"هل تحبون ألمانيا؟"

في دراسة تحمل عنوان "ألمانيا ما بعد الهجرة" تم الكشف عن وجهات نظر الألمان حول هويتهم الوطنية. وبحسب هذه الدراسة فإن ألمانيا من دون ريب بلد منفتح ولكن الدراسة تشير إلى وجود تحفظات كبيرة على المهاجرين المسلمين تصل إلى وسط المجتمع الألماني. كلاوديا مينده تستعرض هذه الدراسة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende

تتميَّز ألمانيا وعلى نحو متزايد بالتنوُّع العرقي والثقافي والديني. وهذا التنوُّع لا يغيِّر فقط المشهد في المدن الألمانية، بل يغيِّر أيضًا الوعي الذاتي الوطني لدى الألمان. يعيش في ألمانيا حوالي ستة عشر مليون إنسان ممن يطلق عليهم اسم ذوي الأصول المهاجرة، وهذا العدد يعادل تقريبًا ربع سكَّان البلاد. وكذلك هناك عدد كبير من هؤلاء المهاجرين يبلغ نحو تسعة ملايين شخص يحملون الجنسية الألمانية. وربعهم مسلمون.

قام فريق البحث "قضايا شبابية ذات صلة بالإسلام في ألمانيا"، في معهد البحوث التجريبية الخاصة بشؤون الاندماج والهجرة في برلين والتابع لجامعة هومبولدت، بإجراء دراسة جديدة كشفت عن انعكاسات واقع مجتمع الهجرة على هوية الألمان الوطنية.

ومن أجل هذه الدراسة التي تحمل عنوان "ألمانيا ما بعد الهجرة"، قام فريق بحث متعدِّد التخصُّصات برئاسة الباحثة في علم الاجتماع نايكا فوروتان بإجراء استطلاع رأي أكثر من ثمانية آلاف ومائتي شخص في جميع أنحاء ألمانيا حول مواقفهم من موضوعات المجتمع والدين والهوية.

مرتبطون بألمانيا

تعتبر هذه الدراسة واحدة من أوسع البحوث العلمية في هذا الصدد، وقد تم الانتهاء منها في شهر نيسان/ أبريل 2014 - أي قبل أن يصبح تنظيم الدولة الإسلامية حاضرًا في وسائل الإعلام بطغيانه الهمجي في سوريا والعراق. ولذلك من الممكن التكهُّن فقط إن كانت نتائج هذه الدراسة ستكون مختلفة لو تم إجراؤها في وقت لاحق.

وبحسب هذا الاستطلاع فإنَّ غالبية الناس لديهم موقف إيجابي تجاه ألمانيا. وكذلك لم تعد أهم نقطة مرجعية تاريخية بالنسبة لمعظم الناس في ألمانيا تتمثَّل في الماضي النازي، بل صارت تتمثَّل في إعادة توحيد شطري ألمانيا. وعلاوة على ذلك فإنَّ معظم المهاجرين يشعرون بأنَّهم مرتبطون عاطفيًا بألمانيا تمامًا مثل الأشخاص الذين ليسوا من ذوي الأصول المهاجرة: فقد أجاب أكثر من ثمانين في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم على السؤال: "هل تحب ألمانيا؟" بنعم.

Musliminnen in der Nähe des Alexanderplatzes in Berlin; Foto: Carsten Koall/Getty Images
38 Prozent halten es für wichtig, dass Frauen auf das Tragen eines Kopftuchs verzichten. Wer Kopftuch trägt, kann danach nicht deutsch sein.

يشعر القسم الأكبر من المهاجرين (77 في المائة) بأنَّهم ألمان ويعرِّفون أنفسهم كذلك بهذا البلد. "نحن نرى هنا بوضوح أنَّ معالم الهوية الوطنية تتغيَّر وتتَّسع - حيث يزداد باستمرار الأشخاص الذين يطلبون بأن يصبحوا من الألمان، على الرغم من أنَّ أسماءهم مختلفة وأجدادهم لم يعيشوا دائمًا هنا"، مثلما علَّق رئيس جامعة هومبولدت في برلين، السيِّد يان هندريك أولبرتس على نتائج هذه الدراسة. وقال إنَّ هذا من حيث المبدأ وضع جديد فيما يتعلق بتعريف الهوية الوطنية.

استياء ضد التدين العميق

وعلى الرغم من ذلك فإنَّ هذه الدراسة وصلت بمجملها إلى نتائج متناقضة. صحيح أنَّه يوجد في هذا البلد قدر معيَّن من الانفتاح نحو الأشخاص القادمين من ثقافات أخرى. ولكن توجد أيضًا تحفظات كبيرة ضدَّهم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمسلمين يظهرون بشكل ملحوظ من خلال وعيهم الذاتي الديني والثقافي. أي على سبيل المثال عندما يريدون "الخروج من الأفنية الخلفية" إلى الجمهور برغبة بنائهم مساجد مرئية. أو عندما ترتدي النساء الحجاب ويعشن بالتالي أيضًا هويتهن الإسلامية بشكل علني وملحوظ.

إنَّ الذي يريد أن يصبح ألمانيًا، يجب عليه قبل كلِّ شيء أن يتقن اللغة الألمانية، مثلما ترى أغلبية ساحقة تبلغ نسبتها سبعة وتسعين في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم تصنيف الجنسية الألمانية على أنَّها ذات أهمية خاصة (بحسب رأي حوالي 80 في المائة). وهذان المعياران لكون المرء ألمانيًا مفتوحان، وبإمكان أي شخص يعيش في ألمانيا اكتسابهما.

38% يقولون: "مَنْ ترتدِ الحجاب فلا يمكن أن تكون ألمانية"

ولكن في المقابل يبدو أن هناك رفضًا عندما يرى قسم ليس صغيرًا من الأشخاص المستطلعة آراؤهم (37 في المائة) أنَّ وجود "أجداد ألمان" مهم أيضًا. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ ثمانية وثلاثين في المائة يعتقدون أنَّه من الضروري أن تتخلى النساء عن ارتداء الحجاب. إذ إنَّ التي ترتدي الحجاب، لا يمكنها - بحسب رأيهم - أن تكون ألمانية.

ومن ناحية أخرى يرى ثمانية وستون في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم أنَّ المسلمين يجب أن يتمتعوا بمزيد من الاعتراف. ويعتقد تسعة وستون في المائة أنَّ تدريس مادة الديانة الإسلامية في المدارس الألمانية أمر صحيح. ولكن في الوقت نفسه يؤيِّد تقريبًا نصف المشمولين في الاستطلاع حظر ارتداء المعلمات الحجاب في المدارس الألمانية. وكذلك يريد أكثر من النصف (60 في المائة) حظر ختان الأولاد. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ اثنين وأربعين في المائة يريدون الحدّ من بناء المساجد المرئية للملأ - بصرف النظر عما يفترض أن يعنيه ذلك على وجه الدقة.

Naika Foroutan; Foto: picture-alliance/ZB
Anlass zur Sorge: Für Studienleiterin Naika Foroutan verschärft sich "die Qualität der Abwertungen, die auch aus der Mitte der Bevölkerung kommen".

"إنَّ الانفتاح البديهي يبلغ حدوده عندما يصبح محدَّد المعالم"، مثلما كتب مؤلفو هذه الدراسة. وعندما يطالب المسلمون بتقريرهم مصيرهم الثقافي والديني، فعندئذ يصبحون من جديد هم الآخرين، أي الطرف المنافس لنا "نحن" الألمان ويتم تصنيفهم من قبل حوالي ثلث الأشخاص المشمولين في هذا الاستطلاع على أنَّهم "عدوانيون" وأنَّ "اهتمامهم بالتعليم قليل".

صور نمطية واسعة الانتشار

تمتد هذه الصور النمطية بشكل واسع إلى وسط المجتمع، وهي لا تنحصر لدى فئة من أشخاص لديهم على أية حال نظرة يمينية معادية للإسلام. وبالنسبة لرئيسة الفريق المشرف على هذه الدراسة، الباحثة نايكا فوروتان، تزداد حدة "نوعية الآراء المقللة من شأن الآخر، والتي تأتي أيضًا من وسط الشعب".

ولهذا السبب فلا عجب من أنَّ بعض السياسيين يسقطون فريسة لإغراء استخدامهم التحفظات المنتشرة ذات المطالب الشعبوية وكذلك استغلال حالة الاستياء السائدة. وهذه التحفظات تزدهر في المقام الأوَّل عندما لا يكون لدى الألمان إلاَّ قدر قليل من التواصل مع المسلمين. فهناك، حيث يوجد تواصل حقيقي مع الجيران أو زملاء العمل المسلمين، يوجد قدر أقل من الصفات السلبية التي يتم إلحاقها بالمسلمين.

ولكنَّ مَنْ لم يوجد لديه أي اتّصال مع المسلمين، فهو يميل إلى المبالغة في تقدير عددهم داخل البلاد. حيث تبلغ نسبة المسلمين فقط خمسة في المائة تقريبًا من مجمل سكَّان ألمانيا - ولكن مع ذلك فإنَّ نحو ثلثي الأشخاص المشمولين في هذا الاستطلاع ضمن إطار دراسة "ألمانيا ما بعد الهجرة" يعتقدون أنَّ نسبة المسلمين في البلاد أعلى من ذلك بكثير.

وكلما كانت هناك مبالغة في تقدير عدد المسلمين، كان هناك ميل أشد إلى النظر إليهم على أنَّهم يشكِّلون تهديدًا. فقد وافق نحو ثلاثين في المائة من أولئك الذين يعتبرون نسبة المسلمين مرتفعة للغاية في المجتمع الألماني على الرأي القائل إنَّ "المسلمين يهدِّدون أمورًا كثيرة أعتبرها جيدة وصحيحة في هذا المجتمع".

وهذه ليست مجرَّد نظرية. إذ إنَّ هذه الظاهرة تتَّضح حاليًا بشكل ملموس في مدينة دريسدن الألمانية. فمنذ عدة أسابيع  يتظاهر هناك وبانتظام آلاف المتظاهرين من أجل الحدّ من استقبال اللاجئين في ألمانيا وضدَّ "أسلمة الغرب" المزعومة، في جزء من ألمانيا تبلغ فيه نسبة المسلمين أقل من واحد في المائة من السكَّان.

 

كلاوديا مينده

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014