"هندسة القرن الـ 21 الوراثية لم تعد فقط غربية"

هندسة الفن الوراثية لم تعد بطابعها فقط غربية. فالمعارض الربيعية في إمارة الشارقة تكشف النقاب عن تعدد فني لم يكن يُعتَقد بوجوده في الإمارات العربية المتحدة. الصحفي الألماني جورج إمدال يعرفنا ببعض هذه المعروضات العصرية، بما فيها من إسقاطات سياسية وتكوينات كولونيالية، وتعبيرات فنية -لفنانين ومهندسين وموسيقيين ومخرجين ومؤرخين- عن إمكانيات تأثير "الجنوب المعولَم" المتجاوزة لأنماط التفكير الاستعمارية.

الكاتبة ، الكاتب: Georg Imdahl

يخاطبنا الرجل الشاب في مترو دبي بأدب، قائلاً إنه لا يمكننا الجلوس في هذا المكان. نسأله عن السبب؟ ليرد علينا بأن هذه الجهة من العربة مخصصة للنساء والأطفال فقط.

تقع أنظارنا على الوجوه المبتسمة للنساء، اللواتي يتواجدن بالفعل لوحدهن في هذا المكان من العربة، ونبصر عل بعد خطوات، على أرضية المترو، الخط الفاصل بين جهة جلوس الرجال وتلك المخصصة للنساء. نعم، كل عربة في المترو تتوفر على هذه المقصورة المخصصة للنساء، والتي تعفيهن من الاختلاط بالرجال.  وتفرض السلطات عقوبة قدرها مائة درهم إماراتي، أي حوالي خمسين يورو، على كل من لا يحترم ذلك، بل وتفرضه حتى على من يمضغ العلكة بشكل فاضح. ومن الممكن أن يكون منع الاختلاط هذا في وسائل التنقل نموذجا يحتذى به في مجالات ثقافية أخرى، وأن النساء يرحبن بذلك. إن هذه الاختلافات الثقافية هي التي تضفي على زيارة الخليج أهمية. وفي الإمارة القريبة، الشارقة، تسود عادات أخرى أيضاً، ففيها لا يُسمح بتقديم الكحول، وحتى في تلك اللقاءات، التي تنظمها مؤسسة الفنون في الشارقة، رغم أنه لا يمكن أن نلمح أن هناك من يشعر بالضيق بسبب ذلك. فالأمر يبدو طبيعيا.  

مَعلَم معماري في دبي: برج خليفة. Foto: dpa/picture-alliance
So wenig sich das Emirat Sharjah als urbane Glitzerwelt präsentiert wie Dubai rund um den Burj Khalifa, das architektonische Meisterwerk von Adrian Smith, so wenig trumpft die Kunststiftung mit Glamour und touristischer Attraktion auf.

 لكنّ هناك خطوطاً حمراء يتوجب انتقادها، كما فعلت ذلك المتحدثة بناد طليعي للأفلام في دبي، مؤكدة على أنهم مضطرون للحصول أولاً على موافقة السلطات قبل عرض أفلامهم، وأن ذلك يؤثر سلباً على عملهم. تصميم واقع الحياة تواجه حور القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، اتهامات الرقابة بنوع من السخرية، مشيرة إلى النظام القانوني القائم في البلد والذي يرى أن التهجم على الأديان والهرطقة والبورنوغرافيا عمل غير شرعي. ويتوجب احترام القانون! "عدم عرضنا الآن لقضايا واقعية هنا، فالأمر يتعلق اليوم بأسئلة سياسية وبالأشكال المحسوسة لواقع الحياة"، كما تقول الفنانة المولودة في عام 1980 والتي تشغل مناصب في العديد من المؤسسات مثل PS1 في نيويرك أو مؤسسة المعارض البرلينية، والتي عَبْر ذلك تعرف بأن حرية التعبير تنتمي إلى جوهر الفن المعاصر. مؤسسة الشارقة للفنون -التي تأسست في عام 2002- تحمل لا ريب لمستها، ولكن الهدف لم يكن نقل النموذج الغربي، حتى وإن كان افتتاح متحف اللوفر في إمارة أبو ظبي، ببناياته المثيرة، يخلق جمهوراً جديدا في المنطقة.  وكما أن إمارة الشارقة لا تقدم نفسها كمعلمة معمارية مثل دبي وبرج خليفة، هذا العمل المبدع لأدريان سميت، فإن مؤسَّسَتها المعنِيّة بالفنون لا تتباهى بالإغراء وجلب السياح. إنها تريد أن تكتب تاريخ البلد بأعين الفنانين، و"تقاوم ضد التطورات الحضرية التي تطلب استبدال الطبقة المتوسطة من المجتمع بطبقة أرقى منها"، كما تقول المديرة، والتي تقود بذكاء في بينالي الشارقة الذي تأسس في عام 1993.  أما بالنسبة للأزمة، التي تعاني منها المجتمعات والديمقراطيات الغربية ـ فالقاسمي ترى أعراض هذه الأزمة الجوهرية في القومية والعنصريةـ فبالنسبة لبنت السلطان محمد القاسمي، الذي يحكم الإمارة منذ عام 1971، يوجد تفسير بسيط، وهو أن: "شفرة القرن الحادي والعشرين لم تعد غربية". إسقاطات سياسية وتكوينات كولونيالية وهذه النتيحة يتوجب أن تنعكس في البرنامج اليومي المكثف، الذي يعبر فيه فنانون ومهندسون وموسيقيون ومخرجون ومؤرخو الفن عن مطالب وإمكانيات تأثير "الجنوب المعولم" ودعم تجاوز تفكير استعماري مازال مستمراً ومؤثراً.  ويرى النحات راشد الرعين، صاحب "المانيفستو [البيان] الأسود" لعام 1975، أن الوضع اليوم أصعب مما كان عليه في السبعينيات. فـ "الوضع الكولونيالي" كان أكثر وضوحا في الماضي منه اليوم، ورغم أنه اليوم يحتفل فنانون من إفريقيا وآسيا بنجاحات عالمية فإنهم يخفون بذلك رغما عنهم استمرار التباين الكبير في القوى على مستوى العالم. وإذا ما أقدم فنان صيني على شجب ضعف الديمقراطية في بلده الصين، فسيصبح نجماً في الغرب، لكن المشاكل في الصين ستظل كما هي. "الأسود" و"الأبيض"، كما يقول هذا الفنان -المولود في عام 1935 في كراتشي والذي يعيش منذ زمن في لندن- هي إسقاطات سياسية وتكوينات كولونيالية، مؤكدا أنه لا يعرف كيف يمكن تجاوزها.  شهدت الندوة حضوراً كبيراً لأفكار فرانز فانون وإدوارد غليسون، وطالب متحدثون مثل منتيا دياوارا بالنظر لموجات الهجرة الكبيرة ـ والتي كانت دوما على تلك الحال. بالحق في التحلي بسلوك آخر لا يتفق بالضرورة دوما مع "المثال الغربي عن الشفافية". 

مشهد من تركيبة فيديو بصرية فنية لكل من الفنانين "بَهَر بهبهاني" و"المغول مينليباييفا" من عام 2011. Foto: Sharjah Art Foundation Collection
Aus der Video-Installation "Ride the Caspian" von Bahar Behbahani und Almagul Menlibayeva aus dem Jahr 2011

يتوجب أن يكون بإمكان البشر المحافظة على ما هو ملغز فيهم، دون أن يتم حشرهم بشكل أوتوماتيكي في هامش المجتمع. ويؤكد أستاذ الأدب المقارن في نيويورك، المولود في عام 1953 في مالي، أهمية الثقافة الأفرو-أمريكية للشباب العالمي: إنها تعبر عن نفسها وباضطراد عبر الكلمة الشفهية، وهوما سيكون له تأثير كبير على لغة الكتابة. "أعمال من نمط غربي"، يقول دياوارا عن النقاش حول أعمال دانا شوتس وسام دورانت، مطالبا بإعطاء الكلمة لكل من يريد التعبير عن رأيه. فاعلون نشطون ويؤسس "لقاء مارس" عبر اختيارات موفقة للمتحدثين، لمسلمات، تسمح لفاعلين منخرطين في مشاريع فنية محلية، في عمان وبريسبان والقاهرة وكراتشي وليما وميكسيكو وبومباي بالتعبير عن أرائهم. وإلى حد ما يذكرنا الأمر هنا في الشارقة بالأجندة العالمية لمعرض دوكومنتا 14. شَهِدَ هذا المعرض الفني تعدداً في المواضيع المطروحة، شمل أهمية الكتاب الفني والبناء الهندسي لدور اللجوء في ماليزيا وحتى التنقيب في المساحات الفارغة في بيروت، والتي يمكن استعمالها للأطفال. ما يقرب من مليون سوري هربوا إلى لبنان، ويتم تشغيلهم في مجال البناء لإعادة بناء ما دمرته الحرب هناك. عن هذه الحلقة العبثية يتحدث الفيلم الوثائقي: "طعم الإسمنت"، والذي عرضه محمد علي الأتاسي كمدير لمؤسسة "بدايات" والذي من المقرر عرضه الربيع المقبل في دور السينما.  وقد رافق الاجتماع عرض لأعمال تملكها المؤسسة، من بينها فيديوهات وتركيبات فنية لخليل التين درة ونعيم مهيمن ورائدة سعادة وعلاوة على ذلك مجموعة من المعروضات الربيعية، ويستحق المشاهدة أيضا التعريف بأعمال المصرية آنا بوغيغيان والفرنسية زينب سيدِرا، كما أن معرض محمد أحمد إبراهيم يقدم رؤية خاصة للعلاقة بين الثقافات. منحوتات من عجينة ورقية ولد ابراهيم في عام 1962 في "خور فكان" في الإمارات العربية المتحدة، حيث ما زال يعيش حتى يومنا هذا، ويعتبر واحداً من أربعة مؤسسين للفن المفاهيمي [المذهب التصوري] في المنطقة. وقد تعلم الفن بشكل عصامي، فهو درس علم النفس. [embed:render:embedded:node:28259]إن مواده وصوره البيضاء والسوداء والشبيهة بقطع الشطرنج، تملك تأثيرا على المشاهد الغربي شبيها بالتأثير الذي تخلفه الأعمال الفنية اليورو-أمريكية الحديثة، ولن يندهش المرء إذا وجد شبيها لها في أنطولوجيا بوب نيكاس: "اللوحات التجريدية"، لكن إبراهيم يؤكد أنه لم يطلع البتة على ذلك الفن.  لقد استلهم المواد الطبيعية لمنطقته، كما يقول، عن منحوتاته من العجينة الورقية. كما يمكننا العثور على مواضيع في سلسلة من الصور لأشخاص جالسين، في لوحة شبه ساذجة، تفكك مبدأ التسلسل. ولا ريب أن حيرتنا حول المدرسة التي يمكننا أن نلحق بها مثل هذا العمل الفني، هو من التجارب المؤثرة للقاء الشارقة. لكن من شأن مثل هذه الحيرة أن تحفزنا، وقد نختبرها أكثر في المستقبل، ونحن نواجه مطالب "جنوب الكرة الأرضية المُعَوْلم".  جورج إمدالترجمة: وفاء حسين حقوق النشر: فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ / موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de