السعودية: إصلاحات واقعية أم جنون عظمة؟!

صرّح الأمير محمد بن سلمان خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن اليوم الأول من منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي تستضيفه الرياض "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان".
صرّح الأمير محمد بن سلمان خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن اليوم الأول من منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي تستضيفه الرياض "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان".

يعتزم ولي عهد السعودي أن يحدث تحولاً جذرياً في بلده. لكن اندفاع محمد بن سلمان وقلة خبرته السياسية قد يُفشلان مشاريعه الطموحة هذه، كما يرى نادر الصراص في تعليقه التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Nader Alsarras

مدينة "نيوم" ـ إنها أحد أضخم المشاريع المخطط لها في منطقة الشرق الأوسط. منطقة تجارية وتكنولوجية جديدة تحمل اسماً يذكر بأفلام الخيال العلمي.

إنشاء "نيوم" أعلن عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل عدة أيام في مؤتمر للاستثمار في الرياض، وما يخطط له ابن سلمان يبدو فعلاً وكأنه من أفلام الخيال العلمي: المدينة العصرية ستبنى في المنطقة الصحراوية في شمال غربي المملكة، وستضم "روبوتات أكثر من البشر"، حسب قول الأمير السعودي.

التكاليف خيالية أيضاً: 500 مليار دولار أمريكي. لكن محمد بن سلمان لا يريد جذب المستثمرين التقليديين إلى مدينة الخيال هذه، بل "الحالمين، الذين يريدون تحقيق شيء جديد".

لهجة جديدة

لكن ما جذب الأنظار في مؤتمر الرياض لم يكن فقط مشروع "نيوم" ذو التصورات الخيالية، بل أيضاً تصريحات ولي العهد السعودي ـ الذي أصبح يمسك بزمام الأمور في الرياض ـ حول عودة المملكة إلى "الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم". فهذه لهجة جديدة لبلد لم يتميز بالانفتاح على العالم في العقود الأخيرة الماضية، بل تحكمه عقيدة وهابية متزمتة صدرتها المملكة إلى جميع أنحاء العالم، بفضل الأموال الطائلة التي تدرها الثروة النفطية على السعودية.

مشروع "نيوم" بقيمة نصف تريليون دولار بين مصر والسعودية والاردن
أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن إطلاق مشروع "نيوم" الممتد على أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية. المشروع جزء من رؤية 2030 لتطوير السعودية ويقع على مساحة 26,500 كم2 شمال غرب المملكة ويطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة

لكن يبدو أن زمن التزمت قد فات، فقد قررت الرياض السماح للنساء بقيادة السيارات، كما أُعلن عن مخطط لبناء منتجع سياحي فخم على شواطئ البحر الأحمر خاضع للمعايير الدولية ـ مما دفع البعض للتساؤل إن كان ذلك سيعني ما لا يمكن تخيله في السعودية، كعدم الفصل بين الرجال والنساء، والسماح بارتداء البكيني وشرب الخمر في هذا المنتجع الجديد الذي يعتبر جزءا من "رؤية 2030" لمحمد بن سلمان.

مجرد دعاية؟

لكن الكثيرين من النقاد يشككون بنية محمد ابن سلمان إعطاء بلاده وجهاً منفتحاً عصرياً. فهم يرون في هذه المخططات استراتيجية دعائية من أجل جذب المستثمرين الأجانب.

والبعض يرى في عزم ولي العهد مكافحة التطرف ذريعة له لقمع خصومه السياسيين والتخلص منهم. فقبل عدة أسابيع فقط ألقت السلطات السعودية القبض على عدة شخصيات، من بينها الداعيتان المعروفان سلمان العودة وعوض القرني، فيما رجحت بعض وسائل الإعلام وبعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن تكون هذه الاعتقالات على خلفية معارضة من قُبض عليهم لسياسة السعودية تجاه قطر.

هذه الانتقادات الموجهة لابن سلمان لها إذاً ما يبررها، فالتحول الحقيقي في المملكة يجب أن يأتي بإصلاحات حقيقية. لكن ذلك يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، لأن المملكة لا زالت بعيدة كل البعد عن القيم الديمقراطية العصرية أو حقوق الإنسان[embed:render:embedded:node:29335].

المجتمع السعودي لا يزال محافظاً

كما أن محمد بن سلمان قد يغضب بخططه "الإصلاحية" فائقة السرعة هذه شريحة كبيرة من رجال الدين المتزمتين، الذين كانوا حتى الآن داعماً وضامناً أساسياً لسلطة آل سعود في المملكة. وما قد يزيد استياء هذه الشريحة هو تقليص صلاحيات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وإدماجها في وزارة الشؤون الإسلامية وسحب سلطة اعتقال المشتبه فيهم منها.

فالمجتمع السعودي بشكل عام لا يزال مجتمعاً محافظاً جداً. لذا فإنها مخاطرة بالنسبة لولي العهد أن يحاول فرض إصلاحات اجتماعية واسعة على الشعب من فوق. فالبشر ليسوا روبوتات كتلك التي يعتزم محمد بن سلمان توطينها في "نيوم".

وتغيير العقلية السائدة في السعودية لن يتم عبر الضغط على زر معين لإعادة برمجة العقول. كما أن تلميحات ابن سلمان حول الدور الإيراني في نشر التطرف الديني في المنطقة، يجعل المتابع يتساءل: هل فعلاً يريد الأمير السعودي أن يحول بلاده إلى دولة منفتحة متسامحة مع الأديان الأخرى، أم أنه أراد فقط انتهاز الفرصة المواتية من أجل تسديد ضربة كلامية إلى عدوه اللدود إيران؟

مبالغة في تقدير الذات؟

رغم أن والده الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أعطاه صلاحيات واسعة، لا يزال محمد بن سلمان سياسياً ناشئاً معرضاً لارتكاب أخطاء سياسية فادحة، كما حدث عندما أصبح في 2015 وزيراً للدفاع. حينها أطلق ولي العهد حرباً على الحوثيين في اليمن دعماً لحكومة عبد ربه منصور هادي (المعترف به دولياً)، مدخلاً أفقر بلد عربي في دوامة من العنف والمآسي الإنسانية، بدل أن "يعيد له الأمل"، حسب اسم العملية العسكرية آنذاك ـ "إعادة الأمل".

اندفاع محمد بن سلمان في خططه الإصلاحية قد يعود بنتائج عكسية على المملكة، لأن تحويل السعودية إلى بلد عصري يتطلب أكثر من التخطيط لمشاريع تتسم بجنون العظمة. نعم، لا شك أنه من الضروري أن تخلّص الرياض نفسها من الاعتماد الاقتصادي الكلي على النفط، لكن علينا ألا ننسى أن ملوك السعودية وضعوا هذا الهدف نصب أعينهم قبل 40 عاماً تقريباً، دون أن يكون لذلك أثر كبير حتى الآن.

وعلينا ألا ننسى أيضاً أن تمويل مثل هذه المشاريع سيكون صعباً في ظل تراجع أسعار النفط في الأعوام القليلة الماضية وتزايد المديونية في موازنة الدولة.

كذلك يبقى مخطط ولي العهد السعودي حول "تدمير المتطرفين اليوم وفوراً" كما أعلن في مؤتمر الرياض، مبهماً وفضفاضاً. لذلك فإن كلام محمد بن سلمان لا يدل فقط على سذاجة سياسية، بل على مبالغة في تقدير الذات ـ وهذه صفات تضر بصاحبها، ليس فقط في عالم السياسة.

 

نادر الصراص

حقوق النشر: دويتشه فيله 2017