المسلمون لم يهتفوا بـ "موت اليهود"...حان الوقت لاعتذار الإعلام الالماني

نشرت صحف ألمانية تقارير عن مظاهرات للمسلمين معادية للسامية في برلين بعد قرار واشنطن حول القدس. لكنها أخبار كاذبة وآن أوان الاعتذار عن شيطنة المسلمين وتخويف اليهود بلا ضرورة، كما يرى الكاتب اليهودي آرمين لانغَر في تعليقه التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Armin Langer

من يهتف بـ "الموت لليهود"، يمثل أمام المحكمة، كما يرى وزير العدل الألماني هايكو ماس بعد وقت قصير من انتشار خبر إعلان ترامب بشأن القدس. غير أن هذا الهتاف لم يتردد من قبل الحشود، كما أثبت استقصاء لـمجلة "أوبَر ميدْيِن". ولم يتم تأكيد هتافات "الموت لليهود" لا من قِبَل الشرطة ولا من قِبَل مراقبين آخرين للمظاهرة من أمام بوابة براندنبورغ، مثل المنتدى اليهودي من أجل الديمقراطية ومناهضة معاداة السامية.

ومن دون التحقق من الادعاء الذي نُشر لأول مرة في صحيفة "بيرلينَر كورير" و في صحيفة "بيرلينَر تسايتونغ"، تبنت تقريباً جُل الصحافة الألمانية هذا الخبر الكاذب، حتى دويتشه فيله. ونتيجة لذلك، وُصفت المظاهرة والفعاليات اللاحقة بأنها معادية للسامية. وعلى مدى أيام كان فقط موضوع معاداة السامية في أوساط المسلمين هو الشغل الشاغل لجميع القنوات الإعلامية الألمانية. فيما تراجع قرار ترامب في سياق السياسة الخارجية إلى الخلفية.

خلق أجواء بالاستعانة بالكليشيهات

كان تركيز وسائل الإعلام واضحاً على المظاهرات، التي يُفترض أن هتافات معادية للسامية ترددت خلالها. على سبيل المثال: "إسرائيل قاتلة الأطفال"، هذه العبارة تلعب على كليشيهات القرون الوسطى والتي تقول إن اليهود سوف يشربون دماء الأطفال الأبرياء. ولا يكاد أحد يشير إلى المملكة العربية السعودية أو روسيا على أنها "قاتلة الأطفال"، على الرغم من أن أسلحتمها الجوية في اليمن وسوريا تقتل الأطفال مثل ما تفعل القوات الجوية الإسرائيلية في قطاع غزة.

بالإضافة إلى هذه العبارة هناك أيضاً عبارة " خَيْبَر، خَيْبَر، يا يهود!" والتي أراد بعض المتظاهرين من خلالها التذكير بحملة النبي محمد في عام 628 ضد خيبر، والتي كانت عبارة عن واحة سكنها اليهود في شبه الجزيرة العربية. ولكن مصير اليهود الذين هُزموا خلال تلك الحملة لم يكن الإبادة، وإنما الخضوع. ولهذا فإن ترجمة عبارة خيبر إلى عبارة "الموت لليهود" تعد خطأً. كما أنه وفقاً لتسجيلات لم يتم الهتاف بعبارة "خيبر" من قِبَل الآلاف.

اليهود في ألمانيا ظ صورة رمزية
كراهية اليهود ليست منتوجاً مستورداً، بل إنها "جزء من التاريخ الثقافي الأوروبي، ولاسيما الألماني"، بحسب قول بنيامين شتاينيتس من مركز البحوث والمعلومات حول معاداة السامية في برلين.

وقد أدان المنظمون الفلسطينيون للمظاهرة والعديد من الجمعيات الإسلامية هذه الشعارات المعادية للسامية، فضلاً عن قيام البعض بإحراق العلم الإسرائيلي المصنوع يدوياً من قبل بعض المتظاهرين المعروفين. وذلك على الرغم من أن هذا العمل لا يعد في حد ذاته عملاً معادياً للسامية، لأن العلم الإسرائيلي لا يمثل اليهود بل الإسرائيليين.

ثلثا اليهود في العالم ليسوا إسرائيليين، والشعب الإسرائيلي لا يتكون فقط من اليهود، إذ أن 20 في المئة منهم عرب. كما أن رمز نجمة داود لا يجعل العلم الوطني الإسرائيلي "علم اليهود"، تماما كما الهلال لا يجعل العلم التركي "علم المسلمين". ومع ذلك، يجب إدانة حرق العلم، لأنه يعامل الإسرائيليين على أنهم شعب متجانس ويحمّلهم مسؤولية قرار ترامب.

معاداة السامية.. رواسب مستمرة في المجتمع

غير أنه في هذه الأثناء قد تأخر الوقت وتمت إثارة خطر حشد المعادين للسامية. وأثارت هذه الصورة خوف اليهود في الجمهورية الاتحادية الألمانية. وذكر العديد بعد هذه المظاهرات أنهم لن يجرؤوا على وضع شموع "حانوكا" في النوافد لأنه قد هُتف بقتلهم في الخارج. ووفقاً لميرون مندل، مدير مركز آنه فرانك التعليمي في مدينة فرانكفورت، فإن اليهود قد عايشوا شعور "عيش هذه التجربة من قبل" أي عيش "حالة تخويف واضطهاد".

معاداة السامية ليست جديدة في ألمانيا، وإنما هي رواسب مستمرة في المجتمع. ويذكر تقرير معاداة السامية في البرلمان الألماني "بوندستاغ" أن 20 في المئة من الألمان لديهم أحكام مسبقة معادية للسامية. ولا يوجد أيضاً زيادة مطلقة في جرائم معاداة السامية: ففي الفترة ما بين عامي 2001 و 2015، كان هناك سنويا ما بين 1268 و 1809 جريمة معادية للسامية، أي ما متوسطه 1522 جريمة معادية للسامية، بما في ذلك 44 جريمة نتيجة أعمال العنف.

ففي كل سنة من سنوات تصاعد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني -2002 و 2006 و 2009 و 2014- ازداد عدد الجرائم بشكل أكبر مما كان عليه في السنة السابقة لكل منها. وقد عاد هذا العدد للانخفاض في السنة اللاحقة لكل منها. ومن المرجح أن يكون هذا هو الحال، أي الانخفاض في معدل جرائم معاداة السامية في العام المقبل 2018، إذا شغل فيه صراع الشرق الأوسط عدداً أقل من الناس هنا في ألمانيا.

الموضوعية في مواجهة النقاشات العاطفية

ورغم ذلك: حذر كلٌّ من السياسي جورج باتسدرسكي من حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) وَالسياسي يِنس شْبان من الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) من "معاداة السامية المستوردة". لكن كراهية اليهود ليست منتوجاً مستورداً، بل إنها "جزء من التاريخ الثقافي الأوروبي، ولاسيما الألماني"، بحسب قول بنيامين شتاينيتس من مركز البحوث والمعلومات حول معاداة السامية في برلين. وينعكس ذلك أيضاً في أرقام تقرير معاداة السامية في البوندستاغ: فأكثر من 90 في المئة من جميع الجرائم المعادية للسامية يرتكبها المتطرفون اليمينيون [وهم ألمان أصليون].

تعرض اليهود للتمييز مستمر في ألمانيا. ويجب معالجة هذا التحدي بشكل موضوعي، على سبيل المثال من خلال تشجيع مشاريع التعليم واللقاء، وليس بالمناقشات العاطفية والادعاءات الزائفة. وسيكون من اللائق بالصحفيين والسياسيين وكبار الشخصيات المشاركين [في التهويل] الاعتذار للمسلمين واليهود، على الأقل بنفس الصوت العالي: اعتذار على تكرار شيطنة المسلمين في ألمانيا بشكل تعميمي من جديد، وعلى بث الخوف في نفوس اليهود من دون داعٍ لذلك.

 

آرمين لانغَر

ترجمة: إيمان ملوك/ ع.م

آرمين لانغَر ، ولد في عام 1990، درس الفلسفة واللاهوت اليهودي في كلّ من بودابست والقدس وبوتسدام. يعيش ويعمل كناشر في برلين.