"ألف تيتانيك وتيتانيك"...قوارب اللجوء والموت المطاطية

"ألف تيتانيك وتيتانيك" مسرحية دُمى صامتة، تجمع بين تقنيات الأداء المسرحي التقليدية -مثل مسرح الظل ومسرح الدمى- وبين فنّ التمثيل الصامت والموسيقى والرقص، وتحكي بهذا الأسلوب قصة اللاجئين الهاربين من الحروب والصراعات. شنكيز وارزي يستعرض هذا العمل المسرحي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Changiz M. Varzi

في حين تستمر قوارب اللاجئين في التوجُّه إلى سواحل أوروبا، ويستمر الاتِّحاد الأوروبي في صراعه الفوضوي حول استقبال اللاجئين أو إغلاق الحدود في وجههم، تقوم "المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس" بجولات حول العالم، تروي فيها ​​قصة الأشخاص الذين يهربون من أوطانهم في قوارب مطاطية - أو في "قوارب الموت" مثلما يصفها المرء في الشرق الأوسط.

"لو أنَّ شهرزاد، قاصة حكايات ألف ليلة وليلة الأسطورية، كانت تعيش اليوم، لما روت هذه الحكايات"، مثلما يقول محمود الحوراني، مؤسِّس المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس، ويبتسم في مرارة: "بل ربما كانت سوف تركب واحدًا من قوارب اللاجئين إلى أوروبا"، مثلما يضيف هذا الممثِّل والكاتب والمخرج البريطاني الفلسطيني. "ألف تيتانيك وتيتانيك" هي أحدث مسرحيات محمود حوراني؛ وهذه المسرحية تروي قصة شاب هرب من قريته التي دمَّرتها الحرب وسافر على متن قارب إلى أوروبا.

وتتناول هذه المسرحية الصراع الذي يعيشه الأشخاص الذين يتركون عائلاتهم بحثًا عن الأمن والسلام. ومحمود حوراني يرى تشابهًا بين مآسي قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط ​​وسفينة تيتانيك. ويقول: "تيتانيك التي غرقت في تلك الأيَّام كانت سفينة واحدة فقط. ولكن اليوم يبدو أنَّ كارثة قوارب الموت مستمرة من دون نهاية، تمامًا مثل استمرار قصص شهرزاد التي لا تنتهي في ألف ليلة وليلة".

مسرحية "ألف تيتانيك وتيتانيك"...قوارب اللجوء والموت المطاطية
ملحمة حول "قوارب الموت" - تتناول هذه المسرحية الصراع الذي يعيشه الأشخاص الذين يتركون عائلاتهم بحثًا عن الأمن والسلام. ومحمود حوراني يرى تشابهًا بين مآسي قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط وسفينة تيتانيك.

"قوارب الموت"

 تظهر في الديكور الرائع على المسرح قواربٌ من ورق، ترمز إلى قوارب الموت الغارقة بالمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط. تم تصميم الديكور الأساسي للمسرح من الكرتون المقوَّى على شكل قرية أحمد الصغيرة. البيوت المتداعية والمقاهي والمحلات التجارية تبيِّن وبشكل مقنع ضعف الأهالي إزاء قاذفات القنابل وحمولتها القاتلة.

 تم تأسيس المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس في عام 2008 كمنظمة غير حكومية في لبنان. وهذه المؤسَّسة تمتاز بلغة فنِّية فريدة من نوعها، تكسر التقاليد المتعارف عليها في عروض مسرح الدمى. فكلّ شيء يعتبر بالنسبة لفنَّاني المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس دميةً محتملةً، وجميع مستلزمات العرض المسرحي يمكن أن تَدُبّ فيها الحياة فجأة. وعلى سبيل المثال عندما يَهِمُّ أحمد بالركوب على متن قارب، تتراجع حقيبته بعيدًا عنه وتأبى السفر معه.

وفي هذا الصدد يقول محمود حوراني: "نحن نسعى مع ممثِّلينا في مسرح الدمى إلى التصدِّي لتصوُّر يَفْتَرض أنَّ مثل هذه العروض يتم أداؤها في العادة بدمى أو عرائس يدوية متحرِّكة وغالبًا ما تكون موجَّهة للأطفال. فالدمى تُخاطب جميع الناس، وليس الأطفال وحدهم. وفي الدمى تجد الآلام وخيبة الأمل وكذلك الأمل صداها".

ملحمة إنسانية

 وبالنسبة لأعضاء فرقة المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس لا تعتبر أزمة اللاجئين مأساة في منطقة نائية من العالم. وممثِّل الدمى الفلسطيني ركان عبد الرحمن الخليل، الذي يبلغ عمره واحدًا وعشرين عامًا وقد نشأ في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعرف ذلك من خلال تجربته الخاصة المؤلمة. ففي عام 2015 عبر شقيقه الأكبر - على الرغم من معارضة عائلته - البحر الأبيض المتوسط ​​في قارب من قوارب الموت.

"أزمة اللاجئين مثل جبل من الجليد - لا يرى المرء منه من الخارج سوى غيض من فيض. لا أحد يستطيع أن يتصوَّر الألم والمعاناة في الداخل"، مثلما يقول ركان عبد الرحمن الخليل. ويضيف: "لا أحد يتحدَّث حول معاناة أولئك الباقين في ديارهم، الذين يتشوَّقون إلى وصول أية إشارة تأتيهم من البعيد. لا أحد يستطيع تصوُّر ما حدث لعائلتي منذ اختفاء أخي المفاجئ حتى وصول أوَّل رسالة منه".

والشاب مصطفى حجازي، ممثِّل دمى من الضاحية الجنوبية في بيروت، يعرف عما يتحدَّث زميله ركان عبد الرحمن الخليل. ففي نهاية عام 2015 انطلق أفضل صديق له من سوريا في طريقه إلى أوروبا. ومصطفى حجازي يعتقد أنَّ المشكلة لا تنحصر في منطقة الشرق الأوسط ولا في وقتنا الحاضر.

مسرحية "ألف تيتانيك وتيتانيك"...قوارب اللجوء والموت المطاطية
"أزمة اللاجئين مثل جبل من الجليد - لا يرى المرء منه من الخارج سوى غيض من فيض. لا أحد يستطيع أن يتصوَّر الألم والمعاناة في الداخل"، مثلما يقول ركان عبد الرحمن الخليل، وهو ممثِّل دمى فلسطيني، يبلغ عمره واحدًا وعشرين عامًا وقد نشأ في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وحول ذلك يقول: "هذه القوارب تنتزعنا واحدًا تلو الآخر. وهذا لا يقتصر على العالم العربي وحده. قد تكون منطقة الشرق الأوسط حاليًا في بؤرة الاهتمام، ولكنْ هناك مشرَّدون ولاجئون في كلِّ مكان: من بورما وأمريكا اللاتينية إلى أفريقيا وأستراليا. السكَّان الأصليون في العديد من مناطق العالم لا يوجد لديهم خيار آخر سوى مغادرة ديارهم والانتقال إلى مستقبل مجهول".

في عام 2015 قامت فرقة المؤسَّسة العربية لمسرح الدمى والعرائس بجولة عرضت خلالها مسرحية "ألف تيتانيك وتيتانيك" في كلّ من السويد والدنمارك وتونس. وقد قوبلت الفرقة باستقال حار من قبل الجماهير الأوروبية في مكان وصول أزمة اللاجئين. وبعد عرض مسرحيَّتهم في لبنان، يتدرَّب أعضاء الفرقة الآن للقيام بجولة لعرض مسرحيَّتهم في ألمانيا وبريطانيا، حيث يريدون أيضًا إخبار الناس هناك بقصَّتهم.

وحول مضمون هذه المسرحية يقول سامر أنوس، وهو رجل لبناني عمره ثلاثة وأربعون عامًا وقد شاهد مؤخرًا مسرحية "ألف تيتانيك وتيتانيك" في مدينة طرابلس اللبنانية: من السهل جدًا بالنسبة "للجميع، في جميع أنحاء العالم" فهم الرسالة الأساسية لهذه المسرحية.

ومثلما يقول فهو واثق من أنَّ "كلَّ شيء يدور حول ملحمة الإنسانية. وأنَّ الجميع يعرفون ذلك. وهذا يُذكِّرني بآلاف اللبنانيين، الذين أداروا ظهورهم لمدينتي ولبلدي لبنان خلال حرب أهلية استمرت خمسة عشر عامًا. وأنا واثق من أنَّ أي شخص مرّ بتجربة مشابهة سوف يفهم المسرحية فهما تامًا".

وهذه المسرحية يتم أداؤها بشكل صامت، وتنتهي مع صوت هدير سريع يصدر عن ملاءة بلاستيكية شفَّافة لونها أزرق فاتح، وترمز إلى أمواج البحر الأبيض المتوسط. ويحاول أحمد بيأس أن يُخَلِّص نفسه من الأمواج المحيطة به من كلِّ مكان، ويهرب من طرف إلى طرف آخر على خشبة المسرح. لكنه يبقى محاصرًا. وينطفئ الضوء، وتغرق خشبة المسرح في الظلام وينقطع صوت الملاءة البلاستيكية الشفَّافة.

 

شنكيز وارزي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de