"تسييس الهوية الإسلامية يأتي بنتائج عكسية"

تغطية استشراقية تبسيطية للشرق الأوسط في بعض صحف الغرب ينتقدها بسخرية الهاجي الساخر كارل شَرّو المعروف باسم "كارل ري ماركس"، متحدثا -في حواره مع سوزانة طربوش لموقع قنطرة- عن كتابه الأول بعنوان إنكليزي معناه: "ثُمَّ خَلَقَ الله الشرق الأوسط وقال: كوني يا أخبار عاجلة فكانت"، وعن خلافه مع من يقولون إن "اللبنانيين لا يتكلمون العربية بل لهجة آرامية"، مضيفا: "أنا كسرياني يمكن تعريفي كعربي أيضا".

الكاتبة ، الكاتب: Susannah Tarbush

سيد شرّو، من أين حصلت على فكرة الكتاب؟

كارل شرّو: لقد كنت أفكر لسنوات بتأليف كتاب وقد اقترح العديد من الناس أنه ينبغي علي القيام بذلك. ويجب أن أخص بالذكر (الناقدة) مارسيا لينكس كويلي التي تعمل في (موقع) ArabLit، إذ كانت حريصة جداً على الفكرة. بدأ ذلك عندما مزحت مرة، بعد سنوات على (موقع) تويتر، بأنه كان بإمكاني تأليف كتاب؛ وحينها خطر في بالي أنه ينبغي علي ذلك، بطريقة ما. 

كان سبب رغبتي في جمع تغريداتي في كتاب هو منحها منزلاً أكثر دواماً، يتخطى تويتر، حيث ستُفقدُ في نهاية المطاف. وبعد ندوة لي في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، قدمت لي مكتبة الساقي عرضاً للكتاب وكان هذا العرض هو الدفعة التي احتجتها للقيام بذلك أخيراً.

كتاب المدون والكاتب الساخر كارل شَرّو بعنوان إنكليزي معناه: "ثُمَّ خَلَقَ الله الشرق الأوسط وقال: كوني يا أخبار عاجلة فكانت"  (published by Saqi Books)
أستاذ في السخرية المفيدة - يقول كارل شَرّو: هدفي هو دفع الناس بعيداً عن الهوية بدل أن تصبح مترسّخة؛ وبالنسبة لي يتضمن ذلك الابتعاد عن تسييس الهوية الإسلامية، والذي أعتقد أنه تطور اجتماعي ذو نتائج عكسية.

كنت قد كتبت أكثر من 90 ألف تغريدة منذ عام 2009. فهل كان من الصعب اختيار أي منها ستضمنها في الفصول العشرة للكتاب، والذي شمل "جغرافية الحمقى"، و"التطرف: دراسة"، و"الديمقراطية للواقعيين"، و"نكت البار Bar Jokes"؟

ارل شَرّو: قدمت خلال السنوات العديد من الندوات التي تضمنت تغريداتي، لذلك فقد احتفظت بقائمة مفتوحة أضيف إليها باستمرار التغريدات التي أعجبتني، والتي لا يوجد الكثير منها. ومن ثم في العام الماضي (2017)، عندما ألقيت عرضاً كوميدياً في مهرجان ادنبرة فرينج، بحثت في مجموعة كبيرة من تغريداتي من أجل كتابته، مما ساعد في التحضير للكتاب. لقد كنت بالفعل قد صنفت التغريدات بحسب المواضيع، مما سهّل اختيارها للكتاب، على الرغم من أنه كان لا يزال لدينا بعض النقاشات أنا ومكتبة الساقي -وأعترف أنني لم أفز بها جميعها.

في مقابلة معك في حفل إطلاق الكتاب، قالت زاهرة حرب، الأستاذة المحاضرة بمادة الصحافة الدولية في جامعة سيتي لندن، أنك تتمكن من القول في 140 حرفاً ما يستغرق منها ساعات لتشرحه لطلابها. يبدو أن الكتاب سيوضع على قائمة قراءة طلابها. ورغم أنك أخبرتها أن كتابك ليس مقصوداً أن يكون "تربوياً"،  فهل تأمل أن يكون له قراء في الأوساط الأكاديمية؟ 

كارل شَرّو: سأكون مسروراً إن أضيف الكتاب إلى قوائم قراءة الجامعة. أنا أعلم أن العديد من الأساتذة يقومون بالفعل بتضمين مدونتي وتغريداتي في بعض المناهج الدراسية، وبالتالي فإن هذا سيسهّل على الطلاب العثور عليها. وسأشعر بالإطراء خصوصاً إن أضافتها زاهرة حرب.

غالباً ما سخرت من طريقة تغطية الخبراء والصحفيين الغربيين للشرق الأوسط. هل تتحسن الأمور على الإطلاق؟

كارل شَرّو: اليوم أنا أكثر قلقلاً حول كيفية تغطية الصحفيين الغربيين للغرب نفسه! غردت في عام 2016 بأن: "الجانب المشرق في انتخابات أمريكا هو سماع مراسلي (قناة) بي بي سي يتحدثون مع الأمريكيين بالنبرة المتعالية التي يستخدمونها عادة في الشرق الأوسط". وهناك بعض الحقيقة في تلك الدعابة. واليوم أرى الكثير من التغطية التبسيطية، لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولترامب، مثل التي اعتدت على رؤيتها في الشرق الأوسط. ولكن، ربما هذا أنا فحسب أحاول مدّ موادّي إلى أماكن جديدة.

وأضيف ملاحظة هامة: لطالما حاولت أن أكون واضحاً أن نقدي هو لمقالات وصحفيين محددين، وليس نقداً شاملاً للصحافة الغربية. وأظن أنه على مدى السنوات القليلة الماضية على وجه التحديد، منذ بداية الانتفاضات العربية، ظهر جيل جديد من الصحفيين والمراسلين يقوم بعمل رائع. فهم يتقنون عملهم ويقدمون المزيد من العمق. لا تُتاح لهم الفرصة دوماً بالضرورة، بيد أن المعايير تتحسن. ومع ذلك، لحسن حظي، لا تزال هناك تغطية مستشرقة مبتذلة بشكل كافٍ بالنسبة لي لأسخر منها.

موضوع "ذو النزعة الغربية Occidentalist" في بعض تغريداتك -نوع من مرآة عكسية للنهج الاستشراقي- يستخدم منبعاً للفكاهة. هل كنت تمزح حين قلت في ندوتك في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أنك سئمت من الفكاهة ذات النزعة الغربية؟

شرح مبسط لظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية.  (source: Karl Sharro; Twitter)
نشر شرّو، بشخصيته البديلة "كارل ري ماركس" ما يزيد عن 90 ألف تغريدة منذ عام 2009. وفي عام 2016 انتشر الفيديو الذي يحمل اسم: "الشرح البسيط المكوَّن من جملة واحدة لما أدى إلى ظهور داعش" بسرعة -وهنا التغريدة المرافقة للفيديو.

كارل شَرّو: كنت أتحدث على وجه التحديد عن خصلة معينة منها وهي الكسل والرضا عن النفس. فقد أصبح استخدام هذه الصيغة على تويتر شكلياً من دون أي ابداع أو ابتكار. بيد أنه يبقى بالنسبة لي مصدراً غنياً للسخرية: يوماً ما أود أن أقوم ببرنامج يتحدث عن الغرب، في محاكاة ساخرة ذات نزعة غربية لسلسلة بي بي سي "حضارات"، إن أحببت، لتوسيع النوع. لقد فاجأت أصدقائي بالفعل بنُسخي المرتجلة من البرنامج. بالتأكيد، تعتمد الصيغة بحد ذاتها على الكتابة وعلى الأفكار؛ فهي ليست سيئة أو جيدة بجوهرها.

 

خلافك على تويتر مع الباحث والمؤلف اللبناني-الأمريكي "نسيم نقولا طالب" أسطوري. ما الذي يشرح الخلاف وإشارتك إلى "المتصيدون الآشوريون الجدد"؟

كارل شَرّو: أعتقد أن هذا كان نتيجة خلافنا حول نظريته أن اللبنانيين لا يتكلمون العربية، بل لهجة من الآرامية. لقد خضت النقاش بسخرية رقيقة وتصاعدت الأمور بيننا. مجموعة من أتباعه هم من الآشوريين القوميين: إنهم يحتجون على حقيقة أنني كسرياني يمكن أن أُعَرَّف كعربي أيضاً.

بالنسبة لي فإنه الخيار ليس بين إما/أو. فالناس في الشرق اختلطوا طوال قرون -تتداخل الهويات الإثنية مع الهويات اللغوية فنحصل بالنتيجة على المزيد من طبقات الهوية. المتصيدون الآشوريون الجدد، كما أسميتهم، لا يؤمنون بذلك، بل يؤمنون بدل ذلك بهوية آشورية متميزة تملك استمرارية تاريخية للهوية الآشورية القديمة، وهذا ما أشك فيه بشدة.

إن أحداث السنوات القلية الماضية -صعود الدولة الإسلامية وقمعها للمسيحيين من بين ضحاياها العديدين، على سبيل المثال- قد أثارت حتماً رد فعل، وهذا ما يمكن أن يفسر لماذا يكتسب مشروع الهوية هذا زخماً اليوم، بيد أنني لا أظن أنه رد الفعل المناسب لوحشية كهذه. هدفي هو دفع الناس بعيداً عن الهوية بدل أن تصبح مترسّخة؛ وبالنسبة لي يتضمن ذلك الابتعاد عن تسييس الهوية الإسلامية، والذي اعتقد أنه تطور اجتماعي ذو نتائج عكسية.

 



حاورته: سوزانة طربوش

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de