حقوق الإنسان وحماية اللاجئين جزء من حمض أوروبا النووي

وفق اتفاقية جينيف للاجئين، يتوجب على الاتحاد الأوروبي حماية أولئك الذين يواجهون خطرا محدقا لو عادوا لبلدانهم الأصلية وليس كل شخص يصل لحدوده، بحسب ما ترى ترى آنا بالاسيو وزيرة الخارجية الإسبانية سابقاً والمحاضرة في جامعة جورج تاون. وتحذر في تحليلها التالي من الخلط بين اللاجئ والمهاجر ومن السماح لمروجي الخوف من المهاجرين بتحقيق مكاسب.

الكاتب، الكاتبة : Ana Palacio

إن التعامل مع ما يطلق عليه أزمة اللاجئين حتى بمعايير الاتحاد الأوروبي كان سيئا للغاية وهذا يبدو أنه يتحدى المنطق ففي حين أن الأزمة هي بالتأكيد تعد تحديا ،إلا أن حقوق الإنسان بما في ذلك حماية اللاجئين هي جزء لا يتجزأ من الحمض النووي لأوروبا، كما أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تعاني من الشيخوخة ومن التحديات السكانية بحاجة للمهاجرين ولكن عوضا عن تحفيز الحلول فإن الإزمة الحالية قد استحضرت كل ما هو بشع وعاجز وفاشل فيما يتعلق  بالمشروع الأوروبي فما الذي حصل؟

صعوبة التفريق بين اللاجئين والمهاجرين

كما هو الحال في كثير من الأحيان فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي فإن المشكلة تتمثل في عدم الوضوح. إن صعوبة التفريق بين اللاجئين والمهاجرين قد جعل من المستحيل عمليا تقديم حجج مقنعة لصالح توفير الحماية المناسبة للاجئين أو صياغة سياسة أكثر فعالية تتعلق بالهجرة ولقد أحبط ذلك المناقشات الصريحة والبناءة مما سمح لأولئك الذين يروجون للخوف والعداء للمهاجرين بتحقيق مكاسب.

إن الخلط بين المهاجرين واللاجئين ربما لم يكن نتيجة لنوايا خبيثة وبعد  إدخال سياسة الباب المفتوح للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل تجاه اللاجئين في سبتمبر الماضي 2015، ظهرت مجموعة من التقارير تقدم حججا اقتصادية وديمغرافية من أجل تأطير قرارها ولكن مثل تلك الحجج سممت فكرة حماية اللاجئين فالتركيز على الدور الاقتصادي المحتمل للاجئين أدى بغير قصد لتعزيز وجهة النظر بأنهم في واقع الأمر مهاجرون اقتصاديون.

إن الإحزاب الشعبوية  والتي وجدت لنفسها موطأ قدم وذلك باستغلال مخاوف الناس وإحباطهم من العولمة استغلوا ذلك المفهوم، وفي وقت ترتفع فيه معدلات البطالة طويلة الأجل وتزيد فيه أعباء الدين العام،أعلنت تلك االأحزاب بأن اللاجئين سيأخذون الوظائف من الاتحاد الأوروبي أو ما هو أسوأ من ذلك أي استنفاد المزايا الاجتماعية الممولة من دافع الضرائب الأوروبي.

اليمين الفرنسي الشعبوي حصد العديد من الأصوات في عهد الرئيس الاشتراكي أولاند. Getty Images
أظهرت استطلاعات لآراء الناخبين الفرنسيين إثرإدلائهم بأصواتهم الأحد 6 ديسمبر/ كانون الأول 2015، بأن حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، حقق تقدما قياسيا بهيمنته على ما لا يقل عن ستة محافظات في انتخابات المناطق من أصل 13 محافظة فرنسية، وهو ما منحه حوالي 27,2 إلى 30,8 في المائة من الأصوات، بحسب استطلاعات للرأي. ودُعي في ذلك اليوم 44,6 مليون ناخب فرنسي للإدلاء باصواتهم في الدور الأول من انتخابات المناطق التي جرت وسط أجواء صدمة الفرنسيين جراء الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها باريس منتصف الشهر السابق، وخلفت 130 قتيلا ومئات الجرحى.

الشعوب الأوروبية بدأت بالوقوع فريسة للمشاعر القومية

إن بعض الشعوب الأوروبية والتي شعرت بالإحباط من طريقة تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمات سابقة قد بدأت بالفعل بالوقوع فريسة للمشاعر القومية وعليه لم يكن من الصعوبة بالنسبة للشعبويين تصوير مئات الآلآف من اللاجئين المتدفقين على الدول الأوروبية كتهديد جديد للهوية الوطنية. إن المشاهد الفوضوية على الحدود من كاليه ومقدونيا وكوس عززت من المشهد المضطرب وأخيرا فإن الهجمات الإرهابية البشعة في باريس وبروكسل وعلى الرغم من أنها وقعت على أيدي مواطنين أوروبيين، فلقد أضافت للمناقشات شعورا عميقا بانعدام الأمن.

عندما نضع كل تلك التحديات معا فإن المشكلة تبدو صعبة للغاية مما يعطي انطباعا بأن الرد الانعزالي هو الأمل الوحيد لدول الاتحاد الأوروبي من أجل حماية أنفسها ولكن الذي تواجهه أوروبا بالفعل هو ثلاثة تحديات مختلفة: حماية اللاجئين كما هو مطلوب من قبل القانون الأوروبي والدولي وتطوير سياسة فعالة ومستدامة تتعلق بالهجرة ويمكن أن تكون مفيدة للاتحاد الأوروبي والتعامل مع استياء الجيل الثاني والثالث من مجتمعات المهاجرين في أوروبا. عندما يتم النظر في تلك التحديات كل على حده فإن الحلول الفعالة تبدأ بالظهور.

بالنسبة للتطرف بين المجتمعات التي تعيش في أوروبا فلقد قيل الكثير وخاصة لاحقا لهجمات بروكسل في مارس الماضي 2016. لقد أشار عدد قليل جدا من الناس لحقيقة مفادها هي أنهم أوروبيون. إن التعامل مع شعورهم بالقلق والإحباط ضمن سياق الهجرة فقط سيجعل المزيد منهم يشعرون بالنفور والانعزال.

الحل يبدأ بالوضوح فيما يتعلق بمسؤوليات أوروبا

بالنسبة لتحدي اللاجئين فإن الحل يجب أن يبدأ بالوضوح فيما يتعلق بمسؤوليات أوروبا. إن واجب توفير الحماية للذين لديهم " مخاوف حقيقية من الاضطهاد" منصوص عليها في المعاهدة المتعلقة بوضعية اللاجئين والتي تم التأكيد عليها في معاهدة لشبونة، أي بعبارة أخرى يتوجب على الاتحاد الأوروبي حماية أولئك الذين يواجهون خطرا محدقا لو عادوا لبلدانهم الأصلية وليس كل شخص يصل لحدوده.

في واقع الأمر من غير المفترض أن تكون الحماية دائمة فعندما يصبح الوضع آمنا للعودة إلى ديارهم فإن أولئك الذين لم يحصلوا على إقامة دائمة أو جنسية يجب أن يعودوا لديارهم . يجب أن يفهم الجميع أن الالتزام بحماية الناس الذين يفرون من الاضطهاد له حدوده.

في واقع الأمر يجب ألاّ يقع هذا العبء على عاتق أوروبا لوحدها فكامل المجتمع الدولي يجب أن يقوم بدوره كذلك. لقد تم عقد مؤتمر دولي سنة 1979 للتعامل مع أزمة اللاجئين التي نشأت بعد نهاية حرب فينتنام والتدمير الذي تسببت به أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها حركة الخمير الحمر في كمبوديا، وخلال فترة عامين بعد المؤتمر تم إعادة توطين أكثر من 620 ألف لاجىء في 20 بلداً ونحن بحاجة بشدة اليوم لمثل هذا التعاون اليوم، وطالما أن بقية المجتمع الدولي يفشل في تحمل مسؤولياته تجاه اللاجئين فإنه سيكون من الصعب إقناع الرأي العام الأوروبي المتشكك بعمل ذلك.

لاجئون يناشدون السماح لهم بالذهاب إلى أوروبا. DW
وفق اتفاقية جينيف للاجئين، يتوجب على الاتحاد الأوروبي حماية أولئك الذين يواجهون خطرا محدقا لو عادوا لبلدانهم الأصلية وليس كل شخص يصل لحدوده، بحسب ما ترى ترى آنا بالاسيو وزيرة الخارجية الإسبانية سابقاً والمحاضرة في جامعة جورج تاون.

الترحيب بالمهاجرين الماهرين هو في مصلحة أوروبا

إن الوضوح حيوي كذلك في التعامل مع الهجرة فالترحيب بالمهاجرين هو في مصلحة أوروبا ولكن من هم المهاجرين الذين تريدهم أوروبا على وجه التحديد. إن كلا من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء ليس لديهم سياسة متماسكة ومحكمة تتعلق بالهجرة وتضع هذا الهدف بالحسبان . إن هذا يجب أن يتغير حيث يجب أن يظهر الاتحاد الأوروبي قدرته على جذب المهارات والعمالة الضرورية للتحقق من النمو الاقتصادي والتنافسية.

إلى جانب سياسة مناسبة تتعلق باللجوء والهجرة فإن أوروبا تحتاج لأدوات مناسبة، لتطبقها فلن يجدي أي قدر من الرسائل والحوافز لو كانت الحدود غير مؤمنة أو لم تكن قوانين الهجرة مطبقة بشكل فعال.

لقد قيل أن التفريق بين اللاجئين والمهاجرين هو عبارة عن رمز لاستثناء كليهما وهذا غير صحيح، فالسعي لفهم أكثر دقة للمشاكل المختلفة التي تواجه أوروبا يعد أمرا حيويا من أجل حلها.

لو أردنا التعامل مع استياء المجتمعات المهمشة ضمن أوروبا فنحن بحاجة لفهم العوامل الكامنة ورائها ولو أردنا تلبية الالتزامات الدولية الخاصة بنا تجاه اللاجئين ، فنحن بحاجة لمعرفة تلك المسؤوليات. لو أردنا التحقق من أن الهجرة تفيد القادمين الجدد والمجتمعات المستضيفة لهم ، فنحن بحاحة لتحديد الفوائد التي نسعى لتحقيقها وبدون مثل هذا الوضوح فإن الشعبويين الذين يسعون لتمزيقنا بأجندتهم المبسطة والتي تقوم على كراهية الأجانب سوف ينجحون.

آنا بالاسيو

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2016