"أوروبا متحالفة مع البحر لقتل اللاجئين وردعهم"

في حين تتوالى فواجع غرق اللاجئين السريين بالمئات وهم في طريقهم إلى أوروبا يمتلك الاتحاد الأوروبي الوسائل والسبل لإنقاذهم والحيلولة دون موتهم غرقا في مياه البحر الأبيض المتوسط. ولكن أوروبا مع ذلك تقف متفرّجة وتحمي نفسها من اللاجئين السريين بتركهم يغرقون في غياهب البحر، وهذه وسيلة ردع منافية للقوانين الدولية، كما يرى الصحفي الألماني هيريبرت برانتل في تعليقه التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Heribert Prantl

لقد كتب الشاعر الألماني فريدرش هولدرلين: "حيثما يكون الخطر، يزداد أيضًا الإنقاذ". غير أنَّ هذا ليس صحيحًا في الاتِّحاد الأوروبي في عام 2015. إذ إنَّ الإنقاذ لا يزداد بأية حال من الأحوال، بل يختفي، لأنَّ الاتِّحاد الأوروبي يتركه يختفي. فدول الاتِّحاد الأوروبي تحتجز الإنقاذ وتحبسه: وبطبيعة الحال ما من شكّ في توفُّر السفن التي من الممكن أن تنقذ اللاجئين، ولكن دول الاتِّحاد الأوروبي لا تستخدمها ولا تدعها تبحر.

صحيح أنَّ سياسة الاتِّحاد الأوروبي كانت تملك الوسائل والسبل من أجل إنقاذ اللاجئين الذين هربوا من الجحيم في سوريا وفي ليبيا، ولكن مع ذلك فإنَّ الأوروبيين يتركونهم يغرقون. يتم تقبُّل موتهم والسكوت عليه. من المفترض أن يؤثِّر موتهم هذا تأثيرًا رادعًا على غيرهم من اللاجئين - ومن المفترض أن يمنع اللجوء. وهكذا فإنَّ أوروبا تحمي نفسها من اللاجئين باللاجئين الميِّتين.

لا يوجد أي تغيير في سياسة اللجوء الأوروبية

فهل هذا هو التغيير في سياسة اللجوء الذي أعلن عنه رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس قبل عام ونصف العام عند توابيت اللاجئين في جزيرة لامبيدوسا الإيطالية؟ في تلك الفترة غرق في يوم واحد ثلاثمائة وثمانية وستون لاجئًا. وقبل أيام مات أربعمائة شخص ​​في يوم واحد غرقًا في البحر الأبيض المتوسط وهم في طريقهم إلى أوروبا (ثم غرق سبعمائة وبعدهم ثلاثمائة... ).

لا يوجد أي تغيير في سياسة اللجوء الأوروبية، وعلى كلِّ الأحوالإذا كان هناك تغيير فهو يسير نحو اللاإنسانية. أمَّا الأعمال الوحشية - التي تحدث على متن قوارب اللاجئين (حيث قيل إنَّ مجموعة من اللاجئين قد ألقت مجموعة أخرى في البحر) - فهي لا تعذرنا من أن نكون نحن الأوروبيين بأنفسنا متوحشين.

قالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة اليوم الأحد 19 / 04 / 2015 إن غرق سفينة محملة بمهاجرين من ليبيا قبالة السواحل الليبية قد يكون أدى إلى وفاة 700 شخص غرقا.
قالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة اليوم الأحد 19 / 07 / 2015 إن غرق سفينة محملة بمهاجرين من ليبيا قبالة السواحل الليبية قد يكون أدى إلى وفاة 700 شخص غرقا. وقالت المتحدثة باسم المفوضية كارلوتا سامي لشبكة التلفزيون الإيطالية راينيوز24 إن المركب جنح على بعد نحو 110 كيلومترا عن سواحل ليبيا وكان على متنه أكثر من 700 شخصا. الكارثة الأخيرة لغرق زورق صيد كان يقل نحو 700 لاجئ في البحر المتوسط هزت العالم ودعت الاتحاد الأوروبي لعقد قمة طارئة لمناقشة ملف الهجرة غير الشرعية.

تم الانتهاء من برنامج الإنقاذ المعروف باسم "بحرنا" Mare Nostrum والذي كانت قد بدأته إيطاليا بعد وقوع كارثة جزيرة لامبيدوسا. فقد رفض الاتِّحاد الأوروبي تمويل هذا البرنامج. كان من الممكن أن تكون تكاليف برنامج الإنقاذ هذا مساوية للتكاليف التي يتعيَّن إنفاقها على قمة رؤساء الدول والحكومات المقرَّر عقدها في قصر إلماو في جنوب ألمانيا. وهذه القمة تستمر يومين (فقط). وبهذا المال كان من الممكن أن يتم تنظيم برنامج إنقاذ يستمر ثلاثمائة وخمسة وستين يومًا. فهل هذه هي القيم التي تسري في أوروبا؟ إنَّ هذا الاتِّحاد يقتل - يقتل من خلال الامتناع، من خلال امتناعه عن تقديم المساعدة.

الردع بوسائل منافية للقوانين الدولية

عارض وزير الداخلية الألماني الاتِّحادي توماس دي ميزيير قيام الاتِّحاد الأوروبي ببرنامج إنقاذ بحري. وقال إنَّنا من خلال هذا البرنامج سندعم المهرِّبين. وهذه سخرية. فعلى هذا النحو يتم تحويل الناس إلى وسيلة: إذ يتعيَّن عليهم أن يموتوا من أجل مكافحة جريمة يتم إنتاجها من خلال سياسة خاطئة يتَّبعها الاتِّحاد الأوروبي. فالتهريب لا يمكن أن ينتشر إلاَّ لأنَّ أوروبا قد أوصدت أبوابها - لأنَّها تبعد اللاجئين بجميع الوسائل وحتى بالوسائل المنافية للقوانين الدولية.

يسري على جميع بلدان اللاجئين - وحتى على تلك التي تسود فيها أعلى مستويات الأزمات - شرط الحصول على تأشيرة سفر. وهذا يعني: من دون تأشيرة سفر لا يدخل الناس إلى أوروبا. غير أنَّ هؤلاء الناس لا يحصلون على تأشيرة السفر. وباختصار: لا توجد طرق دخول مشروعة إلى الاتِّحاد الأوروبي. أمَّا على الحدود البرية فيتم رفض دخول اللاجئين بشكل يتعارض مع جميع قواعد القانون الدولي الإنساني.

من سوريا ولبنان، ومن إفريقيا يتوجه اللاجئون نحو البحر المتوسط بحثا عن قارب يعبر بهم نحو الضفة الأخرى. أوروبا حلم المهاجرين كبارا وصغارا ونساء وأطفالا.
من سوريا ولبنان، ومن إفريقيا يتوجه اللاجئون نحو البحر المتوسط بحثا عن قارب يعبر بهم نحو الضفة الأخرى. أوروبا حلم المهاجرين كبارا وصغارا ونساء وأطفالا.

ولذلك يجب على الاتِّحاد الأوروبي أن يوجد طرق دخول مشروعة. ويجب على الاتِّحاد الأوروبي أن يلغي لفترة معيَّنة شرط الحصول على تأشيرة السفر. وكذلك يجب على الاتِّحاد الأوروبي أن يقبل طلبات اللجوء في داخل بلدان اللاجئين الأصلية. واللاجئون القادمون من دول الجحيم يجب أن يتم توطينهم في دول الاتِّحاد الأوروبي.

الاتِّحاد الأوروبي حاصل على جائزة نوبل للسلام. وهذا الاتِّحاد الأوروبي - الذي يتفرّج على موت اللاجئين - يجب أن تُسحب منه هذه الجائزة. هذا الاتِّحاد الذي يتّخذ البحر حليفًا له ويستخدمه (ضد اللاجئين)، يعتبر اتِّحادًا قاتلاً.

 

هيريبرت برانتل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2015   ar.qantara.de