تصورات جنسية إسلاموية لجذب الشباب للجهادية

في فيلمه "تحقيق في الجنة" -الحائز على عدة جوائز من بينها جائزة بانوراما في مهرجان برلين السينمائي 2017- يجري المخرج الجزائري مرزاق علواش تحقيقا حول التصورات الجنسية للجنة، التي يتم نشرها من قبل الدعاة السلفيين. الصحفي الألماني رينيه فيلدأنغل يستعرض هذا الفيلم لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: René Wildangel

ربما يعتبر مرزاق علواش أشهر مخرج جزائري حاليًا. وهذا المخرج الناجح على مستوى العالم كان يعمل حتى الآن في إخراج الأفلام التمثيلية بصورة خاصة. وفي فيلمه "تحقيق في الجنة" يروي قصة نجمة وزميلها مصطفى، وهما صحفيان أجريا تحقيقًا حول الدعاة السلفيين وتأثير أفكارهم في المجتمع الجزائري. وهذا الفيلم يجمع سياق السرد الخيالي مع مشاهد وثائقية، يتم فيها إجراء مقابلات مع الناس في أماكن مختلفة في الجزائر.

يُمثِّل نقطةَ انطلاق هذا الفيلم تسجيلُ فيديو لداعية سلفي من المملكة العربية السعودية، عثرت عليه الصحفية نجمة أثناء تحقيقاتها. وقد أذهلها تصوُّره للجنة. وفي هذا التسجيل يصف الداعية السعودي وعلى نحو إباحي شكل "الاثنين وسبعين حورية" (الحور العين) في الجنة: "الحورية بشعرها الأسود وجهها الأبيض ... شعرٌ ونَحرٌ ... وخدّ … ونهود وفخوذ وسيقان وبياض! ونعومة من دون كريمات. لا نيفيا ولا فازلين ... وكيف إذا قدَّمت لك الحورية كأس الخمر. نعم خمرٌ! والخمر في الجنة أفضل من خمر الأرض".

لا يوجد كريم نيفيا، ولكن يوجد خمرٌ جيِّدٌ؟ في البداية شاهدت الصحفية نجمة هذا التسجيل وابتسمت، ثم اكفهر وجهها. وسألت زميلها: "هل يوجد الكثير من مثل هذه الفيديوهات على موقع يوتيوب؟". وأجابها زميلها مصطفى: "أجل، وعندما يبحث المرء عن كلمة حورية أو حوريات، فعندئذ تظهر آلاف من مثل هذه التسجيلات". 

وهذا الفيديو الحقيقي شكَّل أيضًا نقطة انطلاق فيلم "تحقيق في الجنة". لقد شاهد المخرج مرزاق علواش هذا التسجيل عندما نشره أحد معارفه على جدار صفحته في الفيسبوك. وحول ذلك يقول مرزاق علواش: "يوجد لدي خمسة آلاف صديق على الفيسبوك، من جميع أنواع البشر".

وبعد أن شاهد هذا الفيديو، طرح المخرج مرزاق علواش على نفسه العديد من الأسئلة: ما هو تأثير مثل هذه الفيديوهات، التي يتم عرضها على شاشة العديد من القنوات التلفزيونية الدينية؟ وإلى أي مدى يتم أخذها على محمل الجدّ؟ وهل غطَّت على السردية النثرية والتحفُّظ لدى المقاربة الإسلامية التقليدية من موضوع الجنة؟

الجنة - مكان لا توجد فيه ضرائب

وهكذا قرَّر مرزاق علواش إرسال الصحفية الروائية نجمة في رحلة عمل. وكان لا بدَّ من تكليف امرأة باستجواب الناس عن المكافآت الجنسية للرجال في الجنة. وضمن إطار تحقيقها قامت بعرض فيديو الداعية السعودي على عدد كبير من الناس.

حيث التقت بأشخاص كثيرين، كان من بينهم العديد من أبرز الفنَّانين والناشطين والمثقَّفين الجزائريين. وكانت تصوُّراتهم عن الجنة مختلفة تمام الاختلاف: والجنة على سبيل المثال هي مكان لا يوجد فيه إرهاق أو عمل. وهي مكان الجميع فيه متساوون في الحقوق. ومكان الجميع فيه مبتهجون. وهي كذلك مكان "لا توجد فيه ضرائب"، مثلما تقول ضاحكة الممثِّلة الجزائرية المشهورة بيونة (باية بوزار) أثناء مقابلة معها.

وكذلك ضحكت المخرجة المسرحية الجزائرية حميدة آيت الحاج من الداعية السعودي في الفيديو، وتساءلت: "إذًا مَنْ ينتظر النساء عندما تكون في انتظار كلِّ رجل اثنان وسبعون حورية؟ أنا لا أفهم ذلك. فكيف سيتم التعامل معنا؟ أو هل يجب علينا أن نعمل في التنظيف مرة أخرى؟ وفي طهي الطعام؟" وأشارت الممثِّلة بيونة إلى أنَّ مثل هذه الصور اكتسبت شعبية في الآونة الأخيرة فقط، وتساءلت: "اثنان وسبعون حورية عدد كبير جدًا، أليس كذلك؟ هنا على الأرض لديهم مشاكل مع امرأة واحدة، وفي الجنة يريدون اثنين وسبعين؟".

Still from Allouache's "Taqiq fel djenna" (Investigating Paradise; Les. Asphofilms/Baya Films)
تقفِّي آثار الشهوات الإباحية عند الدعاة السلفيين: في فيلمه "تحقيق في الجنة" يروي المخرج الجزائري مرزاق علواش قصة نجمة وزميلها مصطفى، وهما صحفيان أجريا تحقيقًا حول الدعاة السلفيين وتأثير أفكارهم في المجتمع الجزائري.

وهذه النكتة بالذات تمنح فيلم مرزاق علواش بُعدًا مُمتعًا. إذ إنَّ هذا ليس تحقيقًا مشحونًا بكليشيهات وصور نمطية أو محمَّلاً بأحكام مسبقة حول صور الإسلام في المجتمع الجزائري الشاب. ويتناسب مع ذلك أيضًا أنَّ رحلة البحث والتحقيق تم تصويرها باللونين الأسود والأبيض في تناقضات واقعية، ولكنها جميلة أيضًا. كما أنَّه ينقل الحزن على ما يضيع هناك في الجزائر.

والصور التي باتت مترسِّخة في أذهان الكثيرين من الشباب عن الجنة، هي صور جديدة في جوانبها الثقافية الشعبية والاستهلاكية أيضًا. وعلماء الدين والفقهاء المسلمون، الذي زارتهم الصحفية نجمة في مدينة تيميمون في جنوب الجزائر، ينتقدون الداعية في شريط الفيديو وأيديولوجيته بكلِّ وضوح، ويقولون: "إنَّه يتحدَّث كثيرًا ولكنه لا يقول أي شيء". وهذا - مثلما يقولون - لا يمت للتصوُّرات التقليدية بأي شيء. ولكن ما هي تصوُّرات المخرج نفسه عن الجنة؟ في هذا الصدد يقول المخرج: "لقد نشأت مع التقاليد الإسلامية الكلاسيكية، وبالنسبة لي فإنَّ الجنة شيء جميل، ولكن لا يمكن وصفه أيضًا".

هناك أشخاص كثيرون يضحكون على شريط الفيديو هذا، وكذلك يوجد آخرون يُحذِّرون. وفي هذا الصدد يقول أحد السلفيين السابقين إنَّ الدعاة يتعمَّدون إلى استغلال الحرمان والكبت الجنسي لدى الكثير من الشباب. وهكذا يمكن تجنيدهم بسهولة للجهاد. وفي عالم التصوُّرات والأفكار الغريب تأتي هذه الازدواجية ملفتة للنظر: ففي الحياة الدنيا يتم الترويج للفصل الصارم بين الجنسين وارتداء الحجاب، ولكن في الخُطَب والمواعظ حول الجنة يتم الترويج لتصوُّرات جنسية إباحية.

"الإباحية في الإسلاموية السياسية"

وحتى المؤلف كامل داود ينتقد هذا الاستغلال الجنسي ويتحدَّث عن "الإباحية في الإسلاموية السياسية". ويقول: "هذا كلُّه مأساوي ومضحك في الوقت نفسه، لأنَّ هؤلاء الرجال يريدون حياةً، ولكن فقط بعد الموت". وكذلك العديد من الأشخاص - الذين حاورتهم الصحفية نجمة - يحمِّلون العقيدة الوهابية ذات الطابع السعودي المسؤولية عن الحرب الأهلية في الجزائر، أي عن "العشرية السوداء".

تكشف مقابلاتُ الصحفية نجمة مع الشباب في العديد من الأماكن في الجزائر عن كمية الآثار التي تركها الدعاة في خيال الشباب. وعن مدى أهمية الشوق إلى أماكن طال انتظارها، عندما تُقدِّم لهم الحياة على الأرض فرصًا قليلة للغاية.

ففي مقهى للإنترنت أجرت الصحفية نجمة مقابلات مع شباب فقط، لأنَّ النساء لم يردن الظهور أمام الكاميرا. صحيح أنَّ إجاباتهم لم تكن متطابقة، ولكن غالبًا ما تستند إلى وعود من دعاة شعبيين مثل الشيخ شمس الدين الجزائري، وهو واحد من أشهر الدعاة التلفزيونيين الجزائريين. وهذا لا يعني مطلقًا أنَّ جميع هؤلاء الشباب يمكن أن يرتكبوا أعمال عنف، والمخرج مرزاق علواش يتجنَّب عن وعي مثل هذا التلميح الفظّ.

إذًا ما هي أسباب نجاح هؤلاء الدعاة؟ يقول مرزاق علواش: "أنا لست عالم اجتماع، ولكن من الواضح أنَّ تهميش الشباب وانعدام الفرص، الذي يدفعهم أيضًا إلى المخطارة عبر البحر الأبيض المتوسط، يجعلهم مستعدِّين لتلقِّي مثل هذه الدعاية المغرضة. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تتيح المجال لانتشار هذه الفيديوهات على نطاق واسع. لأنَّ الناس - بحسب تعبير مرزاق علواش - نادرًا ما يذهبون إلى دور السينما، واهتمام الرأي العام بات منخفضًا في الجزائر.

اثنتان وسبعون حورية أم اثنتان وسبعون حبة عنب

"لم يعد يوجد سوى القليل جدًا من دور السينما. وهذا بطبيعة الحال وضع مُحبط لأي مخرج أفلام"، مثلما يقول المخرج مرزاق علواش. وإذا كانت تتم أصلاً مشاهدة الأفلام من قبل جمهور واسع، فهذا فقط عندما يتم عرضها على شاشة التلفزيون أو نشرها على موقع يوتيوب. ويأمل المخرج مرزاق علواش في أنَّ فيلمه يمكن أيضًا أن يتم نشره هناك ومناقشته.

ولكن كيف يمكن مواجهة الصور الضارة التي ينشرها السلفيون؟ لا توجد لدى مرزاق علواش أجوبة جديدة؛ أمَّا الدعاة بالذات فقد رفضوا إجراء مقابلات حول ذلك. في فيلمه هذا يحاول المخرج مرزاق علواش تعرية تصوُّراتهم. وفي النهاية يقول الصحفي مصطفى ممازحًا إنَّ العلماء قد وجدوا حلاً الآن لهذه المشكلة: فموضوع الاثنين وسبعين حورية كان مجرد سوء فهم، وفي الواقع يتعلق الأمر فقط بحورية واحدة، يبلغ عمرها اثنين وسبعين عامًا.

لقد كانت هناك بالفعل نقاشات فيما إذا كان موضوع "الحوريات" قد يكون خطأً في الترجمة، وأنَّ القرآن الكريم يتحدَّث في الواقع حول اثنين وسبعين حبة عنب. وربما يؤدِّي هذا إلى إحراج الدعاة المتطرِّفين.

 

رينيه فيلدأنغل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de