التصريحات المعادية للسامية. وفي الأسابيع القليلة الماضية، استغل إلياس العماري أزمات خصومه السياسيين ودعا إلى "تحرير" المغرب من حزب العدالة والتنمية من أجل إنقاذ البلاد من الإسلاميين.

PAM members put forward bill to legalise cannabis (photo: DW/A. Errimi)
حزب الأصالة والمعاصرة – بديل تقدمي: تقترح المعارضة إلغاء وزارة الاتصال من أجل تقليل المخاوف حول تدهور أوضاع حرية الصحافة. كما تدعم تقنين استهلاك الماريوانا وإنتاج الحشيش، وهو مسعى يهدف إلى كسب أصوات الناخبين في المناطق الريفية المهمشة بالمغرب.

 بنكيران ما يزال محبوباً

 رغم كل ذلك، ما يزال حزب العدالة والتنمية يعتمد على قدرة الناخبين على تمييز انتحال حزب الأصالة والمعاصرة لدور حزب التغيير. بنكيران ما يزال أكثر شخصية محبوبة بين قادة الأحزاب الأخرى، بما فيهم إلياس العماري، وما يزال يتمتع بشعبية راسخة في المناطق الحضرية وبين الشباب. حول ذلك تقول رانيا، التي تبلغ من العمر 28 عاماً وتخرجت من جامعة طنجة: "لقد قامت الحكومة بقيادة بنكيران بتغييرات إيجابية. لم تكن فترة حكم مثالية، وأنا خائبة الأمل لأنه لم يقم إلا بالقليل فيما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية. لكنه في الإجمال قام بعمل جيد". إلى هذا الرأي ذهب إبراهيم، البالغ من العمر 37 عاماً من الدار البيضاء، والذي سيصوت لصالح حزب العدالة والتنمية رغم أنه يفضل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ويضيف إبراهيم: "أريد أن أصوت للاتحاد الاشتراكي، ولكن يبدو أنها قضية خاسرة، لأن النصر سيكون إما حليف حزب الأصالة والمعاصرة أو حزب العدالة والتنمية، ولهذا سأصوت للعدالة والتنمية بسبب بنكيران".

 إذا ما أعيد انتخاب بنكيران، فإنه وحزبه سيكونان قد أظهرا قوة حملتهما الشعبية. فخلال الانتخابات البلدية العام الماضي 2015، تمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق أعلى نسبة من الأصوات، وأحدث انقلاباً في التصويت بفاس وأغادير، اللتين تعتبران قاعدتين شعبيتين تقليديتين لأهم قوتين معارضتين، وهما حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

 انتخابات عام 2011 أظهرت أن المخزن يستمع إلى مطالب الشارع، وارتفاع نسبة إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع عكست حالة الحماس المتزايد لدى الجمهور من أجل الإصلاحات الجديدة. ولكن بعد خمس سنوات، لم يتبق الكثير من حركة العشرين من فبراير وتباطأ الزخم الذي جلبه الربيع العربي إلى أن توقف تماماً. لقد حاولت كافة الأحزاب السياسية أن تعكس هذا التباطؤ من خلال إغراء الناشطين والأصوات الجديدة بدخول معترك السياسة الحزبية، إلا أن ذلك لم يتكلل بنجاح كبير. وقبيل يوم الانتخابات، حيث يكمن أكبر قدر من النفوذ في يد المخزن، فإن الديمقراطية الناشئة في المغرب تبدو وكأنها ماضية في عملية الانتقال.

 

 

ماثيو غرين

ترجمة: ياسر أبو معيلق

 حقوق النشر: قنطرة 2016

ar.Qantara.de