سوريا...بصيصٌ من أمل؟

 سلام كواكبي: وفد النظام السوري قد وصل حاملاً لرسالة واضحة: الوقت يسير لصالحنا ولا مصلحة لنا في القيام بأية إجراءات لبناء الثقة.
سلام كواكبي: وفد النظام السوري قد وصل حاملاً لرسالة واضحة: الوقت يسير لصالحنا ولا مصلحة لنا في القيام بأية إجراءات لبناء الثقة.

فشلت مشاورات جنيف الأخيرة في فك عديد من العقد التي تلازم مسار المقتلة السورية. فبعد تكشّف الموقف الأميركي للقاصي بعد أن كان واضحاً للداني، يبدو أن الملف السوري قد تمّ تلزيمه بأبخس الأثمان إلى الفاعلين الواضحين الروسي والإيراني.

الكاتبة ، الكاتب: سلام كواكبي

على الرغم من تسرّب تصريحات عدائية تجاه المعارضة السورية صدرت عن الوزير جون كيري في لقائه مع مجموعة من النشطاء المدنيين السوريين، إلا أن المراقب عن كثب وبعيداً عن سراب التصريحات الوردية المنهمرة من واشنطن منذ البداية، لم يُفاجأ، بل على العكس، فهو "ارتاح" لرجاحة تحليله الذي طالما أُرفق بتحذيرات سياسية واضحة لعدم الرهان على موقف دولة بعينها، وتوزيع "بيض" العلاقات الخارجية على عدة سلال والتأكد من عدم وجود الثقوب العريضة فيها.

مع الرفض الروسي الصريح لوقف إطلاق النار أثناء انعقاد المشاورات على الأقل وتسهيل عبور المساعدات الانسانية لأكثر من 20 منطقة محاصرة، وذلك تنفيذاّ لقرار مجلس الأمن 2254، الذي وقعت عليه روسيا الاتحادية نفسها، بدا وكأن وفد النظام السوري قد وصل حاملاً لرسالة واضحة: "الوقت يسير لصالحنا ولا مصلحة لنا في القيام بأية إجراءات لبناء الثقة".

على الأرض، تقدمت القوات الموالية مع تغطية روسية كثيفة على عديد من المحاور إلا في مواجهة داعش، والتي تتقدم على بعض المحاور مستغلة انصراف قوى المعارضة لمواجهة الروس والنظام. وانهارت دفاعات المعارضة التي لم تحصل على دعم حقيقي من الحلفاء الوهميين كما الحقيقيين إن وجدوا. وانسدت أفق الحياة بوجه السكان المدنيين في مناطق المعارضة، خصوصاً في ريف حلب الشمالي، مما أدى إلى هجرة عشرات الألوف باتجاه الحدود التركية المغلقة بشكل محكم في وجوههم المغبرّة.

لم يف أحد من الواعدين بوهمه، ولم تدعم القوى الاقليمية المحسوبة على المعارضة موقع الأخيرة حقيقة. واستمر الأميركيون بالرهان على أن سوريا لا تعنيهم إلا بحدود الأمن والأمان لإسرائيل.

أفادت منظمتان غير حكوميتان الثلاثاء (التاسع من فبراير/ شباط 2016) أن أكثر من مليون سوري يعيشون تحت الحصار بعد خمس سنوات من الحرب، مشيرة إلى أن الأزمة "أسوأ بكثير" مما تحدث عنه مسؤولو الأمم المتحدة. وخلص مشروع مشترك يجمع معلومات من شبكة تنتشر في عمق المجتمعات السورية المحاصرة إلى نتيجة قاتمة بأن نقص تقارير الأمم المتحدة بشأن الحصار قد "يشجع دون قصد على توسيع استراتيجية الحكومة السورية بالاستسلام أو التجويع".
سلام كواكبي: وفد النظام السوري قد وصل حاملاً لرسالة واضحة: الوقت يسير لصالحنا ولا مصلحة لنا في القيام بأية إجراءات لبناء الثقة.

دعم "غيرعلني" للتدخل الروسي في سوريا

وبما أن الحلف الروسي/الاسرائيلي العسكري والسياسي قد توافق على دعم "غيرعلني" للتدخل الروسي في سوريا، فالعم أوباما مرتاح. وارتياحه، كما إدارته، ذو وجهان: الانخراط الروسي في سوريا في نتيجتيه المحتملتين واللتين لا ثالث لهما ـ الانتصار أو الهزيمة ـ هو في صالح أميركا في المطلق. فإن انغمس الروس في رمال سوريا المتحركة، ستكون واشنطن في موقع تفاوضي أفضل للجم عنفوان عودة الدب الروسي إلى الكرم العالمي. وإن استطاع الروس القضاء على المسلحين، ولا يهم الأميركيين نوع هؤلاء المسلحين، وبالتالي تحقيق الاستقرار للنظام، وكذلك لا يهم الأميركيين نوعه، فلا ضير أيضاً.

إن حلّ هذا الاستقرار الموهوم الذي ما فتئت السياسات الغربية تتلظّى به لدعم عديدٍ من النظم المستبدة، فمن المؤكد أنه سينجم عنه حروب عصابات وتطرف مضاعف. لقد أثبتت التجارب التاريخية القريبة أن لا يمكن إيقاف العنف ولا القضاء على التطرف إلا من خلال عملية سياسية تحمل إصلاحات عميقة وتترافق مع عملية تربوية قائمة على أسس مشاركة مجتمعية تستند إلى مؤسسات مستقلة وإلى مجتمع مدني مزدهر ومحمي.

نفق مظلم

"فشل" جنيف المتوقع كما تقدم القوات الموالية والروسية باتجاه إعادة السيطرة على عدد من مواقع المعارضة، كما انسحاب الداعمين الإقليميين او الدوليين من تقديم أية مساعدة سياسية حقيقية، كلها عوامل ستفضي ليس إلى الدخول في نفق مظلم سيضم في جنباته مجمل السوريات والسوريين دون تمييز بين معارضٍ وموالٍ، فحسب، بل يمكن أيضاً أن تفضي إلى نزاعات إقليمية تجرّ إليها قوىً دولية بحيث يصبح المشهد السوري أكثر تعقيداً مما هو عليه حتى الآن.

التشاؤم لا يكفي لمجابهة المرحلة القادمة، فجرعة من التفاؤل أو الأمل ما تزال موجودة على ساحة الموت وبين جنبات الدماء. لقد أفرزت سنوات القهر التي عُمّدت بسنوات من الدم، وعياً سورياً مدنياً. وقد نمى رغم كل الموروثات القمعية والاجتماعية، ومن المحتمل، أنه لا يمكن أن ينتهي أو أن يتراجع. لقد برز جيلٌ جديدٌ من السوريين ومن السوريات الذين كانوا أول من خرج لمواجهة الطغيان والاستبداد، وهم مؤمنون بموعدٍ حميمٍ مع الحرية. وعلى الرغم من قتل العديد منهم واعتقال العدد الأكبر ونزوح قسم هام، إلا أن بذرة الحرية قد انغرست في أرض الشام وستنبت يوماً ما أملاً أخضر يعدّل من ظلامية المشهد السوري القائم.

 

سلام كواكبي

كاتب وباحث سوري مقيم في فرنس

حقوق النشر: سلام كواكبي 2016

موقع قنطرة ينشر المقال بالإتفاق مع الكاتب.