تواصل إنساني ثقافي بمشاهدة جماعية لأفلام الشعوب

رغم سهولة مشاهدة الأفلام على الهواتف الذكية أو شاشات الكومبيوتر في المنزل، إلا أن قطاعات كبيرة من الجمهور في مصر -وتحديدًا الشباب- عادت من جديد إلى المشاهدة الجماعية للأفلام، بما تحمله من طقس مميز وروح خاصة وتواصل إنساني مفتقد بصورة كبيرة في حياتنا المعاصرة، المتحركة بوتيرة متسارعة للغاية لدرجة أننا فقدنا التواصل مع ذاتنا ومع الآخر. إسلام أنور يطلعنا على نوادي السينما في مصر.

الكاتبة ، الكاتب: Islam Anwar

تشهد مصر منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ عودة قوية لظاهرة نوادي السينما، وهى عبارة عن تجمع لمجموعة من محبي وعشاق الفن السابع، يقام في الغالب في أحد المراكز الثقافية، حيث يتم اختيار أحد الأفلام ودعوة الجمهور لمشاهدتها مجاناً وعقب نهاية الفيلم يعقد نقاش مفتوح بين منظِمي نادي السينما والجمهور.

ظهرت نوادي السينما في مصر في ستينيات القرن العشرين وشهدت حالة كبيرة من الرواج في فترة السبعينيات والثمانينيات لكنها انحصرت وتراجعت بصورة كبيرة في فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية، ورغم التطور التكنولوجي الكبير في العشر سنوات الماضية الذي جعل من السهل الحصول على نسخ الأفلام ومشاهدتها على التلفاز أو على شاشة الكومبيوتر في المنزل إلا أن ما حدث كان العكس، فهذا التطور التكنولوجي دفع قطاعات كبيرة من الجمهور وتحديدًا الشباب للعودة من جديد للبحث عن فعل المشاهدة الجماعية للأفلام بما تحمله من طقس مميز وروح خاصة وتواصل إنساني مفتقد بصورة كبيرة في حياتنا المعاصرة التي تتحرك بوتيرة متسارعة للغاية لدرجة أننا فقدنا التواصل مع ذاتنا ومع الآخر.

كسر هيمنة السينما الأمريكية وفتح الباب أمام سينما الشعوب 

وفي هذا السياق يقول حسن شعراوي المشرف على نادي سينما الجزويت بالقاهرة الذي يقام مساء يوم السبت من كل أسبوع ومستمر منذ ٧ سنوات " في عام ٢٠٠٩ بدأنا عروض نادي سينما الجزويت، برغبة في أن يكون أقرب إلى سينماتك - مكتبة سينمائية - قائمة على تنوع الأفلام لكسر هيمنة السينما الأمريكية، وفتح الباب أمام سينما الشعوب، مثل السينما الإفريقية، سينما أمريكا اللاتينية، والسينما الإيرانية، مع ضرورة وجود مساحة للأفلام التسجيلية والقصيرة".

Filmplakat Cinema Club Jesuit in Kairo; Quelle: Cinema Club Jesuit
تحنّ قطاعات كبيرة من الجمهور وتحديدًا الشباب للعودة من جديد للبحث عن فعل المشاهدة الجماعية للأفلام بما تحمله من طقس مميز وروح خاصة وتواصل إنساني مفتقد بصورة كبيرة في حياتنا المعاصرة، التي تتحرك بوتيرة متسارعة للغاية لدرجة أننا فقدنا التواصل مع ذاتنا ومع الآخر.

وعن نوعية الأفلام التي يعرضونها والأسس التي يتم اختيار الأفلام بناءً عليها يضيف شعراوي: "خصصنا عدد من الفعاليات لعرض أفلام مجموعة كبيرة من أفلام المخرجين الكبار على مستوى العالم مثل " ستنالي كوبرك، ومارتن سكورسيزي، ووالتر سالاس، وعباس كياروستامي، وبيلا تار"، بالإضافة إلى العديد من الأفلام الحائزة على جوائز عالمية كالأوسكار، والسعفة الذهبية، أو غيرها من الجوائز، وهناك العديد من الأفلام المصرية والعربية التي نعرضها وندعو صناعها للحضور والنقاش مع الجمهور وأعضاء نادي السينما".

وعن الجلسة الحوارية التي تتم عقب الفيلم وكيف يتم إدارتها يكمل شعراوي: "منذ تأسيس نادي السينما ونحن نحرص على وجود جلسة حوارية ونقاشية عقب كل فيلم، نمارس فيها تحليل ونقد الفيلم وتفكيكه وإعادة بنائه مرة أخرى، وهذه الجلسة كشفت عن مجموعة من المواهب الشابة التي تعد نواة لناقد فني".

نوادي السينما والتنمية المجتمعية

إسلام عثمان شاب من مدينة الإسكندرية يعمل منذ سنوات في العديد من المشروعات التنموية والاجتماعية، وفي الأشهُر السابقة قرر تدشين نادٍ للسينما يعرض فيلماً كل شهر، وتقام حوله جلسة نقاشية، وعن تجربته والدافع لخوض هذه التجربة يقول إسلام: "بجانب اهتمامي بمشروعات التنمية المجتمعية، فأنا من عشاق السينما، وفي الآونة الأخيرة، وجدت أنه من الضروري خلق حالة من التواصل بين التنمية والإبداع، خصوصًا أن الفن يلعب دوراً مهماً بارزاً في تنمية الفرد والمجتمع ككل، واخترت تدشين نادي سينما، بسبب جماهيرية السينما الكبيرة، وقدرة الفيلم على توصيل مجموعة الرسائل والأفكار والمشاعر في وقت قصير وبصورة مكثفة".

من الأفكار المميزة في تجربة إسلام عثمان مع نادي السينما هو أن قيام النادي بالانتقال بين أكثر من مكان داخل مدينة الإسكندرية وفي هذا السياق يقول إسلام: "كنت حريصاً منذ البداية على عدم ارتباط النادي بمركز ثقافي أو مكان محدد، فمعظم النوادي تقام في منطقة وسط البلد، في حين تعاني باقي المناطق من الحرمان، لذلك كانت تجربة مهمة أن يكون هناك نادي سينما متنقل، وقد ساعدتني وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وَ واتس أب على التواصل مع الجمهور ".

وعن أبرز الأفلام والقضايا التي تم مناقشتها يضيف إسلام: "عرضنا فيلم (مزرعة الحيوان) المأخوذ عن رواية جورج أورويل، والجمهور تفاعل معه بشكل كبير وشعر أنه يعكس الواقع السياسي والاجتماعي في مصر في اللحظات الراهنة، وعرضنا فيلم مصري بعنوان -الحب فوق هضبة الهرم- وكان يناقش قضايا كالحب والحرية والقيود المجتمعية والعادات والتقاليد الرجعية".

وعن خططه القادمة يشير إلى أنه يسعى مع مجموعة من الأصدقاء لتكرار فكرة نادي السينما المتنقل في عدد من المحافظات المختلفة، خصوصًا أن الأمر لا يحتاج سوى لشاشة عرض بلاستيكية وجهاز كومبيوتر وقاعة صغيرة.

عشاء سينمائي

المدهش أن الاهتمام بنوادي السينما لم يعد مقتصراً على الجمعيات والمراكز الثقافية، بل امتد ليشمل محلات الطعام، التي أصحبت ترى في أجواء نادي السينما حالة مغرية لجذب العميل، وفي هذا السياق يقيم مطعم "عيش وملح" بوسط القاهرة بالتعاون مع مركز "سيماتك للفيلم البديل"، فعالية تقام كل شهر بعنوان "عشاء سينمائي"، حيث يقدم المطعم عشاء مميز ومختلف ثم يعرض أحد الأفلام القديمة من كلاسيكيات السينما العربية والعالمية وعقب العرض يدير القائمون على مركز "سيماتك" نقاشاً مع الجمهور حول الفيلم.

ويشير القائمون على الفعالية إلى أن وجود هذه الفعالية يمنح حالة من الونس والدفء والمتعة ويخلق حالة من الحوار والعلاقات الإنسانية بين الجمهور، ويجذب شرائح جديدة من الجمهور لنوادي السينما، بالإضافة إلى أنه يترك للجمهور ذكرى خاصة وتجربة مختلفة.

 

 

إسلام أنور

حقوق النشر: معهد غوته 2016

ar.Qantara.de