مسلمون أمريكيون مع عنصرية ترمب

كيف نفسّر وقوف بعض المسلمين الأميركيين مع ترامب؟ لعل الأمر يعتمد على الخطاب والذات الأيديولوجية التي يتماهى معها المرء أو يرغب في أن يكونها. ذات الرجل الأبيض هي مركز خطاب التفوّق العرقي وأيديولوجيته. والحصول على امتيازاتها يعني التشبّه بها والتماهي معها ويتطلّب إعادة إنتاج ما تمثله، حتى لو كان ذلك يعني أن يكره المرء ثقافته وأن ينفي ذاته.

الكاتبة ، الكاتب: سنان أنطون

قد يستغرب المرء وجود ناخبين مسلمين في الولايات المتحدة ما زالوا في معسكر المرشّح «الجمهوري» دونالد ترامب وينوون التصويت له في الانتخابات الرئاسيّة في الولايات المتحدّة في الثامن من الشهر القادم. فالرجل الذي يوظّف العنصريّة متعددة الرؤوس والأهداف في خطابه السياسي وحملته الانتخابيّة، أفصح عن موقفه من المسلمين بوضوح وشيطنهم وهاجمهم مبكّراً (بعدما كان قد فعل ذلك مع المهاجرين من ذوي الأصول المكسيكيّة).

دونالد ترامب كسب مقداراً لا يستهان به من الشعبيّة حين دعا إلى منع المهاجرين المسلمين من دخول البلاد حتى إشعار آخر (وإن كان قد حوّر هذا في ما بعد وقال إنّه محض «اقتراح» وإنه يطالب على الأقل بـ «تدقيق صارم» لكل المهاجرين المسلمين من دون أن يوضّح ما يعنيه هذا).

أضف إلى ذلك حديثه المتكرّر عن الإسلام والمسلمين كـ «مشكلة» وتصريحه بأن «الإسلام يكرهنا». يصبح الدين هنا مُشخْصَناً كفرد تُعزى إليه صفات بشرية على غرار الكراهية. وإذا تقبّل المرء فكرة أن هذا الدين يكره «نا» فليس من الصعب أن يقتنع بأن كل من يرتبطون بهذا الدين بالولادة يكرهوننا، إلا إذا ثبت العكس. ولكم أن تتخيلوا صعوبة إثبات أشياء كهذه أصلاً.

ومع ذلك، وبعد كل هذا التبجّح بالعنصريّة وبرهاب الإسلام والإصرار عليهما من قبل ترامب، فهناك مسلمون ما زالوا يناصرونه ويعملون في صفوف حملته الانتخابيّة. وكان عدد منهم قد شاركوا في مؤتمر «الحزب الجمهوري»، الذي تم فيه اختيار ترامب رسمياً كمرشّح. وصلّى ساجد طرار، مؤسس جمعية «مسلمون أميركيون مع ترامب» في اختتام فعاليات المؤتمر واستشهد بحديث نبوّي. ولا تزعج تصريحات ترامب ومقولاته العنصرية مناصريه المسلمين البتة.

من سيحسم انتخابات أميركا؟
من سيحسم انتخابات أميركا؟ هذه الانتخابات استثنائية بسبب حالة الاستقطاب الحاد بين داعمي الحزبين، الجمهوري والديمقراطي وبسبب شخصنة الحملة الانتخابية.

وعندما يُسألون عنها يردّدون ما يقوله ترامب نفسه وآخرون عن موضوع «اللباقة السياسية» political correctness) التي تقتضي عدم استخدام مصطلحات تهدف إلى إهانةة جماعات أو التفرقة ضدها، ويقولون إن الإعلام الليبرالي يضخّم هذه المواضيع. علماً أن رد فعل اليمينيين والمحافظين التقليدي هو أن اللباقة السياسيّة هي قيد على حرية التعبير التي كانوا يتمتّعون بها سابقاً وتكميم لأفواههم.

وهنا يمكننا أن نقرأ آخر معاني شعار «جعل أميركا عظيمة ثانية» لهؤلاء: التمتع بمزايا يمنحها العرق، والحرية في التعبير عن العنصريّة والفوقيّة إزاء الأقليّات والنساء من دون وازع أو تبعات. ولعل من اللافت أن الفضائح التي تم الكشف عنها مؤخراً بالنسبة لتاريخ اعتداءات ترامب الجنسيّة على عدد كبير من النساء والعثور على تسجيلات تظهر حديثه عن اعتداءاته الجنسيّة بطريقة ذكوريّة فجّة لم تؤثر على شعبيته بين مناصريه، وبعض هؤلاء من النساء. إذاً يجب ألا نفترض أن كل امرأة ستصوّت بالضرورة ضد ترامب ولمصلحة كلينتون لمجرد أنّها امرأة. وللتذكير، فعدد لا يستهان به من النساء كنّ وبقوة مع بيرني ساندرز وضد كلينتون.

بالعودة إلى السؤال الرئيسي، كيف نفسّر وقوف بعض المسلمين الأميركيين مع ترامب؟ لعل الأمر يعتمد على الخطاب الأيديولوجي والذات الأيديولوجية التي يتماهى معها المرء أو يرغب في أن يكونها. لا تتطابق الذات (في العرق أو الجنس أو الإثنيّة) بالضرورة مع الذات الأيديولوجية. وذات الرجل الأبيض، في السياق الأميركي، هي مركز خطاب التفوّق العرقي وأيديولوجيته. والحصول على امتيازاتها يعني التشبّه بها والتماهي معها ويتطلّب إعادة إنتاج ما تمثله، حتى لو كان ذلك يعني أن يكره المرء ثقافته وتاريخه وأن ينفي ذاته.

 

سنان أنطون

حقوق النشر: السفير 2016

موقع قنطرة ينشر المقال بالاتفاق مع الكاتب.