"الصوفية ليست نقيضة السلفية وليست بتلك السلمية"

بالنسبة للكثيرين من أتباع الصوفية في الغرب، فإن هذا الاتجاه الديني هو الإسلام الليبرالي. وهذا سوء فهم، كما يرى الكاتب الألماني شتيفان فايدنر في تحليله التالي لموقع قنطرة.

الكاتب، الكاتبة : Stefan Weidner

تمتعت الثقافة الإسلامية من بداية القرن الثامن عشر إلى بداية القرن العشرين بسمعة محترمة. اليوم بقي القليل من هذه السمعة المحترمة. وحدها الصوفية الإسلامية تبدو من هذه البقية الباقية. فقد سلط الشاعر الألماني غوته (1749-1832) الضوء على الجوانب الإيجابية للإسلام الصوفي. وبينما ترجم المستشرق النمساوي يوزيف فون هامر-برغشتال الشاعر الفارسي شمس الدين محمد حافظ الشيرازي (1315-1390)، الشهير بحافظ، كشاعر حب غرام وسُكر، وجد غوته في حافظ "لسان الصوفية". وتحت سطوة فلسفة الهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677) الواحدية (الاعتقاد أن الطبيعة والله حقيقة واحدة) وجد غوته مدخلاً سهلاً للتفاعل بين الروحانية والدنيوية، التي أتقنها حافظ إيما إتقان. ومنذ ذلك الوقت تُعتبر الصوفية الغارقة حتى الثمالة في الحب كصورة إيجابية مضادة للأصولية والتعصب الديني الأعمى.

 هذه الصورة ليست خاطئة، ولكنها صورة ليست كاملة، وقد استمرت في الأذهان إلى يومنا هذا وتجد طريقها من جديد إلى العالم الإسلامي. حركة الداعية التركي فتح الله غولن تحب أن تشير إلى أنها تستعير من الصوفية، وبذلك تخفي توجهها الديني الأصولي. اتهم الرئيس التركي طيب رجب إردوغان غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية قبل عدة أسابيع وشن حملة مطاردة بلا هوادة لأتباعه الحقيقيين والمفترضين. غير أن الاثنين، إردوغان وغولن، كانا في السابق رفقاء درب. فهناك أنباء تشير إلى أن إردوغان وغولن ترددا ولوقت طويل على شيخ الطريقة النقشبندية، الشيخ محمد ناظم الحقاني (1922-2014)، الذي كان يقيم في الجزء الناطق بالتركية في قبرص. وتسري إشاعات أن الشيخ ناظم لم يوافق رؤى إردوغان العثمانية الجديدة، وبذلك افترق طريق الرجلين.

[embed:render:embedded:node:25013]

المثير في القصة أيضاً أن نفوذ الشيخ محمد ناظم الحقاني تزايد في الغرب بشكل كبير، ولطريقته الصوفية الكثير من الأتباع سواء بين الألمان أو الألمان من أصل تركي. ومنذ وفاة الشيخ محمد ناظم الحقاني عام 2014 كان لتدهور المناخ السياسي تأثير على المجموعات المختلفة التي تنتمي إلى طريق الشيخ محمد ناظم الحقاني. وقع الخلاف بين مناصري إردوغان المحافظين وبين بعض أعضاء طريقة الشيخ ناظم الصوفية من ذوي الميول التقدمية، والتي تشير الأنباء إلى أن الشيخ ناظم نفسه يشاركهم إياها. إحدى الموضوعات هنا هي شكل مشاركة العدد الكبير من الأتباع من النساء بحلقات الذكر، والتي غالباً ما تتوج بالوصول إلى حالة النشوة الروحية.

الطريقة الصوفية ليست رهبنة، إنها أشبه بحزب سياسي

يظهر المثال السابق أن الصوفية الإسلامية في الغالب شيء مختلف تماماً عن فهم العالم المسيحي عن "التصوف". الطريقة الصوفية ليست جماعة منعزلة عن العالم كحال الرهبانية المسيحية. عضوية الطريقة الصوفية تشبه الانتساب لنادٍ رياضي أو حزب سياسي، ولكن باتجاه ديني. ما يجذب الكثيرين في الغرب للصوفية هي ليس التجربة الروحية المشتركة في حلقات الذكر فقط، والتي تمنح المريدين مرة كل أسبوع جرعة روحانية تبعدهم عن هموم حياتهم اليومية.

عن طريقة دمج المريدين ورعايتهم روحياً تقوم الصوفية بدور اجتماعي سياسي مهم. كان يعتقد فيما مضى أنها المكان المناسب لاستقبال وعلاج الناس غير المستقرين عقلياً والمتشربين بالأفكار الإسلاموية، والذين قد يبدون مستقبلين محتملين لأفكار ما تُسمى "الدولة الإسلامية". ولكن وللأسف تتضاءل قوة جذب الصوفية في العالم الإسلامي، في الوقت الذي تدعي، بشكل متزايد، فيه السلفية، الممولة سعودياً، القيادة الروحية.

التنافس بين السلفية والصوفية له تاريخ طويل. أسس محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر الوهابية. والوهابية شكل خاص من أشكال الأصولية الإسلامية وهي اليوم دين الدولة الرسمي في كل من قطر والسعودية. منذ ذلك الوقت قام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في شبه الجزيرة العربية والعراق بتدنيس قبور أولياء وشيوخ الصوفية، وحتى في مدينة النبي، المدينة المنورة. وحتى اليوم تتوجه الكثير من هجمات القاعدة و"الدولة الإسلامية" ضد الأضرحة الصوفية، وخصوصاً في باكستان، حيث تلعب الصوفية درواً كبيراً وحيث يوقر المسلمون والهندوس على حد السوء بعض أولياء وشيوخ الصوفيين.

في الجزائر وليبيا ناضلت الطرق الصوفية ضد القوى الاستعمارية

وتَتهم الأصوليةُ الإسلامية والسلفية الصوفيين بالشرك، وذلك بسبب تقديسهم للأولياء. وفي الواقع فإن الأولياء الصوفيين يُقدسون كحال القديسين المسيحيين. بالنسبة لشخص متنور فإن تقديس الأولياء والقديسين وكذلك الإيمان السائد بمعجزاتهم هو بمثابة خرافة. ليس من المهم كيف تبدو الفكرة التالية من وجهة نظر غربية: تعتبر السلفية نفسها كحركة تنويرية ومن هذا المنطلق فإنها تشن حملة على الصوفية في هذه الأيام.

وفي الجهة المقابلة، كانت الطرق الصوفية شوكة في عين القوى الاستعمارية الغربية، لأن بذور معظم الحركات المناهضة للاستعمار نشأت في رحم الصوفية. فعلى سبيل المثال، نظم الأمير عبد القادر الجزائري في ثلاثينيات القرن التاسع عشر أول حركة مقاومة عسكرية على نطاق واسع ضد الفرنسيين في الجزائر. وفي الصحراء الشرقية، من ليبيا اليوم وحتى السودان، نجحت الطريقة الصوفية السنوسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بأن تصبح قوى كبرى. يذكر أن آخر ملك ليبي، أطاح به القذافي عام 1969، كان في نفس الوقت هو شيخ الطريقة الصوفية السنوسية. 

Dschalāl ad-Dīn Muhammad ar-Rūmī; Foto: Wikipedia.de
Neben Ibn Arabi war Rumi einer der wichtigsten Wegbereiter des intellektuellen Sufismus: Viele der Ideen großer Mystiker wie Dschalāl ad-Dīn ar-Rūmī gelangten durch Kontakte zwischen der islamischen und der christlichen Welt nach Europa – sei es in den Kreuzfahrerstaaten, während der normannischen Epoche auf Sizilien oder auf der iberischen Halbinsel und beeinflussten mit ihren Vorstellungen namhafte Persönlichkeiten des Okzidents.

وفي تركيا، حظر مصطفى كمال أتاتورك الطرق الصوفية- وحتى منها الطريقة الصوفية المولوية والتي ترجع للشاعر المعروف جلال الدين الرومي. من الناحية الظاهرية، عمل أتاتورك ذلك لأن هذه الطرق لا تبدو أنها تتناسب مع المجتمع التركي الحديث، الذي كان أتاتورك يطمح لبنائه. غير أن أتاتورك رأى في هذه الطرق بعض العناصر التخريبية، التي عارضت التوجه الجديد العلماني للدولة. بعكس ذلك، وافق الإسلام الرسمي، الذي بناه أتاتورك (والذي يستند عليه اليوم إردوغان) على هذا التوجه العلماني للدولة.

الكثير من الكتّاب في الغرب يغازلون الصوفية الإسلامية

صورة الصوفية كمضاد للأصولية والسلفية أكثر تعقيداً كما تبدو من وجهة نظر غربية. فالصوفية ليست غير سياسية كما أنها ليست تقدمية بالمفهوم الغربي للتقدمية. وحتى بين الصوفيين يمكننا العثور على سلفيين وبعض الصوفيين حازوا على موقع معتبر في الدولة. وتحالف الكثير من الحكام المسلمين مع الصوفية ودعموا الأولياء وأضرحتهم. فضريح الصوفي المنحدر من الأندلس، محي الدين بن عربي، الذي ما يزال موجوداً حتى اليوم في دمشق، أقامه العثمانيون في القرن السادس عشر لدعم ادعائهم بالسلطة في سوريا. وفي نفس الوقت يضمنون ولاء أتباع ابن عربي الكثيرين.

وفي الهند تم الاحتفاء بالرابط بين السلطة والصوفية بواسطة المنمنمات، التي تظهر حكام المغول بصحبة الدراويش الصوفيين. وفي السودان ناضلت الطريقة الصوفية المهدية لمدة طويلة ضد البريطانيين وحققت نجاحات في هذا النضال. وحتى خلال الحرب العالمية الثانية رأى المختصون في الجيش الألماني في الحركة، التي تنتظر مجيء المسيح المخلص لليهود، كحركة شبيهة بالحركة الصوفية، من حيث تشكيلها خطراً على مطالبة الأوروبيين بالسيادة في العالم، بغض النظر عن رؤية مستشرقي الرايخ الألماني للإسلام على أنه غير ضار.

على خلاف الأمس، يبدو الإسلام اليوم هو مصدر التهديد والصوفية هي المنقذة؛ ليست منقذة للإسلام وحده من نفسه، بل ومنقذة للغرب من الخواء الروحي. لا يخفي الكثير من الكتاب الألمان اليوم قربهم من الصوفية. ومن أشهر هذه الأسماء: إيليا ترويانوف (كاتب روائي ومترجم وناشر ألماني من أصل بلغاري، 51 عاماً)، بيتر هاندكه (كاتب ومترجم نمساوي، 74 عاماً). نافيد كرماني: كاتب وناشر ألماني من أصل إيراني، 49عاماً).

هل يجري هنا حوار حقيقي مع التقاليد الصوفية؟

أغنت النصوص الصوفية والرؤية الصوفية للعالم الأدب، وليس غوته فقط من تأثر بها. يتوجب طرح السؤال التالي على أتباع الصوفية من الغربيين وعلى ممارسي طقوس الطرق الصوفية (علما بأن عضوية هذه الطرق يعني اعتناق الإسلام) وعلى الصوفية الثقافية (أي التأثر الثقافي بها، لا الديني): هل هناك حوار حقيقي مع التقاليد الصوفية أم أن الميل للصوفية يخدم فقط تجميل وتهدئة النفس الهشة، دون أن يكون لذلك تبعات على طريقة عيش المرء ورؤيته للعالم؟

 

 

شتيفان فايدنر

الترجمة من الألمانية: خالد سلامة

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

 

شتيفان فايدنر: كاتب ومن أكثر العارفين الألمان بالثقافة الإسلامية. وهو عضو مؤسس في "أكاديمية كولونيا للفنون العالمية".