لا يوجد مسلمون ألمان بلا إسلام

يعتقد وزير الداخلية الألماني أن بالإمكان الفصل بين المسلمين الألمان وبين عقيدتهم الإسلامية. المحلل السياسي لؤي المدهون يرى أن هذا الاعتقاد بعيد كل البعد عن الواقعية -لأن ألمانيا تخَطَّتْ بشكل كبير مثل هذه الطروحات الهوياتية والنقاشات الوهمية والخطابات الشعبوية- مذكِّرًا وزير الداخلية الألماني بمهامه الملحّة العاجلة الملموسة.

الكاتبة ، الكاتب: لؤي المدهون

"الإسلام ليس جزءًا من ألمانيا، ولكن المسلمين الذين يعيشون في هذا البلد هم جزء من ألمانيا". هذا في الحقيقة تصريح مستهلَك للغاية، وعديم المعنى من حيث السياسة الواقعية، لدرجة أنه لا ينبغي أن يُولَى أهمية خاصة.

 

لكنَّ إغراء الشعبوية يغوي الكثيرين من صنَّاع الرأي والساسة، الذين يؤجِّجون "الجدل حول الإسلام" -هنا في ألمانيا- من خلال هذه المسألة، المشحونة برمزية سياسية.

 

في حين أننا -في تناولنا لخطاب الإسلام على مستوى جمهورية ألمانيا الاتِّحادية- قد تجاوزنا بخطوات أكبر بكثير ما يوحي به لأول وهلة مثل هذا التصريح المجرَّد والمختَزل على الطريقة الشعبوية. فقد تم بالفعل قبل ثلاثة عشر عامًا عقد مؤتمر الإسلام الألماني الأوَّل من قِبَل وزير الداخلية الألماني في تلك الفترة، فولفغانغ شويبله. وقبل نحو عشرة أعوام تم إنشاء أولى أقسام دراسة الفقه الإسلامي في الجامعات الألمانية.

 

لا مسلمين بلا إسلام

 

المحلل السياسي لؤي المدهون.
سياسة واقعية مفيدة بدلاً من النقاشات الهوياتية العقيمة: يرى المحلل السياسي لؤي المدهون أن على وزير الداخلية الألماني زيهوفر -بدلا من من إثارة النقاشات الهوياتية غير الواقعية حول الإسلام- أن يتكفل بالقضايا العاجلة: كحماية مساجد ألمانيا من الهجمات الإرهابية، وتعميم تدريس مادة الديانة الإسلامية في جميع أنحاء ألمانيا بصورة شاملة.

 

وفي كل الأحوال ليس بالإمكان -لا من حيث المضمون ولا من الناحية العملية وخصوصاً ليس من الناحية القانونية- تبرير فصل الوزير هورست زيهوفر بين المسلمين والإسلام. فهذا الفصل بعيدٌ كل البعد عن الواقعية. وأسباب ذلك واضحة:

 

فأولًا: ما يؤمن به مواطنات ومواطنو هذا البلد أو ما لا يؤمنون به يبقى في نهاية المطاف من شؤونهم الخاصة. والدين لا يحدِّد الانتماء لبلدنا [ألمانيا]، كما أن دستورنا الديمقراطي الليبرالي ليس دستورًا ذا أسس عقائدية، بل إنه دستور محايدٌ من الناحية العقائدية، وحتى أنَّ من واجبه حماية الحرِّيات الدينية مثل أي حق آخر من الحقوق الأساسية.

 

ثانيًا: حين ينتمي المواطنون إلى أمتنا الدستورية، فعندئذ ينتمي دينهم -كذلك- بشكل تلقائي إلى هذه الأمة. ففي نهاية المطاف ليس بالإمكان فصل المواطنات والمواطنين الألمان المسلمين عن عقيدتهم الدينية.

 

وثالثًا: من خلال السؤال المتجدِّد طرحه مرارًا وتكرارًا حول انتماء أو عدم انتماء الإسلام إلى ألمانيا يتم تحويل جميع المسلمين إلى كتلة متجانسة ومجهولة الهوية، ويتم تجريدهم من فرديَّتهم الذاتية:

 

في حين أن المسلمين الألمان ليسوا آلات مبرمجة برمجة قرآنية، بل إن قلة قليلة فقط من المسلمين هنا في ألمانيا يُعرِّفون أنفسهم من خلال دينهم بصورة حصرية، حتى وإن كان هذا هو الانطباع بالضبط الذي تصبو إليه بعض الجمعيات الإسلامية المحافظة. يضاف إلى ذلك أنَّ الهوية لا يمكن فهمها في السياق الإسلامي إلَّا بالصيغة الجمعية.

 

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
"الإسلام صار جزءا من ألمانيا" - ميركل ترد على وزير داخليتها زيهوفر أمام البرلمان الألماني: في ظل الجدل الدائر حول الدور الذي يلعبه الإسلام في ألمانيا، أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن الإسلام صار جزءا من البلاد. وقالت ميركل يوم الأربعاء 21 / 03 / 2018 خلال إدلائها ببيان حكومي في البرلمان الألماني (بوندستاغ): "ليس هناك من شك في أن الطابع التاريخي المميز لبلدنا مسيحي ويهودي...لكن بنفس قدر صحة هذا الأمر، فإنه من الصحيح أيضا أن مع 4.5 مليون مسلم يعيشون لدينا، صار دينهم - الإسلام- جزءا من ألمانيا".

 

سياسة هوياتية إقصائية

 

وزير الداخلية هورست زيهوفر يمارس -من خلال إعادة تفعيل هذا الجدل الوهمي- سياسة هوياتية خطيرة، وفي الوقت ذاته مكتظة بالصور النمطية، على حساب الأقلية المسلمة.

 

وهذه السياسة خطيرة لأنَّها تؤدِّي إلى إرباكات ومشكلات هوياتية أليمة، خاصة لدى الشباب الذين لا يعرفون وطنًا آخر غير الأراضي الألمانية. وبهذا فإنَّ وزير الداخلية الجديد يُصعِّب على الشباب تحديد هويَّتهم ببلدنا [ألمانيا]، ويُلحق بالاندماج أضرارًا كبيرة.

 

وهي سياسة مكتظة بالصور النمطية لأنَّها تُنكِر تأثير الإسلام على ألمانيا وأوروبا. يضاف إلى ذلك بالتأكيد بناء هوية مسيحية-يهودية باطلة تاريخيًا، ومع ذلك كثيرًا ما توجد بشكل مبالَغ به في الخطابات الشعبية.

 

لا بد من سياسة عملية بدل السياسة الرمزية

 

ما من شكّ في أنَّ ظهور المسلمين للعيان في الفضاء العام يبدو مربكًا لبعض المواطنين الألمان. ولكن هذا الظهور لا علاقة له بـ"أسلمة الغرب"، بل بالحرِّية التي يضمنها دستورنا [الألماني]، والتي تعزِّز بكلِّ وضوح المساواة المؤسَّساتية بين الإسلام والكنائس المسيحية. ولهذا السبب أيضًا من المهم أن نتناقش -مرارًا وتكرارًا وحتى من حيث المبدأ- وبشكل علني حول العلاقة بين الدين والدولة.

 

 

ولكن يجب ألَّا تؤدِّي هذه النقاشات إلى الكف في الحقيقة عن منقاشة القضايا الملحة، لأنَّنا نبقى بذلك على مستوى السياسة الرمزية.

 

إنَّ السياسة العملية أكثر تعقيدًا بكثير من الخطابات (الوهمية) الدائرة حول الهوية. من الأجدر بوزير الداخلية الاتِّحادي الألمانيّ الجديد أن يُفكِّر بدلًا عن ذلك في كيفية تحسين التعايش بشكل ملموس داخل مجتمعنا [الألماني] الذي يعتبر مجتمع هجرة متعدِّد الأديان والطوائف ومتعدِّد الأعراق.

 

الكثير من العمل بانتظار زيهوفر وزير الداخلية

 

في الواقت الراهن يتعين على زيهوفر -على سبيل المثال- التكفل بصورة عاجلة بحماية جميع المساجد هنا في ألمانيا حماية كافية من الهجمات الإرهابية. علاوة على ذلك يتوجب عليه أن يدعم بشكل أقوى جهود الولايات الألمانية، بحيث يصبح من البديهي تدريس مادة الديانة الإسلامية في جميع أنحاء ألمانيا بصورة شاملة. لذلك يوجد الكثير من العمل بما يكفي في انتظار وزير الداخلية الألماني الجديد.

 

 

وبالإضافة إلى ذلك من الممكن أن تكون إعادة إحياء مؤتمر الإسلام الألماني كمنبر وطني للحوار فكرة جيِّدة: وبالإمكان هنا تشجيع توطين الإسلام في كيان الدولة الألمانية وتشكيل نماذج ملزِمة لمجتمع هجرة أكثر حداثة، وتحديدًا: على أساس المشاركة وتكافؤ الفرص لجميع مواطنات ومواطني هذه الدولة.

 

 

لؤي المدهون

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de