"معضلات اليمن تتجاوز المرأة لتصل إلى الإنسان وواقعه"

في ظل المشاكل الجسيمة التي تواجه اليمن، تسلط أستاذة العلوم السياسية اليمنية-السويسرية إلهام مانع في حوارها التالي مع جواهر الوادعي على دور المرأة اليمنية الاجتماعي والسياسي في البلاد. وترى أن "دولا أخرى غير اليمن كانت ستنهار لو مرت بما يمر به هذا البلد الواقع في شبه الجزيرة العربية: من صراع بين صناع القرار ومطلب استقلال الجنوب ومعضلة الحوثيين وتوسع سيطرتهم علاوة على الفقر وانتشار تنظيم القاعدة في مناطق غياب الدولة".

الكاتبة ، الكاتب: جواهر الوادعي

دفعت المتغيرات التي صاحبت "الربيع العربي" بالمرأة اليمنية إلى المشاركة في التغيير وحصلت سيدة يمنية على جائزة نوبل للسلام، ما أعطى زخماً كبيراً للمرأة اليمنية. أين دور المرأة اليمنية من كل ما يحدث في البلد الآن من متغيرات سياسية واجتماعية؟

إلهام مانع: إذا أردنا أن نضع الأمور في نصابها فإن المرأة، سواء كانت العربية بصفة عامة أو المرأة اليمنية بصفة خاصة، عادة ما تشارك في الثورات وفي الأحداث الجسيمة التي تواجه بلدانها سواء في مواجهة احتلال أو إنهاء استعمار أو في ثورة ضد أوضاع سياسية واقتصادية غير عادلة. من الناحية النظرية تشارك المرأة عادة في الدول العربية تحديداً واليمن أيضاً ولم يكن الأمر استثناء هنا، هذا جانب.

ولكن يحدث أيضاً أن المرأة تشارك في مثل هذه الأوضاع والفترات، وتحاول أن تغير من القواعد وتُفتح لها فرصة كنافذة لتحدي التقاليد والأوضاع الاجتماعية الموجودة في اليمن. لكن متى ما استقرت الأوضاع نجد أن من المتوقع أن تعود المرأة إلى البيت وتلتزم بالقواعد الاجتماعية التي كانت سائدة من قبل.

من هذا المنطلق، إذا نظرنا الى وضع اليمن تحديداً سنجد المرأة شاركت وكانت فعالة طبعاً ضمن إطار الوضع الخاص باليمن، لأن مسألة الخروج للمشاركة أساساً كانت أحياناً صعبة كما أشارت أكثر من ناشطة سياسية أجريت معها حوار أو استطلاع من أجل بحث كتبته، فكانت مسألة المشاركة صعبة بالنسبة لهن أحياناً. لكن فيما بعد كان التوقع أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل وهو مالم يحدث إلى الآن، لأن الواضح أن الكثير من المشاركات والناشطات اليمنيات لم يلزمن الصمت وهذا أمر رائع.

أروى عثمان
من الوجوه النسائية البارزة في اليمن: إلى جانب نشاطاتها في مجال التراث الشعبي نشطت وزيرة الثقافة اليمنية أروى عثمان في المجال الحقوقي ونصرة الشرائح الاجتماعية المسحوقة والمستضعفة. وقد حصلت على عدة جوائز عالمية منها جائزة "آليسون دي فورج" للنشاط الحقوقي الاستثنائي لسنة 2014، وهي جائزة تمنحها منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقيّة الدوليّة غير الحكوميّة. ووصف بيان المنظمة أروى عثمان بأنّها "ناشطة بارزة تعمل على وضع حدّ لزواج الأطفال، وتحقيق المساواة بين الجنسَين في اليمن".

وجود ثلاث وزيرات في الحكومة الجديدة هل هو ـ من وجهة نظرك ـ كافياً في الوقت الحالي؟ وهل يعبر عن دور المرأة الحقيقي في الحياة العامة؟

إلهام مانع: للأسف الشديد -كما أشرت من قبل- فإن التوقعات تشير عادة إلى أن وضع المرأة وحقوقها يُنظر إليه من قبل صناع القرار على أنه أمر ثانوي لأن المشاكل التي تجابه اليمن تبدو لهم جسيمة وهي جسيمة بالفعل، ولكن مشاركة المرأة ربما ستساهم في الحد من تلك المشاكل.

ولا أعتقد أن هذه المشاركة كافية لأنه بحسب الاتفاق مشاركة المرأة تكون بنسبة 30 بالمئة. والجانب الآخر نلاحظ أن المسألة ليست فقط المشاركة في صنع القرار رغم أهيمتها من وجهة نظري. أنا أعتقد أنه من المهم جدا للمرأة اليمنية أن تكون المرأة مشارِكة فعالة في العملية الانتقالية، وفي مسار العدالة الانتقالية، لأن المرأة والطفل هما دائماً الأكثر تعرضاً للنتائج السلبية للحروب والأزمات من غيرهم.

عندنا في اليمن أكثر من ثلاثمائة ألف شخص نازح. من يدفع عادة الثمن لهذه الحروب والأزمات أكثر من المرأة والأطفال؟ لا أعني بذلك أن الرجل لا يعاني مثل المرأة، ولكن ما أقصده أنها هي الأكثر تعرضاً والأكثر معاناة، وهذا ما تثبته الكثير من الدراسات في هذا الشأن.

مخرجات مؤتمر الحوار الوطني نصت على كوتة نسائية بنسبة 30 بالمئة من المناصب في سلطات الدولة الرئيسية، لكن ذلك لم يتحقق في الواقع العملي حتى اللحظة. هل تعتقدين أن هذه النسبة غير واقعية نظراً لظروف المجتمع اليمني؟

إلهام مانع: أنا مدركة أن الكثيرين يقولون إنه بالنسبة للواقع اليمني مثل هذه المشاركة الموجودة الآن لعلها تكون عاكسة للواقع المجتمعي اليمني، لكنني على قناعة أن مثل هذا الحديث يجب علينا أن نتجاوزه. بمعنى أن مشاركة المرأة ليست بالأمر المهم من منطلق نسوي أو من منطلق حقوق المرأة فحسب، ولكن العديد من الدراسات أثبتت أن مشاركة المرأة في مسار العدالة الانتقالية والعلميات الانتقالية ينعكس إيجاباً على هذا المسار، لأن لدى النساء وجهة نظرهن المختلفة عادة. المرأة أكثر حرصاً على السلام وعلى تحقيق نوع من العدالة ربما لأنها كما قلت من قبل هي الأكثر تعرضاً للنتائج الوخيمة لعدم وجود السلام.

شاركت المرأة اليمنية في ثورة 2011 بكثافة.. فماذا جنت من هذه المشاركة؟

إلهام مانع: أريد أن أشير إلى أمر قبل الرد على هذا السؤال الهام، لا أحب أن أطلق على ماحدث في 2011 ثورة، فالثورة تعني التغيير، تغيير الهياكل السياسية، تغيير النمط السياسي القائم، وهذا لم يحدث لدينا. حدثت زحزحة ولكنها كانت نوعاً من إعادة إنتاج (recycling). أشعر أن النظام في حد ذاته والأنماط الموجودة فيه لم تتغير فعلاً. نحن ربما غيرنا الوجوه لكن النمط ذاته لا يزال قائماً. ومن هذا المنطلق، فكلمة "ثورة" تبدو لي كبيرة، ما حدث في تونس هو ثورة، لكن ما حدث في اليمن هو ربما إعادة إنتاج لنمط كان موجوداً سابقاً. أدرك أن هذا الحديث يزعج الكثيرين ولكن على الأقل من ناحية منهجية، أحب أن أكون واضحة في هذا المصطلح وما يتعلق به.

الجانب الآخر المتعلق بمشاركة المرأة. في الانتفاضات الشبابية التي قامت، تغيرت أشياء كثيرة من وجهة نظري، من ناحية إصرارها على المشاركة -بالرغم من كل الضغوط المجتمعية التي كانت ترى أنه ليس من حقها أن تشارك- وإصرارها على مواجهة التطرف الديني الذي وقف أيضاً يحاول أن يحد من إطار هذه المشاركة.

إلهام مانع
"دولا أخرى غير اليمن كانت ستنهار لو مرت بما يمر به هذا البلد الواقع في شبه الجزيرة العربية: من صراع بين صناع القرار ومطلب استقلال الجنوب ومعضلة الحوثيين وتوسع سيطرتهم علاوة على الفقر وانتشار تنظيم القاعدة في مناطق غياب الدولة"، بحسب تعبير أستاذة العلوم السياسية اليمنية-السويسرية إلهام مانع.

وما حدث للقديرة أروى عثمان مع مجموعة من الناشطين والناشطات خلال تلك الفترة في "ساحة التغيير" -عندما ضُربت لأنها أصرت على مشاركة مشتركة بين الرجل والمرأة من دون أي تحديد لهذا الدور- يظهِر لنا مثالا آخر على مقدرة المرأة على التحدي والإصرار على أن لها دوراً ولن تلتزم بما يسمونه قواعد لهذه المشاركة.

السؤال بالنسبة لي هو: إذا تجاوزنا هذه الفئة من الناشطات فهل انعكس هذا التغيير على المستويات الأخرى؟ على واقع المرأة في الريف مثلا؟ وعلى واقع المرأة بالنسبة للتعليم، والزواج المبكر؟ وبالنسبة للمشاركة الاقتصادية؟ حتى الآن لا أرى أن هذا قد تحقق.

من جانب آخر نرى أن هناك فئة استفادت كثيراً مما حدث ولكنها استفادت من ناحية مقدرتها على المشاركة ومقدرتها على إيصال صوتها على مستوى صناع القرار وعلى مستوى دولي أيضاً. هذا موجود، لكن هل انعكس هذا على تغيير فعلي لواقع المرأة عندما أجد أن أكثر من 40 في المائة من الفتيات يتزوجن قبل أن يصلن سن الثامنة عشرة؟! في المناطق الريفية زواج الطفلة في سن الثامنة ما يزال واقعاً، وهو مرتبط بالعديد من العوامل وليس مرتبطاً فقط بمسألة المرأة، فلدينا الفقر، وكذلك تنتشر قيم وعادات ترى أنه من الأفضل تزويجها صغيرة.

لدينا تفسير ديني للأسف أصبح منتشراً مع انتشار الفكر الديني المتطرف الذي يقوم على مقولة: "زَوِّج بنت الثمان وعليَّ الضمان". أعتقد أنه سيكون من الجنون أن نصر على أن رسولنا الكريم هو من قال هذه العبارة، ولكنها تستخدم لتبرير هذه الأوضاع. ولم تتغير إلى يومنا هذا، وهذا مرتبط أيضاً بمسألة أكبر متعلقة بضعف هذه الدولة وتعدد الأزمات ومحاورها.

عندنا -في اليمن- الآن صراع بين صناع القرار أي بين شرائح السلطة الموجودة وأجنحتها، عندنا مشكلة في الجنوب وحراك جنوبي يطالب بالاستقلال وله الحق أيضاً في المطالبة بتغيير الأوضاع القائمة، عندنا مشكلة الحوثيين وانتشارهم وسيطرتهم الآن ولم يتبقَّ إلا أن يزيحوا الرئيس. يعني عندنا العديد من الأزمات، إضافة إلى الفقر وانتشار تنظيم القاعدة الإرهابي وسيطرته على العديد من المناطق التي غابت فيها الدولة. كل هذا يظهر لنا أن المسألة تتجاوز المرأة لتصل إلى الإنسان وواقعه في اليمن.

اليمن تعيش نزاعات مسلحة وتوترات في أكثر من منطقة فكيف تؤثر هذه النزاعات على الوضع الإنساني للمرأة بصفة خاصة؟

نساء يمنيات في مظاهرة احتجاجية
"المرأة أكثر حرصاً على السلام وعلى تحقيق نوع من العدالة ربما هي الأكثر تعرضاً للنتائج الوخيمة لعدم وجود السلام"، كما تقول الباحثة إلهام مانع.

إلهام مانع: تأثيرها رهيب. أدرك أن كل منا يمكنه التحدث عن هذا الأمر سواء كان في مكتبه أو في بيته. ولكن عندما نقرب العدسة مما يحدث على مستوى يومي، يتضح ما الذي يعنيه لسيدة فقدت زوجها أو أبناءها الذين يتم تجنيدهم الآن في سن الطفولة للحرب. هذه السيدة التي عليها أن تكفل أطفالها، كيف عليها أن تترك منزلها وتهاجر إلى منطقة أخرى بسبب الحروب والنزاعات والفقر والخوف وعدم الأمان والجوع.

والمرأة عادة -وهذا أيضاً ما أظهرته العديد من الدراسات- هي من تسعى في مثل هذه الأوضاع إلى توفير الطعام لأفراد الأسرة وهي أكثر الأشخاص الذين لا يحصلون على قدر كافٍ من الطعام، لأنها قبل أن تأكل اللقمة تعطيها لغيرها. فلو نظرنا للأمر بمنظار المرأة، سنرى واقع هذه الأزمات من انعدام الأمن الغذائي والخوف والفقر.

ما هو تقييمك لدور المرأة في اليمن بصفة عامة؟ هل تعد مشاركتها مثلاً مجرد إثبات حضور رمزي أم أنها فعلية؟

إلهام مانع: أنا على قناعة أن هذه المشاركة لم تكن رمزية فالصراع والضغط الذي مارسته المرأة اليمنية، مثل آمال الباشا والعديد من الناشطات، قاد إلى وصول حضور المرأة إلى مؤتمر الحوار الوطني وحصولها على الكوتة بنسبة 30% وإلى أن تفرض النساء مواضيع مثل زواج الصغيرات على مواضيع الحوار الوطني.

ما زلت أذكر أن آمال الباشا جوبهت بقدر كبير من النقد بشأن ماهية موضوع زواج الصغيرات. وجهة نظرها كانت صحيحة فنحن نتكلم عن نصف هذا المجتمع و40% منهن يُزوجن قبل أن يصلن لمرحلة النضوج، وهذا يؤدي لموتهن مبكراً وإلى موت أطفالهن وإلى عدم حصولهن على التعليم. المسألة لها تداعيات فنحن نتحدث عن مجتمع.

من هذا المنطلق، وحتى لو دخلنا لمستوى آخر ونظرنا إلى الحوار الوطني، فما حدث داخله يبدي لي أن مشاركة المرأة كانت حيوية، فاللجنة التي ترأستها أروى عثمان فيما يتعلق بالحقوق والحريات وما توصلت إليه من نتائج، تكشف أن للمرأة الأثر الفاعل. وهذا يعني أن الأمر لم يكن رمزياً وحسب. السؤال بالنسبة لي عادةً -فيما بعد- هو: عن التطبيق، هل تمكنا من أن نطبقه؟ وعندما نطرح السؤال بهذه الصيغة سندرك أن المسألة للأسف الشديد أكثر تعقيداً وأن الواقع السياسي اليمني هو الذي إلى يومنا هذا لم يمكنَّا من تطبيق مخرجات الحوار الوطني كما كان يتوجب.

كيف ترين مستقبل المرأة اليمنية بالنظر إلى واقع الحال في اليمن؟

إلهام مانع: إذا اعتمدنا على المعطيات فالمستقبل يبدو لي سيئاً أو متشائماً، أما إذا اعتمدنا على طبيعة الإنسان اليمني الذي رغم كل شيء تمكن من أن يقف على قدميه فأنا على قناعة من أن لدينا القدرة كيمنيين على أن نبني هذا البلد. لا يوجد لدينا المقدرات الإنسانية فقط، فالإنسان اليمني إذا أتيحت له الفرصة قادر أن يكون، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ما ينقصنا نخبة برؤية مستقبلية وأجنحة سلطة قادرة أن تتجاوز مصالحها الضيقة، لكن للأسف الشديد لم تتبلور هذه النخبة بعد. إلا أنه رغم ذلك، فإن دول أخرى غير اليمن كانت ستنهار لو مرت بما يمر به اليمن الآن. وأرجو بالفعل أن يكون الإنسان اليمني هو الأمل.

 

حاورتها: جواهر الوادعي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2014