"ضد إردوغان...منصة إعلامية بأموال إماراتية"

نتيجة التضييق على الصحفيين في تركيا إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، لجأ صحفيون أتراك منتقدون للنظام إلى مواقع إخبارية في الخارج. ومنها: موقع "أحوال تركية". وهو موقع إلكتروني ينشر باللغة التركية والإنكليزية والعربية. ولكن "مموليه مثيرون للريبة"، فهو "موقع تركي من خارج تركيا لا يعمل مطلقا على أرضية سياسية محايدة"، وخصوصا بنسخته العربية، وفق تحليل الكاتب الألماني جوزيف كرواتورو التالي لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

من المعروف أنَّ اضطهاد الصحفيين المنتقدين للنظام التركي أصبح أمرًا شائعًا في تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة. وقد لجأ الكثيرون منهم إلى المنفى، وباتوا يحاولون من هناك عبر القنوات التلفزيونية الخاصة بهم ومواقع الإنترنت مواجهة التغطية الإعلامية الموالية للحكومة في وطنهم.

وتركيز مثل هذه المشاريع الإعلامية البديلة، التي يعمل معظمها بلغتين، مرتفع بشكل خاص في ألمانيا. ففي التلفزيون الألماني الغربي (WDR) يتم بثّ برنامج اسمه "تركيا بدون رقابة"، وتنشر صحيفة "تاز" (taz) اليومية على الإنترنت ملحقها "غازيته" (gazete.taz.de) باللغتين الألمانية والتركية. 

 Der türkische Journalist Yavuz Baydar; Foto: picture alliance / dpa
Für das Nachrichtenportal "Ahval" zeichnet der 61jährige türkische Journalist Yavuz Baydar verantwortlich – einer der Mitbegründer der 2013 gestarteten türkisch-englischen investigativen "Platform 24". Baydar hatte unmittelbar nach dem Putsch die Türkei verlassen und war zuletzt etwas länger als ein Jahr Kolumnist der "Süddeutschen Zeitung".

وبالإضافة إلى كتابته عموده الأسبوعي لصحيفة "تسايت" الألمانية، يدير رئيس تحرير صحيفة "جمهوريت" التركية جان دوندار -الذي هرب إلى ألمانيا- موقع "أوزغورون" Özgürüz، المدعوم من قِبَل شبكة البحث الألمانية "كوريكتيف". ومن مدينة كولونيا الألمانية يقوم صحفيون ذوو أصول تركية يعيشون في المنفى بتشغيل قناة "آرتي تي في" (Arti TV)، التي تبثّ باللغة التركية فقط.

وقبل فترة غير بعيدة أنضمت إلى هذه المشاريع الإعلامية مبادرة أخرى معارضة للحكومة التركية في المنفى، تهدف إلى تحقيق تأثير دولي أوسع. وهذا الموقع الإخباري الجديد، الذي يتَّخذ من لندن مقرًا له ويعمل من داخل عدة دول أخرى، اختار بعناية اسمه التركي المشتق من اللغة العربية "أحوال".

فهو الموقع الإخباري الأوَّل من نوعه الذي يتوجَّه إلى القرَّاء العرب بالإضافة إلى القرَّاء الناطقين بالتركية والانكليزية. أمَّا المسؤول عن موقع "أحوال تركية" فهو الصحفي التركي يافوز بيدَر البالغ من العمر واحدًا وستين عامًا -وهو أحد مؤسِّسي الموقع الإخباري الاستقصائي التركي-الإنكليزي "منصة 24"، الذي تم إطلاقه عام 2013. لقد غادر يافوز بيدر تركيا مباشرة بعد الانقلاب، وعمل لأكثر من نحو عام كاتب عمود في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية.

الالتزام بالوحدة العربية

وفي هذا الموقع يرتبط انتقاء الأخبار المنشورة باللغة العربية على الأرجح بمموِّله الجديد، أي: مؤسَّسة "العرب" العالمية للصحافة والنشر في لندن، والتي تقوم -منذ تأسيسها في عام 1977 من قِبَل الصحفي الليبي المنفي [المتوفى] أحمد الصالحين الهوني- بنشر صحيفة تحمل الاسم نفسه وتدعو منذ عقود من الزمن للوحدة العربية والعلمانية.

[embed:render:embedded:node:15691]

غير أنَّ هذه المؤسَّسة الإعلامية بات يتم تمويلها منذ فترة طويلة من قِبَل دولة الإمارات العربية المتَّحدة، التي تهتم على الأرجح بمصالح سياسية خارجية أكثر من اهتمامها بالمصالح الأيديولوجية وتنتقد -مثل المملكة العربية السعودية- تركيا بشدة، وذلك بسبب تعاطفها مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. من جانبها اتَّهمت أنقرةُ دولةَ الإمارات العربية المتَّحدة بتقديم الدعم المالي لمحاولة الانقلاب في تركيا. وبناء على ذلك وعلى العكس مما تبدو عليه المبادرات الإعلامية التركية التي تتَّخذ من ألمانيا مقرًا لها، فإنَّ موقع "أحوال تركية" لا يعمل مطلقًا على أرض محايدة سياسيًا. ولكن مع ذلك فإنَّ رئيس تحريره يافوز بيدر يدَّعي أنَّه يتمتَّع بكامل الحرِّية في صياغة المحتويات وأنَّه لا يريد ممارسة أي عمل عسكري معارض، بل ممارسة صحافة موضوعية.  

غير أنَّ هذا الادِّعاء لا يمكن تبريره في النسخة العربية، على الأقل في تغطية الموضوع الشائك "جماعة الإخوان المسلمين". يتجلى هذا - على سبيل المثال - في مقال لصحفي جريدة "العرب" هشام النجار، غير موجود في النسختين الإنكليزية والتركية.

ربط خاطئ بحسن البنا

Hassan al-Banna, Gründungsvater der ägyptischen Muslimbruderschaft; Quelle: bbc/Archiv
Konstruierte Nähe zum Gründer der Muslimbruderschaft: Krampfhaft versucht der ägyptische Journalist Hisham al-Nagar, Präsident Erdoğans Kommentar zu dem kürzlichen verheerenden Anschlag auf eine Moschee im Nordsinai – „die Terroristen haben mit dem Islam nichts zu tun“ – mit einer ähnlich lautenden Aussage von Hassan al-Banna in Beziehung zu setzen.

وهذا الصحفي المصري يحاول يائسًا أن يربط تعليق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على الهجوم المدمِّر، الذي استهدف مسجدًا في شمال سيناء -وجاء فيه: "الإرهابيون ليسوا مسلمين بل قتلة"- مع تصريح مضمونه مماثل لحسن البنا، مؤسِّس جماعة الإخوان المسلمين. ففي شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 1948 أدان البنا اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود النقراشي على يد شخص متطرِّف من مؤيِّدي جماعة الإخوان المسلمين، بقوله: إنَّ مثل هؤلاء الأشخاص ليسوا إخوانًا (مسلمين) وليسوا مسلمين، مثلما يذكر الصحفي هشام النجار.

وهذه المقارنة، التي يقوم من خلالها هشام النجار بربط إردوغان مع الإرهاب الإسلاموي، ليست المثال الوحيد على التلاعب في التغطية الإعلامية. فحتى هذا الاقتباس المذكور عن حسن البنا يجب التعامل معه بحذر، وذلك لأنَّه يرد في شبكة الإنترنت العربية ضمن جميع أنواع السياقات، بينما يتم وضعه ضمن تسلسات زمنية مختلفة.

خطاب مخيف أحيانًا

ولكن مع ذلك من النادر جدًا وجود مثل هذه التقارير، التي تهدف إلى التلاعب بمجموعات معيَّنة من القرَّاء، وتسفر في بعض الأحيان عن اختلافات كبيرة بين نسخ موقع "أحوال تركية" اللغوية الثلاث. وعلى العموم إنَّ طيف الموضوعات متطابق إلى حدِّ كبير في جميع النسخ الثلاث. يوجد الكثير نسبيًا من المقالات القصيرة جدًا، والتي على الرغم من كونها منقولة عن وكالات الأنباء، ولكن يتم نشرها أيضًا مع صور كبيرة مثل التعليقات والتقارير الأساسية القليلة في الموقع.

[embed:render:embedded:node:24384]

في النسخة التركية غالبًا ما يتم تكريس المساحة الأكبر لشخص الرئيس التركي إردوغان وتصريحاته، تمامًا مثلما هي الحال في وسائل الإعلام المماثلة الموجودة في ألمانيا. وبعض المواد المقدَّمة باللغة التركية مأخوذة أصلاً من تقارير صحفية سبق نشرها على شبكة الإنترنت التركية، وعلى الأرجح بالتالي أن تكون معروفة جيِّدًا للقرَّاء في تركيا.

ونظرًا إلى التدهور المتزايد في وضع المثقَّفين في تركيا، فمن المفهوم أنَّ موقع "أحوال تركية" يريد التعبئة بخطاب مخيف أحيانًا. على سبيل المثال، الصحفي التركي إلهان تانير، المسؤول عن النسخة الإنكليزية، يرى في تحليله أنَّ تركيا باتت في طريقها لتصبح دولة "شمولية". ويخشى من أنَّ إلقاء القبض على شابان كارداش، وهو مدير معهد بحوث الشرق الأوسط (Osram) في أنقرة، ومعروف بأنَّه مقرَّب كثيرًا من الحكومة، يمكن أن يكون الخطوة الأولى باتِّجاه سحق المجتمع المدني التركي.

 

 جوزيف كرواتوروترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de