أفلام كامل الباشا...تلخيص لمعاناة الفلسطيني في منفاه القسري

حصل الممثل المسرحي الفلسطيني، كامل الباشا، على جائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الـ(74) عن دوره في فيلم "إهانة" أو "القضية رقم 23" مفتخراً بأدائه ومواظبته على التمثيل المسرحي . الصحافية وصال الشيخ تحدثت مع كامل الباشا حول الانتقادات الموجهة إلى مخرج فيلم "إهانة" بعد عودة الجدل حول تصوير جزء من الصدمة في تل أبيب.

الكاتبة ، الكاتب: وصال الشيخ

حصل الممثل الفلسطيني كامل الباشا على جائزة أفضل ممثل في مهرجان البندقية (فينسيا) السينمائي الدولي في دورته الـ(74) عن دوره في فيلم "إهانة" أو"القضية رقم 23" للمخرج اللبناني زياد دويري، كما ذكرت زوجته الفنانة ريم تلحمي على صفحتها عبر الفيسبوك.

وصُوّرت أحداث الفيلم في بيروت، الذي يتحدث عن شجار بين مسيحي لبناني وفلسطيني لاجئ يتطور إلى مواجهة أمام القضاء ويؤدي التهويل الإعلامي دوراً كبيراً في تعقيدها.

وفي تصريح خص به موقع "قنطرة" قال الباشا: "يتناول الفيلم الجرح الفلسطيني في لبنان الذي لم يتم المصارحة به ومعالجته من خلال قصة فلسطيني يحاول أن يصلّح أنابيب المياه في حيّ مسيحي، فيواجه مسيحي كتائبي- متطرف ضد الفلسطينيين ويتطور بينهما الشجار "الكلاش" باتجاه المحكمة والمظاهرات في الشوارع"، مستثنياً المسيحيين من لهم موقفاً مضاداً لما فعلته الكتائب كما ورد في حديثه.

وقال الباشا خلال تسلّمه الجائزة في تصريحات إعلامية: "أنا سعيد ومتأثر جداً بفوزي، لا على المستوى الشخصي فحسب، بل هو هدية لفلسطين ولشعبها" وأضاف: "فخور بمساهمتي برفع اسم فلسطين أمام العالم، وفي الوقت نفسه اعتبره إنجازاً كبيراً للبنان وللسينما اللبنانية. الجائزة ليست لي وحدي، بل هي للفيلم ولمخرجه ولفريق العمل بأكمله". 

ونال الباشا، الممثل المسرحي، كأس "فولبي" لأفضل ممثل في دورة المهرجان التي جرت بين 30 آب/ أغسطس و9 أيلول/ سبتمبر الجاري وشهدت منافسة (20) فيلماً تناولت العديد من القضايا، على رأسها أزمات اللاجئين حول العالم، والتشدّد، والتعصّب الديني، والحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، وغيرها.

واعتبر الباشا وصوله إلى البندقية جاء "بفضل الفلسطينيين الذي واظبوا على حضور أعماله المسرحية"، مما أتاح له الاستمرار في التمثيل وحصوله على فرصة المشاركة بالفيلم الذي يُخرجه الدويري وينتجه أنطون الصحناوي"، قائلاً: "لو لم يأتِ الجمهور ليشاهدني أقف على المسرح على مدار ثلاثين عاماً لما وصلت إلى هنا".

وأشار خلال حديثه بأنّ "الإهانة" أول فيلم له على المستوى الاحترافي"، وعقبّ: "لم أكنْ لأنجح لولا دعم المخرج زياد دويري والممثلين اللبنانين الممتازين الذين يستحق كل واحد منهم هذه الجائزة".

لقطة من فيلم "إهانة" أو "القضية رقم 23"
لقطة من فيلم "إهانة" أو "القضية رقم 23"

تضخيم إعلامي
ويؤدي الباشا في الفيلم دور ياسر سلامة، وهو لاجئ فلسطيني في لبنان، يتولى إدارة عمال ورشة أشغال عامة في أحد أحياء بيروت، وتحصل مشادة بينه وبين طوني (عادل كرم)، وهو مسيحي لبناني، وتأخذ الشتيمة أبعاداً أكبر من حجمها، ما يقود الرجلين إلى مواجهة في المحكمة. وفيما تنكأ وقائع المحاكمة جراح الرجلين وتكشف الصدمات التي تعرضا لها، يؤدي التضخيم الإعلامي للقضية إلى وضع لبنان على شفير انفجار اجتماعي، ما يدفع بطوني وياسر إلى إعادة النظر في أفكارهما المسبقة ومسيرة حياتهما.

واعتبر الباشا في تصريحات إعلامية أنّ "ياسر سلامة تلخيص لمعاناة الفلسطيني في منفاه القسري، غريب بين أهله في الأردن والخليج وفي لبنان، عانى من فقدان وطنه وإبعاده عنه، ثم من عروبته التي لم تستطع أن تنصفه وتقف الى جانبه في محنته، ثم عانى من خيارات غير مدروسة جرت عليه المزيد من المصائب، لكنه على الرغم من معاناته لم يتحول الى وحش يشبه كل الوحوش التي آلمته، حافظ على إنسانيته مُصرّا على أن تحقيق العدالة للفرد أهمّ من جميع الانتماءات التي لا تجّر الاّ المصائب، قاوم وناضل وبنى نفسه بنفسه ورفض الذلّ لنفسه ولخصمه، ساعياً إلى تحقيق العدالة بواسطة القضاء المستقل والحر".

فيلم للمصارحة الإنسانية

وُلد الباشا في القدس وعمل فيها كممثل منذ عام 1987، يقول عن تجربته بالفيلم: "لم أعش تجربة الفلسطينيين في لبنان، ولكن خبرتي بتقمّص الأدوار على مرّ السنين ساعدتني دون شك، لكنها ليست المصدر الوحيد الذي اعتمدت عليه لأداء دور ياسر سلامة. فعلى المستوى الإنساني في الحياة اليومية للفرد أنا أعيش كما يعيش الفلسطيني في لبنان وأشعر كما يشعر".

وحول أعمال دويري مثيرة للجدل، قال الباشا لموقع "قنطرة": يبحث عن أشياء ممكن أن تفتح حوار ونقاش في المجتمع اللبناني والعربي، لم أتردد عن المشاركة في الفيلم، بل شعرت بالخوف من تناول قضية حساسة قد تأتي بنتائج عكسية من الجمهور، لكنّ تساءلت لماذا لا يوجد تحليل صريح لما حدث في صبرا وشاتيلا وتلّ الزعتر!" مضيفاً: "كممثل أنظر إلى من يقوم بالعمل، وماذا يُظهر للبناني من الداخل، هذا فيلم إنساني بالنهاية، وكان قراري أن أشارك لأنّه الفلسطيني يهُمنّي كما يهمني اللبناني".

وتوقع الباشا "أنْ يثير الفيلم جدلاً عميقاً حول طبيعة العلاقة اللبنانية الفلسطينية عموماً". ورأى أن "البعض سيهاجم الفيلم بحجة أنه لا ينصف القضية الفلسطينية، فيما سيهاجمه آخرون بحجة أنه انحياز للفلسطيني، ولكنه في المحصلة سيستفز الجميع وسيدفعهم إلى التفكير والتحليل".العلاقة اللبنانية الفلسطينية تحت المجهر

وعن تجربته في العمل مع دويري قال: "زياد مخرج مفرداته واضحة وكاشفة ومستفزة، يقود الممثل وطواقم العمل بفرح وحنكة، يُبهج كل من حوله ويُشيع طاقة إيجابية تدفع الجميع للعطاء، لقد علّمني أنْ أكون ممثلاً سينمائياً. جميع أبطال الفيلم مدهشون، كرماء في الأداء ومتعاونون إلى أبعد الحدود، أعتز بأني عملت معهم فرداً فرداً، سواء من قاموا بالأدوار الرئيسية أو الأدوار التكميلية، وكذا جميع طواقم الفيلم من كافة التخصّصات، لقد بذل الجميع مجهودات عظيمة دون استثناء".

وتنطلق عروض الفيلم في بيروت في 14 أيلول الجاري، وهو يضمّ إضافة إلى الباشا وكرم،  نخبة من الممثلين اللبنانيين، في مقدمهم كميل سلامة وديامان أبو عبود وريتا حايك، إضافة إلى جوليا قصّار وطلال الجردي ورفعت طربيه وكارلوس شاهين وكريستين شويري.

ويُشارك الفيلم في مهرجانات سينمائية عربية في مصر وتونس، ويوزع حالياً في أوروبا وأمريكا. ورشحته وزارة الثقافية اللبنانية لجائزة الأوسكار.

واعتبرت وزارة الثقافة الفلسطينية في بيان صادر عنها أنّ "فوز الباشا بجائزة أفضل ممثل، إنجازاً يضاف إلى الإنجازات الفلسطينية الثقافية والفنية على المستوى العالمي، خاصة في مجال السينما".

وشددت الوزارة على أن ما حققه الباشا من إنجاز مهم "دليل إضافي على أن المبدع الفلسطيني قادر على المنافسة العالمية، إن توفرت له المساحات المناسبة للإبداع، وهو ما تسعى لتحقيقه الوزارة عبر المساهمة في الدعم المالي للعديد من مشاريع الأفلام، أو غيرها، مما يصب في تعزيز الحضور الثقافي الفلسطيني عالميا، في السينما، وغيرها من الحقول".

وأكد الوزير إيهاب بسيسو أنّ "فوز الباشا بالجائزة يؤكد أهمية الحضور الفلسطيني في السينما العربية والدولية، ما من شأنه الانفتاح على الثقافات الأخرى من جهة، وتسليط الضوء على إبداعات الفنان الفلسطيني القادر على تحقيق إنجازات عالمية بارزة في مختلف مجالات الإبداع"

الدويري في مأزق التطبيع

لم تدم فرحة التتويج طويلاً، فقد أطلقت سهام التخوين والتشكيك في الشارع العربي وخاصة في لبنان ضد المخرج دويري بعد الكشف عن تصوير جزء من فيلمه  "الصدمة" في تل أبيب- إسرائيل ومكوثه هناك لمدة 11 شهراً. فقد احتجز جواز المخرج بعد عودته من مهرجان البندقية في مطار بيروت الأحد الماضي، وتمت إحالته على القضاء لمواجهة تهمة "التعامل مع إسرائيل"، لكنّ القضاء برّئه ولم تُوجه له أي تهمة بعد الاستماع إلى إفادته لأكثر من ساعة.

وأخذ الجدال بعدين، بُعد يبحث في الدوافع الجمالية للسينما، وآخر تغلّف بالوطنية ومسألة التطبيع مع إسرائيل.

في البعد الأول، أورد الناقد السينمائي هوفيك حبشيان في مقالته التي نُشرت على جريدة "النهار" اللبنانية أسباب تصوير دويري في تل أبيب بناء على مقابلة جمعته بالمخرج عام 2012 بمراكش المغربية.

ويرد في المقالة على لسان دويري: "في البداية، حاولنا التصوير في تونس، مكثتُ فيها شهراً كاملاً، لم أجد ما يشبه تل أبيب. ثم ذهبنا إلى قبرص، مرة أخرى فشلنا. المدينة الوحيدة في المنطقة التي تشبه تل أبيب من الناحية الشكلية هي بيروت! الشام تشبه قليلاً عمّان، وعمّان تشبه قليلاً بغداد، ولكن ليس في المنطقة ما يشبه تل أبيب. صورنا جزءاً في تل أبيب وليس كلّ الفيلم. لم يكن ممكناً تلافي الأخطاء التجسيدية في خلفية الصورة في حال تم التصوير في مكان آخر والإيحاء أنّه في تل أبيب. من أين كنتُ سآتي بمدينة أستطيع أن أكتب على جدارنها بالعبرية؟ هناك نوع من واقعية سينمائية كنت سأخسرها لو صوّرتُ في مكان آخر. البعض بدأ يقول لي: "كان من الممكن أن تصور في بلد آخر". وأنا أقول: "لا، لم يكن من الممكن أن أصوّر في بلد آخر". لا أريد فيلم "تفنيصة"...". 

وعلى الفيسبوك، كتب الناقد السينمائي اللبناني، بيار أبي صعب: "قضيّة دويري" ليست مسألة قانونيّة فقط، بل مسألة أخلاقيّة وفكرية، سياسيّة ووطنيّة. إنّها ثقافة الخيانة، وخيانة المثقّف"، معتبراً أن "انتصار دويري انتصاراً مؤقتاً، فكثيرون في لبنان لن يقبلوا باستمرار هذه الحالة الشاذة".

وحول الجدال القائم عقّبّ الباشا بتصريح له لموقع "قنطرة": "يرجع الجدل إلى وجود أشخاص يحاربون الدويري بشكل شخصي وتناول أفلامه بشكل سلبي، لقد أثير الجدل حول تصويره لفيلم "الصدمة" بتل أبيب منذ سنوات وقامت لجنة المقاطعة العربية بمنع عرضه بالبلاد العربية حينها، أما إعادة الجدل فهو إعادة للإضرار بالفيلم. مع احترامي للجنة المقاطعة العربية لكنّ هناك خلط بين ما هو شخصي وفنّي، من رأى الفيلم يتحدث عنه بشكل إيجابيّ، ننتظر عرضه في لبنان ليتأكد الجمهور من أسباب هجومه" أمّا عن عرضه بفلسطين، يقول الباشا إنّ "الإشكالية هي دور السينما غير المجهزّة والموزعين المشترين للفيلم، لكنّي سأبذل مجهوداً حتى نشاهد رد فعل الفلسطيني أيضاً".

 

وصال الشيخ

حقوق النشر: قنطرة 2017