تجنب أخطاء الثورات عبر جسر الهوة بين الماضي والحاضر

في عام 1919، طالب سعد زغلول باستقلال مصر عن الإمبراطورية البريطانية، ودخل كتب تاريخ الثوار المصريين. وبعد ما يقرب من 100 عام (سنة 2011) حبس العالم أنفاسه وهو يرقب ثورة 25 يناير المصرية. لورا باناش تحدثت إلى المخرجة المسرحية المصرية ليلى سليمان -لموقع قنطرة- حول مسرحيتها "هوى الحرية"، التي ترصد التشابهات بين هاتين الانتفاضتين الشعبيتين.

الكاتبة ، الكاتب: Laura Pannasch

هل الوقت مناسب لعرض مسرحية حول تاريخ ثورة مصر؟ فالبلاد لا تزال في خضم ثورة حالياً.

ليلى سليمان: من خلال مسرحية "هوى الحرية"، لا نحاول إنهاء الثورة الحالية. لكننا مررنا بكل تأكيد بعدة فصول على مدى السنوات الثلاث الأخيرة. سنكون عُمياً لو تظاهرنا بأننا في نفس الحالة التي كنا بها خلال أول 18 يوماً من عام 2011. أعتقد أن الوقت قد حان للتفكير في الماضي والانفتاح عليه من أجل تجنب الأخطاء. كيف يمكننا الاستمرار في ثورتنا دون أن ندرك حقيقة ما مرّ به من سبقونا؟ كيف يمكننا أن نشعر بأن وضعنا ليس استثنائياً أو أن معركتنا ليست يائسة؟

 نص "هوى الحرية" مركّب للغاية، ويحتوي على اقتباسات من أغان ومنشورات وقصائد منذ زمن الحرب العالمية الأولى. من كتب النص؟

 ليلى سليمان: لقد قامت أربع نساء بكتابته سويةً - علياء مسلم والممثلتان زينب مجدي وناندا محمد، بالإضافة إليّ. لقد قمتُ في أغلب الأحيان ببناء النص ودمج النصوص. قمنا بالبحث مطوّلاً عن أغانٍ واقتباسات، وشكّل وضعها في سياق الأحداث التاريخية عملاً مضنياً.

 وُلدتِ عام 1981. هل يمكنك تتبّع أحداث وقعت قبل نحو مائة عام؟

 ليلى سليمان: أعتقد أن وظيفة الفنان ليست مرتبطة بالزمن. الفن هو محاولة إيجاد طريقة لربط نفسك والجمهور بالزمن الذي يجري الحديث عنه.

 وهو ما يصبح واضحاً في "هوى الحرية"، في صورة اقتباسات من مستندات متعلقة بالثورة الحالية، مثل الاقتباسات المنقولة عن رسالة لثوريّ معتقل. هل هذه الرسالة حقيقية؟

 ليلى سليمان: جزئياً. لقد قمنا بإجراء تعديلات طفيفة. كاتب الرسالة هو الناشط علاء عبد الفتاح، الذي تم اعتقاله.

Ägyptischer Aktivist und Blogger Alaa Abdel Fattah; Foto: Filippo Monteforte/AFP/Getty Images
Stimme der Revolution und der Freiheit: Der prominente ägyptische Blogger Alaa Abdel Fattah war bereits mehrfach inhaftiert worden, zuletzt wurde er zusammen mit 24 anderen Aktivisten von einem Gericht in Kairo zu jeweils 15 Jahren Gefängnis verurteilt. Mitte September wurde er jedoch gegen Kaution auf freien Fuß gesetzt.

هل واجهت مسرحيتكم حظراً في مصر؟

 ليلى سليمان: كانت هناك آراء مختلفة حول بعض النقاط، ولكن دون اعتراض أو حظر. لقد قمنا بعرض المسرحية مرتين في بيت قديم يدعى "المكان" بالقاهرة. أفضّل عرض المسرحيات في المباني القديمة. لكن، وبسبب التعاون المشترك مع مسرح غوركي في برلين، كان من المنطقي عرض المسرحية في "ستوديو آر" العصري.

 لماذا اخترتِ ممثلتين للمسرحية؟

 ليلى سليمان: أثناء البحث عن الأغاني والقصائد التي اقتبسنا منها، كنت مهتمة بالفنانات ورائدات عام 1919 وما سبقه. بالنسبة لي، كانت أولئك النسوة الأكثر ثورية في مجتمعهن. في ذلك الوقت -مع بداية القرن العشرين- كانت النساء يقلدن سارة بيرنهاردت من فرنسا، التي كانت ترتدي ملابس الرجال في صورها الفوتوغرافية، وذلك في مصر! في ذلك الوقت، كانت أغلب النساء يغطين وجوههن وكأنهن ينتمين إلى طبقة مختلفة. أعتقد أن الممثلة ناندا محمد كانت ملهمة للغاية في "هوى الحرية"، بسبب حضورها القوي القادر على جسر الهوة بين الماضي والحاضر. إنها تذكرني بالسيدات العظيمات في القرن العشرين. ولأنني أردت حواراً على المسرح، قررت أن أضع الباحثة أيضاً في المسرحية كي أجعلها أكثر شفافية.

...ومن أجل تمثيل ما ترين أنها الذاكرة الموضوعية المشتركة للمجتمع، والتي تتناقض مع الذاكرة الشخصية الانتقائية؟

 ليلى سليمان: هذه طريقة للتفسير. لا أحب أن أقول بالضبط ما الذي يمثله ذلك، لكنه بالتأكيد أحد البدائل.

 هل كان من الضروري أن تكون إحدى الممثلات سورية؟

 ليلى سليمان: أنا لا أفكر في جنسية الممثلين الذين أود العمل معهم. ناندا محمد سورية ولكنها تعيش الآن في القاهرة. معظم الممثلين والرواد الأوائل الذين كانوا يعملون على خشبة المسرح في مصر كانوا سوريين أو لبنانيين أو يهوداً. كما أن منيرة المهدية، وهي من الأشخاص الذين اقتبستهم في "هوى الحرية"، كانت أول امرأة مصرية مسلمة تقف على خشبة المسرح.

 درستِ في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتي تعتبر من أغلى الجامعات الخاصة في مصر. وحالياً ترتدين الحجاب، الذي ترتديه النساء من الطبقات الدنيا في مصر. هل هذا متعمد؟

 ليلى سليمان: والدي كان كاتباً معروفاً ووالدتي كانت روائية وعملت أستاذة للغة العربية في الجامعة الأمريكية، ولذلك فأنا لا أدعي أنني من الطبقة الكادحة. لكني لم أكن لأدرس في الجامعة الأمريكية لو اضطررت لتمويل ذلك من جيبي. لقد حصلت على منحة مرتبطة بدرجاتي في الجامعة، ولهذا كنت دائماً طالبة متفوقة.

Theaterszene aus "Whims of Freedom"; Foto: Ruud Gielens
نظرة إلى الثورة المصرية عام 1919 بعدسة ثورة 25 يناير 2011. تقول ليلى سليمان: "أعتقد أن الوقت قد حان للتفكير في الماضي والانفتاح عليه كي نتجنب الأخطاء. كيف يمكننا الاستمرار في ثورتنا دون أن ندرك ما مرّ به من سبقونا؟ كيف يمكننا أن نشعر بأننا لسنا حالة استثنائية وأن معركتنا ليست يائسة؟"

هل يصل الفن والحياة الثقافية إلى الطبقات الدنيا في مصر؟

 ليلى سليمان: سياسة الدولة الثقافية معقدة للغاية، وهي مرتبطة بالمعلومات - فأين توفر الدولة المعلومات حول النشاطات الثقافية التي تقدمها، وما هو الجمهور الذي يريد تلك النشاطات؟ في دار الأوبرا بالقاهرة، على سبيل المثال، نجد الفن الرفيع للمجتمع الراقي، ولذلك لا يوجد أي جهد يُبذل لفتح بعض النشاطات الثقافية لجمهور أوسع، ولا توجد أية معلومات حولها. كما أن لديهم قواعد سخيفة مرتبطة بنمط الملابس المطلوب ارتداؤها هناك. ولذلك، من الواضح أن سياسة الدولة تتمثل في عدم تقديم الثقافة للجميع. لكن، هناك ثقافة رفيعة المستوى للمثقفين وهناك ثقافة شعبية للجماهير.

 هل تعتقدين بأنك قادرة على الوصول إلى "الطبقات الدنيا" بفنك؟

 ليلى سليمان: السؤال دائماً متعلق بمن يريد المرء الوصول إليه عن طريق الفن، ولماذا يقوم بذلك وما الهدف من قيامه به. نظرا للقضايا الاجتماعية والسياسية التي أتطرق إليها في مسرحياتي، يمكنني القول إن هناك شيئاً ما تغير لدى الجمهور. فالناس يأتون من أجل المحتوى وليس لأنهم تعودوا على الذهاب إلى المسرح. إنهم يأتون الآن لأن هناك عملاً يناقش قضية مرتبطة بهم.

 هل هذا نتيجة من نتائج الثورة؟

 ليلى سليمان: ليست الثورة وحدها. إنه نتيجة لوسائط التواصل الاجتماعي، التي باتت الوسيلة الرئيسية للإعلان عن النشاطات الثقافية. لقد أصبحت تصل الآن إلى أشخاص لم يكونوا على علم بهذه النشاطات من قبل. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحتوى المقدم تغير بشكل تدريجي خلال السنوات العشر الماضية.

 ما هو مشروعك القادم؟

 ليلى سليمان: أعكف حالياً على التحضير لمشروع مع شباب من أكاديمية المتعلمين ذاتياً في حي كرويتسبيرغ ببرلين. لكنني آمل في القيام بمشروع حول الوثائق المتعلقة بضحايا الاغتصاب في مصر، والتي وجدتها أثناء إجراء أبحاثي حول "هوى الحرية". هناك مشهد في المسرحية تقرأ فيه الممثلة تقريراً لضحية اغتصاب. هذه صفحة واحدة من ملف بأكمله يتضمن وثائق اغتصاب تعود إلى الحرب العالمية الأولى.

 

حاورتها: لورا باناش

ترجمة: ياسر أبو معيلق

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de