هل تعيد معركة إدلب المرتقبة الدفء إلى العلاقات بين تركيا وألمانيا؟

يحاول وزير الخارجية الألماني خلال زيارته لتركيا كسر جبال الجليد بين البلدين. ألمانيا التي أصابها الضيق من تصريحات الرئيس التركي النارية ترى في أنقرة حائط صد أمام موجة نزوح سورية قد تنشأ عن عملية عسكرية كبيرة في محافظ إدلب السورية.

الكاتبة ، الكاتب: عماد حسن

شهدت العلاقات التركية - الألمانية الكثير من الشد والجذب مؤخرا،ً لكن ألمانيا بقيت محافظة على "شعرة معاوية" مع تركيا رغم كل الخلافات والتصريحات النارية الصادرة من أنقرة وخصوصاً في ظل مخاوف من انفجار الأوضاع في إدلب السورية والقلق والترقب الألماني والأوروبي من موجة لاجئين هائلة قد تصل إلى أعتاب أوروبا.

وفي غضون ذلك يعتزم وزير الخارجية الألماني هايكو ماس زيارة تركيا استبقها بتغريدة كتب فيها:

"تركيا أكبر من مجرد جار لنا. هي شريك هام لألمانيا ولدينا رغبة قوية في استمرار التعاون معها لتحسين العلاقات بين البلدين وهذا سيكون محور زيارتي لتركيا".

دعم ألماني لتركيا.. سوريا في خلفية المشهد

كانت ألمانيا من أوائل الدول، التي هبت لمساعدة تركيا في أزمتها الاقتصادية. لكن هذا الدعم كان وراءه هدفاً آخر أكثر أهمية، وفق قراءة مصطفى اللباد، الباحث والخبير في الشأن التركي.

اللباد يرى أن "هناك قلقاً أوروبياً عميقاً من مسألة المهاجرين حيث تعتبر أوروبا تركيا نقطة الانطلاق الأولى والأهم للاجئين والمهاجرين وبالتحديد نحو ألمانيا والتي يوجد بها بالفعل عدد كبير منهم وهي لا تريد أبداً المزيد منهم".

كما يضيف اللباد قائلاً إن "استقرار الأوضاع سياسياً واقتصادياً في تركيا أمر شديد الأهمية لأوروبا، كما أنه سيكون حافز أكبر لتركيا للتعاون مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي لإيقاف موجات اللاجئين، وهذا في رأيي هو عامل التعاون الأساسي بين ألمانيا وتركيا، مع العلم بأن منظومة القيم في تركيا وألمانيا مختلفتان، فألمانيا لديها مآخذ كثيرة على سلوك الرئيس التركي لكن عندما يتعلق الأمر بمصالح ألمانيا العليا فهنا ستعكس سياسات ألمانيا الخارجية هذا الأمر".

إدلب.. ورق ضغط تركية؟

وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، حذر من كارثة إنسانية حال تنفيذ عملية عسكرية محتملة بمحافظة إدلب. ومن المقرر أن تكون إدلب أحد محاور النقاش التركي - الألماني خلال زيارة ماس لتركيا حيث تنظر ألمانيا بأهمية شديدة للدور التركي في القضية السورية. في الوقت نفسه، يعول كثير من السوريين على دور تركي مأمول في نزع فتيل حرب يخشى كثيرون إن هي قامت أن تحرق الأخضر واليابس.

مصطفى اللباد، الخبير في الشأن التركي، يعتبر أن أنقرة ستواصل استغلال ورقة استضافتها للاجئين السوريين لتحصيل المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية وخصوصاً من أوروبا التي ترى في أنقرة حائط الصد الأهم في هذه المسألة، خاصة وأن المخاوف الأوروبية تتصاعد من احتمال نشوء موجة لجوء هائلة تنطلق من إدلب، "فعدد سكان المدينة هائل بالفعل وقد ينزح منهم مئات الآلاف نحو تركيا ومنها إلى أوروبا وهذا أمر لن تحتمله أوروبا مطلقاً، كما لن تستطيع تركيا استقبال المزيد من اللاجئين وهي التي تستضيف بالفعل نحو ثلاثة ملايين منهم".

أما كريستيان براكل، مدير مكتب مؤسسة هاينرش بول المقربة من حزب الخضر الألماني في إسطنبول، فيختلف مع هذا الطرح ويقول إن "الأهمية التركية في ملف إدلب ليست بهذا القدر الذي يراه البعض وليست ذات تأثير في مجريات الأحداث على الأرض كما أنها تفتقد للكثير من أوراق اللعب التي قد تغير في تفاصيل المشهد هناك.

ويضيف المحلل السياسي الألماني أن "أهمية تركيا في السابق كانت لروسيا وليس لألمانيا وتمثلت في مؤتمر آستانة حيث نجحت تركيا في جلب المعارضة إلى طاولة المفاوضات وخصوصاً المعارضة المسلحة أما الآن فلم تعد تركيا مهمة في هذا الملف بالقدر الذي كانت عليه".

[embed:render:embedded:node:32538]

تركيا .. نافذة ألمانية على الشرق الأوسط

تمتد العلاقات بين البلدين إلى أزمنة بعيدة عبر التاريخ ما بين علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، حتى أن قرابة 3.5 مليون شخص من اصول تركية يعيشون في ألمانيا.

وفي هذا السياق يقول الدكتور مصطفى اللباد في مقابلته معنا إن ألمانيا لا تلعب دورا محورياً في الشرق الأوسط لأنها منشغلة بقضاياها الداخلية وقضايا الاتحاد الأوروبي في حين أن تركيا الصديق القديم والحليف المهم هي المطل الشمالي على الشرق الأوسط وقضاياه وبالتالي فإذا خسرت ألمانيا تركيا فقد أصبح دخولها على المعادلات السياسية في الشرق الأوسط أكثر صعوبة وذلك بغض النظر عن طبيعة الحاكم التركي سواء كان أردوغان أو غيره، ولذلك نرى أن هناك الكثير من الصبر الألماني على الشطط التركي فيما يتعلق بالتصريحات المنفلتة الصادرة عن تركيا.

يضيف اللباد بأن لقاء ميركل وأردوغان المرتقب تميل فيه كفة موازين القوى لمصلحة أردوغان أكثر على الرغم من أن ألمانيا أقوى بمراحل اقتصادياً وسياسياً "لكن نتحدث هنا عن قضية إقليمية هامة للغاية وهي سوريا التي لها حدود طويلة مع تركيا وتستضيف ملايين اللاجئين السوريين، وبالتالي فهي تستطيع التأثير على ألمانيا كما فعلت في السابق عندما تركت بضعة آلاف من السوريين  يعبرون حدودها إلى أوروبا ويصلون إلى ألمانيا وميركل تعي لك جيداً وتعي توازنات القوى داخل ألمانيا فيما يتعلق بهذه القضية لذا فهي ستعمل على الخروج بنتيجة مرضية من اللقاء وهذا ما يعرفه اردوغان".

 

عماد حسن

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018