ترامب...الرئيس الأمريكي الذي يتمناه تنظيم "داعش"

قبل الانتخابات الأمريكية كان المتطرفون الإسلامويون وكذلك الحكام العرب المستبدون يتمنون فوز دونالد ترامب في الانتخابات. وبعد فوزه باتوا يستنشقون الآن نسيم الصباح. لكن في الوقت نفسه لا أحد يعرف ما هي الخطط التي سيتبعها في العالم العربي الرئيسُ ترامب، الذي لا يمكن التكهن بنواياه. كريم الجوهري يستعرض لموقع قنطرة الردود العربية على فوز دونالد ترامب.

الكاتبة ، الكاتب: Karim El- Gawhary

كان دونالد ترامب يردِّد باستمرار خطابه المتشدِّد في حملة الانتخابات الأمريكية. مثلاً أنَّه عندما سيصبح رئيسًا للولايات المتَّحدة الأمريكية "سوف يقصف تنظيم الدولة الإسلامية ويقضي عليه تمامًا". حتى أنَّ رؤيته للنزاع في سوريا أظهرت ذلك مرارًا وتكرارًا، مثلاً عندما تودَّد لبشار الأسد ووصفه كمحارب يقاتل ضدَّ الإرهاب. وفوق ذلك كله يطفو خطابه المعادي للمسلمين، الذي كان في الواقع مُوجَّهًا بالأحرى إلى جمهوره في الولايات المتَّحدة الأمريكية، ولكن تم تلقيه بطبيعة الحال أيضًا في العالم العربي الإسلامي.

ومع ذلك ماذا يعني كلُّ هذا، عندما يتولى دونالد ترامب منصبه الرئاسي في شهر كانون الثاني/يناير 2017؟ فهل يقوم بصياغة سياسة أمريكية جديدة خاصة بالعالم العربي؟ وهل يُعيد تشكيل الولايات المتَّحدة الأمريكية في الحرب ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية"؟ وهنا بالتحديد تبدأ التكهُّنات العربية. وذلك لأنَّه في الواقع لا يمكن من خطاب دونالد ترامب استنتاج أية نتائج خاصة بأية استراتيجية سياسة خارجية.

مثل صاروخ لا يمكن توجيهه

وبالنسبة للعرب يمكن أن يبدو هذا مثل هبوط شخص من المريخ على الأرض، بينما يقف جميع العرب متجمِّدين هنا وينتظرون معرفة الخطوة الأولى التي يمكن أن يقوم بها هذا المخلوق. أو بعبارة أخرى: دونالد ترامب يبدو مثل صاروخ لا يمكن توجيهه، ولا أحد يعرف أين ينفجر.

في الحقيقة دونالد ترامب سيرث من سلفه باراك أوباما العديد من النزاعات في العالم العربي، التي تشارك فيها الولايات المتَّحدة الأمريكية بصورة مباشرة. حاليًا يقصف الجيش الأمريكي مواقع في سبعة بلدان داخل العالم. وأربعة منها عربية. ففي العراق وسوريا تستهدف غارات الطائرات الأمريكية المقاتلة مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وفي ليبيا واليمن تستهدف الطائرات الأمريكية من دون طيَّار أهدافًا عسكرية.

ومن أجل استكمال القائمة: فإنَّ البلدان الأخرى المُستهدفة في حرب الطائرات الأمريكية من دون طيَّار هي أفغانستان وباكستان والصومال. يجب على دونالد ترامب أن يأخذ موقفًا من جميع هذه الصراعات وكذلك من مشاركة الجيش الأمريكي هناك. إذ إنَّ الواقع العربي سوف يستدركه بسرعة أكبر بكثير مما يحب هو في الحقيقة.

Wandmalerei Bruderkuss Trump-Putin; Foto: Getty Images/AFP
Neuer russisch-amerikanischer Schulterschluss auch im Syrienkonflikt? "Trump könnte sich die Rhetorik des Assad-Regimes und Russlands zu Eigen machen, die alle Rebellen in Syrien in die terroristische Schublade stecken, um das Regime zu erhalten. Möglich ist auch, dass er Russland und dem Regime einfach einen Blanko-Check im Namen des Antiterrorkampfes ausstellt", so Karim El-Gawhary.

اتَّفقت آراء وسائل الإعلام العربية بعد يوم واحد من انتخابه على أنَّ دونالد ترامب لن يُقدِّم شيئًا جديدًا في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق. فهو أيضًا لن يرسل قوَّات برية بأعداد كبيرة إلى العراق. وبهذا المستوى تعمل الولايات المتَّحدة الأمريكية منذ فترة طويلة في العراق. وبالتالي فإنَّ دونالد ترامب سيستمر في اعتماده على "شركائه المحليين" وعلى "المستشارين العسكريين الأمريكيين"، مثلما يرد ذلك في المصطلحات العسكرية الأمريكية.

شيك على بياض باسم محاربة الإرهاب؟

والسؤال الكبير هو إن كان دونالد ترامب سيُغيِّر موقفه أيضًا في الحرب الأهلية السورية. لقد قال ترامب ذات مرة خلال الحملة الانتخابية: "أنا لا أحب الأسد، ولكنه يحارب داعش - تمامًا مثل روسيا وإيران". إنَّ مغازلته لنظام الأسد باعتباره حصنًا ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" تُمثِّل في الواقع منعطفًا في سياسة الولايات المتَّحدة الأمريكية. وفي ذلك يمكن لترامب أن يتبنَّى خطاب نظام الأسد وروسيا - هذا الخطاب الذي يُدرج جميع المقاتلين المعارضين في سوريا ضمن خانة الإرهاب، من أجل المحافظة على نظام الأسد.

ومن الممكن أيضًا أنَّه يُصدِر ببساطة لكلّ من روسيا ونظام الأسد شيكًا على بياض باسم محاربة الإرهاب. "الثورة في سوريا يمكن أن تكون أوَّل ضحية من ضحايا سياسة ترامب"، بحسب تعليق على توجُّه الإدارة الأمريكية المستقبلي في الشرق الأوسط، نشرته الصحيفة العربية "العربي الجديد" الصادرة في لندن.

وعلى العموم فإنَّ الحكَّام العرب المستبدين هم على وجه الخصوص الذين يفرحون بانتصار دونالد ترامب. وعلى الأرجح ليس صدفةً أنَّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان أوَّل رئيس دولة في العالم التقط الهاتف لتهنئة دونالد ترامب على فوزه في الانتخابات. وفي هذا الوقت كان رؤساء الحكومات في أوروبا ما زالوا يفكِّرون كيف سيصيغون برقيات تهنئتهم لترامب بصيغة بريئة غير مضرة.

"رجل رائع" في مصر

وقبل ذلك قام السيسي بوصف دونالد ترامب في منتصف حملة الانتخابات الأمريكية بأنَّه "قائد سياسي كبير" - وكانت هذه إجابة على مجاملة ترامب للسيسي، الذي وصفه ترامب في لقاء في الولايات المتَّحدة الأمريكية بأنَّه "رجل رائع". وليس سرًا أنَّ الكيمياء بين السيسي وأوباما لم تكن على أفضل حال. والآن بات يأمل السيسي أن يميل ترامب إلى استحسان أسلوبه الاستبدادي. وما من شكّ في أنَّ باقي الحكام المستبدين العرب يشاركون السيسي هذا الأمل.

Ägyptens Staatschef Al-Sisi trifft Trump in New York; Foto: AFP/Dominick Reuter
Wertschätzung für arabische Autokraten: Ägyptens Präsident Abdel Fattah al-Sisi hatte mitten im US-Wahlkampf Donald Trump einmal als „großen politischen Führer“ bezeichnet – die Antwort auf Trumps Kompliment für Al-Sisi, der ihn bei einem Treffen in den USA als "fantastischen Typen" charakterisiert hatte.

وربما باستثناء الشيوخ ورؤساء الدول في دول الخليج: لأنَّهم قد أعربوا قليلاً أو كثيرًا في حملة الانتخابات الأمريكية عن دعمهم للمرشَّحة هيلاري كلينتون - وذلك بحسب شعار الشخص "المعروف أفضل من المجهول". وكذلك هناك تغريدات عديدة على موقع تويتر لدونالد ترامب، أعلن فيها على سبيل المثال أنَّ المملكة العربية السعودية يجب أن تدفع في الواقع المليارات، لأنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية قد ضمنت أمنها، وأنَّ المملكة العربية السعودية "من دوننا ليس لها وجود" - وهذه التغريدات لم تجد قبولاً، ليس فقط لدى العائلة المالكة السعودية.

وفي استطلاع للرأي تم إجراؤه قبل فترة قصيرة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قال ثمانية وستون في المائة من السعوديين المستطلعة آراؤهم إنَّهم سيصوِّتون لصالح هيلاري كلينتون. وهذا في بلد لم تُجرَ فيه من قبل قطّ أية انتخابات من أجل تحديد قيادته السياسية من قِبَل الشعب، ولا يُسمح فيه للنساء حتى بقيادة السيَّارات. ولكن هيلاري كلينتون كرئيس للولايات المتَّحدة الأمريكية كانت على ما يبدو بالنسبة لهم أمرًا قادرًا على تحقيق الأغلبية.

ولكن حتى هذه الموجات من الممكن أن تهدأ بسرعة بعد تولي دونالد ترامب مهامه الرئاسية. وفي هذا الصدد من الجدير ذكر رقمين فقط: فالولايات المتَّحدة الأمريكية لا تزال تستورد إحدى عشرة في المائة من احتياجاتها من النفط من المملكة العربية السعودية، ولكنها في الواقع تستعيد جزءًا كبيرًا من أموالها من خلال تصدير الأسلحة إلى السعودية. وفقط في العام الماضي 2015 بلغ حجم صادرات الولايات المتَّحدة الأمريكية من الأسلحة إلى دول الخليج ثلاثة وثلاثين مليار دولار. ومع ذلك من الممكن ضمن هذا السياق أن يذوب خطاب دونالد ترامب المُتجمِّد بسرعة في حرارة الصحراء السعودية.

حجر دومينو "للقضاء على المنطقة الرمادية"

ثُمَّ إنه لا يزال ثمَّة سؤال معلق في الفضاء عما إذا كان خطاب دونالد ترامب المعادي للإسلام سوف يكون مفيدًا أم ضارًا بالنسبة للمتطرفين الإسلامويين؟ ولكن من الممكن الإجابة على هذا السؤال بسهولة نسبيًا. فلو كان بوسع زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي أن يشارك في الانتخابات في الولايات المتَّحدة الأمريكية، فربما كان سيُصوِّت لصالح دونالد ترامب. وذلك لأنَّه الشخص المناسب تمامًا من منظور المتشدِّدين الإسلامويين.

وفي مجلة "دابق" الإلكترونية الخاصة بتنطيم "الدولة الإسلامية" تمت العام الماضي 2015 في مقال مناقشة تفاصيل فكرة "القضاء على المنطقة الرمادية". وهذا يعني التعايش بين المسلمين وغير المسلمين. وهدف تنظيم "الدولة الإسلامية" من ذلك هو استقطاب المجتمعات الغربية، على أمل التمكُّن حينئذ من تعبئة المسلمين من خلال رسائل الكراهية التي ينشرها تنظيم "الدولة الإسلامية". وبهذا المعنى فإنَّ دونالد ترامب في الواقع هو الرئيس الذي يتمناه تنظيم "الدولة الإسلامية".

 

 

كريم الجوهري

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de