أوروبا تخاذلت فعانت من انهيار سوريا والحل في يدها

إنها لفضيحة بعد ستة أعوام من الحرب في سوريا أن تبقى الدول الأوروبية المؤثرة مكتوفة الأيدي من دون أن تقدم أية خطة متماسكة من أجل حل الأزمة السورية، رغم وجود فرص للتعاون مع روسيا، بحسب رأي السياسي الألماني من حزب الخضر أوميد نوريبور. فبينما تستعر أمام حدود أوروبا أفظع حرب شهدها جيلنا، يبدو أن الدول الأوروبية الكبرى قد قبلت -نظرا إلى الهيمنة الروسية في سوريا- بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا آخر سوى إدانة ما يحدث واستنكاره مرارا وتكرارا. أما قضية اللاجئين الناجمة عن ذلك فقد استغلها الشعبويون في جميع أنحاء القارة الأوروبية.

الكاتبة ، الكاتب: Omid Nouripour

في هذه الأيَّام تدخل الثورة السورية سنتها السادسة. هذه الحرب -التي بدأت كاحتجاج مدني من أجل الحرِّية والحقوق المدنية- باتت مشتعلة الآن لفترة أطول من فترة اشتعال الحرب العالمية الثانية وقد دمَّرت تمامًا تلك الأحلام بالحرِّية وحقوق الإنسان، التي حملتها حركة الاحتجاج في سوريا من أجل بلدها.

وعلى الرغم من استمرار دعمها العسكري للأسد يبدو اليوم وكأنَّ روسيا باتت تُدرك ببطء ضرورة تحقيق السلام بعد سنوات الحرب الطويلة، لكي لا تبقى سوريا المدمَّرة مرتعًا على المدى الطويل وبالتحديد لتلك الجماعات الجهادية، التي تخشى روسيا من وجودها كثيرًا في جوارها.

غير أنَّ روسيا وحدها لا تستطيع توفير الموارد الضرورية من أجل إعادة بناء الدمار الذاتي في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ روسيا لم تمارس حتى الآن أي ضغط على الأسد أو على الشريك المشترك إيران، من أجل التفكير بإيجاد مخرج من الحرب السورية. بل على العكس تمامًا من ذلك فالأسد لا يزال يسعى إلى فرض حلّ عسكري، كما أنَّ روسيا لا تدعو من جانبها أيضًا إلى تغيير سياسي واضح.

وبالنسبة لروسيا بات يتَّضح على نحو متزايد أنَّها ستعتمد على دعم الدول الأوروبية من أجل إعادة إعمار سوريا.

عجز الأوروبيين

في مفاوضات جنيف الأخيرة لم يتمكَّن المتفاوضون مرة أخرى من تحقيق تقدُّم حقيقي من أجل الشروع في عملية سلام يمكن الاعتماد عليها. وبعد كلِّ فشل تستمر أعمال القصف وترتفع أعدد الضحايا وتعاني المدن والقرى من التشريد ويبقى مئات الآلاف من المدنيين السوريين تحت الحصار. وعلاوة على ذلك لا يزال يتم مثل ذي قبل منع الأمم المتَّحدة وشركائها الإنسانيين من الوصول إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة حاجة ماسة.

إنَّها لفضيحة أن تبقى الدول الأوروبية المؤثِّرة مكتوفة الأيدي من دون أن تقدِّم أية خطة متماسكة من أجل سوريا. وبينما تستعر أمام حدود أوروبا أفظع حرب شهدها جيلنا، يبدو أنَّ الدول الأوروبية الكبرى قد قبلت -نظرًا إلى الهيمنة الروسية في سوريا- بأنَّها لا تستطيع أن تفعل شيئًا آخر سوى إدانة ما يحدث واستنكاره مرارًا وتكرارًا ومراقبته ببالغ الفزع. أمَّا أزمة اللاجئين الناجمة عن ذلك فقد عزَّزت الشعبويين في جميع أنحاء القارة.

Der UN-Hochkommissar für Menschenrechte, Zeid Ra'ad Al Hussein; Foto: picture-alliance/dpa
Zu Beginn des siebten Kriegsjahres in Syrien blickt die internationale Gemeinschaft fassungslos auf das andauernde Blutvergießen. Der UN-Hochkommissar für Menschenrechte, Zeid Ra'ad Al Hussein, bezeichnete Syrien kürzlich als "eine Folterkammer, ein Ort zügellosen Horrors".

ومع ذلك فقد انحصر ردُّ أوروبا في لفتات رمزية. وكانت هناك تكتيكات ولكن لم تكن هناك أية استراتيجية، وهكذا فنحن نشاهد عاجزين كيف تأخذ الأزمة مجراها.

الأوقات التي كان يمكن فيها الاعتماد على الولايات المتَّحدة الأمريكية كشريك في سوريا -هذا إذا كانت قد وُجِدَت أصلاً- انتهت بكلِّ تأكيد. ونظرًا إلى الإدارة الأمريكية المتقلـِّبة والقادرة قليلاً (على الحسم)، ناهيك عن قرار ترامب القاضي بإغلاق الحدود في وجه اللاجئين السوريين اليائسين، فقد بات يجب على أوروبا الآن أن تأخذ زمام المبادرة وتُظهر المزيد من التضامن مع الشعب السوري. يجب على أوروبا أن تجد موقفًا مشتركًا لمستقبل سوريا وخطة لتنفيذه.

استثمارات في سلام دائم

تمثِّل قدرة الدول الأوروبية على توفير الأموال اللازمة من أجل إعادة الإعمار وسيلة ضغط كبيرة من أجل المشاركة إلى جانب الأمم المتَّحدة في تشكيل سوريا الغد، بشرط أن نتمكَّن من الحديث بصوت واحد. وهذا سيكون أيضًا موضوع مؤتمر المانحين المقبل المقرَّر عقده في الخامس من نيسان/أبريل 2017 في بروكسل.

يجب علينا أن نتأكَّد من أنَّنا نستثمر في سلام دائم للجميع. إعادة إعمار سوريا تمثِّل حافزًا كبيرًا بالنسبة لروسيا، من أجل التعاون أخيرًا في قضية سوريا. ولكن يجب علينا أن نكون حريصين على أنَّ السلام المُتفاوَض عليه يجب أن يأتي لصالح جميع السوريين. ولذلك فإنَّ شروطنا يجب أن تكون:

1) أولاً وقبل كلِّ شيء وصول المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع السوريات والسوريين المحتاجين، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه،

2) وقف دائم لإطلاق النار،

3) إنهاء حصار المدنيين،

4) وصول المراقبين المستقلين إلى سجون الدولة،

5) ترتيبات انتقالية من أجل سوريا الجديدة، مع آلية يمكن الاعتماد عليها تضمن تنفيذ هذه الترتيبات الانتقالية وتستبعد العودة إلى الصراعات العسكرية،

6) إعادة الإعمار في جميع أنحاء سوريا.

وفي ظلِّ هذه الظروف صحيح أنَّ عرض مشاركتنا ماليًا في إعادة الإعمار ليس الوسيلة الأفضل التي يمكن أن نتمناها من أجل الضغط على روسيا وعلى حلفائها؛ بيد أنَّه مع ذلك وسيلة ضغط يجب علينا أن نستخدمها من أجل منح المواطنين السوريين فرصة للسلام تشمل إعادة الإعمار في بلدهم.

خريطة جبهات القتال في سوريا بعد ستة أعوام من الحرب. DW.de / ar.Qantara.de
سوريا تحت سيطرة قوات مختلفة: "على الرغم من استمرار دعمها العسكري للأسد يبدو اليوم وكأنَّ روسيا باتت تُدرك ببطء ضرورة تحقيق السلام بعد سنوات الحرب الطويلة، لكي لا تبقى سوريا المدمَّرة مرتعًا على المدى الطويل وبالتحديد لتلك الجماعات الجهادية، التي تخشى روسيا من وجودها كثيرًا في جوارها"، بحسب رأي أوميد نوريبور.

باسم جميع السوريين والسوريات

ومن المهم أيضًا أن نتأكَّد من أنَّ الأمم المتَّحدة تعمل باسم جميع السوريين والسوريات. إذ إنَّ برنامج الأمم المتَّحدة الإنمائي UNDP يدعم بالفعل برامج إعادة الإعمار الخاصة بالنظام السوري. وهذا أمر جيِّد ويساعد الكثيرين من الناس المحتاجين في سوريا.

ولكن على الرغم من أنَّني مقتنع بأنَّ هذه الإجراءات تتم بحسن نية وبحسب مبدأ الأمم المتَّحدة الداعي إلى الاستقلالية والحياد والنزاهة، غير أنَّني أعتقد أيضًا أنَّ النظام ليس الشريك الصحيح من أجل إعادة الإعمار لصالح جميع السوريين والسوريات، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه للتو أو الذي كانوا يعيشون فيه من قبل.

فالنظام السوري بقيادة الأسد ليس نظامًا محايدًا ولا يعمل لصالح جميع الناس في سوريا، بل على العكس تمامًا من ذلك، فقد بات يبدو من الواضح أنَّ خطط إعادة الإعمار الخاصة بالأسد تسعى إلى التأثير على البنى الديموغرافية في المناطق المنكوبة أثناء إعادة الإعمار لصالح الأسد ومن أجل توطيد سلطته.

ومع الأسف فالأسد ليس مهتمًا ببناء المساكن والمستقبل لجميع السوريين والسوريات، لكنه يبني لنفسه (وبالمعنى الحقيقي للكلمة) الدعم والشرعية. ولذلك من المهم أكثر أن تدعم الدول الأوروبية الأمم المتَّحدة في إعادة الإعمار وأن تتحوَّل إلى شريك ومُمَوِّل يمكن الاعتماد عليه، وتطالب في الوقت نفسه بقواعد أساسية وشروط صارمة، من أجل العمل حقًا على مساعدة كلِّ شخص محتاج في إيجاد وطن جديد وحياة جديدة ومستقبل في هذا البلد الذي دمَّرته الحرب.

لقد مرت بالفعل الذكرى السنوية لهذا الصراع خمس مرات، وقد دعونا مرات كثيرة إلى وضع حدّ للعنف في سوريا، لأنَّ الشعب السوري يستحق السلام والأمن والديمقراطية. ولكن على الرغم من ذلك لا يزال المدنيون في سوريا عرضة للتجويع والقصف بالقنابل.

الاتِّحاد الأوروبي يعاني بالفعل من آثار انهيار سوريا وانهيار المعايير والقواعد الدولية، التي من المفترض في الواقع أن تُنهي هذه الحرب. ولذلك يجب أن يوقظ هذا الواقع أيضًا آخر المُتردِّدين واليائسين والمحبطين في أوروبا وأن يُحرِّكهم أخيرًا نحو عمل مشترك وحاسم. أم أنَّ هذا لا يزال يحتاج في الواقع إلى كارثة أكبر وذكرى أخرى موصومة بالعار؟

 

أوميد نوريبور

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: أوميد نوريبور /  موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

 

مؤلف هذا النص هو المتحدِّث في شؤون السياسة الخارجية باسم الكتلة البرلمانية لحزب الخضر في البرلمان الألماني (بونديستاغ).

 تم نشر هذا التعليق أوَّل مرة في صحيفة تاغيس شبيغل باللغة الألمانية.