فاطمة المرنيسي: سيدة الحوار بين المسلمين والغرب

تميزت أعمال فاطمة المرنيسي برؤيتها النقدية لأوضاع المرأة في العالم الإسلامي ودعوتها لتحريرها من القيود الاجتماعية والمحظورات، لكن المرنيسي التي تتقن الاعتماد على المناهج الغربية في أبحاثها لم تكن تدخر أيضاً جهداً في تسليط الأضواء على مكامن الخلل في نظرة الثقافة الغربية للمرأة، مثلما فعلت في كتابها "شهرزاد ليست مغربية".
تميزت أعمال فاطمة المرنيسي برؤيتها النقدية لأوضاع المرأة في العالم الإسلامي ودعوتها لتحريرها من القيود الاجتماعية والمحظورات، لكن المرنيسي التي تتقن الاعتماد على المناهج الغربية في أبحاثها لم تكن تدخر أيضاً جهداً في تسليط الأضواء على مكامن الخلل في نظرة الثقافة الغربية للمرأة، مثلما فعلت في كتابها "شهرزاد ليست مغربية".

فقدَ المغرب والعالم العربي برحيل الأكاديمية والكاتبة فاطمة المرنيسي إحدى أشهر الكاتبات والمناضلات النسائية في تاريخه الحديث. موقع قنطرة يعيد نشر هذا البورتريه الذي كتبته الصحافية مارتينا صبرا قبل خمس سنوات.

الكاتبة ، الكاتب: مارتينا صبرا

بغض النظر عن ما تكتبه فاطمة المرنيسي، الأكاديمية وكاتبة المقال الغربية عنه، وعما إذا كان حقوق المرأة في العالم العربي أو الخوف من الإسلام في الغرب أو العولمة الثقافية، فإنها تنجح ليس فقط بتثقيف القارئ وإنما جعله يفكر كذلك.

تُرجِمت كتب فاطمة المرنيسي إلى أكثر من ثلاثين لغة وحصلت على جوائز متنوعة عالمية لقاء أعمالها، بما فيها جائزة إيرازموس الأوروبية وجائزة أمير أستورياس الأسبانية.

بدأت فاطمة المرنيسي حياتها العملية في مدرسة قرآنية تقليدية في فاس حيث تعرّفت على الإسلام. "الكتابة إغواء، والإغواء هو عكس العنف"، تقول الكاتبة أثناء مقابلة في منزلها في العاصمة المغربية الرباط. "تعلّمت في مدرسة قرآنية. لماذا تعتقد أن كتباً مثل القرآن الكريم والإنجيل كانا من الكتب الأكثر مبيعاً في العالم منذ أكثر من ألف سنة؟ الإجابة بسيطة: لأنهما يسعيان إلى إغواء القارئ من خلال اللغة، وليس بالعنف".

نشأت فاطمة المرنيسي مع تيارات الإسلام الصوفية كما تمارس في المغرب. ورغم تكريسها للتقاليد، كان لأسرتها الممتدة بعد النظر الكافي لإرسالها إلى واحدة من أكثر المدارس الفرنسية العربية تقدماً في مدينة فاس.

عملت في بريطانيا وفرنسا وانتهى بها الأمر في الولايات المتحدة، حيث حصلت على بعثة لدراسة الدكتوراة.

كان ذلك في ستينات القرن الماضي، وفي خضمّ حركة الحقوق المدنية الأمريكية. علّم كفاح حركة تحرر المرأة في الولايات المتحدة من أجل حقوق متساوية وحق تقرير وضع المرأة الجنسي الذاتي، علّم الشابة عالمة الاجتماع من الغرب أن ظلم المرأة لا يقتصر على العالم العربي وحده.

رغم ذلك، اكتشفت فاطمة المرنيسي أنها اعتُبِرت أقل حظاً بشكل خاص بسبب أصولها الشمال إفريقية المسلمة. أرادت المرنيسي أن تصل إلى جوهر هذه الرؤى المشوَّهة المتبادلة، فكتبت رسالة الدكتوراة حول النوع الاجتماعي والمرأة في الشرق والغرب.

ترجمت رسالتها الدكتوراة وعنوانها "وراء الحجاب" والتي نشرت عام 1975 إلى ثلاثين لغة، وتعتبر اليوم عملاً مقياسياً في بحوث النوع الاجتماعي بين الثقافات، من الولايات المتحدة إلى ماليزيا. ويعدّ عملاً آخر لها عنوانه "الحجاب والنخبة الذكورية" والذي نشر في فرنسا عام 1987 كذلك عملاً كلاسيكياً.

القرآن الكريم نفسه لا يبرر في الواقع ظلم المرأة

النظرية المركزية في هذا الكتاب هي أن القرآن الكريم نفسه لا يبرر في الواقع ظلم المرأة، وأن العداء للمرأة يأتي في الواقع من فقهاء الدين عبر آلاف السنين، الذين قاموا بتأويل القرآن على هواهم وأساءوا استخدامه لظلم المرأة.

وقد ترجم "الحجاب والنخبة الذكورية" إلى لغات عديدة كذلك ونشر حول العالم. إلا أنه لم يمكن الحصول عليه في المغرب إلا بشكل غير قانوني لسنوات طويلة. "لقد سرقت الأضواء من العلماء الذكور المحافظين ومن السلطات المهيمنة"، تشرح المرنيسي.

"تخيّل فقط أنك تعيش في ملكية مطلقة تدّعي أن سلطتها متجذّرة في الإسلام. ثم تأتي امرأة تدعي أن أي إنسان يعارض حرية الفرد يعارض النبي محمد (ص). لم تكن دولة الحسن الثاني البوليسية لتقبل بذلك".

رغم ذلك، تمكّنت المرنيسي من العمل بحريّة في المغرب. استخدمت اسمها ومركزها بنشاط لدعم المبادرات الديمقراطية. ومنذ نهاية ثمانينات القرن الماضي كان أسلوبها المفضل لفعل ذلك هو ورشات العمل الخاصة بالكتابة مع جماعات الكتّاب المستقلين.

أدّت العديد من ورشات العمل هذه بقيادة المرنيسي إلى منشورات رائدة: كتب ضحايا التعذيب عن العذاب في أعماقهم، وشجب ناشطو حقوق الإنسان الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المدارس، وقامت المبادرات الاجتماعية في جنوب المغرب بنقل أخبار الديمقراطية على مستوى الجذور، وكتب نسّاجو البسط المغربية عن أحلامهم.

أما الآن فقد ظهر جيل جديد في المغرب مهتم أكثر بالإنترنت من الكتب. إلا أن ورشات العمل في الكتابة ما زالت مطلوبة، وتتابع المرنيسي الإعلام الاجتماعي باهتمام بالغ. وهي تعتقد أن اليوتيوب والتويتر وغيرها سوف تؤدي إلى المزيد من الديمقراطية في العالم العربي على المدى البعيد، لأن القوى الحاكمة لن تملك حكراً على أهم الموارد: الاتصالات والمعلومات.

 

* مارتينا صبرا كاتبة مستقلة.
 

 

حقوق النشر: قنطرة 2010


www.qantara.de