إبطال سحر بطل إيران العسكري...رجل الحرس الثوري الغامض

إلى فترة غير بعيدة كانت إيران لا تزال تحتفل بالجنرال قاسم سليماني - قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني - باعتباره بطلا عسكريا ورجل المستقبل. ولكن مع ذلك صارت تظهر وباستمرار المزيد من المعلومات حول دوره الهدام في العراق. علي صدرزاده يسلط الضوء على دور الجنرال قاسم سليماني في العراق وأفول نجمه في إيران.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Sadrzadeh

"أسد في الشتاء" - كان هذا عنوانًا مثيرًا للانتباه، طالع القرَّاء في الخامس من شهر أيلول/سبتمبر 2015 في صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية. تعتبر هذه الصحيفة على العموم صحيفة ذات مصداقية وجادة. (والعنوان مستمد من عمل أدبي فني بريطاني كنايةً عن الرجل القوي المعتد بنفسه الذي خارت قواه نظرا للشدائد وتقدم العمر).

والمقصود بالأسد هو الجنرال قاسم سليماني، الذي يقود العمليات العسكرية الإيرانية في كلّ من سوريا والعراق واليمن ولبنان. كشف صحيفة "الإيكونوميست" أنَّ أعماله المنفردة تمثِّل بالنسبة لأقوى رجل في إيران، آية الله علي خامنئي، مصدر قلق ومخاوف جادة، بحيث أنَّ خامنئي بات يريد مراقبته في المستقبل بشكل أفضل. وبحسب الإيكونوميست فقد تم اختيار محسن رضائي من أجل القيام بهذه المهمة.

ومحسن رضائي، الذي كان يرأس في سنوات شبابه الحرس الثوري الإيراني، هو اليوم عسكري متقاعد خلع زيه العسكري قبل عشرين عامًا. وعندما ظهر فجأة من جديد في منتصف شهر آب/أغسطس 2015 في الزي العسكري، أثار بذلك دهشة الكثيرين. وبعدما تم سؤاله لماذا يظهر فجأة في هذه البزة القديمة التي لم تعد مألوفة عليه، جاءت إجابته غامضة: "لقد ارتديت البزة العسكرية مرة أخرى بناء على طلب وبإذن من مرشد الثورة"، مثلما قال هذا الرجل العجوز.

تعتيم إعلامي مفروض من الدولة

ومثلما كان متوقعًا فقد تجاهلت وسائل الإعلام الإيرانية هذه المستجدات المثيرة للجدل، التي كشفت عنها صحيفة "الإيكونوميست". ولكن في المقابل تم التقاط هذه القصة من قبل وسائل الإعلام العربية، التي لا تخفي مناهضتها لإيران. وفي البداية كان الكثير مما ورد هناك مجرَّد تكهنات، وكثيرًا ما كانت ترد معلومات من مصادر مجهولة. وكذلك إنَّ توقُّع ورود إجابات رسمية أو تنويرية من الحكومة الإيرانية حول هذه القضية يعدُّ ضربًا من الخيال، خاصة وأنَّه لا يمكن الحديث علنًا حول احتمال توقف الحياة المهنية لرجل قوي مثل قاسم سليماني.

ولكن في عصر الإنترنت والقنوات الفضائية ونظرًا إلى أنَّ الأغلبية الكبرى من الشعب الإيراني تتجوَّل وتسافر في العالم الافتراضي، فلا يمكن تمامًا إخفاء مثل هذه القصة المثيرة للجدل - خاصة وأنَّ بعض وسائل الإعلام العربية مثل "قناة العربية" لا تمل ولا تكل من إعادة التفاصيل ولا تتوقف عن التكهنات.

وبما أنَّ هناك هدوءًا تامًا في وسائل الإعلام الإيرانية حول هذا الجنرال الغامض، فإنَّ هذا يثير المزيد من الشائعات والافتراضات. فإلى بداية شهر تموز/يوليو 2015 كان لا يزال يتم الاحتفال بالجنرال قاسم سليماني - الذي انضم في السابق عندما كان شابًا من قرية لا يملك شهادة الدراسة الثانوية إلى الثورة الإسلامية في عام 1979 - باعتباره بطلاً أسطوريًا ومحاربًا يمتلك قوى خارقة للطبيعة. فقد كانت جميع تفاصيل حياته وحتى الصغيرة مثيرة للاهتمام والتغطية الإعلامية بالنسبة لوسائل الإعلام الإيرانية. 

Qassem Soleimani bei Ali Khamenei; Foto: Isna
Ayatollah Ali militärisch zu Diensten: Qassem Soleimani (r.) ist Chef einer Eliteeinheit der iranischen Revolutionsgarden, der sogenannten "Qods"-Brigade, ein im Ausland aktiver Ableger der Islamischen Revolutionsgarden. Westliche Regierungen und Israel werfen den paramilitärischen "Qods"-Einheiten vor, militante Gruppen im Nahen Osten zu unterstützen. Soleimani war am Kampf gegen die radikalislamische IS-Miliz im Irak beteiligt.

كانت الدعاية المحيطة بشخصيته كبيرة جدًا، بحيث أنَّ الكثيرين في إيران يعتقدون أنَّ قاسم سليماني هو الوحيد القادر على دحر تنظيم "الدولة الإسلامية". كان هذا الجنرال يبدو رجل الساعة وحتى رجل المستقبل. وحتى أنَّ هناك مخرجًا كان يريد تصوير ملحمة بطولية حول قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي اكتسب جميع خبراته وقدراته من حرب الثماني سنوات مع العراق. ولكن تم فجأة إيقاف العمل على هذا المشروع.

نهاية الصمت

منذ فترة قصيرة بتنا نعرف أسباب الهدوء المفاجئ الذي خيَّم على هذا الجنرال المبجَّل. وذلك بعدما نشر موقع "إيران دبلوماسي" Irandiplomacy بعض التفاصيل الغنية جدًا بالمعلومات والخلفيات حول دور الجنرال قاسم سليماني الهدَّام في العراق.

وبهذا فقد ظهر أخيرًا تأكيد شبه رسمي لتلك التكهنات، التي يتم تداولها في وسائل الإعلام العربية منذ شهر أيلول/سبتمبر 2015. وذلك لأنَّ موقع إيران دبلوماسي تتم إدارته من قبل صادق خرازي، السفير الإيراني السابق في باريس. وصادق خرازي مرتبط بأسرة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الراحل آية الله روح الله الخميني، وهو مرتبط كذلك بأسرة الرجل الأقوى حاليًا في إيران، علي خامنئي ويعتبر أيضًا أمين سرِّه.

ومنذ نشر هذه المعلومات لم نتعرَّف فقط على تفاصيل حول حجم التدخُّل الإيراني في العراق، بل عرفنا أيضًا كيف يتصرَّف قاسم سليماني في هذا البلد المجاور ويديره بغطرسة واستبداد - وهكذا بات يمكننا أن نفهم لماذا ينظر إليه كثير من العراقيين على أنَّه أحد مدمِّري بلدهم.

لا يذكر موقع إيران دبلوماسي سوى ثلاثة أحداث فقط حدثت في شهر آب/أغسطس 2015، أي في تلك الأيَّام، التي كان يحاول خلالها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منع انهيار بلاده. شهدت هذه الأيَّام تزايدًا مستمرًا في ضغط الشارع العراقي من أجل محاربة الفساد، وبالتزامن مع ذلك لم يتم إحراز أي تقدُّم يذكر في الحرب الدائرة في محافظتي الموصل والأنبار ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما كان الأمريكيون يعبِّرون خلال هذه الفترة عن عدم رضاهم على حكومة العبادي.

خلاف في مطار بغداد

لقد وجد حيدر العبادي نفسه مضطرًا إلى العمل: حيث أعلن أولاً في خطاب تلفزيوني دراماتيكي أنَّ حكومته سوف تقوم بإصلاح العراق من أساسه وإقالة جميع "العناصر الفاسدة" من مناصبهم وكذلك إشراك "الإخوة السُّنة" في صنع القرارات، بالإضافة إلى وقف التدخُّلات الأجنبية في العراق.

وكدليل على عزمه وتصميمه أقال رئيس الوزراء حيدر العبادي سلفه نوري المالكي من منصبه كنائب لرئيس الوزراء، وفي الوقت نفسه أصدر أمرًا لقوَّات الأمن في مطار بغداد، يقضي بتفتيش جميع الطائرات الإيرانية التي تهبط هناك فور تلقيهم هذا القرار. فإلى هذا التاريخ كانت تصل يوميًا طائرات إيرانية إلى بغداد، ولم يكن أحد يجرؤ على تفتيشها، مثلما يكتب موقع إيران دبلوماسي: وأنَّ طائرات الشحن العسكرية هذه كانت تسافر بأمر قاسم سليماني محمَّلة بالأسلحة إلى سوريا وكذلك إلى العراق.

Qassem Soleimani , Foto: Mehr
Der tiefe Fall des Generals: "Die nahöstlichen Bürgerkriege toben unvermindert weiter und produzieren täglich mehr Flüchtlinge, während Qassem Soleimani, der geheimnisumwobene Revolutionsgardist, weiterhin an Plänen bastelt – allerdings ohne erkennbare Strategie", schreibt Sadrzadeh.

وبحسب هذا الموقع فإنَّ الأسلحة التي من المقرَّر إرسالها إلى سوريا كثيرًا ما يتم تحميلها في طائرات عراقية، بينما يتم توزيع الباقي على الجماعات العراقية المرتبطة بإيران. وبعد يوم واحد من قرار العبادي وقعت في مطار بغداد اشتباكات عنيفة بسبب تفتيش طائرة إيرانية. وقد تصاعد الموقف لأنَّ في ذلك اليوم قد وصل إلى بغداد من إيران بالإضافة إلى الأسلحة قادة رفيعو المستوى من الحرس الثوري الإيراني، كانوا في طريقهم إلى سوريا.

لا يذكر موقع إيران دبلوماسي كيف انتهى هذا الخلاف في مطار بغداد، الذي يخضع لوزير النقل العراقي هادي العامري، وهو صديق مقرَّب من قاسم سليماني. لقد عاش العامري ثلاثين عامًا في إيران، وتم تدريبه عسكريًا هناك من قبل الحرس الثوري الإيراني، كما أنَّ زوجته الإيرانية وأولاده لا يزالون يعيشون في ذلك الحيّ المخصَّص في طهران لقادة الحرس الثوري الرفيعي المستوى.

والحدث الثاني الذي يصفه بدقة متناهية موقع إيران دبلوماسي يبيِّن مَنْ هو صاحب الكلمة الأخيرة في العراق، ولماذا تعثَّرت محاولات حيدر العبادي الهادفة إلى الإصلاح في العراق.

"لا توجد لديك سلطة"

كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس 2015: حيث دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي العديد من قادة الجماعات الشيعية شبه العسكرية المؤثِّرين من أجل الدعاية لخططه الإصلاحية. وكان من بين الحاضرين أيضًا سلفه نوري المالكي، الذي كان قد عاد لتوِّه من رحلة إلى إيران. وقبل ذلك بأسبوع كان البرلمان العراقي صوَّت لصالح محاكمة نوري المالكي بسبب الفساد المستشري في العراق وفشله في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وعندما دخل العبادي القاعة في هذا اليوم أصيب بصدمة، وذلك لأنَّه شاهد قاسم سليماني جالسًا بين الحاضرين. وعلى الفور وقع اشتباك عنيف بين  رئيس الوزراء العراقي والجنرال قاسم سليماني. بدأ الحديث قاسم سليماني وهاجم العبادي في هجوم كلامي حاد غير مألوف، حيث قال: "خططك الإصلاحية لا تخدم سوى أعداء الشيعة. لماذا تريد تجريد نوري المالكي من السلطة؟ لماذا لا تريد إبلاغ حلفاءك حول خططك؟ كيف تريد التغلـُّب على كلِّ ذلك بمفردك؟! أنت من دوننا لا تستطيع تحقيق أي شيء"، بحسب ما نقله موقع إيران دبلوماسي عن الجنرال الإيراني، مضيفًا أنَّ "جميع الحاضرين لاذوا بالصمت باستثناء المالكي الذي أومأ موافقًا".

وجَّه حيدر العبادي سؤالاً إلى قاسم سليماني سأله فيه عمَّنْ يتحدَّث في الواقع: "عن الحكومة الإيرانية أم عن نفسك؟". وردًا على هذا السؤال جاء جواب الجنرال الإيراني يحمل دلالات كثيرة، إذ قال: "عن نفسي وعن إيران وعن جميع المجموعات الشيعية المشاركة في القتال في العراق". ثم غادر سليماني القاعة.

أمَّا الحدث الثالث، الذي وقع أيضًا في أواخر شهر آب/أغسطس 2015، فقد أوجزه موقع إيران دبلوماسي في جملتين فقط: اشتكى مرة أخرى وبشدة المستشارون العسكريون الأمريكيون في العراق لدى حيدر العبادي، لأنَّ هناك قوات شيعية شبه عسكرية في محافظة الأنبار الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" قد تصرَّفت بشكل فوضوي وتَعَسُّفي وبالتالي بشكل هدَّام. والمقصود تلك المجموعات التي تعتبر من حلفاء قاسم سليماني.

إنَّ مثل هذه التفاصيل حول حضور سليماني وتأثيره في العراق مثيرة للاهتمام ومفيدة حتى بالنسبة للمطـَّلعين على الأوضاع في العراق. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنَّ هذه التفاصيل قد وردت من جهة مقرَّبة جدًا من قلب السلطة في إيران.

فهل يعني هذا أنَّ "شتاء الأسد" قد بدأ بالفعل؟ ربما يكون هذا الاستنتاج مُتسرِّعًا جدًا. لقد كتب قاسم سليماني ذات مرة إلى الجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس، أنَّه - أي سليماني - هو وحده مَنْ يُحدِّد السياسة الإيرانية في العراق وفي سوريا وفي الشرق الأوسط بأكمله.

ولكن هذه السياسة لا تحقِّق أي نجاح يذكر. فالحروب الأهلية الشرق أوسطية لا تزال مستعرة من دون انقطاع وتُنتج في كلِّ يوم المزيد من اللاجئين، في حين أنَّ رجل الحرس الثوري الإيراني المحاط بالأسرار لا يزال يعمل على خططه - غير أنَّ هذه الخطط من دون استراتيجية واضحة.

 

علي صدرزاده

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: ايران ژورنال / موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de