معلمة ألمانية لتلميذتها: بلا حجاب تصبح درجاتك أفضل

يُفتَرض أن يتمتع جميع الأطفال بفرص تعليمية متساوية. نظريًا يبدو هذا جيدا. لكن في الواقع يعاني الكثير من التلاميذ ذوي الأصول المهاجرة من التمييز في المدارس الألمانية. وغالباً لا يعرف أولياء الأمور الوافدون من بلدان غير أوروبية أن المعلمين في ألمانيا ليسوا السلطة الوحيدة في المدرسة. نيكولِه زاغِنَر تسلط الضوء على التمييز داخل المدارس في برلين وعلى مبادرات برلينية تسعى إلى تغيير هذا الوضع.

الكاتبة ، الكاتب: Nicole Sagener

في الواقع تكاد لم توجد أية مشكلات في هذه المدرسة؛ إلى أن أرادت ابنة أمينة نيسيك الانتقال إلى المدرسة الثانوية بعد حصولها على الشهادة المتوسّطة. "المعلمون رفضوا ذلك في اجتماع لمناقشة علامات التلاميذ. وادَّعَوْا أنَّ ابنتي لا يمكنها على أية حال تحقيق ذلك"، مثلما تقول أمينة نيسيك.

لم يكن هذا الادعاء مفهومًا بالنسبة لها، لأنَّ ابنتها كانت العاشرة على شعبتها بمعدَّل جيِّد. وهذه ليست أوَّل مرة تشهد فيها أمينة نيسيك ابنتها البالغة من العمر ستة عشر عامًا تواجه مثل هذه العقبات. فهذه الفتاة ترتدي الحجاب منذ عامها المدرسي الرابع، وقد أصرَّت على ارتداء الحجاب.

وأمينة نيسيك البالغة من العمر اثنين وأربعين عامًا لا تسكت عندما يتم وضع عقبات في طريق ابنتها. ونظراً لأنَّ معلمي المدرسة السابقة قد نصحوا هذه التلميذة عدة مرَّات بالتخلي عن حجابها من أجل حصولها على درجات أفضل، فقد بحثت لها أمُّها عن مدرسة أخرى في المنطقة. وكذلك تحدَّثت أمينة نيسيك مع معلمة ابنتها في المدرسة الجديدة بعد أن استقبلت هذه المعلمة الفتاة أمام زملائها بعبارة: "انظروا هذه الفتاة تأتي بعازل ذكري يغطي كلَّ جسمها".

اعتذرت المعلمة عن هذه الإهانة وقالت إنَّها كانت "مجرَّد مزحة". ولكن عندما تعلق الأمر بالانتقال إلى المدرسة الثانوية، أصرَّ المعلمون على عنادهم. وفقط بعد أن حصلت أمينة نيسيك على موعد مع هيئة التفتيش المدرسي في منطقة برلين نويكولن وتحدَّثت الى رئيس القسم هناك، حصلت ابنتها على توصية للانتقال إلى المدرسة الثانوية. ولكن كان الوقت قد تأخر كثيرًا من أجل تقديم طلب التسجيل في المدرسة الثانوية. تقول أمينة نيسيك إنَّ هذا "مزعج".

التمييز المؤسَّساتي

أستاذة العلوم السياسية في جامعة هيلموت شميدت في هامبورغ، إلين كوليندر تعرف العديد من القصص المشابهة. وهي  تجري أبحاثًا حول العنصرية والتمييز المؤسَّساتي في المدارس البرلينية. لقد أبلغها أولياء أمور من أصول مهاجرة حول العديد من حالات التمييز في المدرسة. وحول ذلك تقول: "الأمر لا يتعلق دائمًا بتصريحات مباشرة وإجراءات من قبل بعض المعلمين، بل يتعلق كثيرًا بالتمييز المؤسَّساتي".

درس تقوية في مدرسة ألمانية. Foto: LudolfDahmen
„Wenn man früh investiert, etwa durch Sprachförderung für Schülerinnen und Schüler mit Mängeln oder mithilfe von Lehrern und Sozialarbeitern mit Migrationshintergrund, kann man viele Schwierigkeiten vermeiden,“ sagt die Stadtteilmutter Emine Elçi.

وتضيف أنَّ هناك العديد من الأمثلة: مثل عدم وجود مساعدة للترجمة في اجتماعات أولياء الأمور وهيمنة أولياء الأمور الأكاديميين من أصول غير مهاجرة على لجان أولياء الأمور في المدارس ومنع استخدام اللغة التركية في باحات المدرسة أو المرور بتجارب مثل تجارب أمينة نيسيك. وكذلك يلعب مظهر التلاميذ "غير الألماني" دورًا كبيرًا - وهذا دليل على مدى تكرار مساواة ما هو ألماني بخصائص بصرية محدَّدة.

ومع ذلك تسير الأمور بشكل مختلف أيضًا، مثلما تعرف أمينة إلجي، المولودة في برلين بداية السبعينيات كابنة لمهاجرين أكراد من تركيا، والتي كانت واحدة من أوَّل أطفال العمَّال الوافدين في ألمانيا. تقول أمينة إلجي: "لم أكن أتحدَّث اللغة الألمانية كثيرًا، ولكن المعلمون ساعدوني كثيرًا". وتضيف: "هذا يعزِّز قوَّتنا من أجل الحياة".

واليوم يوجد لدى أمينة إلجي خمسة أطفال، وكثيرًا ما تسمع عن تلاميذ وطلاب من أقاربها ومعارفها "يتم وصمهم من قبل معلميهم بأنَّهم سيكونوا في المستقبل من مُتَلَقِّي مساعدات العاطلين عن العمل، بسبب انتمائهم العرقي أو وضعهم الاجتماعي". وكثيرًا ما يُذكر أيضًا أنَّ الفتيات المحجَّبات سيصبحن في النهاية على أية حال ربات بيوت.

التبادل بين أولياء الأمور

وأمينة إلجي تعرف جيِّدًا الصعوبات الموجودة في منطقة برلين نويكولن. حيث كانت تدعم هناك -ولعدة أعوام بعد تأهيلها كمُوَجِّهة أسرية في هذا الحي- الأشخاص الذين لا يعرفون اللغة الألمانية أو النظام الإداري الألماني معرفة كافية. وفي وقت لاحق عملت كمترجمة، وكانت تُقدِّم المساعدة وتدير جولات في المدينة، وذلك أيضًا من أجل القضاء على الأحكام المسبقة والصور النمطية.

وتقول: "بصرف النظر عن المكان الذي أذهب إليه فإنَّ حجابي يثير في البداية توتُّرات تعتبر جزءًا من الحياة اليومية حتى في منطقة نويكولن المتأثرة كثيرًا بالمهاجرين". وحتى في المدارس توجد لدى المعلمين توقُّعات محدَّدة، غالبًا لا يعرف أولياء الأمور القادمين من بلدان غير أوروبية كيف يتعاملون معها، مثلما تقول أمينة إلجي: "يستغرب بعضهم من دعوتهم إلى اجتماع أولياء الأمور وحقِّهم في المشاركة في التكوين المدرسي، وذلك لأنَّ لا أحد يشرح لهم أنَّ المعلمين هنا ليسوا السلطة الوحيدة في المدرسة".

ومثلما تقول فإنَّ التبادل بين أولياء الأمور يساعد في هذا المجال، على سبيل المثال في مقاهي أولياء الأمور، التي نشأت في بعض المدارس: "يمكن تجنُّب العديد من المشكلات من خلال الاستثمار المُبكِّر، على سبيل المثال من خلال توفير الدعم من أجل تعليم اللغة الألمانية للتلاميذ الذين يعانون من ضعف، أو كذلك من خلال توفير معلمين وأخصائيين اجتماعيين من أصول مهاجرة".

ومنذ فترة طويلة تعمل العديد من المبادرات - مثل "جمعية أولياء الأمور التركية" في برلين براندنبورغ وكذلك جمعية "يكمال" الخاصة بأولياء الأمور القادمين من كردستان - من أجل تحسين فرص التعليم للتلاميذ والطلاب ذوي الأصول المهاجرة. غير أنَّ الأستاذة إلين كوليندر تؤكِّد على أنَّ أولياء الأمور لا يمكنهم أن يواجهوا وحدهم الأحكام المسبقة والتمييز، ولا يتعيَّن عليهم فعل ذلك. بل يجب على السياسين والمدارس المشاركة.

ومع ذلك تزداد في الوقت نفسه التطوُّرات الإيجابية، مثل برامج التدريب بين الثقافات في عمليات إعداد المعلمين لدى بعض الولايات الألمانية. وكذلك تراهن مقاربات أخرى على التنمية الشاملة لدور الحضانة والمدارس، مثل "مركز عوالم أطفال الاختصاصي" الذي يتَّخذ من برلين مقرًا له.

وأمينة إلجي تأمل في تحقيق المزيد من التقدُّم، وتقول: "المدارس مبنية ببساطة من جدران وحجارة ولا يمكنها أن تُخطئ في حدِّ ذاتها". وتضيف أنَّ الأمر الحاسم يكمن فيما يفعله النظام المدرسي داخل هذه المدارس. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ ابنة أمينة نيسيك لا يمكنها إلاَّ أن تأمل في تحسُّن الوضع لصالح التلاميذ والطلاب في المستقبل. وهي بالذات يجب عليها أن تقبل بعدم نجاحها في الانتقال إلى المدرسة الثانوية واضطرارها إلى متابعة تعليمها الآن في المدرسة التكميلية.

 

نيكوله زاغنر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: معهد غوته/ موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de