أزمة النفايات تخلق ثقافة إعادة التدوير في لبنان

تفاقم أزمة النفايات في لبنان دفع المواطنين إلى التحرك وإطلاق مبادرات لحل الأزمة، منها تأسيس شركة لإعادة تدوير النفايات. ومن إيجابيات الأزمة أنها زادت الوعي البيئي لدى المواطنين وأقنعت البلديات بجدوى عملية التدوير. كما أن ثمة شركات بدأت تتفاخر بـِ "إلى أي مدى هي خضراء"، أي: صديقة للبيئة وتحافظ عليها وتحميها. ألِيس كُون ترينا كيف أن أزمة النفايات أقنعت اللبنانيين بجدوى إعادة التدوير.

الكاتبة ، الكاتب: Alice Kohn

عندما خطرت فكرة إنشاء شركة لإعادة تدوير النفايات على بال سام كازاك مع صديقه اللبناني، لم يكن يتوقع أن تلمس مبادرته الوتر الحساس. المبادرة التي أطلقها كازاك، لإعادة تدوير النفايات في نهاية عام 2014، تهدف إلى توفير بدائل جديدة صديقة للبيئة للتخلص من النفايات التقليدية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للاجئين السوريين في لبنان. لكن الغريب في الأمر أن أحدا لم يكن على علم أو يملك خبرة كافية في إدارة النفايات، حتى كازاك نفسه صاحب المشروع الذي يعمل مهندس حاسبات ومعلومات.

ويقول كازاك: "كوَّنا علاقات صداقة مع الأشخاص الذين يقومون بجمع النفايات في المساء. استطاعوا أن يوضحوا لنا كيف يمكن إدارة النفايات في لبنان".

هذه العلاقات والصداقات ساعدت كازان والقائمين على المشروع على فهم عملية إعادة تدوير النفايات التي لم تكن معروفة تماما في لبنان؛ حيث ليست هناك مصانع لإعادة تدوير النفايات في هذا البلد الصغير المطل على البحر الأبيض المتوسط.

وأضاف كازاك أن "عملية تصنيف النفايات من مصدرها لا تتم بشكل كبير، وذلك لعدم بذل جهود كافية لجمع النفايات التي سيعاد تدويرها. وهنا تكمن المشكلة".

ومن هذه المشكلة بدأت مبادرة إعادة التدوير في بيروت أولى خطواتها، فمنذ مطلع 2015، بدأت الشركة في دفع شاحنات إلى شوارع بيروت، لجمع النفايات من البيوت، وتم تخزين كل تلك النفايات في مستودع، ثم نقلها إلى مصانع إعادة تدوير فردية.

أكوام النفايات في شوارع لبنان. Foto: Alice Kohn
أكوام النفايات التي بدأت تعلو في شوارع لبنان في صيف 2015 وتزكم أنوف المواطنين لعبت دورا كبيرا في إقناعهم بجدوى إعادة تدوير النفايات. فقد بدأت حملة "طلعت ريحتكم" والتي طالب فيها نحو 200 ألف مواطن الحكومة اللبنانية بإيجاد خطة اقتصادية وصديقة للبيئة للتخلص من النفايات. ورغم الحملة والاحتجاجات لم تجد الحكومة حلا لأزمة النفايات المستمرة منذ نحو عامين. إلا أن هذه الأزمة حفزت المواطنين على التحرك وقناعتهم بمعالجة النفايات وإعادة تدويرها، وهكذا بدأ مشروع بيروت لإعادة التدوير.

وفيما بعد أدرك كازاك، أنه بالإضافة إلى العقبات اللوجستية، التحدي الأكبر هو نشر ثقافة تدوير النفايات وإقناع المجتمع اللبناني بجدوى ذلك. لكن أكوام النفايات التي بدأت تعلو في شوارع لبنان في صيف 2015 وتزكم أنوف المواطنين،  لعبت دورا كبيرا في إقناعهم بجدوى إعادة تدوير النفايات.

حملة شعبية

حتى مطلع 2015، كانت النفايات من اختصاص شركات خاصة مثل شركة "سوكلين". وكانت تلك الشركات تعالج النفايات، التي تضعها في مكبات بالقرب من مدينة الناعمة جنوبي لبنان. استمرت شركة سوكلين في استخدام المنطقة المجاورة لمدينة الناعمة، حتى بعد أن فاقت السعة التخزينية للمكب. إلا انه عندما نجحت احتجاجات المواطنين في غلق المكب في تموز/ يوليو 2015، توقفت سوكلين عن جمع النفايات، التي بدأت تتراكم في الشوارع.

وبعد ذلك بشهر بدأت حملة "طلعت ريحتكم" والتي طالب فيها نحو 200 ألف مواطن الحكومة اللبنانية بإيجاد خطة اقتصادية وصديقة للبيئة للتخلص من النفايات. لكن رغم الحملة والاحتجاجات لم تجد الحكومة حلا لأزمة النفايات المستمرة منذ نحو عامين. إلا أن هذه الأزمة حفزت المواطنين على التحرك وقناعتهم بمعالجة النفايات وإعادة تدويرها، وهكذا بدأ مشروع بيروت لإعادة التدوير.

وتشغيل الشركة التي أسسها سام كازاك 17 لاجئا سوريا. وتقوم بإرسال ثلاث شاحنات يوميا لجمع ما يقرب من طنين إلى ثلاثة أطنان من النفايات. والتركيز الجديد على إعادة  التدوير ونجاح المشروع، زاد عدد البيوت المساهمة في مبادرة بيروت لإعادة التدوير، من عشرات المنازل إلى أكثر من 1.100 منزل.

A Syrian refugee employed by Recycle Beirut sorts rubbish (photo: Natalie Mauthofer)
المبادرة التي أطلقها سام كازاك لإعادة تدوير النفايات في نهاية عام 2014 تهدف إلى توفير بدائل جديدة صديقة للبيئة للتخلص من النفايات التقليدية، بالإضافة إلى خلق فرص عمل للاجئين السوريين في لبنان. الوعي البيئي الجديد في لبنان انعكس أيضا في الكثير من الحركات البيئية ومنظمات غير حكومية ظهرت في سياق الاحتجاجات، خاصة في الجامعات. "وللمرة الأولى، نرى سياسيين من كلا الجانبين (من الحكومة والمعارضة في لبنان) يصبحون نشطين ويناقشون حلولهم في وسائل الإعلام"، كما يقول الصحافي كريم شهيب. ويضيف بأن الوعي البيئي وصل إلى القطاع الاقتصادي أيضا إذ أن "كل شركة تتفاخر إلى أي مدى هي خضراء" أي أنها صديقة للبيئة وتحافظ عليها وتحميها.

تحول في الوعي

لاحظ الصحافي كريم شهيب، الذي يشارك بنشاط في احتجاجات النفايات، زيادة الوعي البيئي لدى اللبنانيين، فـ "للمرة الأولى، نرى سياسيين من كلا الجانبين (الحكومة والمعارضة) يصبحون نشطين ويناقشون حلولهم في وسائل الإعلام"، كما يقول شهيب، ويضيف بأن هذا الوعي وصل إلى القطاع الاقتصادي أيضا إذ أن "كل شركة تتفاخر إلى أي مدى هي خضراء" أي أنها صديقة للبيئة وتحافظ عليها وتحميها.

هذا الوعي الجديد انعكس أيضا في الكثير من الحركات البيئية ومنظمات غير حكومية  ظهرت في سياق الاحتجاجات، خاصة في الجامعات. غير أن شهيب ينتقد هذا التطور، لأن "هذا الالتزام جذاب، لكن الكثير من المنظمات غير الحكومية تفعل ما يجب أن تفعله الدولة. خوفي هو أنه إذا أصبحت المزيد من المنظمات غير الحكومية نشطة، فإنها سوف تقوم بالوظيفة التي يجب أن تقوم بها الحكومة" ويتابع حديثه: "ندفع ضرائب مقابل ذلك، والضرائب لا يجب أن توجه بعيدا عن ذلك. الحكومة لديها مسؤولية".

حوافز مالية تحدث التغيير

مهندس البيئة زياد أبي شاكر بدأ عام 2009 مع منظمته، "سيدر إنفيرومنتال" وبدعم من نشطاء المجتمع المدني بإعادة تدوير النباتات. ويقول في سياق إعادة تدوير النفايات ونجاح المشاريع المتعلقة بذلك، إن "السبيل الوحيد لإقناعها (الحكومة) هو النتائج، وإظهار أنها تحقق فائدة مالية جيدة للبلديات".

.

في سبتمبر/ أيلول 2016، دشنت "سيدر إنفيرومنتال" منشأة جديدة خالية من النفايات في بيت مري على بعد 15 كيلومترا شرقي بيروت. تعالج المنشأة نحو طن من مخلفات البلدية مقابل 62 دولارا (نحو 58 يورو)؛ في حين تعالج شركة سوكلين نفس الكمية مقابل 130 دولارا. ويقول أبي شاكر: "قدمنا حلا ليس لنجمع النفايات من الشوارع فقط، وإنما توفير 50 بالمائة من التكاليف".

في النهاية، أجبرت أزمة النفايات في لبنان البلديات على القبول بإعادة التدوير وجدواها، ولم يعد "أحد يقبل بالممارسات القديمة"، يختم أبي شاكر حديثه.

 

أليس كون

ترجمة: س.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2017

ar.Qantara.de