نجل أحد مؤسسي حركة حماس...جاسوس لإسرائيل اعتنق المسيحية

يتقصى الفيلم الوثائقي الألماني الإسرائيلي البريطاني "الأمير الأخضر" السبب الذي دفع نجل قيادي بارز في حركة حماس إلى العمل على أرض الواقع كمخبر لدى جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الشين بيت). إيغال أفيدان شاهد هذا الفيلم التوثيقي وأجرى مع مخرجه الإسرائيلي نداف شيرمان الحوار التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Igal Avidan AR

مصعب حسن يوسف هو ابن عضو مؤسِّس في حركة حماس الإسلامية (التي تصفها وسائل الإعلام الألمانية الرسمية بـ) الراديكالية. أصبح مخبرًا لدى جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية. وقد نجح طيلة عشرة أعوام في إحباط عمليات إرهابية ضدّ الإسرائيليين. وعندما تمت إقالة ضابط الارتباط الذي كان مسؤولاً عنه، جونين بن إسحق، أنهى يوسف تعاونه مع إسرائيل. ثم اعتنق الديانة المسيحية واستقر في الولايات المتَّحدة الأمريكية.

تم تحويل هذه القصة في الفيلم الوثائقي الجديد "الأمير الأخضر" إلى قصة بوليسية جذَّابة حول الإرهاب والعنف، وكذلك حول الثقة والصداقة. وهذا الفيلم المدعوم بلقطات من نشرات الأخبار وتعليقات من الضابط المسؤول عنه، جونين بن اسحق، لا يعكس الأحداث ويعرضها، بل يقوم بتوثيقها.

***

السيِّد نداف شيرمان، يعتبر الفيلم الوثائقي "الأمير الأخضر" ثالث فيلم وثائقي لك حول التجسُّس والإرهاب. فما الذي يجذبك إلى هذه الموضوعات؟

نداف شيرمان: بالنسبة لي يكمن التركيز في هذه الأفلام الثلاثة على العلاقات بين الأشخاص الفاعلين، المعرَّضين لضغط كبير، أكثر من التركيز على موضوعات مثل التجسُّس أو الإرهاب. بيد أنَّ النظر إلى العالم السري هو فقط ما يجعل هذه المأساة الإنسانية المؤثِّرة مثيرةً للاهتمام. ومَنْ يعرفني فسيقول إنَّ هذه الأفلام عنِّي أنا. ونظرًا لأنَّني قد نشأت في بلدان عديدة، فقد عالجت في جميع هذه الأفلام الثلاثة قضايا الهوية.

Regisseur Nadav Schirman; Foto: Igal Avidan
Regisseur Nadav Shirman zeichnet in "The Green Prince" die Geschichte von Mosab und dem Führungsoffizier Gonen Ben Itzhak nach und bedient sich gekonnt diverser filmischer Stilmittel, wie treibender Spannungsmusik, schneller Montage, Verwendung von nachgestelltem sowie dokumentarischem Material.

فيلمي الأوَّل "جاسوس الشمبانيا" يدور حول علاقة بين أب وابنه. الأب عميل للموساد، وهذا الفيلم يُظهِر الثمن النفسي الذي دفعه كجاسوس. يعرض فيلمي الثاني "في الغرفة المظلمة" قصة زوجة كارلوس وابنته، وهو واحد من أشهر الإرهابيين في جميع أنحاء العالم. أمَّا فيلم "الأمير الأخضر" فهو يعالج موضوع العلاقة الفريدة من نوعها بين مخبر فلسطيني وضابط الارتباط الإسرائيلي المسؤول عنه.

 كيف توصّلتَ إلى هذه القصة؟

 شيرمان: كنت أبحث عن فيلم من أجل ثلاثيَّتي، عندما أخبرني صديق لي عن سيرة حياة مصعب حسن يوسف التي تحمل عنوان "ابن حماس. حياتي كإرهابي". قرأت هذا الكتاب خلال ساعتين فقط وكنت معجبًا بوجهة نظره كونه مُطَّلعًا من الداخل ونجلاً لأحد زعماء ومؤسِّسي حركة حماس. أدركت أنَّنا لا نعرف شيئًا حول حركة حماس، التي يعدّ أعضاؤها جيراننا، بصرف النظر عن بعض العناوين الرئيسية في الصحافة.

 كيف تمكَّنت من الوصول إلى مصعب وإقناعه بالمشاركة في مشروع هذا الفيلم؟

  شيرمان: وصلت إليه من خلال رجل المخابرات الإسرائيلي السابق جونين بن إسحق، الذي التقيته في مقهى في تل أبيب. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي التقيت فيها بعميل للاستخبارات الداخلية. لقد فاجأني جونين.

 من أية ناحية؟ ما هي طبيعة هذا الرجل؟

 شيرمان: كنت أنتظر رجلاً "صلبًا". بيد أنَّ جونين كان يتحدَّث بهدوء وعلى الفور بدا بالنسبة لي شخصًا لطيفًا وجديرًا بالثقة. وعلى الأرجح أنَّ هذه هي وصفته لتحقيق النجاح. وباللغة اليديشية سيقول عنه المرء إنَّه "مينتش" - أي رجل بقلب طيب. وبالنسبة له كان هذا العمل معقدًا للغاية، وذلك لأنَّ هذا العمل كان يدخله مرارًا وتكرارًا في صراع مع قيمه الأخلاقية. ولكن مع ذلك كان يجب عليه أن يوقف -بالتعاون مع مصعب- عمليات إرهابية.

 وبالنسبة لجونين فقد كانت هذه أوَّل مرة يتحدَّث فيها بشكل علني. وعلى أية حال لقد انسجم بعضنا مع بعض، ولذلك فقد تحدَّثنا طيلة ساعات. وكلما كان يسهب أكثر في وصف علاقته الفريدة من نوعها مع مصعب، كنت أشعر بقشعريرة أكثر. وهذه هي طريقتي في تتبُّع الحقيقة العاطفية واكتشافها. لقد كان من المهم للغاية أن يشارك جونين في الفيلم، فمن خلال ذلك وثق بي أيضًا مصعب.

 كيف تمّ لقاؤك الأوَّل مع مصعب؟

  شيرمان: بما أنَّني أعيش في مدينة فرانكفورت الألمانية وهو يعيش في لوس أنجلوس الأمريكية، فقد التقينا "في الوسط" - في نيويورك. في ذلك المساء كنت أنتظر في ردهة الفندق، عندما ورد بصورة مفاجئة خبر مفاده أنَّ أسامة بن لادن تم قتله. وبعد دقيقتين دخل مصعب. لقد سمع الخبر وهو في الطريق من المطار، وقال على الفور: "هيا، دعنا نذهب إلى جراوند زيرو!". كان يوجد هناك آلاف من الأمريكيين المجتمعين، الذين كانوا يهتفون "أمريكا، أمريكا! - وكأنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية قد فازت لتوِّها في بطولة كأس العالم لكرة القدم. وكان مصعب يريد المشاركة في هذا الاحتفال الحاشد، لأنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية قد منحته اللجوء وعلى الأرجح أنَّها بالتالي قد أنقذت حياته. وعلى الفور أدركتُ أنَّه قد كان يعاني حتمًا من أزمة كبيرة مع هويته: على الأرجح أنَّه قبل عشرة أعوام كان سيقف في مثل هذه الليلة على الجانب الآخر.

 ما هو الدور الذي لعبه تحوّل مصعب من الإسلام إلى المسيحية؟ هل أثَّر ذلك أيضًا في قراره العمل لصالح الإسرائيليين؟

شيرمان: لقد جاء تحوّله بعد فترة طويلة جدًا. وعندما قرَّر مصعب العمل لصالح إسرائيل، كان ذلك بالنسبة له معقدًا للغاية. لم يكن بإمكانه الذهاب إلى معالِج نفساني والحديث حول ذلك، بل كان يجب عليه أن يعالج ذلك ويستوعبه بنفسه. وأعتقد أنَّ خطبة المسيح على الجبل، التي يرد فيها "أحبوا أعداءكم"، قد شكَّلت بالنسبة له معنى كبيرًا. لقد تبنى هذه الموعظة كنوع من "الإرشاد الروحي". واليوم أصبح إنسانًا متدينًا جدًا. وعمله هذا مع إسرائيل كان بالنسبة له عاملاً لتوسيع آفاقه، وذلك لأنَّه قد نشأ وترعرع في جماعة إسلامية متطرِّفة ضيِّقة الأفق.

 يشعر المشاهد وكأنَّما كانت الكاميرا ترافق مصعب باستمرار قبل وأثناء عمله كمخبر. لماذا اخترت هذا المنظور للتصوير؟

 شيرمان: كنا نريد إخراج الفيلم بشكل درامي جذَّاب. وكنَّا محظوظين كثيرًا في إيجاد مواد أرشيفية نادرة، مثل الصور التي تُظهر مصعب في رام الله حينما كان لا يزال يعمل بشكل "سري". لقد كان حسن يوسف سياسيًا معروفًا في الضفة الغربية، بحيث أنَّ محطات التلفزة العربية كانت تتحدَّث حول خطاباته. ولكنهم لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا نحن مهتمون بتسجيلات لم تكن مهمة قطّ بالنسبة لهم، على سبيل المثال عندما يتم نقل يوسف من قبل ابنه بالسيارة. ولكن هذه الصور تبدو ضمن السياق الدرامي في الفيلم مثل الديناميت. وحصلنا من الجيش الإسرائيلي على صور ملتقطة من طائرات من دون طيَّار.

 لماذا جعلتَ بطلي الفيلم يتحدَّثان بشكل فردي في داخل غرف شبه فارغة وبصورة مباشرة إلى الكاميرا، وكأنَّهما في استجواب؟

 شيرمان: هذه الغرف التي بنيناها في مدينة ميونيخ الألمانية بجدرانها الخرسانية البالغ ارتفاعها خمسة أمتار، تذكِّر بغرف الاستجواب الخاصة بجهاز الاستخبارات، وتذكِّر بالجدار الفاصل في الضفة الغربية، وكذلك بعزلة هذين الرجلين في مجتمعيهما.

 لقد استخدمنا من أجل المقابلات جهاز إنترروترون Interrotron وهذا الجهاز يتيح المجال من أجل الحديث مع الشخص الذي يجري المقابلة وينظر مباشرة في الكاميرا وفي عيون المشاهدين. إنَّ لغة الجسد تمثِّل سبعين في المائة من التواصل، وهذا الجهاز يعمل بالتالي مثل جهاز كشف الكذب: فبإمكان المشاهد أن يعرف بشكل أفضل إذا كان شخص ما يقول حقًا الحقيقة.

Gonen (l.) und Mossab in Ramallah im Westjordanland; Foto: privat
صداقة وثيقة - يقول المخرج نداف شيرمان: "هذه العلاقة الخاصة بين جونين ومصعب كانت ممكنة، لأنَّ كليهما قد وافق على التعرُّض لخطر كبير، من أجل فعل الشيء الصحيح. كلاهما لديه استعداد أخلاقي قوي ولا يوجد لديهما خوف من السباحة بعكس التيار".

إلى أي مدى يعتبر مصعب الذي يعيش الآن في الولايات المتَّحدة الأمريكية معرضًا للخطر؟

 شيرمان: عندما كنا نصوِّر مع مصعب في ألمانيا، كان لا بدّ لنا من التعامل مع ترتيبات سفره وإقامته بسرية تامة. وبالإضافة إلى ذلك كان لدينا حرَّاس شخصيون مسلحون ضمن طاقمنا. وعندما كنا نصوِّر في رام الله، لم يرافقنا مصعب لأسباب أمنية. وفي الضفة الغربية كان يجب علينا أن نبقى متستِّرين كثيرًا، وقد سار ذلك بصعوبة مع فريق عملنا الدولي الذي يتألف أيضًا من إسرائيليين. ولكن ذلك حمل أيضًا بعض الإثارة وجعلنا نفهم وجهة نظر بطل الفيلم بصورة أفضل.

كيف أثَّر لقاؤك بهذين الشخصين على حياتك؟

 شيرمان: هذه العلاقة الخاصة بين جونين ومصعب كانت ممكنة، لأنَّ كليهما قد وافق على التعرُّض لخطر كبير، من أجل فعل الشيء الصحيح. وكلاهما لديه استعداد أخلاقي قوي ولا يوجد لديهما خوف من السباحة بعكس التيار. وهما يشكِّلان استثناءًا مطلقًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي يلعب فيه معظم الناس ببساطة دور التابع بدلاً من دور القائد، وحيث لا أحد يجازف من خلال الثقة في الآخر. ولهذا السبب فإنَّ هذه الصداقة بين بطلي الفيلم تمنحنا الأمل.

 

حاوره: إيغال أفيدان

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

 

تم عرض فيلم "الأمير الأخضر" في دور السينما الألمانية. تأليف وإخراج: نداف شيرمان. بطولة: مصعب حسن يوسف، وجونين بن إسحق، والشيخ حسن يوسف. مدَّته: 95 دقيقة.