قفزات مقتدى الصدر في المجهول العراقي

قفزات صدرية خارج كمّاشات محاصِرة، يراها صفاء خلف في تحليله لموقع قنطرة. فبحلفه مع الشيوعيين يقفز الصدر من "المهدي" إلى "ماركس" لبلوغ أقصى نفعية، مترقباً تساقط الخصوم، بتوظيف تناقضات محلية وإقليمية، عبر خطاب: مناوئ لإيران والأسد ومقترب من الرياض وأبو ظبي ومعزز للعبادي بالانفتاح العربي ومطيع لمرجعية النجف وداعم لحل الفصائل المسلحة باستثناء مسلحيه ومحتفظ لنفسه بحماية أحد أهم مراكز الشيعة.

الكاتبة ، الكاتب: Safaa Khalaf

يسعى مقتدى الصدر الى جعل تيّاره، عامل توازن شيعي في العراق، إزاء الطموحات الإيرانية بدفع جماعاتها المسلحة إلى الواجهة السياسية. وعلى رغم العداء الإيديولوجي بين الصدريين والولايات المتحدة الأميركية، إلاّ ان الأخيرة باتت تتقبل هذا العداء كجزء من الدينامية الاجتماعية والسياسية للتيار في العراق للحفاظ على إرثه "الثوري"، فيما الصدريون يتفهمون أن الدور الأميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من الكمّاشات الإيرانية، شريطة ألا يحقق الطرفان تقارباً مباشراً يفضي إلى نسج علاقة صريحة بينهما.  يملك الصدر خطوط تواصل غير مباشرة مع واشنطن، منها عبر دعمه لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وعلاقته التي تبدو جيدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.  سلسلة علاقات نفعية نجح الصدر بإحاطة نفسه بسلسلة علاقات نفعية جيدة مع الإقليم العربي، ووثق علاقته مع العبادي الذي بدا أنه مرتاحاً لهكذا نوع من الشراكات السياسية التي لا تؤثر على طريقة إدارته للسلطة. 

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في لقاء مع رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي مقتدى الصدر في العراق.
قفزات صدرية كبيرة: خطوات الصدر السياسية كأنها قفزات كبيرة إلى مناطق لعب جديدة خارج كمّاشات يجد نفسه محاصرا بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول أن يوظف تناقضات محلية وإقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل إلى أقصى نفعية سياسية بالقفز من "المهدي" إلى "ماركس" على طريقته بإيجاد مقاربات هشّة. فهو يُصدِّر خطابه كمعادٍ للسياسة الإيرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الأسد بالسلطة، ويقترب كثيراً من الرياض وأبو ظبي، ويعزز سياسة رئيس الحكومة بالانفتاح العربي، وتحوّل إلى هراوة سياسية مطيعة بيّد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حل الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحد من أهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ"قضية المهدي"، فهو دائماً يُبقي خيطاً رفيعاً ممدوداً بينه بين قناعاته الخلاصية بوصفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين للعدالة المفقودة وطموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط أيضاً مصدر قلق رهيب بوصفه مُحفزاً لتنظيمات سرية تدعي الصلة بـ"المهدي"، وفق تحليل صفاء خلف.

 وتبدو هذه الشراكة مدعومة من المرجعية التقليدية في النجف التي يرأسها اية الله السيستاني، ولم يطلق الصدر مواقف حادة تجاه رغبة الكُرد بالانفصال عن العراق، فيما عزز صلته النفعية عميقاً بما بات يُعرف بـ"التيار المدني" والحزب الشيوعي العراقي، بتحالف انتخابي، أنهى به الفيتو الديني على التعامل مع "العلمانيين". ففي انتخابات سابقة أفتى آية الله كاظم الحائري -أحد المراجع المسموعين لدى التيار- بـ"حُرمة انتخاب العلماني"، وفي أواخر الخمسينيات كفّر زعيم الشيعة حينها -آية الله محسن الحكيم- الحزب الشيوعي في غمرة تقاربه مع عبد الناصر والإخوان المسلمين، في ظل موجة العداء مع حكومة عبد الكريم قاسم التي كانت تأخذ نهجاً علمانياً في إدارة السلطة.  ميليشيا مسلحة منذ عام 2003 لكن الصدر ما زال يحتفظ بميليشيا مسلحة منذ عام 2003، يرفض حلّها، وفي الأوقات التي بدت الضغوطات فيها رهيبة، يعمد إلى خيار "التجميد" أو تغيير اسم المجموعة المسلحة، والإعلان عن الخصائص الجديدة لها، ويرسم زبائنية مبتكرة للسلاح الذي يحافظ عليه في كل مرة.  أعلن مقتدى الصدر عن تشكيل ميليشيا "جيش الإمام المهدي" في مسجد الكوفة بالنجف، كخطوةٍ رمّزيةٍ تمتد إلى الروايات التاريخية الغامضة عن نهاية العالم بظهور الإمام الثاني عشر لدى الشيعة واتخاذه للمسجد نفسه كواحدٍ من مراكزه التبشيرية. في منتصف تموز / يوليو 2003 أطلق الصدر ميليشياه ردّاً على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة "لمجلس الحكم العراقي"، وبموازاة ذلك ابتدع لنفسه خطاً راديكالياً بطموحه إلى "تأسيس دولة إسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي (...) عبر جيش إسلامي مطيع لمراجعه وقواده"، هذه النظرة الخلاصية أدت إلى تفريخ الكيانات المُسلحة في المقسم الشيعي قبالة التفريخ الحاصل على المقسم السُني، وربما أن أغلب الجماعات الشيعية المُسلحة خرجت من بطن التشكيل الأول للصدر، وتنامت فيها بعد وصولاً إلى تشكيل "الحشد الشعبي".  

من أنصار رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر في العراق.
خشية الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران: فيما الصدريون يتفهمون أن الدور الأميركي مفيد لحراكهم ومستقبلهم الذي يريد التملص من الكمّاشات الإيرانية، شريطة ألا يحقق الطرفان تقارباً مباشراً يفضي إلى نسج علاقة صريحة بينهما. ويخشى الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران عليه – أبرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي وأكرم الكعبي- كما يخشى أن تتحول الدولة إلى عنصرٍ معادٍ له إذا ما استطاعت القوى التي تدين بالولاء الديني للمرشد الإيراني بالوصول إلى السلطة، لذا فهو يحافظ على تلك القوة بوصفها جزءاً من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً. ولَعلَّ طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن "تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم"، كما يكتب صفاء خلف.

 وعِبّر الميليشيا خاض الصدر معارك مُدمرَةٍ ضد السلطات العراقية: مرتين بدافع مقاومة الأميركيين وثالثة ضد الحكومة مباشرة في البصرة، عوضاً عن خروقاتٍ كثيرةٍ بين آونة وأخرى.  يخشى الصدر من استقواء خصومه المدعومين من إيران عليه – ابرزهم المنشقون عنه قيس الخزعلي وأكرم الكعبي- كما يخشى أن تتحول الدولة إلى عنصرٍ معادٍ له إذا ما استطاعت القوى التي تدين بالولاء الديني للمرشد الإيراني بالوصول إلى السلطة، لذا فهو يحافظ على تلك القوة بوصفها جزءاً من نظام الردع الذي يُطوره سياسياً.  ولَعلَّ طهران تَنَبّهت الى نظام الرّدع الذي يبنيه الصدر بمعاونة الشيوعيين، حينَ أعلن علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي أن بلاده لن "تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم".  "راعي الإصلاح"؟ دعم الصدر، وهو شابٌ ينحدرُ من عائلة دينية تقليدية تطالب بتطبيق "الشريعة"، الحراك الاحتجاجي في العراق، وبات يُطلِق على نفسه "راعي الإصلاح"، لكنه بموازاة ذلك يحتفظ بوزراء ومسؤولين كبار في الحكومة العراقية التي يتفشى فيها الفساد، وشَنّ هجوماً لاذعاً ضد مفوضية الانتخابات مطالباً بتغييرها، وهدأت حدة انتقاداته تجاهها بعد أن صار له معقدٌ يضمن عبره من تثبيت حصّته من المقاعد في البرلمان المقبل. إشكالية محاربة الفساد في العراق تتحرك ضمن الزبائنية السياسية وموجهاتها الدعائية الشعبوية، تفتقر إلى إرادة المحاسبة الحقيقية فيما تظل أدواتها بعيدة عن ملاحقة الفاسدين وتقديمهم إلى العدالة، وتشتغل في إطار الترضية والتصفية بين الخصوم السياسيين، فحتى الاستجوابات التي تُطرَح في مجلس النواب وتُطيح بوزراء او مسؤولين فاسدين كبار، تتحرك داخل إطار تحقيق التوازنات، والكيفية التي تحافظ بها تلك الجماعات السياسية النفعية على مصالحها الاستراتيجية. 

مسلحون عراقيون في العراق بتاريخ 21 / 06 / 2014.
من "جيش المهدي" إلى "الحشد الشعبي": الصدر ما زال يحتفظ بميليشيا مسلحة منذ عام 2003، يرفض حلّها، وفي الأوقات التي بدت الضغوطات فيها رهيبة، يعمد إلى خيار "التجميد" أو تغيير اسم المجموعة المسلحة، والإعلان عن الخصائص الجديدة لها، ويرسم زبائنية مبتكرة للسلاح الذي يحافظ عليه في كل مرة. في منتصف تموز / يوليو 2003 أطلق الصدر ميليشياه ردّاً على تشكيل سلطة الاحتلال المؤقتة "لمجلس الحكم العراقي"، وبموازاة ذلك ابتدع لنفسه خطاً راديكالياً بطموحه إلى "تأسيس دولة إسلامية تسعى لتطبيق الحكم الشرعي (...) عبر جيش إسلامي مطيع لمراجعه وقواده"، هذه النظرة الخلاصية أدت إلى تفريخ الكيانات المُسلحة في المقسم الشيعي قبالة التفريخ الحاصل على المقسم السُني، وربما أن أغلب الجماعات الشيعية المُسلحة خرجت من بطن التشكيل الأول للصدر، وتنامت فيها بعد وصولاً إلى تشكيل "الحشد الشعبي"، وفق ملاحظة صفاء خلف.

 لم يستطع الصدر تقديم أياً من سياسييه الفاسدين إلى القضاء، بل تحرك بعيداً عن سلطة الدولة التي يدعي أنه متكفل بحمايتها والخضوع لها، وأسس لنفسه مكتباً للمحاسبة والتطهير. وعَمَدَ على غيّرِ مرَّةٍ إلى احتجاز أتباعه عُرّفياً كعقوبة لهم على عصيانهم: كحادثة احتجاز نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي لثلاثة أشهر وتجريده من تمثيله سياسياً لتياره.  هذه الممارسة تكشف عن طبيعة الهيمنة التي يفكر بها الصدر والتي يريد أن يدير بها السلطة في المستقبل، كما أن مبدأ الحفاظ على الدولة وصلاحياتها الحصرية هو مجرد غطاء للقيام بأعمال غير مشروعة تحت عنوان محاربة الفساد، وتغذية الجزيرة السياسية التي يُنمِّيها عبر حلقات من المنتفعين وخطوط الولاء الشعبي، وأخيراً بالتحالف مع الشيوعيين.  القفز من "المهدي" إلى "ماركس" دائماً ما تجيء خطوات الصدر السياسية وكأنها قَفَزاتٌ كبيرة الى مناطق لعب جديدة خارج الكمّاشات التي يجد نفسه محاصراً بها، لكنه بالتحالف مع الشيوعيين يحاول أن يوظف التناقضات المحلية والإقليمية لصالحه، ويهز الشجرة غير المستقرة للتحالفات في العراق مترقباً تساقط الخصوم منها، ومنها يصل إلى أقصى نفعية سياسية بالقفز من "المهدي" إلى "ماركس" على طريقته بإيجاد المقاربات الهشّة.  فهو يُصدِّر خطابه كمعادٍ للسياسة الإيرانية بالمنطقة، ويعارض بقاء الأسد بالسلطة، ويقترب كثيراً من الرياض وأبو ظبي، ويعزز سياسة رئيس الحكومة بالانفتاح العربي، وتحوّل إلى هراوة سياسية مطيعة بيّد المرجعية التقليدية في النجف، ويدعم توجهات حلّ الفصائل المسلحة لكنه لا يحل جماعته المسلحة على نحو مطلق ويحتفظ لنفسه بحماية واحدة من أهم مراكز الشيعة في سامراء المرتبطة بـ"قضية المهدي". فهو دائماً يُبقي خيطاً رفيعاً ممدوداً بينه بين قناعاته الخلاصية بوصفها المنطقة المقدسة التي يُهيّمن بها على ملايين من الفقراء التواقين إلى العدالة المفقودة وطموحاته السياسية. لكن ذاك الخيط أيضاً مصدر قلق رهيب بوصفه مُحفزاً للتنظيمات السرية التي تدعي الصلة بـ"المهدي".  وبات واضحا أن التحالف مع الشيوعيين مَثّل نكسة اجتماعية للجمهور، الذي ينظر إلى الحزب كمُنقذ علماني للخروج من ورطة حكم الإسلام السياسي، لكن مع هذا التحالف الذي يبدو مُريباً لتنافر العقيدة، ابتلع الإسلاميون آخر حجرٍ في حائط الطبقة الوسطى المتهالك وهو يحاول الصمود أمام تردي الخدمات واستشراء الفساد والمحاصصة الطائفية. 

تحالف "سائرون" السياسي في العراق وفيه عدة مكونات سياسية كالحزب الشيوعي والتيار الصدري.
تساؤلات حول الحلف الديني الشيوعي: تطفو تساؤلات عن كيفية تعامل الصدر مع أسلمة القوانين العراقية، في ظل حلفه مع الشيوعيين، ولاسيما قانون الأحوال الشخصية أو منع الخمور أو مراكز السهر والحريات الخاصة، وكيف يُمْكِن السيطرة على العقيدة العميقة للصدر إزاء الإيديولوجيا الشيوعية المُناقضة له والتي يَصِفُها الحزب في أدبياته بـ"الرجّعية" في سنوات الصراع على علّمنة القوانين والتشريعات والمجتمع بعد انقلاب 1958. ونظراً للمواقف الانقلابية للصدر على حلفائه، ونزّعته غير المستقرة بالبقاء في جبهة واحدة، تتراكم مخاوف من انقلابه على الشيوعيين، لاسيما وأنه يحتفظ لنفسه بموضع ديني أيضاَ، ويحرص على تراث عائلته المتشددة: فوالده آية الله الراحل محمد محمد صادق الصدر، يُصنَّف كأبٍ روحيٍ لـ"الصحوة الفقهية الشيعية" في التسعينيات التي اندفعت قُبالة "الصحوة الإيمانية السُنية" التي قادها صدام حسين لتحصين سلطته من الانهيار. فالصدر وأباه حريصان على الشريعة. وخلال 5 أعوام بعد سقوط بغداد أنشأ الصدر محاكم دينية لمحاسبة غير الملتزمين، وتورطت ميليشياه بمقتل مئات النساء والرجال ولا سيما في البصرة، بحسب ما يكتب صفاء خلف.

 ونظراً للمواقف الانقلابية للصدر على حلفائه، ونزّعته غير المستقرة بالبقاء في جبهة واحدة، فإن المخاوف تتراكم إزاء انقلابه على الشيوعيين، لاسيما وأنه يحتفظ لنفسه بموضع ديني أيضاَ، ويحرص على تراث عائلته المتشددة: فوالده آية الله الراحل محمد محمد صادق الصدر، يُصنَّف كأبٍ روحيٍ لـ"الصحوة الفقهية الشيعية" في التسعينيات التي اندفعت قُبالة "الصحوة الإيمانية السُنية" التي قادها صدام حسين لتحصين سلطته من الانهيار.  فالصدر وأباه حريصان على الشريعة. وخلال الأعوام الخمسة الأولى بعد سقوط بغداد أنشأ الصدر محاكم دينية لمحاسبة غير الملتزمين، وتورطت ميليشياه بمقتل مئات النساء والرجال ولا سيما في البصرة.  والآن، تطفو التساؤلات عن الكيفية التي سيتعامل بها الصدر مع أسلمة القوانين في العراق، في ظل حلْفه مع الشيوعيين، ولاسيما قانون الأحوال الشخصية أو منع الخمور أو مراكز السهر والحريات الخاصة، وكيف يُمْكِن السيطرة على العقيدة العميقة للصدر إزاء الإيديولوجيا الشيوعية المُناقضة له والتي يَصِفُها الحزب في أدبياته بـ"الرجّعية" خلال سنوات الصراع على علّمنة القوانين والتشريعات والمجتمع بعد انقلاب عام 1958.  الصدر...قبّان التوازن الذي يسعى إليه الطامحون لمنصب رئاسة الوزراء لا تبدو خطوات الصدر المقبلة واضحة، فالصراع الانتخابي يُغيّر باستمرار الوجّهات المُستقبلية، وحتى اللحظة يبدو أن الزعيم الشاب هو الوحيد الذي حافظ على تماسك لائحته الانتخابية (سائرون) من التفكك، لكن تبقى حظوظه الانتخابية تُراوح عند مديات الطاعة العمياء لجمهوره الذي يرزح غالبيته تحت مستوى خط الفقر وسط فقر حظوظ الشيوعيين في خدمته انتخابياً، لكن بالتأكيد أن الصدر سيغدو قبّان التوازن الذي يسعى إليه الطامحون الى منصب رئاسة الوزراء. يدّفعُ الأميركيون برئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بقوة إلى تولي ولاية ثانية، لكن مخاطر ضياع الجهد الأميركي تبدو جدّية مع خصوم شرسين تدعمهم إيران احتشدوا بلائحة واحدة (الفتح)، واضعين بالاعتبار إعادة تموضع منصب رئاسة الحكومة بمقاسات جديدة، ومنها إخراج حزب الدعوة الحاكم من التوافق العُرّفي على تسنّمه لإدارة السُلطة منذ عام 2005.  هذه المرة تُخلي القوى الشيعية مواضعها السابقة إلى جديدة، على أساس التنافس على السلطة لا على توزيعها، ويذهبون بعيداً إلى تشكيل "سلطة الأغلبية السياسية"، بمعنى أن الشركاء السُنّة والكُرد سيمثَّلون على أساس نسبهم، لا على أساس مبدأ التوافق السياسي بتوزيع السلطة.  معارض يلبس العمامة ويحيط به الفقراء لكنه يملك طائرة خاصة  

رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر في العراق.
علاقات صدرية نفعية: يملك الصدر خطوط تواصل غير مباشرة مع واشنطن، منها عبر دعمه لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، وعلاقته التي تبدو جيدة مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. ونجح الصدر بإحاطة نفسه بسلسلة علاقات نفعية جيدة مع الإقليم العربي. وثق الصدر علاقته مع العبادي الذي بدا أنه مرتاحاً لهكذا نوع من الشراكات السياسية التي لا تؤثر على طريقة إدارته للسلطة. وتبدو هذه الشراكة مدعومة من المرجعية التقليدية في النجف التي يرأسها اية الله السيستاني، ولم يطلق الصدر مواقف حادة تجاه رغبة الكُرد بالانفصال عن العراق، فيما عزز صلته النفعية عميقاً بما بات يُعرف بـ"التيار المدني" والحزب الشيوعي العراقي، بتحالف انتخابي، أنهى به الفيتو الديني على التعامل مع "العلمانيين"، بحسب تحليل صفاء خلف.

 لكن القناعة المؤكدة لدى الصدر أنه لن يستطيع القفز إلى السلطة، ولا يملك شخصية بارزة لترشحيها إلى رئاسة الكابينة الحكومية، غير أن المُشكلة العويصة التي تهدد كيانه بالكامل، فكرة المهدوية ذاتها. فالشاب الذي بدا متحمساً في صيف 2003 لظهور "المهدي" وهو يطل على أنصار والده الراحل بلحّيةٍ كثّةٍ وكفن أبيض، بات اليوم متخوّفاً من الفكرة نفسها، مع تنامي الجماعات السرّانية المؤمنة بـ"مقتدى" بوصفه هو "المهدي الغائب المنتظر" كجماعة "أصحاب القضّية".  ورغم أن الصدر يَشنُّ حملات تطهيرية داخل تياره بحثاً عنهم، إلا أنه فشل بالوصول إلى الرأس التي تغذي الجماعة الغامضة، وسط انشطار هذه الجماعة إلى جماعاتٍ أصغر كُلما يُعثر على تفسير جديد لـ"مهدوية مقتدى الصدر". ويشعر الصدر أن هذا الحراك قد يقف وراءه خصومٌ لتحطيم سمعته كمعارضٍ يلبس العمامة ويحيط به الفقراء. لكنه يملك أيضاً أسطولا من مركبات حديثة وطائرة خاصة.     صفاء خلف حقوق النشر: موقع قنطرة 2018 ar.Qantara.de  صفاء خلف شاعر وناقد عراقي متخصص في الشأن العراقي، حصل مؤخراً على جائزة نسيج للتعددية والتنوع الثقافي من الوكالة الفرنسية للإعلام ومؤسسة سمير قصير ومؤسسة أديان للتعددية.