الصراع في سوريا - حرب إبادة عالمية

في نظرتها التالية لموقع قنطرة ترى الباحثة السورية في جامعة كولونيا هدى زين أن مفاوضات جنيف للسلام لا تتعلق بمصير الشعب السوري، بل تتمحور حول مصالح القوتين العظميين: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

الكاتب، الكاتبة : Huda Zein

يمكن القول إنَّ مفاوضات مؤتمر جنيف للسلام لم تعد تدور حول معاناة الأهالي المدنيين أو الأهداف السياسية الخاصة بالمعارضة السورية، التي لم تعد تتمتَّع الآن تقريبًا بأي مجال للعمل. فقد أصبح الوضع فوضويًا تمامًا، ويطرح العديد من التساؤلات، مثل: مَنْ هو المسؤول في الواقع عن هذا الوضع؟

مَنْ الذي يُمَوِّل في سوريا هذه الحرب، التي أدَّت إلى انهيار هياكل الدولة وكذلك انهيار البنى التحتية الاقتصادية؟ مَنْ الذي يقوم بتوجيه العديد من جماعات المتمرِّدين المحلية؟ مَنْ الذي يسيطر على المجال الجوِّي في سوريا؟ مَنْ الذي يُحدِّد هوية الطرف الذي يتلقَّى إمدادات الأسلحة من بين مختلف الأطراف؟ وهل باتت سوريا اليوم خاضعة لاحتلال ما بعد الاستعمار، وهل يمثِّل هذا تغييرًا جذريًا في السياسة العالمية؟

تُقدِّم روسيا وإيران وحزب الله الدعم لنظام الأسد منذ البداية بشكل علني. ولكن لماذا لم تفعل الولايات المتَّحدة الأمريكية ودول الغرب، التي من المفترض أنَّها معنية باحترام حقوق الإنسان، أي شيء ضدَّ فظاعة وعنف نظام الأسد؟ وهل يعتبر ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" نتيجةً منطقيةً لعنف نظام الأسد؟

تخوض ديكتاتورية الأسد معركة إبادة حقيقية ضدَّ الشعب السوري. كما أنَّ جميع تلك الدول التي لها تأثير في سوريا، تتَّبع منطق مصالحها الخاصة، وخاصة الولايات المتَّحدة الأمريكية وروسيا. وليس سرًا أنَّ العديد من القوى الإقليمية والدولية -على اختلاف شِدة حضورها- تُقَدِّم الدعم لطرف أو لعدة أطراف من المتحاربين في سوريا.

غير أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية وروسيا هما الوحيدتان القادرتان على التدخُّل في الحرب الجوية -بالإضافة إلى نظام الأسد- من أجل التأثير في الوضع على الأرض بما يخدم مصالحهما. ومن خلال ذلك فهما تنجحان مرارًا وتكرارًا في خلق توازن في القوى بين مختلف الأطرف المسلحة الكثيرة: من نظام الأسد والجيش السوري الحرّ والجماعات الإسلامية والإسلاموية المسلحة، وكذلك تنظيم "الدولة الإسلامية" والقوات الكردية.

استقبل بشار الأسد في حزيران/ يونيو 2016 في دمشق وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. picture-aliance_dpa
توافق روسي سوري: استقبل بشار الأسد في حزيران/ يونيو 2016 في دمشق وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. ومنذ شهر أيلول/سبتمبر 2015 تحارب روسيا في سوريا، وهي من أقرب حلفاء نظام الأسد. ولذلك يتعرَّض التدخُّل الروسي لانتقادات الغرب. ويتَّهم الناشطون السوريون مرارًا وتكرارًا القوَّات المسلحة الروسية بمهاجمتها ليس فقط الجماعات الإرهابية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل وحتى بمهاجمة مقاتلي المعارضة المعتدلة والمدنيين.

إرهاب داعش ناتج عن استبداد الأسد

وفي ذلك تمسك الولايات المتَّحدة الأمريكية بالخيوط من وراء الكواليس في سوريا وتجعل أطرافًا أخرى تُنَفِّذ أهدافها، في حين أن روسيا تدعم نظام الأسد بكلِّ وضوح. وكذلك تقاتل ميليشيات إيران وحزب الله إلى جانب الأسد وتستخدم أساليبَ وحشيةً ضدَّ المقاومة السورية. وفقط هذه المحاولات الجذرية والمنظَّمة لقمع المقاومة السورية تُفسِّر ظهور الجماعات الجهادية وما يعرف باسم تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.

وبين مصالح الولايات المتَّحدة الأمريكية والنظام المدعوم من قبل روسيا نشأ فراغ تمكَّن فيه تنطيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي من تطوير نفسه. وبالتالي يتم استخدام وجود هذا التظيم من قبل نظام الأسد وكذلك من قبل الدول الغربية على حدّ سواء كذريعة من أجل التدخُّل في مسار الحرب لصالحهم.

ويؤدِّي طغيان الأسد باستمرار وعلى نحو متزايد إلى ظهور العنف المتطرِّف، سواء كان اسم هذا العنف الآن هو تنظيم "الدولة الإسلامية" أو أي اسم آخر. في حين أنَّ الأوساط الغربية تساوي بين إرهاب نظام الأسد بشكل متزايد وبين إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو أنَّها تصف الأسد حتى بكونه أقل ضررًا. ومع ذلك فإنَّ الأسد قد قتل وحده بالبراميل المتفجِّرة والأسلحة الكيميائية ربع مليون سوري، في حين أنَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" يتحمَّل المسؤولية عن قتل ما بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص (الأرقام الدقيقة غير معروفة).

ويضاف إلى ذلك أنَّ عدة ملايين من السوريين قد هربوا من ديارهم بسبب استخدام الأسد لسلاح الجو والحصار المفروض على المدن من قبل جيشه الحكومي. ومن المرعب كيف يتم هنا التقليل من شأن جرائم أعتى سفَّاح في الوقت الراهن على مستوى العالم، والتركيز بشكل متزايد على جرائم تنظيم "الدولة الإسلامية".

مهادنة تنظيم "الدولة الإسلامية"

ولذلك يجب التذكير بسبب الحرب في سوريا. فمنذ بداية الثورة على ديكتاتورية الأسد في ربيع عام 2011 لا يمضي أي يوم من دون سقوط قتلى وجرحى. وفي الأعوام الخمسة منذ ذلك الحين تتالت الأحداث بسرعة: فقد تم تحويل الثورة السلمية إلى حرب مسلحة وكذلك تم نقل الصراع خارج الإطار الوطني.

وحدثت أيضًا مذابح وتم استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد؛ وكان يتم التخطيط للتعذيب والقتل المنظم في مراكز أمن الأسد. وتبع ذلك صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" وكذلك ضربات جوية من قبل الولايات المتَّحدة الأمريكية ضدَّ الجهاديين والمزيد من المعارك. وعلاوة على ذلك فقد تدخَّل الروس والأمريكيون والإيرانيون والعراقيون واللبنانيون والفرنسيون في النزاع، وبدورهم انضمَّ الجهاديون المنحدرون من مختلف الجنسيات إلى مختلف المجموعات المتمرِّدة، الأمر الذي أضعف الجيش السوري الحرّ إلى حدّ كبير.

إنَّ الدول التي تشارك من الخارج في النزاع، ليست معنية بحماية السوريين أو بدعم ثورتهم ضدَّ نظام الأسد. وهذه الدول ليست معنية أيضًا بوضع حدّ لمستوى عنف الأسد وفظاعته وسياسته التدميرية التي لا يمكن تصوُّرها. بل إنَّ هذه الدول معنية فقط بالمال والسلطة والنفوذ وكذلك بالسيطرة على أسواق الطاقة العالمية. وهذه المصالح الأجنبية أدَّت مع سياسة الأسد إلى قمع ثورة الشعب السوري.

وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف يمكن تفسير عدم تمكُّن الولايات المتَّحدة الأمريكية ولا روسيا حتى الآن من محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل جدير بالمصداقية؟ فعلى سبيل المثال قدَّمت الولايات المتَّحدة الأمريكية في عام 2014 دعمًا عسكريًا واسع النطاق إلى المسلحين الأكراد في مدينة عين العرب (كوباني) وقد تمكَّنت بالتالي من توجيه ضربات فعَّالة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". وعندما هاجمت قوَّات تنظيم "الدولة الإسلامية" هذه المدينة في الخامس عشر من شهر أيلول/سبتمبر، قصفت القوَّات الجوية الأمريكية بعد ذلك بفترة قصيرة - أي في الرابع والعشرين من الشهر نفسه - مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" هناك.

 هدى زين
تنتقد هدى زين الدول المشاركة في الحرب السورية بقولها إنَّ "الدول التي تشارك من الخارج في النزاع، ليست معنية بحماية السوريين أو بدعم ثورتهم ضدَّ نظام الأسد… بل إنَّ هذه الدول معنية فقط بالمال والسلطة والنفوذ وكذلك بالسيطرة على أسواق الطاقة العالمية".

الحرب في سوريا أمرٌ حتمي لا مفر منه

ولكن في المقابل عندما تم احتلال مدينة تدمر في نهاية شهر أيَّار/مايو 2015 من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية"، لم يقم نظام الأسد ولا التحالف الأمريكي بمهاجمة وحدات الجهاديين، الذين كانوا يتقدَّمون عبر الصحراء الخالية من دير الزور إلى تدمر الواقعة على بعد نحو مائتي كيلومتر. وقد تكرَّر السيناريو نفسه مع انسحاب قوَّات تنظيم "الدولة الإسلامية" من تدمر عبر الصحراء إلى الرقة ودير الزور، حيث تركت قوَّاتُ الأسد الجوية وكذلك سلاحُ الجو الأمريكي والروسي قوَّاتِ تنظيم "الدولة الإسلامية" تنسحب بهدوء.

روسيا لم تحارب في سوريا أساسًا تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل حاربت في المقام الأوَّل جميع الجماعات المسلحة، وحاولت كسر البنية الاجتماعية في المدن المقاومة. وروسيا الاستعمارية الجديدة تساعد الطاغية بشار الأسد وتدخل الحرب المزعومة ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" من أجل تقوية مكانتها كطرف دولي بعد الأزمة الأوكرانية.

والنتيجة المنطقية لهذه السياسة العالمية هي استمرار الحرب في سوريا. إذ لا يمكن النظر إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" بمعزل عن العنف المؤسَّساتي لنظام الأسد وبمعزل عن تصرُّفات الولايات المتَّحدة الأمريكية وروسيا. فنظام الأسد والسياسة الدولية تجعل الحرب في سوريا أمرًا حتميًا لا مفر منه.

وبالتالي يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّ هذه الحرب لا تدمِّر فقط البنى التحتية في سوريا، بل تدمِّر كذلك جميع الآفاق المستقبلية للمجتمع والأجيال القادمة. لقد تحوَّلت ثورة الشعب السوري ضدَّ النظام الوحشي إلى حرب إبادة عالمية يخوضها الجميع بعضهم ضد بعض. وفي ذلك يتم استخدام الشعب السوري كورقة للمساومة. وبناءً على ذلك لا تزال أمام الشعب السوري العديد من الأعوام الشاقة، التي يجب عليه خلالها أن يكافح من أجل بقائه وحرِّيته ومن أجل العدالة. وفيما بعد سوف يطرح التاريخ السؤال حول المسؤول عن تدمير سوريا.

 

هدى زين

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

هدى زين باحثة سورية مختصة في العلوم الإسلامية وعلم الاجتماع، تعمل في التدريس لدى معهد الدراسات الشرقية في جامعة كولونيا الألمانية.

 

لا يُسمَح بإعادة نشر هذا المحتوى أو الاقتباس منه دون الإشارة إلى المصدر ودون إنشاء رابط إلكتروني إليه