أجندة لمقاومة السلطوية في مصر ـ الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

يعتبر الباحث المعروف عمرو حمزاوي أنه إزاء الحصار الممنهج لمنظمات المجتمع المدني وللنقابات المهنية العصية على سيطرة الأجهزة الأمنية وللاحتجاجات العمالية، التي تواجهها المؤسسات الرسمية بإجراءات تعسفية وعقابية متصاعدة، أصبح لزاماً على المجموعات والأصوات المتمسكة بالمقاومة السلمية للنزوع السلطوي للحكم الراهن في مصر أن تتوافق على أجندة واقعية للعمل الجماعي.

الكاتبة ، الكاتب: عمرو حمزاوي

أجندة كهذه ليس لها سوى أن تترجم في خطوات محددة أهداف صون حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية وحرياتهم السياسية والمدنية، وإجبار الحكم على إعادة الحسابات بشأن سياساته وممارساته التي تتناقض مع صالح الناس والمجتمع والدولة، والبحث في سبل استعادة مسار تحول ديمقراطي يضمن علاقات عسكرية-مدنية طبيعية ويصلح وفقا لقواعد الشفافية والرقابة أوضاع المؤسسات الرسمية والأجهزة الأمنية ويحقق نزاهة التنافس الانتخابي على مواقع المسؤولية الحكومية ويعطي للمواطن حقه الأصيل في مجتمع مدني مستقل وفضاء عام حر وقطاع خاص غير احتكاري أي لا تحتكره مؤسسات رسمية أو مصالح خاصة قليلة العدد.

مجتمع مدني مستقل وفضاء عام حر

وأحسب أن أجندة كهذه تحتاج فيما خص صون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس إلى أن تستند إلى صياغة بدائل تفصيلية وممكنة التطبيق للسياسات التي ينفذها الحكم. والمقصود هنا هو ضرورة تجاوز «الإعلان» عن رفض التوجه الحكومي لتوظيف موارد البلاد في مشروعات كبرى غير مؤكدة المردود أو عن معارضة قرض صندوق النقد الدولي والإجراءات الاقتصادية التي تستتبعه أو عن تسفيه بعض المقترحات الحكومية إلى «الطرح» المدروس لسياسات بديلة ممكنة وواقعية.

فانتقاد المشروعات الكبرى لعدم اتضاح جدواها إن فيما خص مستويات تشغيل الناس وانتشالهم من البطالة والفقر أو لجهة العوائد التنموية وانتشال الاقتصاد المصري من وضعية الركود والاستدانة الراهنة ينبغي أن يأتي في سياق طرح أفكار ممكنة التطبيق حول تنشيط المشروعات الاقتصادية متوسطة وصغيرة الحجم وكثيفة العمالة، وحول المقومات القانونية (تعديلات قانون الاستثمار على سبيل المثال) والسياسية (مخصصات الموازنة العامة) واجبة التوفر لإنجاح تلك المشروعات، وحول العوائد المتوقعة وهوية المستفيدين المحتملين من الشرائح الأكثر فقرا إلى شرائح الطبقة الوسطى.

ومعارضة قرض صندوق النقد الدولي وإجراءات مثل إقرار ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة العملة الوطنية وإلغاء سياسات الدعم الحكومي للمحروقات وغيرها، وهي جميعا إجراءات ذات تداعيات بالغة الصعوبة على الشرائح الفقيرة وعلى الطبقة الوسطى، ليس لها أن تكتفي لا بالمقولات المرسلة عن «بدائل لقرض الصندوق» ولا بتأكيد المؤكد بالإشارة إلى كون الفقراء ومحدودي الدخل هم من سيتحملون «عواقب» القرض.

استحالة التنمية المستدامة في ظل انتهاكات ومظالم متراكمة

الفقراء ومحدودو الدخل، وهم وفقا للبيانات الحكومية يمثلون بما يقرب من 85 بالمائة من الناس أغلبيتنا الكاسحة، في أمس احتياج لدفاع واقعي عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ينطلق من حتمية تنفيذ بعض إجراءات الصندوق لإخراج الاقتصاد المصري من ركوده وإعادة شيء من التوازن للإنفاق الحكومي، وينطلق أيضا من إمكانية ترشيد التداعيات السلبية لإجراءات كضريبة القيمة المضافة وإلغاء الدعم على الأغلبية من خلال تطوير شبكات الضمان الاجتماعي وتعظيم الاستثمارات الحكومية والخاصة الهادفة لمكافحة الفقر ولرفع مستويات تشغيل الفقراء ومحدودي الدخل.


وتسفيه مقترحات حكومية مثل مبادرة «الفكة»، وهي بغض النظر عن أسلوب طرحها فكرة ادخارية بسيطة تخاطب عموم المصريات والمصريين وسبق تطبيقها بأشكال متنوعة ونتائج متفاوتة في مجتمعات أخرى، يتعين أن يخلي مكانه لاشتباك موضوعي مع المقترحات الحكومية يبدأ على سبيل المثال بمطالبة الحكومة بالادخار عبر ترشيد الإنفاق قبل أن تقتطع كرها «فكة» الفقراء ومحدودي الدخل، وبالشفافية عبر الإفصاح عن هيكل مرتبات كبار وصغار الموظفين في المؤسسات الرسمية من رئاسة الجمهورية والوزارات والجيش والشرطة إلى بقية الدواوين الحكومية قبل تذكير الفقراء ومحدودي الدخل بواجبهم الوطني في مساعدة البلاد في أزمتها، وبقبول الحكومة لمبادئ الرقابة والمساءلة والمحاسبة عبر الإعلان عن البنود المسكوت عنها في الموازنة العامة وإخبار الرأي العام بأوجه وتفاصيل إنفاق ما ورد مصر من منح وقروض ومساعدات بين 2013 واليوم.

ولا ينتهي الاشتباك الموضوعي دون إخبار الرأي العام، بأرقام وبيانات موثقة، بما يضيعه الفساد على المواطن والمجتمع والدولة من موارد تتجاوز حصيلتها بكثير ما يمكن للمجهود الادخاري لفقراء ومحدودي الدخل من المصريات والمصريين أن يجمعه وبحتمية التزام الحكومة بمحاربة الفساد وفقا لإجراءات ممنهجة ومن خلال أجهزة رقابية تتوقف الدوائر الحكومية من رئاسة الجمهورية إلى بعض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية عن العصف باستقلاليتها والتدخل في أعمالها (الجهاز المركزي للمحاسبات نموذجا).


وتوجيه الانتقاد العام للحكم بسبب الانعكاسات السلبية للنزوع السلطوي ولبيئة القمع والخوف الراهنة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالإشارة إلى استحالة التنمية المستدامة في ظل انتهاكات ومظالم متراكمة، وهو انتقاد مشروع أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا، يستدعي الربط بين توجيهه للحاكم والحكومة وبين إقناع الرأي العام عبر «أدلة ثبوت واقعية» بكون عوامل صون الحقوق والحريات والتحول الديمقراطي وسيادة القانون وحضور المجتمع المدني المستقل والفضاء العام الحر تمثل ضرورات أساسية للتنمية المستدامة ولتحسين الظروف المعيشية للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل.

 

عمرو حمزاوي

حقوق النشر: عمرو حمزاوي 2016

أستاذ مساعد العلوم السياسة بجامعة القاهرة وعضو سابق في مجلس الشعب درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.