حلم "الخلافة" على الأرض الليبية؟

بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام القذافي، بدت الدولة الليبية مهددة أكثر من أي وقت مضى بالانهيار في ظل جمود العملية السياسية ووجود ميليشيات متناحرة. الخبير الألماني أندرياس ديتمان يرى أن أتباع النظام السابق والمتطرفين في ليبيا يستغلون الفوضى في البلاد لتحقيق مصالحهم، وأن هدفهم يتمثل في منع ظهور دولة ديمقراطية وفق النموذج الغربي.

الكاتبة ، الكاتب: Kersten Knipp

السيد ديتمان، يبدو أن ليبيا تغرق في الفوضى. ما قراءتك للوضع الحالي في البلاد؟

أندرياس ديتمان: كنا حتى قبل أشهر من الآن نناقش وضع ليبيا من زاوية عما إذا كانت في طريقها لتكون "دولة فاشلة" أم أنها أصبحت "دولة فاشلة" بالفعل. وللأسف تمت الإجابة على هذا السؤال بشكل سلبي، فالدولة الليبية غير موجودة حاليا، عدا على الخارطة السياسية فقط، فيما لا تجد مؤسساتها نفسها قادرة على أداء وظائفها.

ما الذي يحدث في ليبيا بالضبط؟

أندرياس ديتمان: ليبيا تواجه عدة أزمات في آن واحد، فالأزمة الأولى تتمثل بالعلاقة المتأزمة المزمنة بين شرق البلاد وغربها، أي العلاقة بين طرابلس والجزء الشرقي، إضافة إلى ذلك هناك أزمة أخرى تتمثل بالقيم الدينية، فالمناطق الشرقية من البلاد تلتزم بقيم إسلامية أو يتم توجيهها إسلاميا، فيما تعم المناطق الغربية مفاهيم علمانية.

وبالتوازي مع خطوط هذه الأزمة تظهر أزمات أخرى؟

أندرياس ديتمان: هناك في ليبيا معارضة إسلامية قديمة تعود جذورها إلى عهد الاحتلال الإيطالي. في ذلك الوقت كان يطلق على تلك المعارضة تسمية "المقاتلين الأحرار المتدينين". أما اليوم فنطلق على تلك الحركة تسمية "الإسلامية". فمعظم أفراد هذه الحركة ينحدرون بشكل أساسي من المناطق الشرقية من ليبيا. وكان القذافي يعتبر هذه الحركة طيلة فترة حكمه من أخطر معارضيه. ورغم أن القذافي قد أدخل بنودا من الشريعة حيز التنفيذ وأصدر قوانين إسلامية، إلا أن ذلك لم يشفِ غليل الإسلاميين المتشددين. وهذا التباين الإيديولوجي في التوجه ظل قائما على طول الخطوط الفاصلة بين المناطق الشرقية والغربية حتى بعد الثورة.

من ثوار ليبيا . Foto: picture-alliance/dpa/C. Petit Tesson
Libyen zwischen Bürgerkrieg und Staatszerfall: "Das Land existiert noch auf der Karte, aber die staatlichen Organisationen sind längst nicht mehr in der Lage, ihre Aufgaben wahrzunehmen", meint Andreas Dittmann, Professor für Anthropogeographie am Institut für Geographie der Universität Gießen.

بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام القذافي، بدت الدولة الليبية مهددة أكثر من أي وقت مضى بالانهيار في ظل جمود العملية السياسية ووجود ميليشيات متناحرة. الخبير الألماني أندرياس ديتمان يرى أن أتباع النظام السابق في ليبيا -كما في العراق- يستغلون الفوضى التي عمت بسبب انهيار الدولتين لتحقيق مصالحهم. ويشير إلى أن نظام القذافي -كنظام صدام حسين- كان يعتبر المعارضة الإسلامية من ألد أعدائه، واليوم يعمل أعداء الأمس جنبا إلى جنب في كلا البلدين. ولكنه يقول إنها تحالفات مصالح مؤقتة والهدف المشترك منها يتمثل في منع ظهور دولة ديمقراطية وفق النموذج الغربي.

ولكن اليوم أصبحت الأزمات أكثر تعقيدا!

أندرياس ديتمان: نعم، وذلك لأن القيادات السابقة لا تحظى اليوم باحترام الشباب الذين أصبحوا أكثر راديكالية في تدينهم. يفضل الشباب اتباع تنظيم "الدولة الإسلامية" والذي يحمل تلك الإيديولوجية التي ذكرناها في اسمه: فهم يسعون إلى إقامة سلطة إسلامية دون حدود جغرافية. والكثير منهم قاتل في سوريا والعراق في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية". فهم يحلمون بتحقيق حلم "الخلافة" على الأرض الليبية. فهي إذن أزمة دينية وسياسية بالإضافة إلى أنها أزمة بين الأجيال في نفس الوقت. فالدين يلعب دورا مهما بالنسبة للشباب، وهو لا يمثل لهم مجرد غطاء تختبئ خلفه مصالح أخرى.

يتردد في التقارير الإعلامية أن أنصار نظام العقيد القذافي يتحالفون مع الجهاديين. فهل هذا صحيح؟

أندرياس ديتمان: الشيء نفسه يحدث في العراق أيضا، حيث انضم أتباع صدام حسين إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". لكنهم لا يفعلون ذلك لأسباب تتعلق بقناعات إيديولوجية. يستغل أتباع النظامين السابقين في العراق وليبيا الفوضى التي عمت بسبب انهيار الدولتين لتحقيق مصالحهم. وكلا النظامين، نظام صدام حسين ونظام القذافي، كانا يعتبران المعارضة الإسلامية من ألد أعدائهما. واليوم يعمل أعداء الأمس جنبا إلى جنب في كلا البلدين. إنها تحالفات مصالح مؤقتة والهدف المشترك بين الجماعتين يتمثل في منع ظهور دولة ديمقراطية وفق النموذج الغربي.

Islamische "Ansar al-Sharia"-Brigaden in Libyen; Foto: picture alliance/AP
Libyen als Rekrutierungsbasis für die Terrormiliz "Islamischer Staat":

كيف تنظر إلى مستقبل البلد؟ هل يمكن لليبيا أن تتوجه يوما ما نحو مستقبل زاهر؟

أندرياس ديتمان: في الحقيقة تتوفر في ليبيا وبشكل جيد كل المستلزمات الأساسية للتنمية. وهي البلد الوحيد من بين دول الربيع العربي الست التي تملك أفضل الشروط والمستلزمات لتحقيق مستقبل زاهر. فعدد سكان البلاد قليل نسبيا، لا يتعدى ستة ملايين نسمة. كما أن ليبيا تملك احتياطا نفطيا سيستمر في التدفق لأكثر من ستة عقود قادمة. بيد أن الدولة، في واقع الأمر، لا تمارس إلا وظائف متواضعة جدا، بل وفقدت السيطرة تماما على أجزاء من البلاد كالمناطق الجنوبية مثلا. أما المؤسسة العسكرية فقد ضعفت هي الأخرى أو أصبحت أسيرة الصراع مع الميليشيات. في وقت بات فيه الجيش منشغلا بالتوتر بين الجزء الشرقي والغربي من البلاد ما يكلفه الكثير من الطاقة والجهد. أما الوظائف الأخرى للدولة، مثل التعليم وتوفير الخدمات الصحية فهي مهملة بشكل كبير. كما قامت المليشيات بتجميد العملية السياسية بعد انتخابات ديمقراطية، بما في ذلك منع الرئيس من تولي مهامه، فإذا كانت هذه الميلشيات غير راضية على نتائج الانتخابات، فإنها ترفض الاعتراف بها مع محاولتها فرض إرادتها وتصوراتها بقوة السلاح.

وهذا يعني أن ليبيا تفشل نفسها بنفسها؟

أندرياس ديتمان: نعم، وبالتأكيد فعلت بعض العوامل الخارجية فعلها أيضا، فقد تم إسقاط نظام القذافي نسبيا بسرعة، لكن الأخطاء الحالية في البلاد هي صناعة ليبية بحتة وهي مسؤولية ليبية بحتة أيضا. ونظرا للتطور الراهن في ليبيا فلا يمكن تحميل الظروف الخارجية مسؤولية التطورات في البلاد، على الأقل حاليا، فالليبيون يدمرون بلدهم بأنفسهم.

 

حاوره: كيرستن كنيب

ترجمة: حسن ع. حسين

حقوق النشر: دويتشه فيلة 2014

أندرياس ديتمان أستاذ علوم الجغرافية الإثنية بمعهد الجغرافيا في جامعة غيسين الألمانية.