فلسطينية تريد العمل شرطية رغم التحديات والمصاعب

"ماذا تريد ولاء" - فيلم وثائقي للمخرجة كريستي غارلاند، شارك في مهرجان برلين السينمائي 2018. يصور هذا الفيلم حياة شابة فلسطينية متمردة، تريد رغم جميع التحديات أن تعمل شرطية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية. رينيه فيلدأنغل يستعرض هذا الفيلم لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: René Wildangel

عندما سافرت المخرجة كريستي غارلاند أوَّل مرة إلى فلسطين، لم تكن تعرف الكثير عن الصراع في الشرق الأوسط: وهذا أمر غير مألوف لدى صانعي الأفلام، الذين عادةً ما يسافرون إلى هذه المنطقة بموقف سياسي واضح.

في الأصل كانت كريستي غارلاند قد سافرت إلى هناك من أجل شيء مختلف تمامًا - وتحديدًا من أجل ورشات عمل للشباب لتصميم ألعاب الكمبيوتر. لم يكن المفترض أن ينشأ فيلمٌ من ورشات العمل هذه، ولكن في ورشة عمل أجرتها في مخيَّم بلاطة للاجئين بالقرب من نابلس، تعرَّفت كريستي غارلاند بالصدفة على شابة عمرها خمسة عشر عامًا واسمها ولاء، وقد أُعجبت جدًا بشخصيَّة هذه الشابة، بحيث أنَّها بدأت العمل على فيلمها الوثائقي الذي استغرق وقتًا طويلًا.

وحتى في تلك الفترة كانت لدى ولاء رغبة مدهشة: أن تعمل لدى قوَّات الأمن الفلسطينية. وعلى مدى خمسة أعوام كانت كريستي غارلاند تسافر بانتظام إلى فلسطين لقضاء عدة أسابيع، من أجل مرافقة ولاء في مسيرتها المهنية. وهذا بالذات لم يكن يشجِّع ولاء نفسها، التي كانت تحيط بها الكاميرا فجأة.

Kinoplakat "What Walaa wants"; Quelle: Berlinale
Die Welt durch die Augen der Protagonistin: Garlands Dokumentarfilm kommt den Beweggründen der jungen Palästinenserin Walaa und ihrem Umfeld sehr nah. Das Ergebnis ist ein aufrichtiger und unvoreingenommener Film, der politisch dennoch kontrovers aufgenommen werden dürfte.

ولكن مع الوقت الطويل، الذي كانت تقضيه في مخيَّم اللاجئين، كسبت كريستي غارلاند ثقة ولاء وأسرتها. وهكذا نشأت نظرات داخلية من عالم، غالبًا ما لا نعرف عنه سوى القليل، أو في أفضل الأحوال ننظر إليه من الخارج من مسافة مناسبة. وحول ذلك تقول كريستي غارلاند: "عندما أقوم بإخراج فيلم وثائقي، فعندئذ أسعى إلى استكشاف العالم من خلال أعين أبطاله".

هذه المخرجة لديها تجارب مع قصص خاصة من نوعها، مثل فيلمها "The Bastard Sings The Sweetest Song"، الذي يُصوِّر علاقة ابن بأمِّه العجوز في دولة غيانا [الواقعة على بحر الكاريبي]. وكذلك فيلمها "Cheer up" الذي يستكشف الروح الحزينة لمشجِّعين فنلنديين.

التصوير في بيئة صعبة

في مخيَّم بلاطة تغطي الجدران صورُ "شهداء"، وهي عبارة عن ملصقات ملوَّنة لشباب يقف بعضهم في وضعية عسكرية رافعين أسلحتهم بفخر إلى أعلى. بعضهم قاموا بهجمات، وقُتل آخرون منهم على يدِّ الجيش الإسرائيلي. هذه بيئة صعبة وحتى بالنسبة لصانعي الأفلام، وذلك لأنَّ الرغبة في فهم شيء ما، يتم تفسيرها هنا بسرعة على أنَّها تعاطف. وكريستي غارلاند تراقب الأمور من دون أن تُقَيِّمها، وبالتأكيد من دون أن تحكم عليها.

عندما بدأت كريستي غارلاند التصوير في عام 2012، كانت والدة ولاء قد عادت لتوِّها إلى أسرتها بعد أن أمضت عدة أعوام في سجن إسرائيلي. لقد تم اعتقالها لأنَّها ساعدت انتحاريًا في محاولته الوصول إلى داخل إسرائيل. وبعد أن فشلت هذه العملية الانتحارية، تم اعتقال لطيفة واختفت في السجن. وفي عام 2011 تم الإفراج عنها ضمن إطار عملية تبادل للأسرى بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي تم اختطافه في غزة من قبل حركة حماس - وكانت ولاء حينها في الخامسة عشرة من عمرها فقط.

في المجتمع الفلسطيني ليس من النادر أن يقبع بعض أفراد الأسرة الفلسطينية في السجون الإسرائيلية، بل إنَّ هذه قاعدة. تزداد أكثر في مخيَّمات اللاجئين. وهذا لا يعني أنَّ هؤلاء المعتقلين يعتبرون دائمًا من مرتكبي الجرائم - ففي ظلِّ الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية من الممكن أن تكون أيضًا المظاهرات والنشاطات السياسية والنقد في وسائل التواصل الاجتماعي كافية كأسباب للاعتقال.

صدمة يعاني منها مجتمع برمَّته

تُقدِّر مؤسَّسة الضمير لحقوق الإنسان العدد الحالي للمعتقلين الفلسطينيين لأسباب سياسية في السجون الإسرائيلية بأكثر من ستة آلاف معتقل، من بينهم أربعمائة وخمسون معتقلًا معتقلين في ما يعرف باسم الاعتقال الإداري، الذي يمكن أن يتم فرضه من دون حكم قضائي وتمديده. وكذلك تقدِّر مؤسَّسة الضمير أنَّ أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني قد تعرَّضوا للاعتقال في السجون الإسرائيلية منذ عام 1967.

هذه الصدمات لها أثر في المجتمع كله. وهذا ينطبق على أسرة ولاء أيضًا. وغياب أمِّها الطويل ليس الأمر الوحيد الذي يشكِّل عبئًا ثقيلًا بالنسبة لولاء، بل كذلك معرفتها بأنَّ أمَّها تخوض تجاربَ صادمةً في الاعتقال. يتم سؤال ولاء إن كانت فخورة بأنَّ أمَّها كانت في معتقل إسرائيلي. غير أنَّها لا تجيب دائمًا.

في مخيَّمات اللاجئين يُعتبر السجن أمرًا طبيعيًا ووسام شرف، ولكن ولاء تتميَّز عن الآخرين. ولديها تفكيرها الخاص، ولا تدع أحدًا يقول لها أي شيء. كما أنَّها لا تسمح لأي شخص بأن يقنعها بعدم الذهاب للسلطة الوطنية الفلسطينية، على الرغم من أنَّ بيئتها الخاصة تجد هذه الفكرة غير معقولة. وذلك لأنَّ السلطة الوطنية الفلسطينية لا تتمتَّع في مخيم بلاطة المحافظ بقدر كبير من الاحترام، كما أنَّ رواتبها غير مجدية كثيرًا.

شقيق ولاء يعارض قرارها بشكل خاص. فهو يحاول بنفسه مواجهة سلطة الاحتلال الإسرائيلية بصورة مباشرة. وعندما يتم اعتقاله وتتم محاكمته في محكمة عسكرية، تفقد ولاء أعصابها. قبل المحاكمة العسكرية تركض نحو شقيقها، يتم اعتقالها من قِبَل قوَّات الأمن الإسرائيلية حيث يتحتَّم عليها البقاء لمدة أسبوعين في المعتقل.

السجون والمعتقلات كتجربة يومية

هل يوجد هنا ما يدعو للاستغراب من أنَّ الأحاديث حول سوء المعاملة في السجون الإسرائيلية تعتبر من المواضيع اليومية في احتفالات الأسرة؟ المخرج الفلسطيني رائد أنضوني تناول وبشكل رائع موضوع الصدمة الجماعية من خلال التعرُّض للعنف في السجون الإسرائيلية في فيلمه "اصطياد أشباح"، الذي شارك في مهرجان برلين السينمائي 2017 وحصل على جائزة الفيلم الوثائقي.

إنَّ ما تريده ولاء، أي حلمها الكبير، هو بالذات السلطة الوطنية الفلسطينية التي تقدَّم بها الزمن. تلك السلطة، التي تأسَّست في عام 1994 من خلال معاهدات أوسلو وكان يترأسها في البداية ياسر عرفات. لقد كان من المفترض أن تتحوَّل إلى دولة فلسطينية مستقلة خلال خمسة أعوام، ولكن الآن وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا لا يزال هذا الحلم بعيدًا أكثر بكثير من ذي قبل.

وعلى الرغم من أنَّ فلسطين باتت تتمتَّع الآن بوضع مشابه للدولة في هيئة الأمم المتَّحدة، غير أنَّ السلطة الفلسطينية لا تسيطر إلَّا على الأمن في المدن الفلسطينية، في حين أنَّ الجزء الأكبر من الضفة الغربية لا يزال محتلًا من قِبَل الجيش الإسرائيلي. تعتبر السلطة الفلسطينية لدى الأهالي الفلسطينيين سلطة فاسدة وعاجزة، وقيادتها السياسية طاعنة في القدم ولا تملك أية أفكار. ولكنها تُعَدُّ مع ذلك مصدر الرزق الرئيسي في الأراضي الفسطينية بفضل وجود مائة وستين ألف موظف لديها.

الهروب من انعدام الأمن ومن البطالة وعقلية المخيم

يحتج منذ فترة طويلة الفلسطينيون الشباب بشكل خاص ضدَّ السلطة، ويتَّهمونها بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي بسبب تنسيقها الأمني مع قوَّات الاحتلال. ولكن ولاء، التي نشأت في مخيم بلاطة بالقرب من نابلس، ترى ذلك بشكل مختلف. فهي ترى في العمل لدى الشرطة التابعة لقوَّات الأمن الفلسطينية فرصة للمساهمة في بناء دولة فلسطين التي لا تزال غير موجودة بعد.

وكذلك تقدِّم السلطة لهذه الشابة الفلسطينية مخرجًا من بيئتها، التي يغلب عليها انعدام الأمن وعدم الاستقرار والبطالة وتمجيد الأبطال الشباب، الذين يناضلون ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي. والسلطة تمثِّل لها كذلك مخرجًا من تصنيف الجنسين بأسلوب محافظ ومحدَّد في مخيَّمات اللاجئين. ومن هذه الناحية يمكن فهم تصميمها على العمل لدى الشرطة الفلسطينية على أنَّه عملٌ تَحَرُّري.

Filmausschnitt aus "What Walaa wants"; Quelle: Christy Garland
Ausbruch aus der Tristesse der Flüchtlingslager: In Balata zählt das Gefängnis zur Normalität und als Auszeichnung, aber Walaa grenzt sich ab. Sie hat ihren eigenen Kopf, lässt sich von niemand etwas sagen. Und dass sie zur Palästinensischen Autonomiebehörde möchte, lässt sie sich von niemandem ausreden, obwohl ihr persönliches Umfeld die Idee absurd findet. Denn im konservativen Flüchtlingslager Balata verfügt die Palästinensische Autonomiebehörde über wenig Ansehen, auch das Gehalt gilt als wenig lukrativ.

عمل تَحَرُّري قادها في عام 2015 إلى معسكر تدريب تابع للسلطة الوطنية الفلسطينية في أريحا. وهناك كلُّ شيء مختلف عما تصوَّرته ولاء. حيث لا توجد لديها أية رغبة في الزحف فوق التراب ولا في الخضوع لتسلسل الرتب. وفقط عندما يمنحها رؤساؤها المزيد من الثقة ويحمِّلونها المسؤولية، تبدأ ولاء بالزهو والازدهار.

وفي نهاية الفيلم تُكمل ولاء تدريبها وتجلس كشرطية خلف مكتب في مخفر للشرطة. ومن أجل مهرجان برلين السينمائي لهذا العام 2018، الذي عُرض فيه فيلمها الوثائقي، أخذت ولاء إجازةً خاصةً، وحاليًا تعمل لدى الشرطة الفلسطينية في رام الله. وبعد سؤالها عما إذا كان يجب عليها أن تعمل بأهدافها كسياسية؟ أجابت ولاء ممازحة في حديث مع موقع قنطرة: "لمَ لا! ربَّما سأصبح وزيرة".

كريستي غارلاند تقترب كثيرًا في فيلمها الوثائقي هذا من دوافع بطلتها وبيئتها. والنتيجة هي فيلم صادق وغير متحيِّز. ومع ذلك من المرجَّح أن يثير جدلًا سياسيًا.

قد ترغب السلطة الوطنية الفلسطينية في استغلاله، وعلى الأرجح أنَّه لن ينال إعجاب الكثيرين من المشاهدين الإسرائيليين وإعجاب الفلسطينيين المنتقدين لحكومة السلطة. وربَّما يكون هذا هو أكبر إطراء لهذا الفيلم الوثائقي، الذي يتخطَّى جميع الكليشيهات ولا يفرض أية وصاية على المشاهد وكذلك على أبطاله.

 

رينيه فيلدأنغل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de