الفلسطينيون في طريقهم إلى انتفاضة ثالثة؟

بعد قتل الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير من قبل إسرائيليين يمينيين متطرفين انتقاما لمقتل ثلاثة طلاب دين يهود مستوطنين في الضفة الغربية وازدياد حدة التوترات، أصبحت مدينة القدس جبهة مواجهة من جديد وبات شبح الانتفاضة يلوح في الأفق. إنغه غونتر تسلط الضوء من مدينة القدس لموقع قنطرة على التطورات هناك.

الكاتبة ، الكاتب: Inge Günther

لقد كان بناء ترام القدس مثيرًا للجدل. فهو يخترق وسط حي شعفاط العربي مسافة عدة كيلومترات، أي أنَّه يخترق منطقة محتلة، ليربط مستوطنة بسغات زئيف مع مركز المدينة. ولكن عندما بدأ هذا "القطار الخفيف" المكيَّف والحديث للغاية بالسير أخيرًا على سكته في صيف عام 2011 وبنقل الركاب مجانًا في مرحلة تأقلمهم معه، نال هذا أيضًا إعجاب الكثيرين من الفلسطينيين. على سبيل المثال قال حينها بحماسة وإعجاب رجل مسن كان في محل للخضار في حي شعفاط، إنَّه شعر وهو في القطار "كأنَّه في باريس". وقد شاركه فرحته الزبائن الآخرون.

سارت الأمور ثلاثة أعوام بشكل جيد. في ترام القدس الوحيد الممتد إلى حدّ كبير على طول الخط الفاصل القديم والذي يعود إلى حدود 1967، كانوا يجلسون سوية في ألفة - يهود متشدِّدون يحملون كتب صلواتهم ومستوطنون إسرائيليون ورجال فلسطينيون في طريقهم إلى العمل والعديد من النساء العربيات اللواتي يردن الذهاب للتسوق في شارع يافا.

وذلك حتى الثاني من شهر تموز/ يوليو 2014، عندما تم سحب الطفل الفلسطيني البالغ من العمر 16 عامًا محمد أبو خضير مباشرة بجانب منزل والديه غير البعيد عن محطة شعفاط من قبل إسرائيليين يمينيين متطرِّفين إلى داخل سيارتهم، وتم خطفه وقتله بطريقة وحشية - انتقامًا لقتل ثلاثة طلاب دين يهود اختطفوا سابقًا في الضفة الغربية. وفي أعمال الشغب الفلسطينية، التي اندلعت إثر ذلك في الجزء الشرقي من القدس وما تزال تندلع منذ ذلك الحين، لم يقتصر الأمر فقط على كسر ماكينات التذاكر، بل إنَّ هذا العمل أدَّى إلى سلسلة من التصعيد غيَّرت وجه المدينة.

القدس جبهة مواجهة من جديد

إغلاق الحرم القدسي "جبل الهيكل" من قبل الأمن الإسرائيلي. Foto: GALI TIBBON/AFP/Getty Images
Der Tempelberg im Zentrum des Konflikts: Nach dem Mordanschlag auf den jüdischen Rechtsradikalen Jehuda Glick ließ die israelische Polizei den für Muslime heiligen Tempelberg und dessen Umgebung zeitweise ganz absperren. Aus Protest dagegen zog Jordanien seinen Botschafter aus Israel ab. Das Plateau mit dem Felsendom und der Al-Aksa-Moschee ist die drittheiligste Stätte des Islam nach Mekka und Medina.

وعلى خط هذا الترام بات ينتشر الآن الخوف من السائقين الطائشين، بعد أن اقتحم مرتين حتى الآن فلسطينيان بسيارتيهما وبسرعة جنونية جموع المنتظرين عند المحطات. قُتل في هذين الحادثين أربعة أشخاص من بينهم طفل. ومَنْ يستطِع التجنب يتجنب الترام، الذي لم يعد يعبر الأحياء العربية في ساعات المساء إلاَّ تحت حراسة الشرطة. وكذلك لقد تعرَّضت أربعون في المائة من العربات لإلقاء الحجارة. وتقريبًا في كلِّ مكان في الجزء الشرقي من المدينة تجُول دوريات حرس الحدود المدجَّجين بالسلاح. لقد أصبحت مدينة القدس من جديد جبهة مواجهة.

إنَّ ما يبدو كأنَّه انتفاضة هو أيضًا انتفاضة، مثلما يزعم بعض المعلقين الإسرائيليين. والكثير من الفلسطينيين لا يشعرون في سرهم فقط بفرحة لزيادة الخوف بين الإسرائيليين. صحيح أنَّ الانتفاضة المسلحة الثانية كان لديها بُعْد جديد للغاية من الرعب، عندما تم قتل أكثر من 120 إسرائيليًا من قبل انتحاريين في شهر واحد فقط، في شهر آذار/ مارس 2002، ولكن من الصعب منع الهجمات غير المُنسَّقة التي وقعت ضمن موجة العنف الأخيرة، ومن ضمنها أيضًا هجمات بالسكين في تل أبيب وفي مستوطنة غوش عتصيون في الضفة الغربية. لم تكن لدى منفِّذي هذه الهجمات أكثر من علاقات واهية مع الإسلاميين، سواء حركة حماس أو الجهاد. فقد عملوا كـ"إرهابيين منفردين". وهذا بالذات ما يجعلهم أشخاصًا لا يمكن التكهُّن بنواياهم.

"شخص ما ينهض في الصباح ويقرِّر أن يقتل بعض الإسرائيليين"، مثلما يقول ياكوف عميدرور، مستشار الأمن السابق في حكومة نتنياهو. ويضيف: في مثل هذه الحالات لا تكاد توجد أية فرصة لمعرفة الخطر وتفاديه في الوقت المناسب. وبصرف النظر عن نصب الحواجز الخرسانية عند المحطات، يمكن للشرطة - بحسب قوله - فعل القليل من أجل إيقاف المعتدين الفرديين.

"قاوموا حتى بسيَّارتكم"

ومن ناحية أخرى هؤلاء المعتدون يعتبرون في نظر الفلسطينيين الأبطال الجدد، الذين يعلـّمون الإسرائيليين الخوف. حيث تنتشر على صفحات في الفيسبوك رسوم كاريكاتورية لسيَّارات تهجم مثل حيوانات مفترسة على أشخاص، وشعارات مثل: "ثوروا وقاوموا، حتى بسيَّارتكم".

Jugendliche Palästinenser in Shuafat, Jerusalem, am 5.11.2014; Foto: Mohamad Gharabli/AFP/Getty Images
Ein neuer "Krieg der Steine"?: Die Jerusalemer Intifada zeichnet sich dadurch aus, dass sie keine politische Führung besitzt und ihre Aktivisten auf eigene Faust agieren. Die meist jugendlichen Steinewerfer haben Wut auf alle: Auf die israelische Regierung, die jüdische Siedlungen im Osten Jerusalems ausbaut, und die arabischen Viertel verkommen lässt, aber auch auf die palästinensische Führung.

وهذه الأجواء المشحونة تتغذى في المقام الأوَّل من التوتُّرات في جبل الهيكل في القدس، الذي يتم تقديسه في الإسلام باسم الحرم القدسي الشريف. وعلى الرغم من أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكَّد من دون انقطاع أنَّه لا يريد المساس بالوضع القائم، الذي يمنح المسلمين الامتياز الديني على حرم المسجد الأقصى، وحتى من المفترض أنَّه قد وعد شخصيًا بذلك ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي يعدّ صاحب الوصاية العليا على هذا المكان المقدَّس، ولكن عمَّان تبدو غير مقتنعة وقد استدعت سفيرها من تل أبيب للتشاور احتجاجًا على الإغلاق الإسرائيلي المؤقت لمداخل المسجد الأقصى.

بيد أنَّ هذا أيضًا لا يمنع أعضاء حزب نتنياهو اليمينيين المتطرِّفين، وفي مقدِّمتهم عضوة الكنيست عن حزب الليكود تسيبي حوتوفلي، من الظهور بمشاهد استفزازية، وخاصة بعد محاولة اغتيال يهودا غليك. وهذا السَّبَّاق المتحمِّس إلى "حرية اليهود في جبل الهيكل" تعرَّض في نهاية شهر تشرين الأوَّل/ أكتوبر لإطلاق النار من قبل فلسطيني وأُصيب بجروح خطيرة.

من وجهة نظر دينية اعترض كبير حاخامات إسرائيل يتسحاق هرتسوغ ووصف زيارة اليهود المتديِّنين لجبل الهيكل بأنَّها خطيئة مميتة تمامًا، وقال: "يجب علينا أن نوقف ذلك. عندئذ فقط سوف يتوقَّف سفك دماء إسرائيل". بحسب تعاليم اليهود الحريديم (الأصوليين) يتجنَّب اليهود المتديِّنون هذه المنطقة، لكي لا يدنِّسوا عن طريق الخطأ هذه الأرض التي يعتبرونها قدس الأقداس. غير أنَّ الحاخامات القوميين يدَّعون منذ فترة طويلة عكس ذلك، ويقولون إنَّ الصلاة هناك تكاد تكون واجبًا مقدَّسًا. وبالنسبة للفصائل الفلسطينية - سواء حركة فتح أو حماس أو الجهاد - تُقدِّم الدعوات القتالية للدفاع عن الأقصى فرصة لإبراز أنفسهم.

غضب على الجميع

ومع ذلك فإنَّ "انتفاضة القدس" تتميَّز بكونها لا تملك قيادة سياسية وبكون ناشطيها يعملون من تلقاء أنفسهم. ومعظم رماة الحجارة الشباب غاضبون على الجميع: على الحكومة الإسرائيلية التي تبني مستوطنات يهودية في القدس الشرقية، ولكنها تهمل الأحياء العربية. وغاضبون على القيادة الفلسطينية في رام الله، التي تَعِدُ بالكثير، ولكنها تفعل القليل ولا توجد لها في الجزء الشرقي من المدينة الذي ضمّته إسرائيل في عام 1980 أية كلمة في أي شيء أيضًا.

وعلى أية حال تعتبر الفجوة الاجتماعية بين الأحياء اليهودية والأحياء العربية كبيرة. إذ يشكِّل الفلسطينيون نحو سبعة وثلاثين في المائة من سكَّان القدس البالغ عددهم ثمانمائة ألف نسمة ويتم إلزامهم بدفع الضرائب مثل جميع السكَّان. ولكن نصيبهم لا يبلغ إلاَّ 12 في المائة فقط من ميزانية المدينة، وهذا يُلاحظ لديهم في المباني المدرسية البائسة وفي الشوارع الكثيرة الحفر وفي حاويات القمامة التي تفيض بالنفايات.

ومنذ بناء الجدار الذي يفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، باتت بعض الأحياء التابعة للقدس تشبه أكثر وأكثر الأحياء العشوائية. صحيح أنَّه تم في الصيف بإشراف رئيس البلدية نير بركات، وهو نفسه متديِّن قومي، وضع برنامج مدته خمسة أعوام للقدس الشرقية بميزانية سنوية تبلغ 12 مليون يورو. غير أنَّ هذا المال لا يخدم المواطنين، بل سوف يتم استخدامه قبل كلِّ شيء من أجل تدابير مثل مكافحة الجريمة، مثلما يرد في تقرير مشترك لمنظمات غير حكومية إسرائيلية وفلسطينية.

إنَّ مدينة "القدس المُوحَّدة إلى الأبد" بحسب القانون الإسرائيلي كانت لها دائمًا علاقة ضئيلة بالواقع. لقد جعلت "انتفاضةُ القدس" الخط الفاصل غير المرئي مرة أخرى أوضح. وعلى المدى الطويل لن يكون بالإمكان الحفاظ على الأوضاع كما هي، وحتى بمثل هذا القدر من عنف الشرطة، الذي يراهن عليه نتنياهو.

إنَّ ما يحدث في عالم هذه "المدينة المقدَّسة" هو تحذير لجميع الذين يعتقدون أنَّ بإمكانهم الاستغناء عن الحلِّ السياسي. جيلي هارباز، المتحدُّث باسم مبادرة جنيف للسلام، عبَّر عن ذلك على هذا النحو: "إن القدس الثنائية القومية تعرض كيف ستكون الحياة في إسرائيل لو أصبحت دولة ثنائية القومية".

 

إنغه غونتر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014