"خلعتُ حجابي بألمانيا وما زلتُ محافظة على صلاتي"

يبدي الكاتب السوري منصور حسنو احترامه للمحجبات بإرادتهن وعن قناعة، لكنه أيضا يدافع عن حرية المسلمات في خلع الحجاب خصوصا في المجتمعات الأوروبية، مشيرا إلى عُرف المجتمع الأوروبي وإلى مرونة ثقافة الاختلاف الإسلامية. وينتقد في رؤيته التالية الضغط الاجتماعي الممارس في ألمانيا من قِبَل بعض المسلمين على من يخلعن الحجاب لإرجاعهن للحجاب، ويشجع على الاندماج بقدرما يسمح به الإسلام إلى أقصى درجة.

الكاتبة ، الكاتب: منصور حسنو

تعطي وضعية المرأة في أي مجتمع مؤشراً على مدى ومستويات تحرره أو جموده وانغلاقه، ورغم صعود الخطاب التقسيمي للعالم الذي تمارسه الأصوليات الرجعية اليمينية في الغرب والشرق كصاحب فكرة صدام الحضارات ( هنتنغتون ) أو صاحب فكرة معسكر الخير والإيمان الكفر والطغيان (بن لادن) فإنّ صرخة أنصار التحرر والمجتمع المفتوح ظلّت هي السائدة والمهيمنة في الفضاء الثقافي العالمي والإنساني.

مع ثورات الربيع العربي على نظم الاستبداد العسكري والديكتاتوري وفشلها النسبي بين دولة وأخرى يبدو لزاماً على النخب العربية القيام بمراجعات جذرية للأطر الثقافية والأوهام المركزية التي تشبعت بها هذه النخب، ويبدو لي أنّ النخبة العربية الكلاسيكية الأولى مطلع القرن العشرين كانت أكثر عمقاً وفهماً واستراتيجية في كسب معركة التحرر والحرية من نخب اليوم.

وبدأنا اليوم نفهم لماذا كانت المرأة عند قاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين تشغل الهم الثقافي الأول والمنطلق الأول في هذه المعركة مع الاستبداد، وعندما كانوا يطالبون بتحرر المرأة فإنّهم يريدون أن يقولوا لنا: حتى يتحرر الشرق يجب أن تتحرر المرأة أولاً، أو كما قال الشاعر العربي:

وإذا النساء نشأن في أمية ... رضع الرجال جهالة وخمولا

وهذا يفسر لنا اهتمام النخبة السعودية المتنورة بقضية المرأة السعودية والتي كانت بداياتها اليوم في السماح لها بقيادة السيارة وهي خطوة شجاعة ولن تكون الأخيرة أمام تحرر المرأة الخليجية لاستعادة دورها في المجتمع والحياة.

"لا مشكلة في التدين الواعي، بل في التدين المؤدلج"

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس
لا يحق إرغام المسلمة على مصافحة وزير الداخلية - الفيلسوف هابرماس يرفض "ريادة الثقافة الألمانية": رفض الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أفكار وزير الداخلية الألماني دي ميزيير حول "ريادة الثقافة الألمانية". وقال إنه لا يحق لأحد إرغام أي امرأة مسلمة على مصافحة وزير الداخلية الألماني باليد. وفي تعليق له لصحيفة "راينشه بوست" الألمانية، كتب الفيلسوف الألماني هابرماس أنه لا يحق لأحد إرغام أي امرأة مسلمة على أن تصافح السيد دي ميزيير باليد. ومع ذلك، يرى هابرماس أنه يجب على المجتمع المدني الألماني أن يتوقع من المواطنين المهاجرين التأقلم مع الثقافة السياسية في ألمانيا، حتى وإن كان القانون في ألمانيا لا يفرض عليهم ذلك. وشدد الفيلسوف على أن محاولات اليمين المحافظ -المتعلقة بالريادة الثقافية الألمانية- تتعارض مع الفهم الليبرالي للحقوق الأساسية، وليس ذلك فحسب، بل إنها غير واقعية.

إنّ فشل المجتمعات العربية في ليبيا واليمن ومصر وسورية بعد الانتفاضات الشعبية ونكوص المرأة والمجتمع إلى مظاهر التدين السطحية والعودة إلى حلقات تحفيظ القرآن للأطفال وتحجيب القاصرات يدل دلالة قاطعة على انّ المستبدّ المدني الحاكم أو الديكتاتور العسكري ليس سوى الغطاء، الذي كان يحجب عنّا الفشل الاجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات، وتدل الحالة السورية تحديداً على هذا الارتباط بين المستبد العسكري والفشل الاجتماعي والثقافي وأنّ معركة التحرر من الاستبداد هي معركة شمولية، قيمية، ثقافية وتحتاج إلى نفس طويل ومقدمات صحيحة قد تكون الثورات أحد أسوأ طرق التغيير في مثل هكذا مجتمعات.

وليس عن عبث بعد ثورة التحرر السورية من الطغمة الحاكمة أن يعمد الأسد إلى سن قوانين تُمكّن جماعة إسلامية نسوية (القبيسيات) ويمنحهم تراخيص لمزوالة نشاطهم الديني والدعوي، ليس في سوريا فحسب، بل تم تسريب أفكارهن لينتشرن في أوساط اللاجئات السوريات في أوربا ولهذا دلالته التي لا تخفى على كل عاقل لبيب!

فالتدين عندما يكون عن وعي ومعرفة ليس لأحد معه مشكلة أبداً، ولكنّ المشكلة عندما يكون التدين مؤدلجاً أو ناتجاً عن حالة عصابية  أو عقدية أو مكوناً بدلالة كره الآخر ووجوده فهذا أخطر أشكال التدين المعاصر اليوم.

يختصر هذا المعنى، عندما كان ثوار سوريا يقومون بتكسير تماثيل الديكتاتور الأول حافظ الأسد في سوريا، ورغم ثورية ورمزية وجمالية هذه الصورة، فإنّ أبشع ما فيها عندما تعلم أنّ مقصد الثوار من هذا التكسير هو لكون هذه التماثيل مُحرّمة في الإسلام وليس لأنّ صاحبها ديكتاتور ظالم وقاتل، ولذلك كان تمثال الفيلسوف المعري والديكتاتور العسكري الأسدي عند هؤلاء سواء، والذين لاحقاً قاموا بتكسير تمثال كاوا الحداد في عفرين، الشخصية الكردية التاريخية التي تدل على الكفاح، وليس بغريب إذن على هؤلاء فيما  لو وصلوا إلى دمشق لقاموا بتكسير تمثال صلاح الدين ويوسف العظمة في قلب دمشق!

تلميذتان مسلمتان واحدة مع حجاب وأخرى من دون حجاب بمدرسة في ألمانيا.
للمسلمين الحق في أن يتلقى أطفالهم دروس الديانة الإسلامية تحت إشراف الدولة في ألمانيا كما يتمتع الأطفال المسيحيون بهذا الحق بحسب المادة 7 والفقرة 3 من الدستور: طالب مؤتمر الإسلام الذي عُقد في شهر آذار/مارس 2008 تحت إشراف وزير الداخلية فولفغانغ شويبله بإدخال تدريس الديانة الإسلامية باللغة الألمانية في كافة أنحاء ألمانيا. ويؤكد خبراء التعليم أن من شأن تدريس الديانة الإسلامية باللغة الألمانية من قِبَل أساتذة تدربوا في معاهد ألمانية للتعليم العالي أن يعزز الاندماج. بينما رأى المؤتمر أن أحدًا لا يعرف بالضبط ماهية المضامين التي تُدرَّس في مدارس القرآن التابعة للمساجد، حيث يتم غالبًا تلاوة سوَّر القرآن فقط ولا يُعطى أهمية للتأمل النقدي. يقول هاري هارون أحد المختصين بوضع منهج تعليم الديانة الإسلامية في مدارس ألمانيا أنه ينبغي لدرس الديانة الإسلامية أن يُعلِّم أيضًا "أخذ مسافة مما هو ذاتي لتحقيق رؤية نقدية ".


الحالة الهمجية والخيار التدميري البربري الذي سلكه النظام السوري مع شعبه دفع بمئات مئات الآلاف للنزوح خارج سوريا ودول الجوار والغرب وأوروبا التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين إليها، والذين تشكل النساء نسبة جيدة من هؤلاء بطبيعة الحال، فهل استطاعت المرأة أو الفتاة التأقلم مع المجتمع الجديد؟

هل يمكن الانتقال من الشرق المحافظ نوعاً ما  إلى الغرب المتحرر دون تغيير في بعض العادات الاجتماعية والثقافية، خصوصا أن الإنسان ابن بيئته ومحيطه فكيف بالمرأة التي تربت في مجتمع ينظر إليها كتابعة لكيان وليست صاحبة قرار؟

هل مقولة: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً، صحيحة كما زعم الروائي والشاعر الهندو- انكليزي روديارد كبلنغ، وهل يمكن لهذا الحجاب أن يكون رمزية فاصلة لعدم اللقاء بين الشرق والغرب كما أظن؟

مقابلات مع بعض النسوة

أجريت مقابلات مع بعض النسوة اللاتي جئن إلى أوروبا مع موجات اللجوء الأخيرة واخترن بمحض حريتهن نزع الحجاب وهنّ قليلات مقارنة مع النسوة اللاتي لم يقدمن على هذه الخطوة إلاّ مع مشاورة أزواجهن أو آبائهن.

هيفين

امرأة كردية متزوجة قدمت ألمانيا عام 2014 تقول هيفين: رأيت هناك رغبة لدى زوجي بنزع الحجاب وبدوري فكرت في الأمر، ليس من السهل أنني عشت طوال عمري في سوريا محجبة وبلحظة أنزع الحجاب، ولكن ما شجعني على تحقيق رغبة زوجي أمران:

الأول: موافقة أبي وأمي وحرصي على ألا أغضبهما.

الثاني: قناعتي أنّ العيش بسعادة مع زوجي ومجتمعي الجديد هو مقصد الدين وهذا شيء لن يغضب الرب.

وعندما توجهت بالسؤال للسيدة هيفين فيما إذا تعرضت لمضايقات ممن كان يعرفها من قبل أجابت: بشكل عام المجتمع الكردي غير متعصب لقضية الحجاب ولكن بدت الخطوة التي أقدمت عليها مستهجنة ومستقبحة من جيراني الدمشقيين الملتزمين بدينهم.

فاتن

امرأة سورية فاضلة من دمشق كانت تعمل في التدريس خلعت حجابها باكراً في ألمانيا، كان دافعها أكثر براغماتية من غيرها فهي لم تنتظر رأي زوجها بل كانت حجتها أننا في دمشق اعتدنا على التأقلم مع أي مجتمع جديد وقد لاحظت أنّ الحجاب يتسبب لي بمشاكل التواصل مع المجتمع الجديد، لا أريد أن أبدو متعصبة ومتزمتة. خلعت حجابي، وما زلت أحافظ على صلاتي وتواصلي مع الله، ليس من الجيد أن يتواصل الإنسان مع الخالق ويصعب عليه التواصل مع الخلق، رسالة الإسلام أعظم وأكبر من أن تختصر بالحجاب.

تضيف فاتن: المفاجئة كانت من صديقاتي ومعارفي من الألمان، كانوا يقولون لي نحن مع حرية المرأة سواء أكانت محجبة أم غير محجبة ولكن هذا لم يمنع هؤلاء المعارف يوم رؤيتي دون حجاب كأنّه يوم عيد بالنسبة لهم وأخذوا يشكرونني على هذه الخطوة الشجاعة.
شيرين

من القصص الطريفة التي جرت مع كاتب هذه السطور أنني حضرت دردشة في كورس اللغة بين شاب سوري متدين وزميلة غير محجبة في الكورس، كانت البداية بالعبارة المعهودة من الوعاظ والمرشدين، وننقله للأمانة كما جرى بالعامية:

[embed:render:embedded:node:23718]

الطالب: "شيرين أنت امرأة رائعة ومهذبة ولغتك الألمانية جيدة ولكن ينقصك شيء واحد فقط حتى يكتمل دينك وهو الحجاب".

شيرين: "والله أنا بصلي وما بترك فرض بس هون الحجاب بألمانيا صعب وأنت ترى الإعلام الألماني تارك الدنيا وعابد قصة اللاجئين".

الطالب: "شيرين ! كوني مع الله ولا تبالي، فيوم القيامة لن يفيدنا رأي الناس فينا، الحجاب فرض ولم يُفرض إلاّ لأنَّ المرأة جوهرة في الإسلام يجب الحفاظ عليها!"

شيرين: "ادعوا لي بالهداية".

الطالب: "الله يهديكي ولكن علينا العمل".

قاطعت كلامهما قائلاً: "يا رجل العالم طلعت مظاهرات في سورية منشان الحرية وأنتم تمارسون وصايتكم على الناس في ألمانيا، اسمعي يا فتاة! تصرفي كما يحلو لك وما ترينه نابع من ذاتك ولا تسمحي لأحد أن يمارس عليك المواعظ والوصايا، كوني حرة".

هند

ينقل موقع رصيف 22 عن فتاة مصرية تجربتها بعد أن أصبحت في ألمانيا، تحكي هند قصتها: "ارتديت الحجاب و"العباية" وأنا صغيرة مؤمنة بفرضيته مثل معظم قريناتي من بنات الأسر الأخرى اللاتي يرتدين الحجاب، إما لأسباب دينية أو مجاراةً لتقاليد اجتماعية". وتضيف: "هناك بنات كثيرات يتخلين عن الحجاب لأسباب مختلفة، ولكن بالنسبة لي فإن الحجاب كان يضعني في إطار يحرمني من ممارسة حياتي بشكل طبيعي يعبر عن شخصيتي. فالناس لا يتقبلون فكرة أن المحجبة من الممكن أن تسافر وتركض وتتسلق الجبال وتركب الدراجة وتمارس حياتها بشكل طبيعي".

وتتوقف قليلاً لتؤكد "أنا مؤمنة بأوامر الله، لكنني لا أفهم سبب فرض الحجاب! فما هي المشكلة لو ظهرت الفتاة بمظهر جميل؟ فالرجل شكله جميل بدون حجاب!".

تلميذة محجبة في مدرسة - ألمانيا
ألمان مؤيدون لحجاب الصغيرات وآخرون رافضون: كشف استطلاع للرأي أجراه معهد يو جوف المتخصص في أيار/مايو عام 2016 أن واحدا من بين كل اثنين في ألمانيا يؤيد حظر ارتداء الحجاب على التلميذات في حين رأى 30% ممن شملهم الاستطلاع ضرورة الاستمرار في السماح لهن بارتدائه. وطالب 11% ممن شملهم الاستطلاع بعدم السماح للتلميذات بارتداء الحجاب إلا بدءا من سن معينة مثل سن 16 سنة.

روت هند كيف فكرت طويلاً في خلع الحجاب، حتى قررت ذات مرة أن تخوض المغامرة. كان ذلك قبل سفرها إلى ألمانيا بفترة وجيزة، وتتذكر: "قررت أن أجرب النزول إلى الشارع بدون حجاب، ارتديت بلوفر ونظارة شمسية كبيرة تخفي ملامحي ونزلت في منطقة بعيدة عن البيت كي لا أصادف أحداً من أفراد عائلتي، كان الأمر بسيطاً...كنت أنا".

بعدها نجحت هند في السفر إلى ألمانيا كي تحظى بنوع من الاستقلالية، وبالرغم من محافظتها على الحجاب في بداية إقامتها في ألمانيا، قررت التخلي عنه في النهاية. تبرر هند ذلك قائلة: "لست من الفتيات اللاتي يرغبن في ارتداء ملابس مغرية، أفضل عدم ارتداء الحجاب كي أحظى بحرية أكبر فقط. معظم المجتمعات الشرقية لا تتفهم هذه الفكرة، ألاحظ جيداً كيف تتغير نظرات النساء العرب في ألمانيا عندما يصادفنني خارج المسجد بدون حجاب! عندما وضعت صورتي على فيسبوك بدون حجاب لاقيت انتقادات واسعة من أسرتي وأصدقائي الذين قالوا لي: كنا نظنك نموذجاً للدعوة في الغرب!".

تضيف هند: "عندما أقضي إجازتي في مصر، لن أرتدي الحجاب، فأنا أرتديه "عشان ربنا فقط" لا من أجل إرضاء البشر.

المراقب لمحطات التاريخ، التي تخللتها الثورات والتمردات الاجتماعية يلاحظ أنه كان يُنظر للمرأة كمؤشر على تقدمية هذه الثورة من رجعيتها، فثورة 1919 التي قادها سعد زغلول كان من أول نتائجها تحرر المرأة المصرية، وحتى الثورات الأوروبية وأهمها ثورة 1789 في فرنسا وضعت المرأة الأوروبية أمام طريق جديد كانت نتائجه واضحة عظيمة النتائج حتى القرن العشرين، في حين قامت ثورة شعبية في إيران لم توصف هذه الثورة بتقدميتها ومن أهم انتكاساتها وضعية المرأة الإيرانية، وفرض عادات اللباس والحجاب ولذلك يمكن فهم الاحتجاجات الأخيرة في إيران ورغبة الكثيرات من الفتيات الإيرانيات خلع حجابهن أمام الكاميرات والتجمعات، فالثورة للأمام وتحرر المرأة متلازمان.

الناشطة الفيسبوكية السورية جود عقاد

يجب القول ورغم حجم الكلام السلبي والمعيب الذي صدر من سوريين وغيرهم  بحق الناشطة الفيسبوكية السورية جود عقاد وسواء أختلفنا أم اتفقنا مع ما تطرحه على فيسبوك أو اليوتيوب فهي ليست أكاديمية ولا نخبوية وغير مختصة بقضايا التنوير والتحرير، ولكن يبقى تصرفها شجاعاً، إذ خلعت حجابها على الهواء مباشرة أمام جمهورها، بينما حاولنا التواصل مع نساء خلعن حجابهن في الغرب ولكن بدى أنهنّ مازلن يشعرن وكأنهنّ ارتكبن فعلاً مشينا وامتنعن عن نشر صورهنّ بعد نزع الحجاب.

الحجاب...قناعة دينية فقهية راسخة

المفكر السوري محمد شحرور حاول مراراً تقديم رؤية دينية عصرية عن الحجاب ولكن بقيت القناعة الدينية الفقهية هي الراسخة وماتزال هناك حملات ممنهجة في أوساط اللاجئات وعائلاتهم عن ضرورة التمسك باللباس الشرعي وهذا يعني أحد صور الإكراه التي تمارس على الناس وتحد من حريتهم وتؤثر على قراراتهم، فقد انتشرت ظاهرة حجاب القاصرات ممن لم يتجاوزن حتى العاشرة من العمر وما زلن أطفالاً في الصف الأول والثاني والثالث الابتدائي (Grundschule ) وهذه أخطر وأبشع الظواهر الاجتماعية الدينية في أوساط اللاجئين عموماً والطالبات الصغيرات خصوصاً، فكيف ترتدي طفلة حجاباً!

وعندما حاولنا الاستفهام من بعض الأهالي عن هذه الظاهرة كانت الإجابات أو المبررات: هنا في ألمانيا بلاد مفتوحة ومجتمعات لها قيم غير قيمنا فيجب على أطفالنا  أن يعتادوا على الأمر وأن يتربوا على قيمنا وعاداتنا قبل أن يكبروا، فعندها لن نستطيع أن نملي عليهنّ ما نريد وهنّ كبيرات!

يجب علينا الاعتراف، أنّ التطرف يغذي التطرف والتعصب يقابل بالتعصب والكراهية تُولِّد الكراهية وأنّ اليمين الشعبوي في الغرب يتغذى ويستغل الأفكار الشعبوية عند القادمين الجدد وأنّ فلسفة الاندماج تتطلب العمل على تكبير المساحة المشتركة بين قيم الأوربيين وقيم الوافدين الجدد، والإسلام فيه من القيم التي لا تتعارض مع قيم الغرب فهناك جاليات مسلمة كثيرة في الغرب نسيت لغتها الأم وبقيت متمسكة بالزي الإسلامي: أليست اللغة هي هوية الهويات ومن أضاع لغته الأم فقد أضاع هويته بينما يظن الكثيرون من المسلمين  أن الحجاب هو أكثر هوية من لغته الأم!

يجب احترام من تختار ارتداء أو نزع الحجاب بحريتها

لا شك أنّ الحرية هي قيمة القيم ويجب احترام خيارات الناس والأنثى دون إكراه ولكن يجب بالمقابل احترام ثقافات الآخرين، يجب احترام من تختار ارتداء الحجاب بمحض حريتها بعد بلوغها عهد الرشاد الفكري والوعي الأنثوي بنفس القدر الذي يجب فيه احترام من تخلع حجابها بمحض حريتها وقرارها، ولذلك يبدو لي أنّ الحجاب تحت سن الرشد أو قبل المرحلة الجامعية فيه شبهة اتخاذ القرار بمحض حرية الفتاة ولذلك لا يمنع من سن قانون سواء في الشرق أو الغرب يحظر الحجاب تحت سن معين بحسب الأعراف وطبائع الأنثى والمجتمع.

فرصة اللاجئين وهم الذين يزعمون أنّهم فارون من الموت والقتل والأنظمة القسرية الديكتاتورية أو الأنظمة الرجعية الداعشية أن يختاروا فلسفة جديدة لفهم الحياة والحرية  للعيش بسلام مع النفس أولاً ومع  المحيط الذي هم فيه ولصناعة جيل يكون جسراً لإصلاح الشرق المستبد الذي جاءوا منه.

زبدة الختام وملخص مقابلاتي ومشاهداتي ورؤيتي أنّ تمكين المرأة وتملّكها شعور الوعي بحريتها وبنفسها هو الرهان في خلق مجتمع مفتوح بعيد عن التعصب مهما كانت الخيارات التي يختارها الإنسان، فالمرأة عندما تتحجب بمحض حريتها وإرادتها وملكت زمام القيادة لنفسها وعقلها يجب أن تُحترم خياراتها وكذلك المرأة التي مارست حريتها في نزع حجابها بقناعة حرة من داخلها يجب كذلك أن يُحترم قرارها.

ولكنّ الأهم قبل وضع الحجاب في سن الرشد أو نزعه هو أن نرى نسوة شجاعات متحررات يخترن الطريق الصحيح المتناغم مع الحياة العصرية بعيداً عن كل أشكال التلقين والإكراه المشيخي أو الضغط الاجتماعي، فالحرية قبل كلّ شيء هي الجوهر الذي يجب على الأنثى اكتشافه وكشفه قبل أن تقف عند صور التحرر دون تحقق هذا الجوهر.

 

 

منصور حسنو

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de