ما هو سر الانقسام الأوروبي من إعلان الدولة الفلسطينية؟

تطرح تساؤلات حول الموقف الأوروبي المتردد اتجاه الخطوة الفلسطينية بالتوجه للأمم المتحدة بهدف القبول بعضوية الدولة الفلسطينية. علي المخلافي في حوار مع عدد من الخبراء حول المواقف الرسمية والشعبية الأوروبية من مسألة إعلان الدولة الفلسطينية.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Almakhlafi



أعلنت متحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون اليوم (17 سبتمبر/ أيلول 2011) أن الاتحاد "اخذ علما" برغبة الفلسطينيين في الانضمام إلى الأمم المتحدة، لكنه يعتقد أن التوصل إلى "حل بناء" يقتضي استئناف محادثات السلام هو الحل الوحيد. وأضافت المتحدثة انه رغم إصرار محمود عباس "فنحن بحاجة إلى أن نرى تفاصيل ذلك الطلب وجدوله الزمني، وستكون الأيام المقبلة حاسمة". إلا أن العديد من المراقبين يرون أن هذا الموقف يعكس اختلافات عميقة بين الأوروبيين فهناك دول تعارض الطلب الفلسطيني كألمانيا وإيطاليا والجمهورية التشيكية وهولندا وبولندا. فيما تميل معظم الدول الأوروبية الأخرى إلى تأييده.

وتبرز الأهمية التي يعطيها الأوروبيون لهذا الموضوع إمضاء وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون عدة أيام في القاهرة وإسرائيل في محاولات حثيثة لإيجاد حل مع ممثلي الجامعة العربية ومحمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. ويخشى المراقبون من انقسام حاد في الموقف الأوروبي، كما أكد ذلك لدويتشه فيله كل من أودو شتاينباخ الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط وتوفيق مُجَيِّد المحلل السياسي والإعلامي العربي في قناة "فرانس فان كاتر" الفرنسية.

حِرص رسمي على وحدة الموقف الأوروبي

الصورة د  ب ا

​​


يؤكد توفيق مُجَيِّد الإعلامي العربي في قناة "فرانس فان كاتر" الفرنسية أن الموقف الرسمي الأوروبي ليس موحداً بعد فيما يخص الطلب الفلسطيني لعضوية كاملة في الأمم المتحدة، ويرى أن تصريحات كاثرين آشتون تصب في اتجاه توحيد الموقف الأوروبي، وأن هناك حرصاً أوروبياً على توحيد موقفه تجاه الطلب الفلسطيني ويتابع قوله "نحن نعلم جيداً أن الموقف الرسمي لدول كإيطاليا وهولندا وبولندا وتشيكيا وألمانيا تعارض تقديم الطلب الفلسطيني بهذا الشكل، لكن هذه الدول مقتنعة تماماً أن هذا الطلب يأتي في سياق صحيح"، ويدلل على ذلك في أن الاتحاد الأوروبي يدعم السلطة الفلسطينية مالياً منذ وقت طويل: "فمثلاً مطار غزة بناه الاتحاد الأوروبي والذي كان دُمِّر في حرب إسرائيل على غزة".


في حين أبدى أودو شتاينباخ الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط استغرابه من موقف السيدة كاثرين آشتون رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها في الأسابيع والشهور الماضية في إيجاد موقف أوروبي مشترك ويضيف "من الواضح أن بلدان كفرنسا ودول أوروبية أخرى قد تصوت لصالح قيام دولة فلسطينية". وهو يُرجِّح أن موقف الأوروبيين المشترك لن يكون رافضاً تماماً للطلب الفلسطيني وأنه "لن يعتمد تماماً على المفاوضات التي لم تؤدِّ إلى نتائج في الماضي".
ويؤكد توفيق مُجَيِّد أن الموقف الرسمي الفرنسي مثلاً هو كالموقف الرسمي الألماني حريص على وحدة المسار الأوروبي، ويتمثل بأن لا يُقـِْدم الفلسطينيون على هذه الخطوة مقابل وعد صريح والتزام من الأمم المتحدة بالإشراف على تنفيذ ما ستنجم عنه المفاوضات وإلزام إسرائيل بنتائجها، ويستطرد "ولكن ماذا سيحدث إذا لم تفِ إسرائيل بوعودها في وقف الاستيطان مثلاً؟ الجميع يعلم أنه في ظل حكومة نتينياهو قد تظل هذه الوعود حبراً على ورق".


تأييد شعبي أوروبي لقيام دولة فلسطينية


الصورة د ب ا
الرئيس عباس مُصِرّ على التوجه إلى الأمم المتحدة

​​ويستنتج الإعلامي العربي توفيق مُجَيِّد أن هناك تعاطفاً أوروبياً منذ البداية مع القضية الفلسطينية ولكن الخوف لدى الاتحاد الأوروبي هو من حدوث تصدع في الصف الأوروبي في المحافل الدولية بسبب هذه القضية. وينوّه إلى وجود استطلاعات رأي داخل الاتحاد الأوروبي. ويضرب مثلاً : فرنسا والتي فيها "ما يقارب اثنين وثمانين في المائة من الفرنسيين يؤيدون فكرة قيام دولة فلسطينية".


ويؤكد الخبير الألماني أودو شتاينباخ وجود اختلاف كبير في الآراء بين الموقف الرسمي الألماني والرأي العام الألماني والإعلام الألماني. فالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وبعض البرلمانيين الألمان يرفضون الطلب الفلسطيني "موقف المستشارة الألمانية يقترب كما كان من قبل من الموقف الإسرائيلي، ووزير الخارجية الألماني يشابهها في ذلك". ولكنه يؤكد أن جزءاً من البرلمانيين الألمان وجزءاً كبيراً من الرأي العام الألماني ووسائل الإعلام الألمانية لها مواقف إيجابية تجاه طلب الفلسطينيين عضوية لأمم المتحدة، ويتابع كلامه "لكن صوت المستشارة هو الذي سيتم احتسابه في النهاية، وأخشى من أن ذلك قد لا يكون معبراً تماماً عن الرأي العام الألماني".


الربيع العربي والقضية الفلسطينية


الصورة دويتشه فيله
أودو شتاينباخ: مدير سابق لمعهد الاستشراق في جامعة هامبورغ وخبير في شؤون الشرق الأوسط

​​وينوِّه الإعلامي العربي توفيق مُجَيِّد إلى أن "الربيع العربي والثورات العربية "دخلت هنا على الخط ". ويقول إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية كانت تتعاطى مع الحكومات في الماضي وأما الآن فهي تتعاطى مع الشعوب، موضحا "الأوراق اختلطت وما لاحظناه مؤخراً في مصر من مداهمة السفارة الإسرائيلية يدفع إلى التفكير نوعاً ما بأن الديمقراطية التي بدأت تنتشر في العالم العربي قد لا تكون في صالح إسرائيل باعتبار أن الشعوب تطالب بما لم تكن الحكومات تطالب به سابقاً". ويستطرد قائلاً: "وهذا هو الخطر الذي يخشاه الأوربيون ويخشاه الأمريكيون أيضاً".


وحول حق النقض الأمريكي في مجلس الأمن، يقول أودو شتاينباخ إن الفيتو الأمريكي قد يمنع العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لأن تصويت مجلس الأمن مطلوب في هذه الحالة. وفي حال تم تنفيذ الفيتو الأمريكي فإن هناك إمكانية أخرى للفلسطينيين تماثل حالة الفاتيكان وسويسرا اللتين لهما صفة مراقب في المنظمة الدولية، بما يتضمن ذلك من مشاركة في لجان حقوق الإنسان المنضوية تحت المنظمة. ويرى أودو شتاينباخ أنه "سيكون من المؤسف أن تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد الطلب الفلسطيني، لأنها بذلك تكون غير قادرة على مواكبة اللحظات التاريخية للثورات العربية بقرارات بنـّاءة وإيجابية تجاه القضية الفلسطينية". ويتوقع أودو شتاينباخ أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً أكبر في القضية الفلسطينية لكنه يرى أن هذا الدور "أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع" في الوقت الحالي.



علي المخلافي
مراجعة: حسن زنيند

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011