تراتيل كنائس أوروبية تكتسي أشعار جلال الدين الرومي الصوفية

كلما زاد التعمق بالتقاليد الدينية الروحية اُلْغِيَتْ الحدود وظهرت أوجه التشابه بين الإسلام والمسيحية بشكل ملحوظ. المغنية الألمانية الأفغانية سيمين تاندر وعازف البيانو النرويجي تورد غوستافسن يوحدان بين الشعر الصوفي والترانيم المسيحية. الناقد الموسيقي شتيفان فرانتسن يعرف موقع قنطرة بهذا التأويل الجديد للتقاليد الصوفية.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Franzen

قد يبدو بعيد الاحتمال: ترتدي تراتيل الكنيسة النرويجية ثوباً جديداً من خلال لغة الباشتو الأفغانية وتتناوب مع نصوص للشاعر الصوفي الفارسي  جلال الدين الرومي، والتي  تُغنى ثانية باللغة الإنجليزية. لكن كلما زاد التعمق بالتقاليد الروحية  اُلْغِيَت الحدود وظهرت أوجه التشابه بين الإسلام والمسيحية بشكل ملحوظ.

خاصة في مجال الموسيقى يمكن أن يؤدي هذا التشابك إلى نتائج مفرحة. كما هو الحال في الألبوم "ما قيل"، للمغنية الألمانية الأفغانية سيمين تاندر بالإشتراك مع اثنين من الموسيقيين النرويجيين تورد غوستافسن  وجارل فيسبيستاد.

في مؤلفاتها المرهفة للجاز التي أصدرتها مع فرقتها الرباعية في الألبونات "وجمة " و"عندما يسافر الماء الى الوطن" حصلت المغنية من مدينة  كولونيا الألمانية  سيمين  تاندر على تقدير واسع في جميع أنحاء أوروبا، كذلك في  مشاركتها مع فرقة  البيغ باند "وحدة أوراسيا" مع موسيقيين من طشقند الى ألمانيا.

من أجل مشروعها الجديد تذهب الى الداخل وتكتشف فضاءات نغمية للسكون. شريكها في العزف على البيانو متخصص بالضبط في هذه الباطنية. "يُركز تورد غوستافسن  بطريقة طبيعية جدا على الأساسيات، على ألحان صغيرة، وعلى صوت واحد. يشعر بسرعة جدا  بجوهر القطعة الموسيقية. إنه نوع من  الحلم أن تعزف مع  عازف بيانو يصطحب كل نفحة للآخر  وبنفس الوقت يمنحك فضاءً حراً "، كما تقول سيمين تاندر في حوار مع موقع قنطرة.

تأويل جديد للتقاليد الصوفية

خطوة خطوة تتركب قطع لغز هذا اللقاء الروحي: ولد غوستفسن في بيئة بروتستانتية، منذ الصغر كانت له تجارب مع الموسيقى الكنسية. كان  يتعامل مع المسيحية بشكل ليبرالي، وطور اهتماماته بالتراث الصوفي من مختلف  الثقافات، وانشغل  في هذا الإطار بالشعر الصوفي.  

كانت سيمين تاندر منذ دراستها مُلمة بأعمال  غوستافسن، في المقابل يُقدر هو  صوتها ونهجها، جاز بلغة الباشتو، الغناء بلغة والدها. وكانت نغمة هذه اللغة الدافع الأساسي للعمل المشترك: الترجمة الى الباشتو لنصوص الترانيم القديمة التي ألفها القساوسة والأساتذة  والمعلمين في القرنين الثامن عشر  والتاسع عشر على حسب  إيقاعات الألحان النرويجية التراثية تُتيح المجال لرفعها الى المستوى العالمي.

تقول سيمين تاندر إن "تورد كان يريد تحرير النصوص من القيود  المحافظة، والتركيز على الإمكانيات الصوفية. وبالنسبة لي كان من المهم أن يتم تغيير الأبيات بحيث يمكنني التواصل مع التعاليم المسيحية، من دون أن يكون لي علاقة وثيقة بها".

ولدت الترجمة في التفاصيل الحساسة: طلب جوستافسن من  الشاعر الأفغاني حمسايا ترجمة القصائد، وَوازن صديقُ العائلة  نجيب سيرملوال -الذي يبحث منذ عشرات السنين في الشعر البشتوني والصوفي والأدب- بعض الكلمات. على سبيل المثال، من يقرأ الصيغة الجديدة من النشيدالإنجيلي اللوثري  لبيتر جاكوبسون  هيغوم، يستوعب الانصهار الإلهي كما يمكن أن  يصفه أيضاً  الشاعر الصوفي  الفارسي جلال الدين الرومي.    

قوة سيمين تادر الصوتية الموحية والرقيقة تفتح مقابل ذلك فضاءات تأملية في ديناميكية حميمة مع خطوط البيانو المخفضة. نبضات إيقاعية مبدعة تأتي من عازف الدرامز جارل فيسبيستاد". من المهم بالنسبة لي أن تكون لدي الجرأة بحذف أشياء وإضافة فواصل وأن أغوص في أغنية بهدوء كامل. قبل عامين لم أقدر على ذلك بعد. في قلب العمل هناك التفاني دون تصنع".

الروحانية العالمية  بدل "صراع الحضارات"

في هذه الحدود التي تَحِلُّ فيها الروحانية ليس مهماً أن يكون موطن الباشتو في فضاء إسلامي، برأي سيمين تاندر. "الغالبية العظمى من المستمعين لا يفهمون الكلمات، ولكن ينفتحون على التأمليّ من خلال  النغمات".

وفي المقابل، لم يتم اختيار اللغة الأصلية  في الأغاني التكميلية المستندة على نصوص لجلال الدين الرومي، وإنما اللغة الإنجليزية من ترجمة كولمان باركس.

لقد لحَّن تورد غوستافسن أشعار جلال الدين الرومي من خلال إيقاع الكلمات، وبهذا خلق  جواً إنشادياً. من خلاله يكون تأثير الشعر مباشراً. مثال على ذلك قطعة "ماقيل" التي هي عنوان الألبوم: يتم وصف التفاني  للإلهي باعتباره القوة التي تجعل الوردة تتفتح و زهر الرمان يحمرّ.

الدلالة على انفتاح  هذا المشروع هو  وجود أيضاً قصيدة في لب الألبوم  ليس لها علاقة بالدين: "أرفض" هي قصيدة للشاعر الأمريكي كينث ريكسروت، وهو من وجوه مجموعة "جيل البيت". قصائده تُجسد رغبة غير مشروطة بالحرية، والعصيان ضد تصورات الآخرين،  وتتناسب بالتالي مع النهج الفكري الذي يقدم  تجربة روحية من خلال النظريات  والكتب. 

التصوف الإسلامي والمسيحي في وئام  - في زمن  يحوم به شبح صراع  الحضارات  المنتشر  في كل مكان -  ويمكن أن يكون إشارة ذات دلالة،  لكن سيمين تاندر تقلل من هذا الشأن، مؤكدة: "بصراحة نحن لا نريد التواصل. مايهمنا ليست الدلالة  السياسية وإنما العلاقة العاطفية والشخصية مع موضوع  الروحانية الذي يتدفق في الموسيقى".

من يتعمق بسخاء  في هذه الموسيقى، فسيتعرف على الشغف العميق لهؤلاء الفنانين الثلاثة، الشغف الذي  يتغذى من الإلهيّ في كل واحد منا.

 

شتيفان فرانتسن

ترجمة سليمان توفيق

حقوق النشر: موقع قنطرة  ar.qantara. de 2016